حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٧ لسنة ١٨ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٧ لسنة ١٨ دستورية
تاريخ النشر : ١٥ – ٠٥ – ١٩٩٧

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الأولى من قرار نائب رئيس مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم ٤٢ لسنة ١٩٨١، وذلك في مجال تطبيقها بالنسبة إلي شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً فندقيا وبسقوط باقي نصوص هذا القرار في هذا النطاق.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٣ مايو سنة ١٩٩٧ الموافق ٢٦ ذو الحجة سنة ١٤١٧هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور / محمد إبراهيم أبو العينين ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور / عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٧ لسنة ١٨ قضائية دستورية
المقامة من

شركة الخليج مصر للسياحة والفنادق
ضد
١ – السيد / رئيس الجمهورية
٢ – السيد / رئيس الوزراء
٣ – السيد / وزير البترول
٤ – السيد / الممثل القانونى لشركة مصر للبترول
٥ – السيد / الممثل القانونى للهيئة العامة للبترول
الإجراءات

بتاريخ التاسع من مارس سنة ١٩٩٦، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية قرار وزير البترول رقم ٤٢ لسنة ١٩٨١ الصادر بتاريخ ٣٠ / ٤ / ١٩٨١ فيما تضمنه من إخلال بقاعدة المساواة المنصوص عليها فى المادة (٤٠) من الدستور، بالإضافة إلى خروجه على النظام الاقتصادى المصرى المنصوص عليه فى المادة الرابعة من الدستور، وإخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص الذى تلتزم به الدولة طبقاً للمادة الثامنة من الدستور.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى ، وطلبت الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة مصر للبترول – فى مذكراتهما – الحكم بعدم قبول الدعوى أو برفضها .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن شركة الخليج مصر للسيا حة والفنادق – التى أنشئت كشركة مصرية مساهمة طبقاً لنظام استثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ – تمتلك فندقاً سياحياً بمصر كان يسمى فندق شيراتون هليوبولس، ثم تعاقدت مع شركة شيراتون فيما وراء البحار لإدارة هذا الفندق وتشغيله، وكانت الشركة المدعية تحصل دوماً على مستلزماتها من المواد البترولية اللازمة للفندق على أساس الأسعار السائدة والمتفق عليها بينها وبين شركة مصر للبترول، والتى كانت تتضمنها الفواتير الصادرة عنها، إلى أن حاسبتها شركة مصر للبترول – فى غضون فبراير ١٩٨٤ – على البترول التى تورده إليها وفقاً للأسعار العالمية ، إستناداً منها لقرار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير البترول رقم ٤٢ لسنة ١٩٨١. وفى ٢١ مايو ١٩٨٤، أبرمت الشركة المدعية عقداً مع شركة مصر للبترول تَضَمَّن أن الأسعار التى تحاسبها هذه عليها، هى الأسعار الرسمية المطبقة على الشركات الخاضعة لقانون الاستثمار والمحددة بمعرفة الهيئة العامة للبترول.
ورغم أن هذا العقد لا يتضمن بنداً يفيد سريانه على الماضى ، إلا أن شركة مصر للبترول طالبتها بفروق أسعار المواد البترولية التى وردتها إليها خلال الفترة من ١٩٨٠ إلى ١٩٨٤ على أساس الأسعار العالمية التى استحدثها اتفاق ٢١ / ٥ / ١٩٨٤، ومن ثم فقد أقامت الشركة المدعية دعواها رقم ١٢٨١٢ لسنة ١٩٨٧ مدنى كلى شمال القاهرة أمام محكمة شمال القاهرة الإبتدائية ، مختصمة فيها كلا من شركة مصر للبترول والهيئة العامة للبترول، طالبة الحكم ببراءة ذمتها من هذه الفروق التى يبلغ مقدارها ٠٦٧ر٥٤٦١٥٤ جنيهاً.
وأثناء نظر هذه الدعوى ، أقامت شركة مصر للبترول دعوى فرعية ضد الشركة المدعية طالبتها فيها بتلك الفروق، ثم أوقعت حجزاً لاقتضائها، وأقامت الدعوى رقم ٥٤٧٢ لسنة ١٩٨٩ تثبيتاً لأمر الحجز. وقد تظلمت الشركة المدعية من أمر الحجز بالدعوى رقم ٧٥٠٩ لسنة ١٩٨٩.
وقد ضمت محكمة شمال القاهرة هذه الدعاوى الثلاث إلى بعضها، ثم قضت برفض دعوى الشركة المدعية براءة ذمتها من المبالغ التى طالبتها شركة مصر للبترول بها، وبأن تؤدى إليها المبلغ المتنازع عليه مع الحكم بصحة الحجز وتثبيته. وقد طعنت الشركة المدعية فى هذا الحكم استئنافياً وقيد استئنافها تحت رقم ٧١٢٤ لسنة ١٠٨ ق القاهرة ، ثم دفعت أثناء نظره بعدم دستورية المادة الأولى من قرار وزير البترول رقم ٤٢ لسنة ١٩٨١.
وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة المدعية برفع الدعوى الدستورية فقد أقامتها.
وحيث إن القرار المطعون فيه ينص فى مادته الأولى على أن تتم محاسبة مشروعات الاستثمار الخاضعة لأحكام القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ المشار إليه على مسحوباتها من المنتجات البترولية على أساس تحريك سعرها المحلى (المدعم) تدريجياً بزيادة نسبتها ٢٠ % من الفرق بين السعر العالمى والسعر المحلى سنوياً وذلك لمدة خمس سنوات.
وعملاً بمادته الثانية ، يحدد السعر العالمى المشار إليه فى المادة السابقة على أساس المتوسط السنوى لأسعار تصدير المنتجات البترولية [فوب الموانى المصرية ]، أو على أساس المتوسط السنوى لتكلفة الاستيراد [سيف الموانى المصرية ] حسب نوع المنتج.
ويحدد المتوسط السنوى لأسعار التصدير والاستيراد المشار إليها على أساس متوسط أسعار السنة الميلادية السابقة لسنة المحاسبة ، لحين تحديد متوسط أسعار سنة المحاسبة . وتتم تسوية الفروق خلال الربع الأول من السنة التالية .
ولا تتضمن الأسعار سالفة الذكر تكلفة النقل إلى الجهة التى يحددها المستثمر.
وتقضى مادته السادسة ، بأن تلتزم مشروعات الاستثمار بالحصول على احتياجاتها من المنتجات البترولية بطريق التعاقد مع شركات قطاع البترول، فإذا ثبت حصولها على هذه المنتجات بغير هذا الطريق، تحاسب على أساس السعر العالمى دون الاستفادة من السعر المتدرج المشار إليه فى المادة الأولى .
وحيث إن الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة مصر للبترول قد دفعتا كلتاهما بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى الدستورية الماثلة ، قولاً بأن القرار المطعون فيه لا يعتبر من الأعمال التشريعية التى تمتد إليها ولايتها.
وحيث إن هذا الدفع مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ، من أن الولاية التى تباشرها فى مجال الرقابة القضائية على الدستورية ، إنما تتعلق بالنصوص القانونية أياً كان محلها أو موضعها أو نطاق تطبيقها أو السلطة التى أقرتها أو أصدرتها، وأن غايتها رد النصوص القانونية المطعون عليها إلى أحكام الدستور، تثبتاً من اتفاقها معها. ويفترض ذلك أن يكون القانون بمعناه الموضوعى محلاً لهذه الرقابة ، محدداً نطاقاً على ضوء كل قاعدة قانونية يرتبط مجال إعما لها بتعدد تطبيقاتها، سواء أقرتها السلطة التشريعية أو أصدرتها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحياتها التى ناطها الدستور بها. وهو مايعنى انتفاء تخصيصها، فلا تتقيد بحالة بذاتها تستنفد بها القاعدة القانونية مجال تطبيقها، ولابشخص معين يستغرق نطاق سريانها. متى كان ماتقدم، وكان القرار المطعون فيه يتعلق بالقواعد التى تتم على ضوئها محاسبة مشروعات الاستثمار عن مسحوباتها من المنتجات البترولية ، فإنه بذلك لا يكون منصرفاً إلى مشروع محدد من بينها، بل يتناولها جميعا من خلال قاعدة قانونية مجردة لينحل بذلك إلى لائحة تنبسط عليها الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة فى شأن الشرعية الدستورية .
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (٤، ٨، ٤٠) من الدستور، التى تقيم أولاها النظام الاقتصادى لجمهورية مصر العربية على أساس الكفاية والعدل، بما يحول دون الاستغلال، ويكفل لكل مواطن كسباً مشروعاً. وتصون ثانيتهما وثالثتهما مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين ومساواتهم أمام القانون، قولاً منها بأن القرار المطعون عليه، يزيد من أعباء الفنادق الاستثمارية ملحقاً بها خسائر فادحة ، مع بقاء أسعار خدماتها محددة وفقاً للأسس ذاتها التى تتحدد بها أسعار الخدمات التى تقابلها والتى تقدمها فنادق القطاعين العام والخاص التى تحاسبها شركة مصر للبترول بالأسعار المحلية المدعومة عن البترول الذى تورده، وكان يتعين أن تتكافأ الفنادق جميعها – التى تتحد فيما بينها فى مستوياتها التصنيفية – فى حقوقها وواجباتها. وليس متصورا أن ُتحَمَّل الفنادق الاستثمارية بأعباء مالية تزيد بها تكلفة خدماتها عن نظيراتها من فنادق القطاعين العام والخاص، مما يهدم فرص التنافس المشروع بينها، يؤيد ذلك أن وزير البترول والثروة المعدنية قرر فى استجواب من أحد أعضاء مجلس الشعب بتاريخ ٢٣ / ٢ / ١٩٩١، بأن المشروعات التى ستحاسبها الهيئة المصرية العامة للبترول عن توريد البترول إليها بالسعر العالمى ، هى تلك التى تقوم بإنتاج سلعة ولاتلتزم – فى مجال تقديم خدماتها – بتسعيرة جبربة . ولا كذلك الفنادق الاستثمارية ، ومن بينها الفندق محل التداعى .
وحيث إن الهيئة المصرية العامة للبترول قدمت مذكرة بدفاعها أبانت فيها عما يأتى :
١ – أن المادتين (٨، ٤٠) من الدستور اللتين تكفلان مساواة المواطنين أمام القانون وتكافؤ الفرص فيما بينهم، تلزمان السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن تعام لا المتماثلين معاملة واحدة ، وأن تمايزا بين المختلفين. وهذان الشقان لمبدأ المساواة من عناصر العدل ويمليهما حكم العقل. ومقتضاهما أن المعاملة الواجبة فى إطار تطبيق هذا المبدأ، هى تلك التى تقدر التماثل أو التغاير القانونى أو الواقعى ، فتعامل أفراد كل فريق معاملة واحدة أو مختلفة . وهو مايعنى أن فكرة المراكز القانونية المتماثلة ، لا تكفى وحدها لاستنهاض المساواة أمام القانون، ولاتحيط بتطبيقاتها جميعا، إذ كثيراً مايعتد المشرع عند اختياره للمعاملة التى يختص بها فريقاً من الناس دون فريق، بالعناصر الواقعية التى يفترقان بسببها، ومن ذلك تلك المعاملة التى يقررها المشرع للعاملين فى بعض المناطق النائية ، أو التى يخص بها المعوقين مراعاة لظروفهم وقدراتهم.
٢ – القول بأن القرار المطعون فيه – وقد تضمن محاسبة الفنادق الاستثمارية عن مسحوباتها من المواد البترولية عن طريق تحريك السعر المحلى بزيادة تدريجية سنوية حتى الوصول إلى السعر العالمى الذى يزيد كثيراً عن السعر المحلى – قد ألحق بهذه الفنادق خسائر كبيرة تبعاً لزيادة أعبائها مع بقاء أسعار خدماتها مماثلة لتلك التى تقابلها فى فنادق القطاع الخاص وفنادق قطاع الأعمال العام، مردود : بأن خضوع فنادق المدعية لقانون الاستثمار يجعلها فى مركز قانونى مغاير لسواها من الفنادق. كذلك فإن وحدة النشاط لا تنشئ بالضرورة تماثلاً فى المركز القانونى .
ولا مراء فى أن المشرع قد منح الشركات التى يتناولها قانون استثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة – ومن بينها الشركة المدعية – كثيراً من المزايا والتسهيلات والاعفاءات، جعلتها فى مركز واقعى ومالى شديد التميز، وقد قدر القرار المطعون فيه، أن هذه المعاملة التفضيلية ينبغى أن توازن بعناصر تقلل من حدتها، تتمثل فى محاسبتها عن مسحوباتها من المواد البترولية وفقاً للسعر العالمى .
٣ – أن السعر العالمى ، هو ماتتعامل به الهيئة المصرية العامة للبترول عند استيرادها البترول من الخارج لتوفير المواد البترولية التى تحتاجها السوق المحلية . كذلك فإن فروق الأسعار التى تتحملها الخزانة العامة ، بسبب التعامل فى المواد البترولية بأقل من تكلفتها الفعلية ، مؤداه: أن السعر العالمى هو الأصل.
٤ – أن المشرع يملك الرجوع عن المزايا التفضيلية التى منحها لبعض الأفراد أو الشركات سواء بإنهاء العمل ببعضها، أو من خلال موازنتها أو مقابلتها ببعض الأعباء التى لم تكن قائمة من قبل. ولا يعدو ذلك أن يكون ممارسة من المشرع للحق فى التقسيم وفقاً لأسس موضوعية ، مراعاة لأوضاع قانونية وفعلية بين فئتين من الفنادق.
٥ – أن نص المادة (٤) من الدستور من النصوص التوجيهية التى يتعذر ضبطها. وتزداد يوماً بعد يوم الفجوة بين آفاق هذا النص والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التى عدل المجتمع عنها، وسار المشرع فى غير طريقها، واستقر الواقع عند كثير من نقائضها. وتناقض المزايا التى منحها المشرع للاستثمار بعد انحيازه للحرية الاقتصادية ، حكم المادة الرابعة من الدستور، فإذا ما وازنها المشرع ببعض الأعباء، كان كافلاً بذلك عدالة توزيعها.
وحيث إن المشرع أصدر القانون رقم ١ لسنة ١٩٧٣ فى شأن المنشآت الفندقية والسياحية ، متضمناً تعريفاً بها، ومنظماً أوضاع ممارستها لنشاطها، فناط بوزير السياحة دون غيره – وعلى ما تقضى به المادتان (١١، ١٢) من هذا القانون – تقسيم هذه المنشآت إلى درجات، ثم تصنيفها ليكون لكل منها الدرجة التى تناسبها وفقاً للقواعد التى يصدر بها قرار من هذا الوزير، محدداً كذلك أسعار خدماتها بما فى ذلك أسعار الدخول إليها والنزول فيها، وكذلك مأكولاتها ومشروباتها ووجباتها.
وتلا ذلك صدور نظام استثمار المال العربى والأجنبى بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ متوخياً – وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون – إيجاد مناخ ملائم لتسهيل انتقال رؤوس الأموال العربية مع تقديم حوافز مناسبة للاستثمار – عربياً كان أم أجنبياً – وذلك فى إطار من الضمانات الكافية ضد المخاطر غير التجارية ، وعلى طريق تخطى العوائق الإدارية والإجرائية التى تؤثر على نمو حجم الاستثمار، وعلى تقدير أن استثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية فى مصر – وعلى ما تنص عليه المادة الثانية من هذا القانون – يعتبر فى المجالات التى حددتها – ومن بينها التصنيع والتعدين والنقل والسياحة – لازماً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى إطار السياسة العامة للدولة وخطتها القومية .
ولئن كان المشرع قد أقر بعدئذ قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم ٢٣٠ لسنة ١٩٨٩ ملغياً بمقتضاه القانون السابق عليه، إلا أن استثمار الأموال العربية والأجنبية ظل لازماً لتحقيق خطة التنمية – سواء فى مجال أولوياتها أو على ضوء أهدافها – وعلى الأخص كلما كان هذا الاستثمار متطلباً فى المجالات التى حددها هذا القانون، ويندرج تحتها ما يكون مرتبطاً منها بالتقدم الصناعى ، أوالتطور السياحى أو باستصلاح واستزراع الأراضى والإسكان والتعمير. بل إن هذا القانون، تضمن حكمين متكاملين، هما المنصوص عليهما فى المادتين (٦، ٩) التى تكفل أولاهما للمشروعات الخاضعة لأحكام هذا القانون – وأياً كانت جنسية مالكيها أو محال إقامتهم – تمتعها بالضمانات والمزايا والإعفاءات التى حددها هذا القانون، مع جواز تقرير غيرها – إضافة إليها – بقرار من مجلس الوزراء فى الحدود التى يقتضيها الصالح العام.
وتحظر ثانيتهما فرض أية أعباء أو إلتزامات مالية أو غيرها على هذه المشروعات تخل بمبدأ المساواة بينها وبين مشروعات القطاع الخاص التى تعمل فى النشاط ذاته، والتى تنشأ خارج نطاق هذا القانون، وعلى أن يتم تحقيق هذه المساواة بصورة تدريجية على النحو الذى تنظمه اللائحة التنفيذية .
وتُفَصل المادة (٩) من اللائحة التنفيذية المشار إليها، هذه القاعدة ذاتها بقولها، لايجوز عند تحديد الأسعار الجديدة أو تعديل الأسعار القائمة للخامات والمواد الأولية والمواد البترولية والطاقة الكهربائية وغيرها من مستلزمات التشغيل للمشروعات، الإخلال بالمساواة بينها وبين مشروعات القطاع الخاص التى تنشأ خارج نطاق هذا القانون وتباشر ذات النشاط.
كما لايجوز فرض أية أعباء أو إلتزامات مالية إضافية أو غيرها على المشروعات بالزيادة عن المقرر منها بالنسبة لمشروعات القطاع الخاص المشار إليها.
وتتم تدريجياً المساواة فى الأسعار والأعباء، والإلتزامات المالية المبينة فى الفقرتين السابقتين بين المشروعات ومشروعات القطاع الخاص المذكورة ، وذلك بقرارات من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير وبعد موافقة مجلس الإدارة .
وحيث إن البين من هذين القانونين، أن المزايا التفضيلية التى كفلها المشرع لاستثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية ، غايتها استثارة اهتمام أصحابها بأوضاع الاستثمار فى مصر، لضمان تدفقها إليها، ودون ما قيود غير مبررة قد ينوء بها نشاطها، فلا يكون بقاء هذه الأموال فى مصر مجدياً، بل يعاد تصديرها منها.
وحيث إن إرساء الدستور بنص المادة (٤٠) منه لمبدأ المساواة أمام القانون، ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات التى كفلها الدستور، وإنما تتعلق كذلك بما يكون منها قد تقرر بقانون فى حدود السلطة التقديرية التى يملكها المشرع. فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها. وكلما كفل المشرع لمشروعات بذواتها مزايا تفضيلية قدر ضرورتها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال رؤوس الأموال الوافدة إلى مصر؛ وكان أصحابها قد قدروا عائد استثمار هذه الأموال فيها على ضوء هذه المزايا، فإنها تغدو حقوقاً لا يجوز تهوينها، ولاموازنتها بأعباء تحد منها.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون يفترض عملاً يخل بالحماية القانونية المتكافئة إذا كان منسوباً إلى الدولة State action سواء من خلال سلطتها التشريعية أم عن طريق سلطتها التنفيذية ، بما مؤداه: أن أيا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايراً فى المعاملة مالم يكن مبرراً بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعى الصادر عنه ما. وليس بصحيح القول بأن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفاً منافياً لمبدأ المساواة ، بل يتعين دوماً أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتباره وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقياً بها. ولا يتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى من فصلاً عن الأغراض التى يتغياها، بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التى يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجود حد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها.
A minimal fit or congruence between the classifying means and the legislative ends .
ويستحيل بالتالى أن يكون التقدير الموضوعى لمعقولية التقسيم التشريعى ، من فصلاً كلية عن الأغراض النهائية للقانون المطعون فيه.
وحيث إن تكافؤ المتماثلين فى الحماية القانونية ، مؤداه: أنها ينبغى أن تسعهم جميعاً، فلا يقصر مداها عن بعضهم under – inclusive ولا يمتد لغير فئاتهم over – inclusive، ولا يجوز بالتالى أن تكون هذه الحماية تعميماً مجاوزاً نطاقها الطبيعى ، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها.
وحيث إن المشرع قد يقصد بالنصوص القانونية التى يصوغها، إجراء تمييز مناقض للدستور purposeful, hostile discrimination . وقد تخل الآثار التى يحدثها التمييز – ومن حيث مداها – purpose – impact distinction بأغراض قصد الدستور إلى إرسائها. ويعتبر التمييز غير مغتفر فى هاتين الحالتين كلتيهما. بل ربما كان التمييز أكثر خطراً فى الصورة الثانية التى يبدو فيها القانون المطعون عليه محايداً فى مظهره، مخالفاً للدستور فى أثره.
وحيث إن المراكز القانونية التى يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقاً لنص المادة (٤٠) من الدستور، هى التى تتحد فى العناصر التى تكون كلا منها – لا باعتبارها عناصر واقعية لم يدخلها المشرع فى اعتباره – بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتباً عليها أثراً قانونياً محدداً، فلا يقوم هذا المركز القانونى إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطاً بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها. ولا يتصور بعد تحققها وتولد المركز القانونى عنها، أن تكون قيداً عليه، ولا أن ينتقص المشرع من المزايا التى ربطها بوجوده، إذ هى كامنة فيه، فلا يجوز نقضها.
وحيث إن القول بأن المزايا التى كفلها المشرع للمشروعات الخاضعة لنظام رأس المال العربى والأجنبى ، تعطيها مركزاً واقعياً شديد التميز يسوغ الرجوع عنها، من خلال موازنتها بأعباء جديدة يفرضها عليها.
مردود أولا: بأن تقرير هذه المزايا يتصل بضمان تدفق رؤوس الأموال العربية والأجنبية إلى مصر لتمويل قاعدة أعرض للتنمية الاقتصادية والاجتماعية . وعلى ضوء تنوع هذه المزايا وأبعادها؛ تُحدد رؤوس الأموال العربية والأجنبية موقفها من الاستثمار فيها، فإذا أتت إليها بعد اعتمادها على تلك المزايا، فإن تقليصها من خلال فرض أعباء جديدة تحد من نطاقها، لايكون جائزاً، وعلى الأخص كلما كان من شأن الأعباء التى فرضها المشرع على المشروعات الاستثمارية ، إرهاق نشاطها، فلايكون تنافسها متكافئا مع غيرها ممن يباشرون معها – وإلى جانبها – ذات مجال عملها.
ومردود ثانياً: بأن المنشآت الفندقية جميعها لا تملك تحديد أسعار خدماتها وفقاً لتكلفتها الفعلية ، ولا على ضوء نطاق الطلب عليها، بل يختص وزير السياحة دون غيره بتقدير هذه الأسعار لتلك المنشآت جميعها وفق حقيقة مستوياتها، حتى وإن طلب مستغلوها إعادة النظر فى درجة المنشأة أو أسعار خدماتها، ذلك أن تعديلها مما يدخل فى اختصاص هذا الوزير دون غيره، وكلما كان هذا التعديل ضرورياً قائماً على أسباب جدية .
ومردود ثالثاً: بأن معدل عائد الاستثمار فى بلد معين، يرتبط بالتدابير التى تتخذها وتؤثر فى مداه فى شأن هذا الاستثماروتؤثر فى مجراه. فكل ما كان من شأنها اعتصار هذا العائد، أو فرض أوضاع جديدة لا يكون معها مجزياً، كان ذلك منهياً لفرص الاستثمار، أو مشككاً فى جدواه.
ومردود رابعاً: بأن مؤدى النص المطعون فيه، التمييز فى الأعباء بين الشركات التى يحكمها قانون الاستثمار، وتلك التى تخرج عن مجال تطبيق هذا القانون، وذلك فى مجال القواعد التى فرضها لمحاسبة كل منها عن مسحوباتها من المواد البترولية . فعلى نقيض أولاها التى تُحَمَّل بالسعر العالمى عن البترول المورد إليها، فإن ثانيتهما لا تتقيد بغير السعر المحلى عن هذه المواد ذاتها. ويعتبر هذا التمييز – بمحتواه – مقصوداً، ومخالفاً كذلك للدستور فى أثره De jure – de facto distinction .
ومردود خامساً: بأن المزايا التفضيلية التى كفلها المشرع لاستثمار الأموال العربية والأجنبية ، هى علة وجودها فى مصر، وهى التى حركتها من مواقعها فى بلدانها، فلا يجوز نقضها أو تقييدها بعد أن تعلق الاستثمار بها.
ومردود سادساً: بأن القول بأن المزايا التفضيلية التى ربطها المشرع باستثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية ، ينبغى مقابلتها ببعض الأعباء التى توازنها، مؤداه: أن المزايا التى قدر المشرع ضرورتها لتدفق هذه الأموال لمصر، جاوزت حدودها المنطقية ، وهو ما لا دليل عليه، بعد أن كفلتها قوانين الاستثمار على تعاقبها دون انتقاص منها، وبما لايجاوز نطاق السلطة التقديرية للمشرع.
وحيث إن الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – تمتد إلى كل حق ذى قيمة مالية ، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية ؛ وهو ما يعنى اتساعها للأموال بوجه عام؛ وكان النص المطعون فيه – بالأعباء التى فرضها – قد انتقص من عائد استثمار الأموال العربية والأجنبية عن طريق الأسعار الأعلى التى ألزمها بأدائها عن مسحوباتها من المواد البترولية ، فإن هذا القرار يكون كذلك متضمناً عدواناً على الملكية ، ومخالفاً بالتالى لنص المادتين (٣٢، ٣٤) من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن نص المادة الأولى من القرار المطعون فيه، يكون مخالفاً للمواد (٣٢، ٣٤، ٤٠) من الدستور، وتسقط تبعاً لإبطالها، الأحكام الأخرى التى تضمنها هذا القرار، والتى ترتبط بنص مادته الأولى ارتباطاً لايقبل التجزئة .
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة
أولاً: بعدم دستورية المادة الأولى من قرار نائب رئيس مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم ٤٢ لسنة ١٩٨١ وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى شركات الاستثمار التى تباشر نشاطاً فندقياً.
ثانياً: بسقوط باقى نصوص هذا القرار فى هذا النطاق، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى