حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥ لسنة ٨ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥ لسنة ٨ دستورية
– – – ١ – – –
الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية سواء فى ذلك تلك المتعلقة بالشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة الإختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان متصلاً منها بإقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية ، إنما تحدد على ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها .
– – – ٢ – – –
نصوص الدستور إنما تمثل القواعد و الأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، و هى بإعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها و العمل بموجبها ، بإعتبارها أسمى القواعد الآمرة و أحقها بالنزول على أحكامها .
– – – ٣ – – –
أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور سنة ١٩٢٣ و إنتهاء بالدستور القائم، تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة و تضمينها لأحكامها فى صلبها ، تمكيناً للسلطة التنفيذية – فيما بين أدوار إنعقاد السلطة التشريعية أو حال غيبتها – من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية و تلجئها إلى الإسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فى شأنها ، و من ثم يكون تدخلها بهذه التدابير ، و تطبيقها لها ، مبرراً بحالة الضرورة ، و مستنداً إليها ، و بالقدر الذى يكون متناسباً مع متطلباتها ، و بوصفها تدابير من طبيعة إستثنائية و إذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية و ما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها بل تعد إستثناء يرد على أصل إنحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها ، و كان الدستور قد حصر هذه الأعمال الإستثنائية ، و بين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها ، تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة و ان تلادها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور ، و إلا وقع عملها مخالفا لأحكامه .
– – – ٤ – – –
أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور سنة ١٩٢٣ و إنتهاء بالدستور القائم، تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة و تضمينها لأحكامها فى صلبها ، تمكيناً للسلطة التنفيذية – فيما بين أدوار إنعقاد السلطة التشريعية أو حال غيبتها – من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية و تلجئها إلى الإسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فى شأنها ، و من ثم يكون تدخلها بهذه التدابير ، و تطبيقها لها ، مبرراً بحالة الضرورة ، و مستنداً إليها ، و بالقدر الذى يكون متناسباً مع متطلباتها ، و بوصفها تدابير من طبيعة إستثنائية و إذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية و ما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها بل تعد إستثناء يرد على أصل إنحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها ، و كان الدستور قد حصر هذه الأعمال الإستثنائية ، و بين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها ، تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة و ان تلادها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور ، و إلا وقع عملها مخالفا لأحكامه .
– – – ٥ – – –
سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية ، و كان الأصل هى أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها و أقامها عليها ، إلا أن الدساتير المصرية جميعها ، و من بينها دستور سنة ١٩٢٣ ، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية من تولى كل منها لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً ، بضرورة المحافظة على كيان الدولة و إقرار النظام فى ربوعها ازاء ما قد تواجهه – فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً لمواجهة إلتزاماتها الدولية التى حل ميعاد ايفائها قبل انعقاد السلطة التشريعية ، و لقد كان النهج الذى إلتزمته هذه الدساتير على اختلافها – و على ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الإختصاص بإتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع إستثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . و تلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الإختصاص الإستثنائى ، ذلك أن الإختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى . إذا كان ذلك ، و كانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها ، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توافر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة إختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة و الضاغطة بتلك التدابير العاجلة ، بل هى مناط مباشرتها لهذا الإختصاص ، و إليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور لها ، و لضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – و هى من طبيعة إستثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة و مطلقة لا قيد عليها و لا عاصم من جموحها أو إنحرافها .
– – – ٦ – – –
سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية ، و كان الأصل هى أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها و أقامها عليها ، إلا أن الدساتير المصرية جميعها ، و من بينها دستور سنة ١٩٢٣ ، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية من تولى كل منها لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً ، بضرورة المحافظة على كيان الدولة و إقرار النظام فى ربوعها ازاء ما قد تواجهه – فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً لمواجهة إلتزاماتها الدولية التى حل ميعاد ايفائها قبل انعقاد السلطة التشريعية ، و لقد كان النهج الذى إلتزمته هذه الدساتير على اختلافها – و على ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الإختصاص بإتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع إستثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . و تلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الإختصاص الإستثنائى ، ذلك أن الإختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى . إذا كان ذلك ، و كانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها ، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توافر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة إختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة و الضاغطة بتلك التدابير العاجلة ، بل هى مناط مباشرتها لهذا الإختصاص ، و إليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور لها ، و لضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – و هى من طبيعة إستثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة و مطلقة لا قيد عليها و لا عاصم من جموحها أو إنحرافها .
– – – ٧ – – –
النعى بإنتفاء حالة الضرورة التى تسوغ إصدار المرسوم بقانون رقم ٩٢ لسنة ١٩٣٧ الخاص بالإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة ٢٩٣ من قانون العقوبات المطعون عليه ، مردود بأنه صدر فى شأن يتعلق بالتنظيم القضائى الذى أضحى إرساء قواعده أمراً محتوماً تنفيذاً لإتفاق إلغاء الإمتيازات الأجنبية ، فقد حل هذا المرسوم بقانون – و على ما يبين من مذكرته التفسيرية و تقرير لجنة الحقانية بمجلس النواب – أشكالاً كان قد ثار فى العمل فى شأن تطبيق كل من المدتين ٢٩٣ من قانون العقوبات و ٣٤٧ من لائحة ترتيب المحكمة الشرعية ، فجعل أعمال المادة ٢٩٣ المشار إليها ممتنعاً قبل إستنفاد الإجراءات المنصوص عليها فى المادة ٣٤٧ من اللائحة المذكورة ، كما قضى بأن التنفيذ بالإكراه البدنى الذى يقع طبقاً للمادة المذكورة تستنزل مدته من عقوبة الحبس التى يحكم بها طبقاً للمادة ٢٩٣ كم قانون العقوبات ، و بذلك حدد هذا المرسوم بقانون إختصاص كل جهة ، و مواضع التطبيق لكل من هاتين المادتين . هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى تدل مضبطة الجلسة الثالثة لدور الإنعقاد العام المنعقد فى ٨ نوفمبر سنة ١٩٣٧على أن المرسوم بقانون المطعون عليه صدر ضمن مراسيم بقوانين أخرى هى المرسوم بقانون رقم ٨٨ لسنة ١٩٣٧ بشأن توسيع إختصاص المحاكم المختلطة بالنسبة لرعايا بعض الدول ، و المرسوم بقانون رقم ٨٩ لسنة ١٩٣٧ الخاص بالتشريع الذى تطبقه المحاكم المختلطة ، و المرسوم بقانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٣٧ بتعديل الأمر العالى الصادر فى ١٤ يونية سنة ١٩٣٨ بلائحة ترتيب المحاكم الأهلية ، و المرسوم بقانون رقم ٩١ لسنة ١٩٣٧ بشأن إختصاص محاكم الأحوال الشخصية المصرية ، و المرسوم بقانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٣٧ بتعديل الباب الرابع من كتاب الأول من قانون المرافعات المدنية و التجارية المختلطة ، و المرسوم بقانون رقم ٩٤ لسنة ١٩٣٧ الخاص بالإجراءات فى مواد الأحوال الشخصية. و جميعها تتعلق بالتنظيم القضائى و تحديد إختصاصات المحاكم ، و القوانين التى تطبقها و القواعد الإجرائية التى تتبع أمامها ، بعد ابرام الإتفاق الخاص بإلغاء الإمتيازات الأجنبية ولائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة و مايترتب عليها ، و الموقع عليه بمونترو فى ٨ مايو سنة ١٩٣٧ بين مصر و مندوبى الدول صاحبة الإمتيازات و الصادر بالموافقة عليه فى ٢٤ يولية سنة ١٩٣٧بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٣٧ . إذ كان ذلك ، و كان البين من هذه المضبطة أن صدور هذه المراسيم اقتضته ضروة لا تحتمل التأخير تتمثل فى وجوب العمل بها ابتدء من ١٥ أكتوبر سنة ١٩٣٧ تنفيذاً للإتفاق المشار إليه ، فإن رئيس الدولة إذ أصدر التشريع المطعون عليه فى تلك الظروف ، لا يكون مجاوزاً حدود سلطته طبقاً للمادة ٤١ من دستور سنة ١٩٢٣.
– – – ٨ – – –
المراسيم بقوانين التى تصدر طبقاً للمادة ٤١ من دستور سنة ١٩٢٣ لها بصريح نصها قوة القانون ، و من ثم فإنها تتناول بالتنظيم كل ما يتناوله القانون .
– – – ٩ – – –
الثابت من مضابط البرلمان دعوته إلى اجتماع غير عادى و عرض هذا المرسوم عليه فى أول اجتماع له ، و أن مجلس الشيوخ قد أقره بالجلسة الثانية لدورة الإنعقاد غير العادى المنعقدة بتاريخ أول نوفمبر سنة ١٩٣٧ كذلك أقره مجلس النواب بالجلسة الثالثة لهذا الدور المنعقد بتاريخ ٨ نوفمبر سنة ١٩٣٧ . إذ كان ذلك ، و كان البرلمان بمجلسيه قد أقر المرسوم بقانون المطعون عليه على ما سلف البيان ، فإن قوة القانون تستقر بصفة نهائية لأحكامه المطابقة فى نصها و فحواها للدستور .
– – – ١٠ – – –
النعى على المرسوم بقانون المطعون عليه ، إنه تضمن قيوداً على حكم المادة ٢٩٣ من قانون العقوبات خلافاً للإتجاه الذى كان سائداً عند اقتراع البلمان على نص المادة المذكورة ، مردود، بأن قالة مخالفة مرسوم بقانون لاتجاه ساد المجلس التشريعى – و بفرض صحتها – لا تصلح سبباً للطعن على نص فى قانون أو لائحة بعدم الدستورية ، ذلك أن المناط فى تقرير دستورية نص فى قانون أو لائحة بعدم الدستورية ، ذلك أن المناط فى تقرير دستورية نص تشريعى أو عدم دستورية ، هو بإتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها و حمايتها.
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . من حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعية كانت قد حصلت على حكم قضائى فى الدعوى رقم ٧٣ لسنة ١٩٨٤ أحوال شخصية السيدة زينب باستحقاقها نفقة مؤقتة لها ولصغيرها من المدعى عليه الأول . وإذ امتنع عن الوفاء بما فى ذمته من النفقة ، فقد أقامت ضده بالطريق المباشر الجنحة رقم ١١٥٦ لسنة ١٩٨٦ السيدة زينب ، غير أن المدعى عليه الأول دفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها قبل الآوان مستنداً فى ذلك إلى حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم ٩٢ لسنة ١٩٣٧ التى لا تجيز – فى الأحوال التى تطبق فيها المادة ٣٤٧ من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية – السير فى الإجراءات المنصوص عليها فى المادة ٢٩٣ من قانون العقوبات ما لم يكن المحكوم له بالنفقة أو بأجرة الحضانة أو الرضاعة قد استنفد الإجراءات المنصوص عليها فى المادة ٣٤٧ من اللائحة المشار إليها . وإذ كان الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها قبل الآوان متصلاً بالشروط التى تطلبها المرسوم بقانون رقم ٩٢ لسنة ١٩٣٧ لجواز تحريكها من قبل المدعية ضد المدعى عليه الأول ، فقد جحدت المدعية دستورية هذا المرسوم بقانون مستندة فى ذلك إلى أنه أتى بقيد على تطبيق المادة ٢٩٣ من قانون العقوبات كانت السلطة التشريعية قد رفضته من قبل مما يعد تحدياً لها واغتصاباً لسلطتها وخروجاً بالتالى على أحكام الدستور ، هذا بالإضافة إلى انتفاء حالة الضرورة التى تطلبتها المادة ٤١ من دستور مصر الصادر سنة ١٩٢٣ لجواز إصدار المرسوم بقانون المطعون عليه ، وكذلك انعدام الدليل على أن البرلمان قد دعى لإقراره ، ومن ثم يزول ما كان له من قوة القانون . وإذ صرحت محكمة الموضوع للمدعية برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقامت الدعوى الماثلة . وحيث إن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية سواء فى ذلك تلك المتعلقة بالشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان متصلاً منها باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية ، إنما تتحدد على ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها . وحيث إن البين من الاطلاع على أحكام المرسوم بقانون رقم ٩٢ لسنة ١٩٣٧ – الخاص بالإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة ٢٩٣ من قانون العقوبات – أنه صدر استناداً إلى المادة ٤١ من دستور مصر الصادر سنة ١٩٢٣ التى تنص على أنه ” إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر فى شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط ألا تكون مخالفة للدستور , ويجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادى وعرض هذه المراسيم عليه فى أول اجتماع له ، فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون ” . وحيث إن المدعية تنعى على المرسوم بقانون رقم ٩٢ لسنة ١٩٣٧ مخالفته لنص المادة ٤١ من الدستور المشار إليه مقولة أن حالة الضرورة التى تسوغ إصداره منتفية وأنه أضحى مخالفاً لذلك الدستور وباطلاً . وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور سنة ١٩٢٣ وانتهاء بالدستور القائم ، تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها فى صلبها تمكيناً للسلطة التنفيذية – فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيبتها – من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها إلى الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فى شأنها ، ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير ، وتطبيقها لها ، مبرراً بحالة الضرورة ومستنداً إليها ، وبالقدر الذى يكون متناسباً مع متطلباتها ، وبوصفها تدابير من طبيعة استثنائية ، ذلك أن الأصل فى نصوص الدستور – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة ، وهى باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها والعمل بموجبها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها . وإذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها ، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها ، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستنثائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها ، تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور ، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه . وحيث إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية ، وكان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها وأقامها عليها ، إلا أن الدساتير المصرية جميعها ، ومن بينها دستور سنة ١٩٢٣ ، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً ، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه – فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية التى حل ميعاد إيفائها قبل انعقاد السلطة التشريعية ، ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها – وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائى ، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى ، إذ كان ذلك ، وكانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها ، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توافر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة بل هى مناط مباشرتها لهذا الاختصاص ، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها هذة المحكمة للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور لها ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – وهى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها أو انحرافها . وحيث إن ما تنعاه المدعية من انتفاء حالة الضرورة التى تسوغ إصدار المرسوم بقانون المطعون عليه ، مردود بأنه صدر فى شأن يتعلق بالتنظيم القضائى الذى أضحى إرساء قواعده أمراً محتوماً تنفيذاً لاتفاق إلغاء الامتيازات الأجنبية ، فقد حل هذا المرسوم بقانون – وعلى ما يبين من مذكرته التفسيرية وتقرير لجنة الحقانية بمجلس النواب – إشكالاً كان قد ثار فى العمل فى شأن تطبيق كل من المادتين ٢٩٣ من قانون العقوبات و٣٤٧ من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، فجعل أعمال المادة ٢٩٣ المشار إليها ممتنعاً قبل استنفاد الإجراءات المنصوص عليها فى المادة ٣٤٧ من اللائحة المذكورة ، كما قضى بأن التنفيذ بالإكراه البدنى الذى يقع طبقاً للمادة المذكورة تستنزل مدته من عقوبة الحبس التى يحكم بها طبقاً للمادة ٢٩٣ من قانون العقوبات ، وبذلك حدد هذا المرسوم بقانون اختصاص كل جهة ، ومواضع التطبيق لكل من هاتين المادتين . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى تدل مضبطة الجلسة الثالثة لدور الانعقاد العام المنعقد فى ٨ نوفمبر سنة ١٩٣٧ على أن المرسوم بقانون المطعون عليه صدر ضمن مراسيم بقوانين أخرى هى المرسوم بقانون رقم ٨٨ لسنة ١٩٣٧ بشأن توسيع اختصاص المحاكم المختلطة بالنسبة لرعايا بعض الدول ، والمرسوم بقانون رقم ٨٩ لسنة ١٩٣٧ الخاص بالتشريع الذى تطبقه المحاكم المختلطة ، والمرسوم بقانون رقم ٩٠ لسنة ١٩٣٧ بتعديل الأمر العالى الصادر فى ١٤ يونيه سنة ١٩٣٨ بلائحة ترتيب المحاكم الأهلية ، والمرسوم بقانون رقم ٩١ لسنة ١٩٣٧ بشأن اختصاص محاكم الأحوال الشخصية المصرية ، والمرسوم بقانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٣٧ بتعديل الباب الرابع من الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية والتجارية المختلطة والمرسوم بقانون رقم ٩٤ لسنة ١٩٣٧ والخاص بالإجراءات فى مواد الأحوال الشخصية . وجميعها تتعلق بالتنظيم القضائى وتحديد اختصاصات المحاكم والقوانين التى تطبقها والقواعد الإجرائية التى تتبع أمامها بعد إبرام الاتفاق الخاص بإلغاء الامتيازات الأجنبية ولائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة وما يترتب عليها ، والموقع عليه بمونترو فى ٨ مايو سنة ١٩٣٧ بين مصر ومندوبى الدول صاحبة الامتيازات والصادر بالموافقة عليه فى ٢٤ يولية سنة ١٩٣٧ القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٣٧ ، إذ كان ذلك وكان البين من هذه المضبطة أن صدور هذه المراسيم اقتضته ضرورة لا تحتمل التأخير تتمثل فى وجوب العمل بها ابتداء من ١٥ أكتوبر سنة ١٩٣٧ تنفيذاً للاتفاق المشار إليه ، فإن رئيس الدولة إذ أصدر التشريع المطعون عليه فى تلك الظروف ، لا يكون مجاوزاً حدود سلطته طبقاً للمادة ٤١ من دستور سنة ١٩٢٣ . وحيث إن النعى بزوال قوة القانون التى كانت للمرسوم بقانون المطعون عليه لعدم دعوة البرلمان لإقراره ، مردود بأن الثابت من مضابط البرلمان دعوته إلى اجتماع غير عادى وعرض هذا المرسوم بقانون عليه فى أول اجتماع له ، وأن مجلس الشيوخ قد أقره بالجلسة الثانية لدورة الانعقاد غير العادى المنعقدة بتاريخ أول نوفمبر سنة ١٩٣٧ كذلك أقره مجلس النواب بالجلسة الثالثة لهذا الدور المنعقدة بتاريخ ٨ نوفمبر سنة ١٩٣٧ – إذ كان ذلك ، وكان البرلمان بمجلسيه قد أقر المرسوم بقانون المطعون عليه على ما سلف البيان ، فإن قوة القانون تستقر بصفة نهائية لأحكامه المطابقة فى نصها وفحواها للدستور ، ويكون هذا الوجه من النعى بالتالى على غير أساس حرياً بالرفض . وحيث إن ما تنعاه المدعية من أن المرسوم بقانون المطعون عليه قد تضمن قيوداً على حكم المادة ٢٩٣ من قانون العقوبات خلافاً للاتجاه الذى كان سائداً عند اقتراع البرلمان على نص المادة المذكورة ، مردود بأنه لما كان رئيس الدولة قد أصدر هذا المرسوم استناداً إلى المادة ٤١ من دستور سنة ١٩٢٣ ، وكانت المراسيم بقوانين التى تصدر طبقاً لهذه المادة لها بصريح نصها قوة القانون ، ومن ثم فإنها تتناول بالتنظيم ما يتناوله القانون ، كذلك فإن هذا العيب لو صح ، لا يعدو أن يكون نعياً بمخالفة مرسوم بقانون لاتجاه ساد المجلس التشريعى ولا يصلح بالتالى سبباً للطعن على نص فى قانون أو لائحة بعدم الدستورية ، ذلك أن المناط فى تقرير دستورية النص التشريعى أو عدم دستوريته هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها وحمايتها . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعية المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة