حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٧ لسنة ١١ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٧ لسنة ١١ دستورية
تاريخ النشر : ٢٧ – ٠٤ – ١٩٩١

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ بشأن صيد الأسماك الطازجة بميناء الأتكة للموسم السمكي ١٩٨٥ / ١٩٨٦.

الحكم

برياسة ممدوح مصطفى رئيس المحكمة وحضور عوض محمد المر ومحمد ابراهيم أبو العنين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على أعضاء والسيد عبد الحميد عمارة المفوض رأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
إن البين من الإطلاع على قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ أنه حظر الشروع فى نقل أى كمية من الأسماك داخل محافظة السويس بغير الحصول على تصريح معتمد من مديرية التموين ، و كان ذلك القرار قد نص أيضاً فى البند “ب” من المادة “١٠” منه على أن تصادر الكميات موضوع المخالفة و وسيلة النقل ، و يصرف منها فى حدود ٥٠% للقائمين بالضبط ، و يعاقب مرتكبو المخالفة بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر و بغرامة لا تقل عن مائة جنيه و لا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، فإن القرار المذكور يكون قد دل بالعقوبة التى فرضها على الشروع فى نقل الأسماك داخل محافظة السويس دون تصريح من مديرية التموين ، على تجريمه لهذه الواقعة التى تنحصر فيها المخالفة المنسوبة إلى المتهمين لما كان ذلك و كانت محكمة الموضوع قد أحالت إلى المحكمة الدستورية العليا نص البند “ب” من المادة “١٠” من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ المشار إليه و ذلك للفصل فى دستوريته . و كان مما تنعاه محكمة الموضوع على الأحكام التى تضمنها هذا البند ، تقريره مصادرة كميات الأسماك موضوع المخالفة فضلاً عن وسيلة النقل بغير حكم قضائى و ذلك بالمخالفة لنص المادة “٣٦” من الدستور ، و كان هذا النعى فى محله ، ذلك أن الدستور أرسى الأحكام الخاصة بالمصادرة بما نص عليه فى المادة “٣٦” من أن ” المصادرة العامة للأموال محظورة و لا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى ” فنهى بذلك نهياً مطلقاً عن المصادرة العامة ، و حدد الأداة التى تتم بها المصادرة الخاصة و أوجب أن تكون حكماً قضائياً و ليست قراراً إدارياً ، و ذلك حرصاً منه على صون الملكية الخاصة من أن تصادر إلا بحكم قضائى كى تتوافر – فى إطاره لصاحب الحق إجراءات التقاضى و ضماناته التى تنتفى بها مظنة العسف و الإفتئات على هذا الحق ، و توكيداً لمبدأ الفصل بين السلطة القضائية و السلطتين التشريعية و التنفيذية بإعتبار أن السلطة القضائية هى السلطة الأصيلة التى أقامها الدستور على شئون العدالة و خصها بتصريفها بحيث تنفرد دون غيرها بما يدخل فى إختصاصها بما فى ذلك توقيع المصادرة . إذ كان ذلك ، و كان نص المادة “٣٦” من الدستور الذى حظر المصادرة الخاصة للأموال إلا بحكم قضائى قد جاء مطلقاً من غير قيد و ذلك حين أجرى المشرع النص على إطلاقه ليعم حكمه و يشمل المصادرة الخاصة فى كافة صورها ، فإن ما تضمنه النص الطعين من مصادرة الأسماك المضبوطة و كذلك وسيلة نقلها – بغير حكم قضائى – يكون مخالفاً لنص المادة “٣٦” من الدستور .

– – – ٢ – – –
إن المادة “٦٦” من الدستور تنص على أن ” لا جريمة و لا عقوبة إلا بناء على قانون ” و قد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه إذا أورد المشرع مصطلحاً معيناً فى نص ما لمعنى معين ، تعين صرفه إلى هذا المعنى فى كل نص آخر يردد ذلك المصطلح ، و أن الدستور الحالى إذ ردد فى المادة “٦٦” منه عبارة ” بناء على قانون ” الواردة فى المادة “٦” من دستور سنة ١٩٢٣ و الذى أفصحت أعماله التحضيرية عن أن المقصود بها توكيد ما جرى عليه العمل فى التشريع من أن يتضمن القانون ذاته تفويضاً إلى السلطة المكلفة بسن لوائح التنفيذ فى تحديد الجرائم و تقرير العقوبات ……….. و ذلك فى حين إستعمل هذا الدستور ذاته عبارة مغايرة فى نصوص أخرى إشترط فيها أن يتم تحديد أو تنظيم مسائل معينة ” بقانون ” مثل التأميم فى المادة “٣٥” و إنشاء الضرائب و تعديلها فى المادة “١١٩” – فإن مؤدى ذلك كله أن المادة “٦٦” من الدستور تجيز أن يعهد القانون إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم أو العقاب ، و ذلك لإعتبارات تقدرها سلطة التشريع و فى الحدود و بالشروط التى يعينها القانون الصادر منها . و لا تعتبر القرارات التى تصدرها الجهة التى عينها المشرع لممارسة هذا الإختصاص من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة “١٠٨” من الدستور ، و لا تندرج كذلك تحت اللوائح التنفيذية التى نظمتها المادة “١٤٤” من الدستور ، و إنما مرد الأمر فيها إلى نص المادة “٦٦” من الدستور التى تنطوى على تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم أو العقاب .

– – – ٣ – – –
لما كان المشرع قد خول وزير التموين إتخاذ كل أو بعض التدابير المنصوص عليها فى كل من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ و المرسوم بقانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٠، و كان المشرع قد عهد إلى وزير التموين – فى نطاق التدابير التى يتخذها لضمان تموين البلاد من المواد و السلع و لتحقيق العدالة فى توزيعها مع الإلتزام بحداول الأسعار الخاصة بها – بسلطة تقرير عقوبات على مخالفة القرارات التى يتخذها فى هذا الصدد تكون أقل من تلك المنصوص عليها فى القانون ، فإن ما تضمنه البند “ب” من المادة “١٠” من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ من تقرير عقوبة على الشروع فى نقل الأسماك داخل محافظة السويس و خارجها بغير تصريح من مديرية التموين ، لا يعدو أن يكون إنتحالاً لإختصاص مقر لوزير التموين فى شأن التدابير التى ينفرد بإتخاذها على مقتضى ما تقدم ، و تقريراً لعقوبة على مخالفة القيود التى فرضها هذا القرار فى شأن نقل الأسماك من جهة إلى أخرى أو الشروع فى ذلك ، و هى عقوبة لا يملك تقريرها إلا وزير التموين و ذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة “٦٦” من الدستور التى تقضى بأنه ” لا جريمة و لا عقوبة إلا بناء على قانون ” . إذ كان ذلك كذلك ، و كان وزير التموين – على مقتضى ما تقدم – هو الجهة التى عهد إليها المشرع بنصوص صريحة فى إتخاذ التدابير المتعلقة بنقل أية مادة أو سلعة من جهة إلى أخرى و كذلك تنظيم تداولها و إستهلاكها و بتقرير العقوبة الأقل على مخالفة التدابير التى يتخذها فى نطاق إختصاصاته تلك ، فإن تجريم البند “ب” من المادة “١٠” من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ للواقعة محل الإتهام الجنائى يكون منطوياً على إغتصاب لسلطة عهد بها المشرع لوزير التموين فى الحدود التى بينتها المادة “٦٦” من الدستور ، و من ثم يقع البند “ب” من المادة “١٠” المطعون عليه – فى إطار هذا التجريم – فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه و نص المادة “٦٦” من الدستور آنفة البيان .

– – – ٤ – – –
النص فى الفقرة الأولى من المادة “٢٧” من قانون نظام الحكم المحلى الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ المعدل بالقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٨١ على أن ” يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى إختصاص وحدات الحكم المحلى وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات و الإختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين و اللوائح ، و يكون المحافظ ، فى دائرة إختصاصه ، رئيساً لجميع الأجهزة و المرافق المحلية ” إستهدف تنظيم الأمور المتعلقة بنظام الحكم المحلى بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات و الإختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية بوزاراتها المختلفة ، و قصد المشرع بنص المادة “١ / ٢٧” المشار إليها أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة و المرافق العامة التابعة لهم – السلطات و الاختصاصات المقررة للوزراء فى هذا الصدد ، دون أن يتعدى ذلك إلى الإختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية و لا إلى الإختصاص بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب و ذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الإختصاص فى أى من هاتين الحالتين إلى الوزراء ، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته و لا يجوز أن تفوض غيرها فيه و هو فى كل الأحوال إختصاص لا تشمله عبارة ” السلطات و الإختصاصات التنفيذية ” الواردة بنص المادة “١ / ٢٧” المشار إليها .

– – – ٥ – – –
النص فى الفقرة الأولى من المادة “٢٧” من قانون نظام الحكم المحلى الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ المعدل بالقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٨١ على أن ” يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى إختصاص وحدات الحكم المحلى وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات و الإختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين و اللوائح ، و يكون المحافظ ، فى دائرة إختصاصه ، رئيساً لجميع الأجهزة و المرافق المحلية ” إستهدف تنظيم الأمور المتعلقة بنظام الحكم المحلى بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات و الإختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية بوزاراتها المختلفة ، و قصد المشرع بنص المادة “١ / ٢٧” المشار إليها أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة و المرافق العامة التابعة لهم – السلطات و الاختصاصات المقررة للوزراء فى هذا الصدد ، دون أن يتعدى ذلك إلى الإختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية و لا إلى الإختصاص بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب و ذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الإختصاص فى أى من هاتين الحالتين إلى الوزراء ، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته و لا يجوز أن تفوض غيرها فيه و هو فى كل الأحوال إختصاص لا تشمله عبارة ” السلطات و الإختصاصات التنفيذية ” الواردة بنص المادة “١ / ٢٧” المشار إليها .

– – – ٦ – – –
إن البند “ب” من المادة “١٠” من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ بعد أن نص على مصادرة الأسماك موضوع المخالفة و وسيلة النقل ، قضى بأن يصرف من حصيلة بيعها فى حدود ٥٠% للقائمين بالضبط ، و إذ كانت هذه المصادرة قد تعلقت بأفعال جرمها ذلك القرار بالعقوبة التى فرضها على إرتكابها ، فإن قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية المصادرة و سائر العقوبة التى تضمنها القرار المشار إليه لمخالفتها للمادتين “٣٦” ، “٦٦” من الدستور على التوالى ، يستتبع زوال جميع الآثار التى ترتبت على أعمالها بما فى ذلك مكافأة الضبط التى قضى النص المطعون عليه بصرفها إلى القائمين عليه و التى لا يتصور قيامها إلا مرتبطة بالمصادرة المستوفية لشرائطها الدستورية ، و هى فى النزاع الراهن مصادرة باطلة أصلاً

[الطعن رقم ١٧ – لسنــة ١١ ق – تاريخ الجلسة ٠٦ / ٠٤ / ١٩٩١ – مكتب فني ٤ – رقم الجزء ١ – رقم الصفحة ٣١١ – تم قبول هذا الطعن]

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت كلاً من ………………………………….. وآخرين بأنهم فى يوم ٢٠ يناير سنة ١٩٨٦ بدائرة قسم السويس قاموا بتفريغ مركب الصيد من الأسماك فى غير الزمان والمكان المحددين وبدون حضور اللجنة المنصوص عليها قانوناً، وطلبت عقابهم بالمواد ١، ٢، ٦ من قرار محافظ السويس رقم ٢١ لسنة ١٩٨٥. وحيث إن محكمة جنح أمن الدولة طوارئ السويس بعد تكييفها الواقعة محل الاتهام الجنائى بأنها جنحة الشروع فى نقل الأسماك داخل محافظة السويس بغير تصريح، أغفلت تنبيه المتهمين إلى أنها عدلت القيد والوصف للتهمة المنسوبة إليهم وقضت بجلسة١٥ مارس سنة١٩٨٦ بتغريم المتهم الأول مائتى جنيه وإلزامه المصروفات الجنائية ومصادرة المضبوطات وببراءة المتهمين الثانى والثالث وذلك عملاً بنص المادة (٧) والبند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ بشأن صيد الأٍسماك الطازجة بميناء الأتكة للموسم السمكى ١٩٨٥ / ١٩٨٦. وحيث إنه لدى التصديق على هذا الحكم، تقرر إعادة محاكمة المتهمين أمام هيئة أخرى على أساس أن المرافعة فى الدعوى الجنائية جرت وفقاً للقيد والوصف المرفوعة به هذه الدعوى مما يعد إخلالاً بحق الدفاع، وإذ أعيدت محاكمة المتهمين أمام هيئة أخرى، قررت المحكمة بجلسة ٣٠ يناير سنة ١٩٨٩ وقف نظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية البند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ المشار إليه، وذلك قولاً منها بمخالفة هذا البند لنص المادة (٣٦) من الدستور فيما تضمنه من تقرير عقوبة المصادرة بغير حكم قضائى ولنصوص المواد ٦٦، ٨٦، ١١٢ من الدستور لتقريره عقوبات عن أفعال أثمها دون أن يكون ذلك بتشريع صادر عن مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية. وحيث إن البين من الاطلاع على قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ المشار إليه، إن هذا القرار وضع تنظيماً لصيد الأسماك وتوزيعها داخل محافظة السويس، وهو تنظيم استهدف أحكام الرقابة على عملية تفريغ حصيلة الصيد وعرضها للبيع بعد تحديد حصة المحافظة منها ومراجعة هذه الحصة من حيث كميتها ونوعها وجودتها ووزنها، وإذ حظر هذا القرار كذلك الشروع فى نقل أى كمية من الأسماك داخل محافظة السويس بغير الحصول على تصريح معتمد من مديرية التموين، وكان ذلك القرار قد نص أيضاً فى البند (ب) من المادة (١٠) منه على أن تصادر الكميات موضوع المخالفة ووسيلة النقل، ويصرف منها فى حدود ٥٠% للقائمين بالضبط، ويعاقب مرتكبوا المخالفة بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، فإن القرار المذكور يكون قد دل بالعقوبة التى فرضها على الشروع فى نقل الأسماك داخل محافظة السويس دون تصريح من مديرية التموين، على تجريمه لهذه الواقعة التى تنحصر فيها المخالفة التى نسبتها محكمة الموضوع إلى المتهمين على ما سلف البيان. وحيث إن محكمة الموضوع أحالت إلى المحكمة الدستورية العليا نص البند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ المشار إليه وذلك للفصل فى دستوريته، فإن نطاق الطعن الماثل يتحدد بهذا البند وينحصر فيه. وحيث إن مما تنعاه محكمة الموضوع على الأحكام التى تضمنها هذا البند، تقريره مصادرة كميات الأسماك موضوع المخالفة فضلاً عن وسيلة النقل بغير حكم قضائى وذلك بالمخالفة لنص المادة (٣٦) من الدستور. وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن الدستور أرسى الأحكام الخاصة بالمصادرة بما نص عليه فى المادة (٣٦) منه من أن ” المصادرة العامة للأموال محظورة ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي” فنهى بذلك نهياً مطلقاً عن المصادرة العامة، وحدد الأداة التى تتم بها المصادرة الخاصة وأوجب أن تكون حكماً قضائياً وليست قراراً إدارياً، وذلك حرصاً منه على صون الملكية الخاصة من أن تصادر إلا بحكم قضائى كى تتوافر – فى إطاره – لصاحب الحق إجراءات التقاضى وضماناته التى تنتفى بها مظنة العسف والافتئات على هذا الحق، وتوكيداً لمبدأ الفصل بين السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية باعتبار أن السلطة القضائية هى السلطة الأصيلة التى أقامها الدستور على شئون العدالة وخصها بتصريفها بحيث تنفرد دون غيرها بما يدخل فى اختصاصها بما فى ذلك المصادرة، إذ كان ذلك، وكان نص المادة (٣٦) من الدستور الذى حظر المصادرة الخاصة للأموال إلا بحكم قضائى قد جاء مطلقاً من غير قيد وذلك حين أجرى المشرع النص على إطلاقه ليعم حكمه ويشمل المصادرة الخاصة فى كافة صورها، فإن ما تضمنه النص الطعين من مصادرة الأسماك المضبوطة وكذلك وسيلة نقلها – بغير حكم قضائى – يكون مخالفاً لنص المادة (٣٦) من الدستور. وحيث إن محكمة الموضوع تنعى كذلك على النص المطعون عليه أنه ينحل إلى تنظيم لائحى قرر عقوبات عن أفعال أثمها دون أن يكون ذلك بتشريع صادر عن مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية. وحيث إن الواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الراهنة تتمثل فى الشروع فى نقل أسماك داخل محافظة السويس دون تصريح معتمد من مديرية التموين، ومن ثم يعتبر هذا التصريح قيداً على تداول تلك السلعة داخل هذه المحافظة، وهو قيد ناطت السلطة التشريعية اتخاذه بوزير التموين دون غيره، إذ يختص هذا الوزير – لضمان تموين البلاد وتوفير العدالة فى توزيع المواد التموينية ، وبعد موافقة لجنة التموين العليا – بإصدار القرارات المنصوص عليها فى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين، ويندرج تحتها فرض القيود على إنتاج أية مادة أو سلعة وتداولها واستهلاكها بما فى ذلك توزيعها لضمان تموين البلاد وتحقيق العدالة فى توزيعها، وله كذلك فرض قيود على نقل أية مادة أو سلعة من جهة أخرى، وتنص الفقرة الأولى من المادة (٥٦) من المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ المشار إليه على أن: “يعاقب على كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، ويعاقب على كل مخالفة ترتبط بسلعة من السلع التى تدعمها الدولة ويحددها وزير التموين والتجارة الداخلية بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه…..” كما تنص الفقرة الرابعة من المادة ذاتها على أن: ” ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى هذه المادة على مخالفة أحكام قرارات وزير التموين والتجارة الداخلية الصادرة تنفيذاً لهذا القانون ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل ……..”. وقد التزم المرسوم بقانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ الخاص بشئون التسعير الجبرى وتحديد الأرباح النهج الذى احتذاه القانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ الخاص بشئون التموين ذلك أن المرسوم بقانون المشار إليه بعد أن خول وزير التموين – فى المادة (٥) منه – أن يتخذ بقرارات يصدرها التدابير المتعلقة بتعيين المقادير التى يجوز شراؤها أو تملكها أو حيازتها من أية سلعة ، وبتقرير الوسائل اللازمة لمنع التلاعب بأسعار السلع والمواد الخاضعة لهذا المرسوم بقانون وتعيين مواصفاتها،وبإلزام أصحاب المصانع والمستوردين بتسليم مقادير معينة من أية سلعة أو مادة إلى الجمعيات التعاونية لتقوم بعرضها للبيع على أعضائها ، قضى هذا المرسوم بقانون فى الفقرة الأخيرة من المادة (٩) منه بأن (يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة على مخالفة القرارات التى تصدر تنفيذاً للمادة (٥) من هذا القانون، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل”. لما كان ذلك، وكان المشرع قد خول وزير التموين اتخاذ كل أو بعض التدابير المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٤٥ والمرسوم بقانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ وكان المشرع قد عهد إلى وزير التموين – فى نطاق التدابير التى يتخذها لضمان تموين البلاد من المواد والسلع ولتحقيق العدالة فى توزيعها مع الالتزام بجداول الأسعار الخاصة بها – بسلطة تقرير عقوبات على مخالفة القرارات التى يتخذها فى هذا الصدد تكون أقل من تلك المنصوص عليها فى القانون، فإن ما تضمنه البند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ المشار إليه من تقرير عقوبة على الشروع فى نقل الأسماك داخل محافظة السويس وخارجها بغير تصريح من مديرية التموين، لا يعدو أن يكون انتحالاً لاختصاص مقرر لوزير التموين فى شأن التدابير التى ينفرد باتخاذها على مقتضى ما تقدم، وتقريراً لعقوبة على مخالفة القيود التى فرضها هذا القرار فى شأن نقل الأسماك من جهة إلى أخرى أو الشروع فى ذلك، وهى عقوبة لا يملك تقريرها إلا وزير التموين وذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة (٦٦) من الدستور التى تقضى بأنه ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون” فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه إذا أورد المشرع مصطلحاً معيناً فى نص ما لمعنى معين، تعين صرفه إلى هذا المعنى فى كل نص آخر يردد ذلك المصطلح، وأن الدستور الحالى إذ ردد فى المادة (٦٦) منه عبارة “بناء على قانون” الواردة فى المادة (٦) من دستور سنة ١٩٢٣ والذى أفصحت أعماله التحضيرية عن أن المقصود بها توكيد ما جرى عليه العمل فى التشريع من أن يتضمن القانون ذاته تفويضاً إلى السلطة المكلفة بسن لوائح التنفيذ فى تحديد الجرائم وتقرير العقوبات…. وذلك فى حين استعمل هذا الدستور ذاته عبارة مغايرة فى نصوص أخرى اشترط فيها أن يتم تحديد أو تنظيم مسائل معينة “بقانون” مثل التأميم فى المادة (٣٥) وإنشاء الضرائب وتعديلها فى المادة (١١٩) فإن مؤدى ذلك كله أن المادة (٦٦) من الدستور تجيز أن يعهد القانون إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم أو العقاب، وذلك لاعتبارات تقدرها سلطة التشريع وفى الحدود وبالشروط التى يعينها القانون الصادر منها، ولا تعتبر القرارات التى تصدرها الجهة التى عينها المشرع لممارسة هذا الاختصاص من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة (١٠٨) من الدستور، ولا تندرج كذلك تحت اللوائح التنفيذية التى نظمتها المادة (١٤٤) من الدستور، وإنما مرد الأمر فيها إلى نص المادة (٦٦) من الدستور التى تنطوى على تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم أو العقاب على ما سلف البيان، إذا كان ذلك كذلك وكان وزير التموين – على مقتضى ما تقدم – هو الجهة التى عهد إليها المشرع بنصوص صريحة فى اتخاذ التدابير المتعلقة بنقل أية مادة أو سلعة من جهة إلى أخرى وكذلك تنظيم تداولها واستهلاكها وبتقرير العقوبة الأقل على مخالفة التدابير التى يتخذها في نطاق اختصاصاته تلك، فإن تجريم البند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ للواقعة محل الاتهام الجنائى يكون منطوياً على اغتصاب لسلطة عهد بها المشرع لوزير التموين فى الحدود التى بينتها المادة (٦٦) من الدستور، ومن ثم يقع نص البند (ب) من المادة (١٠) المطعون عليه – فى إطار هذا التجريم – فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه ونص المادة (٦٦) من الدستور آنفة البيان. ولا ينال مما تقدم، ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (٢٧) من قانون نظام الحكم المحلى الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ المعدل بالقانون رقم ٥٠ لسنة ١٩٨١ من أن ” يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى اختصاص وحدات الحكم المحلى وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح، ويكون المحافظ، فى دائرة اختصاصه، رئيساً لجميع الأجهزة والمرافق المحلية” ذلك أن القانون المشار إليه استهدف تنظيم الأمور المتعلقة بنظام الحكم المحلى بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية بوزارتها المختلفة، وقصد المشرع بنص المادة (٢٧ / ١) المشار إليها أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق العامة التابعة لهم – السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء فى هذا الصدد، دون أن يتعدى ذلك إلى الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية ولا إلى الاختصاص بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب وذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الاختصاص فى أى من هاتين الحالتين إلى الوزراء، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته ولا يجوز أن تفوض غيرها فيه، وهو فى كل الأحوال اختصاص لا تشمله عبارة ” السلطات والاختصاصات التنفيذية” الواردة بنص المادة (٢٧ / ١) المشار إليها على ما سلف البيان. وحيث إن البند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ بعد أن نص على مصادرة الأسماك موضوع المخالفة ووسيلة النقل، قضى بأن يصرف من حصيلة بيعها فى حدود ٥٠% للقائمين بالضبط، وكانت هذه المصادرة وقد تعلقت بأفعال جرمها ذلك القرار بالعقوبة التى فرضها على ارتكابها، فإن قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية المصادرة وسائر العقوبة التى تضمنها القرار المشار إليه لمخالفتها للمادتين (٣٦)، (٦٦) من الدستور، يستتبع زوال جميع الآثار التى ترتبت على أعمالها بما فى ذلك مكافأة الضبط التى قضى النص المطعون عليه بصرفها إلى القائمين عليه والتى لا يتصور قيامها إلا مرتبطة بالمصادرة المستوفية لشرائطها الدستورية، وهى فى النزاع الراهن مصادرة باطلة أصلاً. “لهذه الأسباب” حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (ب) من المادة (١٠) من قرار محافظ السويس رقم ٧٥ لسنة ١٩٨٥ بشأن صيد الأسماك الطازجة بميناء الأتكة للموسم السمكى ١٩٨٥، ١٩٨٦.

زر الذهاب إلى الأعلى