حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥٩ لسنة ٢١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٥٩ لسنة ٢١ دستورية
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت ٤ أغسطس سنة ٢٠٠١ الموافق الرابع عشر من جمادى الأولى سنة ١٤٢٢ه
برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / حمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله •
وحضور السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو جاد رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٥٩ لسنة ٢١ قضائية دستورية .
المقامة من
السيد المستشار / لطف الله ياسين جزر
ضد
١ – السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء
٢ – السيد المستشار وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ الحادى والثلاثين من أغسطس سنة ١٩٩٩، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (٢٩) مكرراً من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة النقض دائرة طلبات رجال القضاء الطلب رقم ٦١ لسنة ٦٧ قضائية أبدى فيه أن القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ أنشأ صندوقاً لكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى عينها، ونص على انصرافها إليهم جميعاً دون تفرقة بينهم سواء فى انتفاعهم بها أثناء مدة خدمتهم أو بعد إحالتهم إلى التقاعد، إلا أن قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ الصادر بتنظيم الانتفاع بتلك الخدمات خالف نهج ذلك القانون فى شأن حساب الإعانة الإضافية التى تقرر صرفها بالمادة (٢٩) مكرراً منه، إذ قضى بتقريرها بنسبة معينة عن كل سنة من سنوات الخدمة بالهيئات القضائية التى تزيد على خمس وعشرين سنة ، ونظراً لأن المدعى كانت له مدة خدمة سابقة على التحاقه بالقضاء، إذ عمل محامياً ثم كبيراً للمحامين بإدارة القضايا بالبنك العقارى المصرى منذ عام ١٩٦١، فقد طلب الحكم بأحقيته فى ضم هذه المدة السابقة عند حساب قيمة تلك الإعانة ، وأثناء نظر طلبه، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (٢٩) مكرراً من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، وإذ قدرت تلك الدائرة جدية دفعه، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية معدلاً بالقرار رقم ٢٢٧٦ لسنة ١٩٩٦ ينص فى المادة (٢٥) منه على أن (يؤدى الصندوق إعانة نهاية خدمة تقدر بخمسة وسبعين مثلاً من المرتب الأساسى الشهرى الأخير للعضو أو مبلغ ثلاثون ألف جنيه أيهما أكبر.
وتستحق هذه الإعانة فى الحالات الآتية :
١ – إحالة العضو إلى المعاش لبلوغه سن التقاعد، ولا يحول دون استحقاقها استمراره فى خدمة الهيئات القضائية بعد هذه السن.
٢ – إحالة العضو إلى المعاش لأسباب صحية تحول دون قيامه بوظيفته على الوجه اللائق وفقاً لأحكام قوانين الهيئات القضائية .
٣ – وفاة العضو حقيقة أو حكماً وفقاً للقانون، وتستحق الإعانة فى هذه الحالة لمن عينهم من زوج أو أقارب حتى الدرجة الرابعة ، وإلا استحقت لورثته الشرعيين.
كما تنص المادة (٢٩) مكرراً – المطعون فيها – على أنه فى الحالات المبينة المادة (٢٥) من هذا القرار يؤدى الصندوق إعانة إضافية تقدر بواقع أربعة أمثال الراتب الأساسى الشهرى الأخير للعضو عن كل سنة من سنوات خدمته بالهيئات القضائية التى تزيد على خمس وعشرين سنة ويراعى فى حساب هذه الإعانة اعتبار كسور السنة سنة كاملة .
وحيث إن من المقرر أن المصلحة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكان النزاع الموضوعى يدور حول أحقية المدعى فى حساب مدة خدمته السابقة على التحاقه بالقضاء عند تقدير قيمة الإعانة الإضافية المنصوص عليها بالمادة (٢٩) مكرراً آنفة البيان، فإن نطاق الطعن الماثل يتحدد فيما تضمنته هذه المادة من قصر الاعتداد فى حساب الإعانة الإضافية على سنوات الخدمة بالهيئات القضائية التى تزيد على خمس وعشرين سنة دون المدد التى قضيت بغيرها، ولا يمتد إلى سوى ذلك من أحكام حواها النص الطعين.
وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة (٢٩) مكرراً من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ آنف البيان – محدداً نطاقاً على النحو المتقدم – مخالفته للمادة (١٢٢) من الدستور التى تنص على أن يعين القانون قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التى تتقرر على خزانة الدولة ، وينظم القانون حالات الاستثناء منها والجهات التى تتولى تطبيقها، تأسيساً على أن القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ وقد كفل لأعضاء الهيئات القضائية الخدمات الصحية والاجتماعية التى حددها – ومن بينها الإعانة الإضافية – فما كان للقرار المطعون فيه، وهو أدنى مرتبة من القانون، أن يُعِّدل من قواعد استحقاقها، وإلا كان مخالفاً للدستور.
وحيث إن المادة (١) من القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية ، تقضى بأن ينشأ بوزراة العدل صندوق تكون له الشخصية الاعتبارية ، تخصص له الدولة الموارد اللازمة لتمويل وكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية للأعضاء الحاليين والسابقين وأسرهم، على أن يصدر بتنظيم هذا الصندوق، وقواعد الإنفاق منه، قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية .
وتنفيذاً لحكم هذه المادة أصدر وزير العدل القرار رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية ، متضمناً تحديد الأغراض التى يقوم عليها هذا الصندوق ووسائل تنفيذها ومتابعتها، وصور الخدمات الصحية والاجتماعية التى يقدمها ومداها، وما يخرج من نطاق مايتحمله الصندوق من تكلفتها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٧٥ المشار إليه، وإن أنشأ صندوقاً كافلاً الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التى عينها، ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم، إلا أن هذا القانون خلا من كل تحديد لها سواء فى نوعها أو مداها، وعهد بتفصيلها وتحديد ضوابطها إلى وزير العدل، مصدراً فى شأنها ما يناسبها من القرارات التى يوافق عليها المجلس الأعلى للهيئات القضائية . ولا يعتبر التنظيم الصادر عن وزير العدل فى هذا الشأن، منطوياً على حرمان من مزايا كفلها ذلك القانون، إذ يفترض الحرمان منها أن يكون أصلها مقرراً ابتداءً بمقتضى أحكامه، وهو ما لا دليل عليه من نصوصه التى وضعها المشرع ليكل إلى وزير العدل – بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية – أمر بيانها وشروط اقتضائها. يؤيد هذا النظر أن الدولة هى التى توفر بنفسها مصادر تمويل هذا الصندوق، وينبغى بالتالى أن يكون إنفاذ الخدمات التى يقدمها وما يترتب عليها من أعباء يتحملها، متطوراً، ومرتبطاً دوماً بموارده.
وحيث إن من المقرر، عملاً بنص المادة (١٤٤) من الدستور؛ أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارت اللازمة لتنفيذه، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها، وكان قانون صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية لا يتضمن تحديداً لقواعد الانتفاع بها، فإن بيان وزير العدل لشروط استحقاقها – إعمالا لسلطته فى مجال تنظيم هذا الصندوق وتقرير قواعد الإنفاق منه – لايكون منطوياً على تعديل لهذا القانون؛ وبالتالى غير مخالف للدستور من هذا الوجه.
وحيث إن المدعى ينعى كذلك على النص الطعين إخلاله بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما بالمادتين (٨، ٤٠) من الدستور، قولاً منه بأنه مايز فى حساب الإعانة الإضافية بين عضو الهيئات القضائية الذى أمضى فى خدمتها مدداً تزيد على خمس وعشرين سنة ، وبين العضو الذى قلَّت مدة خدمته بها عن هذا الحد حتى ولو كانت له مدة خدمة سابقة بعمل نظير مسدد عنها اشتراكات التأمينات الاجتماعية ، هذا فضلاً عن تعارضه مع نص المادة (٣٤ مكرراً / ١) من ذات القرار الذى يعتد بمدة الاشتغال بعمل نظير أو بالمحاماة فى حساب المبلغ الشهرى الإضافى المقرر بها.
وحيث إن مبدأ تكافؤ الفرص الذى تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة (٨) من الدستور يتصل فى مضمونه – على ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها، كما أن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – فى مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهى أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام؛ بما مؤداه: أن إعمال هذا المبدأ فى نطاق تطبيق النص الطعين يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص يجرى التزاحم عليها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كما أنه ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية ، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة (٤٠) من الدستور.
وحيث إن البين من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية أنه قد استحدث فى الفصل الأول من الباب الثالث منه نظاماً لإعانة نهاية الخدمة تُؤدَّى – على ما نصت عليه المادة (٢٥) منه – عند إحالة العضو إلى المعاش لبلوغه سن التقاعد، أو لأسباب صحية تحول دون قيامه بوظيفته على الوجه اللائق وفقاً لأحكام قوانين الهيئات القضائية ، أو عند وفاة العضو حقيقة أو حكماً وفقاً للقانون، واشترط هذا النظام لاستحقاق تلك الإعانة أن يسدد العضو الاشتراكات الشهرية المبينة بالجدولين المرافقين لقرار وزير العدل المشار إليه؛ ثم صدر قرار وزير العدل رقم ١٩٥٧ لسنة ١٩٨٤ معدلاً بعض أحكام نظام إعانة نهاية الخدمة لأعضاء الهيئات القضائية ومضيفاَ إلى قراره رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ مادة جديدة برقم (٢٩) مكرراً تقضى بمنح إعانة إضافية تقدر بواقع مثل ونصف الراتب الأساسى الشهرى الأخير للعضو – زيدت بالقرار رقم ٢٢٧٦ لسنة ١٩٩٦ إلى أربعة أمثال – عن كل سنة من سنوات خدمته بالهيئات القضائية الزائدة على خمس وعشرين سنة .
وحيث إن تقرير هذه الإعانة الإضافية بالنص الطعين قُصِدَ به تكريم أعضاء الهيئات القضائية ممن قضوا فى الخدمة الفعلية بها مدداً تزيد على خمس وعشرين سنة ، بحيث يتم منحهم هذه الإعانة عن الزائد من سنوات الخدمة على هذا القدر تقديراً من المشرع لطبيعة العمل بالهيئات القضائية والذى يختلف عن العمل فى غيرها، وإن بدا أنهما متشابهان، فالعمل القضائى هو عمل شاق بطبيعته، يأخذ من وقت العضو وجهده وصحته الكثير،ولايتساوى مع غيره من الأعمال، ومن ثم فإن إفراد المشرع أعضاء الهيئات القضائية الذين أمضوا فى خدمتها مدداً تزيد حقيقة – لا حكماً – على خمس وعشرين سنة دون أقرانهم الذين لم تبلغ خدمتهم الفعلية بها هذا القدر، بإعانة إضافية ، يكون قد قام على أساس موضوعى يبرره مبدأ المساواة ذاته، وليس من شأن التساوى بين الفريقين فى مدد الاشتراك فى نظام التأمين الاجتماعى أن يفرض المساواة بينهما فى الإعانة الإضافية ، فلكل من النظامين مجاله وأغراضه فلا يختلطان. ومن ناحية أخرى ؛ فإن الاعتداد ببعض مدد الخدمة السابقة فى أقدمية الوظيفة عند التعيين فيها وفقاً لقوانين الهيئات القضائية ؛ أو فى استحقاق المبلغ الشهرى الإضافى المقرر وفقاً لنظام الصندوق ذاته، لا يرتب – من زاوية دستورية – إدخال هذه المدد فى حساب تلك الإعانة ، على وجه الحتم واللزوم؛ فقد اطرد قضاء هذه المحكمة على أنه كلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها؛ وكان تقديره فى ذلك قائماً على أسس موضوعية ، مستهدفاً غايات لا نزاع فى مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لايجاوز متطلبات تلك الغايات؛ كان واقعاً فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ولو تضمن تمييزاً، ولا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التى توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابياً عن الكمال.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة النص الطعين لنص المادة (٣٤ مكرراً / ١) من قرار وزير العدل رقم ٤٨٥٣ لسنة ١٩٨١ مردود بأن الرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية التشريع، مناطها قيام تعارض بين نص قانونى أو لائحى وبين حكم فى الدستور، ولا شأن لها بما يقع من تناقض بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا فى مرتبتيهما؛ مالم يكن ذلك منطوياً – بذاته – على مخالفة دستورية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة