حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٤ لسنة ١٧ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٤ لسنة ١٧ دستورية
تاريخ النشر : ١٤ – ٠٩ – ١٩٩٥

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : بشأن رفض الدعوى الخاصة بالحكم بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية وقوانين الهيئات القضائية.

الحكم

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت ٢ سبتمبر سنة ١٩٩٥ الموافق ٦ ربيع الأخر ١٤١٦ هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور / عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور / عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور اعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور / عادل عمر شريف المفوض
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا
برقم ١٤ لسنة ١٧ قضائية دستورية
المقامة من

المستشار / فتحى حسن مصطفى
ضد
السيد / رئيس الجمهورية
السيد / رئيس الوزراء
السيد / وزير العدل
الإجراءات

بتاريخ الحادى والعشرين من مارس سنة ١٩٩٥، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية وقوانين الهيئات القضائية ، ذلك فيما نص عليه من العمل به إعتباراً من أول أكتوبر سنة ١٩٩٣.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفعت فيها، أصلياً: بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة ، وطلبت احتياطياً: الحكم برفضها. كما قدم المدعى مذكرة أصر فيها على طلباته.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد تقدم بالطلب رقم ٢ لسنة ٦٤ قضائية إلى محكمة النقض دائرة رجال القضاء إبتغاء الحكم بأحقيته فى العودة إلى الخدمة بذات أقدميته اعتباراً من ٧ / ١٠ / ١٩٩٣، والتعويض؛ قولاً منه بأنه كان يعمل مستشاراً بمحكمة استئناف القاهرة إلى أن أحيل إلى التقاعد لبلوغه سن الستين فى ١٦ / ١٢ / ١٩٩٢ مع بقائه فى الخدمة حتى ٣٠ / ٦ / ١٩٩٣؛ وإثر صدور القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية وقوانين الهيئات القضائية ، تقدم بطلب إلى المدعى عليه الثالث لإعادته إلى الخدمة ، إلا أنه لم يتلق رداً. وبجلسة ٧ / ٢ / ١٩٩٥ – المحددة لنظر ذلك الطلب – دفع المدعى بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ – المشار إليه– فيما نص عليه من العمل به اعتباراً من أول أكتوبر سنة ١٩٩٣. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، فقد قررت تأجيل نظر الطلب لجلسة ٦ / ٦ / ١٩٩٥ وصرحت بأن يقيم دعواه الدستورية ، فرفعها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الماثلة بعدم قبولها، تأسيساً على أن المدعى نعى على المادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية وقوانين الهيئات القضائية ، مخالفتها للدستور وذلك فيما نصت عليه من العمل بأحكامه هذا القرار بقانون اعتباراً من أول أكتوبر سنة ١٩٩٣. وأن ما توخاه من الطعن عليها، هو أن يعود إلى من تولى مهام العمل القضائى ، إذ لا زال دون الرابعة والستين التى يتقاعد القضاة ومن فى حكمهم عند بلوغها، وكان إبطال نص المادة الثانية من ذلك القرار بقانون – تبعاً للحكم بعدم دستوريتها – مؤداه: أن يعمل بالأحكام التى تضمنها بعد شهر من اليوم التالى لتاريخ نشره فى الجريدة الرسمية عملاً بنص المادة (١٨٨) من الدستور، فإن المصلحة الشخصية المباشرة لن تتوافر للمدعى فى النزاع الماثل، ذلك أن مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية ، لن يتغيرعما كان عليه قبلها.
وحيث إن هذا الدفع مردود، بأنه بتاريخ السابع من أكتوبر سنة ١٩٩٣ صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية وقوانين الهيئات القضائية ، ونص فى مادته الأولى على أن تستبدل عبارة أربعاً وستين سنة بعبارة ستين سنة فى كل من المواد (٦٩) من القانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية ، (١٢٣) من القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ بشأن مجلس الدولة ، (٢٩) من القانون رقم ٧٥ لسنة ١٩٦٣ بشأن تنظيم هيئة قضايا الدولة ، والمادة (١) من القانون رقم ٨٨ لسنة ١٩٧٣ ببعض الأحكام الخاصة بأعضاء النيابة الإدارية ، وفى تطبيق أحكام المواد (١٣٠) من القانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية و(١٤، ٢٤) من قانون
المحكمة الدستورية العليا
الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩. وقضى فى مادته الثانية بأن ينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية ، وتكون له قوة القانون؛ ويعمل به إعتباراً من أول أكتوبر سنة ١٩٩٣. وكان المفهوم المباشر لهذين النصين – متضاممين – أنه لا يجوز أن يبقى فى وظيفة القضاء أو يعين فيها من جاوز الرابعة والستين فى أول أكتوبر سنة ١٩٩٣، وكان المدعى لم يبلغ هذه السن فى تاريخ تقديم دعواه الدستورية إلى
المحكمة الدستورية العليا
وكان ما توخاه بدعواه هذه ينحصر فى إبطال نص المادة الثانية من القرار التى يقتصر تطبيقها على القائمين بالعمل القضائى فى أول أكتوبر ١٩٩٣، ليرتد نفاذها إلى من أحيلوا إلى التقاعد قبلها، ولا زالوا دون الرابعة والستين، فإن مصلحته الشخصية والمباشرة ، تكون متوافرة فى دعواه الدستورية على ماجرى عليه قضاء
المحكمة الدستورية العليا
من أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والتى لا زال أمرها مطروحاً على محكمة الموضوع.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته الدستور من وجهين أولهما: أن مجال تطبيقه يقتصر على رجال القضاء الذين كانوا يقومون بعملهم القضائى فى الأول من أكتوبر سنة ١٩٩٣، ولو كانوا قد بلغوا سن الستين عند صدور القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ المشار إليه، وبذلك استبعد هذا القرار بقانون من أحيلوا إلى التقاعد قبل صدوره، وما برحوا دون الرابعة والستين، وليس ذلك إلا تمييزاً منهياً عنه بنص المادة (٤٠) من الدستور، ذلك أن النص المطعون فيه مايز – دون أسس موضوعية – بين فئتين من رجال القضاء إحداهما تلك التى بلغ أفرادها سن الستين فى الفترة من الأول من أكتوبر ١٩٩٣حتى السابع منه، وآخراهما تلك التى أتم أفرادها هذه السن قبل أول أكتوبر ١٩٩٣. وبين ما مَّد للفئة الأولى خدمتها إلى الرابعة والستين، أبقى الفئة الثانية بعيداً عن العمل القضائى ، حال أن هؤلاء وهؤلاء من شيوخ القضاة الذين عُنِى القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ – المشار إليه – بضمان تواصل خبراتهم وعدم استنزافها. ثانيهما : أن شرعية القاعدة القانونية تقتضى اتسامها بالعمومية والتجريد، فلا يكون تطبيقها متعلقاً بأشخاص بذواتهم. وإذ كان البين من سجل أقدمية رجال القضاء والنيابة العامة لعام ١٩٩٣، أن واحداً فقط من بينهم، بلغ سن الستين فى الفترة من أول أكتوبر – تاريخ العمل بالقرار بقانون آنف البيان – والسابع من أكتوبر١٩٩٣ – وهو تاريخ صدوره – فإن هذا القرار بقانون يكون قد أُلبس شكل القاعدة القانونية على خلاف حقيقتها، متبنياً حالة فردية بذاتها ليكون منصرفاً إليها، ولا يعدو ذلك أن يكون إنحرافاً من السلطة التشريعية فى استعمال سلطة التشريع.
وحيث إن من المقرر، أن
المحكمة الدستورية العليا
لايجوز أن تتنصل من اختصاص نيط وفقاً للدستور والقانون، ولا أن تخوض – وبنفس القدر – فى اختصاص ليس لها، ذلك أن تخليها عن ولايتها، أو مجاوزتها لتخومها، ممتنعان من الناحية الدستورية . وعليها بالتالى ، ألا تترخص فى الفصل فيما يدخل فى اختصاصها من المسائل الدستورية ، لا تنحيها عنها أو تسقطها، بل يكون تصديها لها لازماً بقدر اتصالها بالنزاع الموضوعى ، وفى حدود الوقائع التى يقوم عليها. بيد أن ذلك لا يعنى الاندفاع بالرقابة القضائية على الدستورية إلى آفاق تجاوز متطلباتها، أو مباشرتها بعيداً عن القيود التى تتوازن بها، بل يتعين أن تكون هذه الرقابة – ولضمان فعاليتها – محددة طرائقها ومداخلها؛ جلية أسسها ومناهجها؛ وأن تُمارَس دوماً فى إطار مجموعة من الضوابط الذاتية التى تفرضها
المحكمة الدستورية العليا
على نفسها؛ ولا تقتضيها منها جهة أياً كان علوها لتحد بها من حركتها. وما ذلك إلا لأن الرقابة على الشرعية الدستورية ، يجب بالضرورة أن تكون رقابة متوازنة لا تميل إندفاعاً، بما يؤذن بانفلاتها من كوابحها، ولا تتراخى تخاذلاً بما يخرجها عن الأغراض التى تتوخاها، ليظل أمرها دوماً مقيداً بما يصون موجباتها، ويرعى حقائقها، وبما لا يعزلها عن جوهر مراميها كأداة تكفل فى آن واحد سيادة الدستور، ومباشرة السلطتين التشريعية والتنفيذية لاختصاصاتهما الدستورية .
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت
المحكمة الدستورية العليا
تباشر رقابتها القضائية على دستورية النصوص التشريعية ، بوصفها ملاذاً نهائياً وليس باعتبارها إجراءً احتياطياً، وعلى ضوء فهمها لأحكام الدستور، وبما يحول دون الإنزلاق برقابتها إلى حد اقتحام الحدود التى تمارس السلطة التشريعية اختصاصاتها الدستورية فى دائرتها؛ وكان التنظيم المقارن للرقابة على الشرعية الدستورية لا يخول
المحكمة الدستورية العليا
أن تزن بنفسها – وبمعاييرها – ما إذا كان التنظيم التشريعى المعروض عليها لازماً، وما إذا كان إقراره فى مناسبة بعينها ملائماً؛ وليس لها إلا أن ترد النصوص التشريعية المطعون عليها إلى أحكام الدستور، لا أن تخوض فى بواعثها أو تنافش دوافعها.
وحيث إن تنظيم العدالة وإدارتها إدارة فعالة مسألة وثيقة الصلة بالحرية وصون الحقوق على اختلافها. وقد كفل الدستور للسلطة القضائية استقلالها؛ وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل فى أعما لها، أو التأثير فيها، أو تحريفها، أو الإخلال بمقوماتها، باعتبار أن القرار النهائى فى شأن حقوق المتخاصمين وحرياتهم عائد، إليها، ترد عنهم العدوان، وتقدم لمن يلوذ بها الترضية القضائية التى يكفلها الدستور أو القانون أو كلاهما؛ لايثنيها عن ذلك أحد، وليس لجهة أياً كان شأنها، أن تصرفها عن مهامها، أو تعطلها، ليظل واجبها مقيداً دوماً بأن تفصل فيما يعرض عليها من أنزعة على اختلاف صورها، وفقاً لمقاييس موضوعية لايداخلها باطل، ولايعتريها بهتان، وعلى ضوء الوقائع التى تستبين لها صحتها، ووفقاً للقواعد القانونية المعمول بها، وبما يرد عنها كل تدخل فى شئونها، سواء كان ذلك بالوعد أو الوعيد، بالإغواء أو الإرغام، ترغيباً أو ترهيباً، بطريق مباشر أو غير مباشر، ليكون قول كل قاضٍ فصلاً فيما اختص به، ولضمان أن تصدر الأحكام القضائية جميعها، وفقاً لقواعد إجرائية تكون من صفة فى ذاتها، وبما يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتقاضين.
Les magistrats réglent les affaires dont ils sont saisis impartialement , daprés les faits et conformément la loi, sans restrictions et sans etre lobjet d,influences, incitations, pressions, menaces ou interventions indues, directes ou indirectes, de la part de qui que ce soit ou pour quelque raison que ce soit .
(Principes fondamentaux relatifs a l,indépendance de la magistrature adoptés par le septiémé Congrés des Nations Unies pour la prévention du crime et le traitement des délinquants qui s,est tenu a Milan du ٢٦ aout au ٦ septembre ١٩٨٥ et confirmés par l,Assemblée génerale dans ses résolutions ٣٢ / ٤٠ du ٢٩ novembre et ٤٠ / ١٤٦ du ٣١ décembre ١٩٨٥).
وحيث إن الدستور بعد أن نص فى المادة (١٦٥) على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، قرنها بالمادة (١٦٧) التى تفوض المشرع فى تحديد الشروط التى يُعَينَّ أو ينقل على ضوئها من يباشرون الوظيفة القضائية ، ويتولون شئونها؛ وكان من المقرر أن كل ما يتصل بشروط خدمتهم، بما فى ذلك مرتباتهم ومعاشاتهم وسن تقاعدهم، وعدم قابليتهم للعزل، ضمانة أساسية لا يستقيم عملهم بدونها، ويكفلها الدستور أو القانون أو كلاهما. متى كان ذلك، وكان قضاء
المحكمة الدستورية العليا
، قد جرى على أن القرارات بقوانين التى تصدر عن رئيس الجمهورية – إعمالاً لسلطاته الدستورية المنصوص عليها فى المادتين (١٠٨، ١٤٧) من الدستور – ، لها بصريح لفظها قوة القانون، وأنها بذلك يجوز أن تتناول بالتنظيم كل المسائل التى عهد الدستور إلى المشرع بتنظيمها بقانون، فإن القواعد التى عدل بها القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣ – آنف البيان – سن التقاعد للقضاة – ومن فى حكمهم – بزيادتها إلى أربع وستين عاماً، لا تنال من استقلال السلطة القضائية ، ولا تمثل تدخلاً فى شئونها؛ بالقدر – وفى الحدود – التى تقوم فيها هذه القواعد على أسس موضوعية لها معينها. وحيث إن البين من المذكرة الايضاحية لمشروع القرار بقانون آنف البيان، أن الإهدار المتزايد للثروة القضائية العريضة – وبوجه خاص فى خبراتها الأعلى وزناً وقدراً – كان يتفاقم يوماً بعد يوم، مما حتم اتخاذ إجراء عاجل فى شأنها، يكفل عدم استنزافها، ويضمن اتصال حلقاتها، تأميناً للعدل بين الناس، وصوناً لمصلحة قومية حيوية تكفل استقرار المراكز القانونية لمن يكون من القضاة – ومن فى حكمهم – متولياً فى تاريخ العمل بهذا القرار بقانون – وبالتطبيق لأحكامه – مسئولية الوظيفة القضائية ليكون بقاؤهم فى مناصبهم واتصال ارتباطهم بأعبائها منعطفاً رئيسياً لإنفاذ عدالة واعية ومقتدره ينهضون برسالتها، ويتحملون بأدق تبعاتها ولا تستقيم شئونها بغير تنظيمها والإنطلاق بها إلى مداها بدءً من أول العام القضائى وبما لا يؤثر على هذا التنظيم سلباً، إذا ظل متراخياً إلى ما بعد ذلك. وحيث إن الدساتير المصرية جميعاً بدءً من دستور سنة ١٩٢٣ وانتهاءً بالدستور القائم، ترد المواطنين جميعاً إلى قاعدة واحدة ، حاصلها مساواتهم أمام القانون، باعتبارها قواماً للعدل، وجوهر الحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الأغراض التى تستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها.وغدا أمر هذه المساواة ، فى أساس بنيانها – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة ، التى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعما لها – كذلك – إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يكون قد ارتآه كافلاً للصالح العام.
ولئن نص الدستور – فى المادة (٤٠) – على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بعينها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس من الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن ايراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز فيها محظوراً، مرده أنها الأكثر شيوعاً من الناحية العملية ، ولا يدل البتة على انحصاره فيها، وإلا جاز التمييز بين المواطنين على أساس من ثرواتهم أو مولدهم أو مراكزهم الاجتماعية أو انتماءاتهم الطبقية ، أو ميولهم، أو آرائهم، أو عصبيتهم أو نزعاتهم، وهو ما لا يتصور أن يكون الدستور قد قصد إليه، ذلك أن صور التمييز جميعها – التى تفتقر إلى أسسها الموضوعية – تناقض المساواة التى كفلها، وتنقص بنيانها، أو تنال من محتواها.
وحيث أن الأصل فى كل تنظيم تشريعى أن يكون منطوياً على تقسم أو تصنيف Clqssification أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو المزايا أو الحقوق التى كفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية – التى نظم بها المشرع موضوعاً محدداً – عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها، بالوسائل إليها، منطقياً، وليس واهناً أو واهياً، بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً.
Classification is inherent in Legislation in that legislators may select different persons or groups for different treatment. However, the state may not rely on a classification whose relationship to an asserted goal is so attemuated as to render the distinction arbitrary or irrational .
وأساس، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل يتغيا بلوغ أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً لمصلحة لها شأنها يقوم عليها هذا التنظيم، متخذاً من القواعد القانونية التى تبناها سبيلاً إليها، فإذا انقطع اتصال هذه القواعد بأهدافها، كان التمييز بين المواطنين فى مجال تطبيقها، تحكمياً ومنهياً عنه دستورياً. ولئن جاز القول بأن صور التمييز التى تناقض مساواتهم أمام القانون، يتعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو استبعاد أو تفضيل يجاوز الحدود المنطقية لتنظيم الحقوق والحريات التى كفلها الدستور؛ وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو من خلال تقييد آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
Equality before the law requires an absence of discrimisatory treatment except for those in different circum stan ces.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان التباين فى المراكز القانونية يفترض تغايرها – ولو فى بعض جوانبها – لتنافر أجزاؤها، فلا تتحد العناصر التى تكونها، وكانت القواعد التى تضمنتها المادتان الأولى والثانية من القرار بقانون رقم ١٨٣ لسنة ١٩٩٣بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية وقوانين الهيئات القضائية ، لا تقيمان فى مجال تطبيقها، تمييزاً فيما بين المخاطبين بها، المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان اختيار الأول من أكتوبر سنة ١٩٩٣موعداً لسريانها ونفاذ آثارها، مرتبطاً ببداية العام القضائى ، وبمن كان آنئذ من رجال القضاء – ومن فى حكمهم – قائماً بأعباء الوظيفة القضائية ، متواصلا ًبالتالى عطاؤهم فى مجال تصريفهم لشئونها، خلافاً لهؤلاء الذين انفصمت رابطتهم بالعمل القضائى قبل هذا التاريخ، وكان هذان الاعتبار ان يقيمان معاً الحدود المنطقية للتنظيم المطعون فيه، فإن النعى عليه الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، يكون منتحلاً.
وحيث إن قضاء
المحكمة الدستورية العليا
مستقر كذلك، على أن عموم القاعدة القانونية ؛ لا يعنى إنصرافها إلى من يقيمون على امتداد الإقليم بأسرهم، ولاتعلقها بأفعالهم وتصرفاتهم جميعها أو انبساطها عليها، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها؛ وتتكامل خصائصها؛ بانتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة عن الإعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديداً بما لاُيلِْبسها بغيرها. إذ كان ذلك؛ وكان حكم المادة الثانية من القرار بقانون آنف البيان، متكاملاً مع مادته الأولى ينسحب إلى من كان قائماً فى الأول من أكتوبر سنة ١٩٩٣ بأداء العمل القضائى سواء أكان من رجال القضاء – أو من فى حكمهم – فإن مجال تطبيقهما – بالضرورة – يمتد إلى أشخاص غير محددين بذواتهم؛ وليتمحض عن قاعدة موضوعية لا تخصيص فيها ولا يقوم بها صحيح ادعاء إنحراف رئيس الجمهورية – من خلال هذا التنظيم – فى استعمال سلطة التشريع. وحيث إن التنظيم المطعون عليه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أى وجه آخر.
فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

زر الذهاب إلى الأعلى