حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٤٣ لسنة ٢١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٤٣ لسنة ٢١ دستورية
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السادس من مايو سنة ٢٠١٢م، الموافق الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة ١٤٣٣هـ.
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان – رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور / عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر والدكتور / حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم والدكتور / حسن عبد المنعم البدراوى. – نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو – رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع – أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم ١٤٣ لسنة ٢١ قضائية “دستورية”.
المقامة من:
السيد / محمد أحمد السيد.
ضد:
١ – السيد رئيس الجمهورية.
٢ – السيد رئيس مجلس الوزراء.
٣ – السيدة / مبروكة سعد السيد صالح
الإجراءات
بتاريخ الرابع من شهر أغسطس سنة ١٩٩٩، أقام المدعى الدعوى المعروضة، بإيداع صحيفتها قلم كتاب هذه المحكمة، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (٥٦٣) من القانون المدنى.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أولاً: بعدم قبول الدعوى فيما جاوز ما ورد بالبند (ب) من النص المطعون عليه بشأن المنازل، ثانيًا: برفض الدعوى.
وقدم المدعى مذكرات بدفاعه، قصر فيها طعنه على ما ورد بصدر النص المطعون عليه، فيما يتعلق بالمنازل الوارد بالبند (ب) من تلك المادة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليها الثالثة كانت قد أقامت ضد المدعى الدعوى رقم ٨٢٦ لسنة ١٩٩٨ مدنى، أمام محكمة مركز إمبابة الجزئية، طلبًا للحكم بإنهاء العلاقة الإيجارية موضوع العقد المؤرخ ١ / ١١ / ١٩٨٨، وتسليمها العين المؤجرة خالية، قولاً منها بأنه بموجب العقد المشار إليه، أجرت للمدعى شقة سكنية بالطابق الأول فوق الأرضى، بالعقار ملكها، الكائن بقرية جزيرة محمد، بالوراق بمحافظة الجيزة، ولم يتضمن العقد تحديدًا لمدة الإيجار، ولعدم رغبتها فى تجديد العقد، قامت بتاريخ ١٥ / ٨ / ١٩٩٨، بالتنبيه على المدعى بإخلاء العين، إلا أنه لم يمتثل، مما حدا بها لإقامة دعواها، استنادًا لنص البند (ب) من المادة (٥٦٣) من القانون المدنى وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعى بعدم دستورية نص المادتين (٥٥٨، ٥٦٣) من القانون المدنى، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى المعروضة. بيد أن محكمة الموضوع مضت فى نظر الدعوى، وقضت فيها بجلسة ٣١ / ١٠ / ١٩٩٩ بعدم القبول، لتوجيه التنبيه بعدم الرغبة فى تجديد العقد والإخلاء بعد الميعاد المنصوص عليه فى البند (ب) من المادة المطعون عليها. وإثر ذلك القضاء، عاودت المدعى عليها الثالثة توجيه التنبيه، ثم أقامت الدعوى رقم ٣٦ لسنة ٢٠٠٠ مدنى، أمام محكمة مركز إمبابة الجزئية، بالطلبات ذاتها فى الدعوى السابقة، وقضت فيها المحكمة بجلسة ٢٨ / ٥ / ٢٠٠٠، بانتهاء عقد الإيجار وإخلاء المدعى من العين المؤجرة، وتسليمها للمدعى عليها الثالثة خالية.
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن اتصال الخصومة الدستورية بها، وفقًا للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها، يعنى دخولها فى حوزتها، لتهيمن عليها وحدها، فلا يجوز بعد انعقادها أن تتخذ محكمة الموضوع إجراءً أو تصدر حكمًا يحول دون الفصل فى المسائل الدستورية التى قدرت جدية ما أثاره ذوو الشأن بخصوصها، بل عليها أن تتربص قضاء المحكمة الدستورية العليا فيها. بما مؤداه أنه فيما عدا الأحوال التى تنتفى فيها المصلحة فى الدعوى الدستورية بقضاء من هذه المحكمة، أو التى ينزل فيها خصم عن الحق فى دعواه الموضوعية من خلال ترك الخصومة فيها، أو التى يتخلى فيها عن دفع بعدم الدستورية سبق لمحكمة الموضوع تقدير جديته، أو التى يكون عدولها عن تقدير الجدية مبناه إعمالها للآثار المترتبة على قضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأن النصوص ذاتها التى كانت محًّلا للدفع بعدم الدستورية، فإن على محكمة الموضوع أن تلتزم تقديرها السابق لجدية الدفع، وإلا كان عملها مخالفًا لنصوص المواد (٦٥، ٦٨، ١٧٥) من دستور سنة ١٩٧١ – المقابلة لنص المادتين (٢١، ٤٩) من الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ ٣٠ / ٣ / ٢٠١١ – وعلى ذلك يتعين على المحكمة الدستورية العليا المضى فى نظر الدعوى المعروضة، لتقول كلمتها فيما تعرضه من مسائل دستورية، دون التقيد بقضاء محكمة الموضوع آنف الذكر.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التى قدرت فيه جديته وصرحت برفع الدعوى الدستورية بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية أو يتعدى نطاقها. متى كان ذلك، وكان الدفع الذى أبداه المدعى بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع، قد شمل نص المادتين (٥٥٨، ٥٦٣) من القانون المدنى، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، إلا أن صحيفة الدعوى الدستورية المعروضة لم تشمل نص المادة (٥٥٨) من القانون المدنى، ومن ثم لا يكون أمرها مطروحًا على هذه المحكمة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع. ولا تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة إلا باجتماع شرطين، أولهما: أن يقيم المدعى – وفى الحدود التى اختصم فيها النص التشريعى المطعون عليه – الدليل على أن ضررًا واقعيًّا – اقتصاديًّا أو غيره – قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرًا مستقًّلا بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية. وثانيهما: أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، فإذا كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة فى مخاصمته، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الحالة لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إن القانون المدنى قد تناول فى المواد من (٥٥٨) إلى (٦٠٩) الأحكام العامة لعقد الإيجار، ومن بينها ضرورة أن يكون لمدة معينة (المادة ٥٨٨)، فإن لم يكن معين المدة، وتغليبًا لصحة العقد على بطلانه، فقد أورد حكمًا تكميليًّا لإرادة أطراف العقد، يتضمن تأقيت مدة الإيجار، بجعلها الفترة المحددة لدفع الأجرة، وذلك بما نصت عليه المادة (٥٦٣) منه – المطعون عليها – من أن “إذا عقد الإيجار دون اتفاق على مدة، أو انعقد لمدة غير معينة، أو تعذر إثبات المدة المدعاة، اعتبر الإيجار منعقدًا للفترة المعينة لدفع الأجرة، وينتهى بانقضاء هذه الفترة بناءً على طلب أحد المتعاقدين إذا هو نبه على المتعاقد الآخر بالإخلاء فى المواعيد الآتى بيانها: ( أ ) فى الأراضى الزراعية والأراضى البور…..، (ب) فى المنازل والحوانيت والمكاتب والمتاجر……….، (ج) فى المساكن والغرف المؤثثة…………..”.
وحيث إن الأزمة التى أدت إلى ندرة الأماكن المؤجرة عقب الحرب العالمية الثانية، أملت على المشرع المصرى التدخل لحماية المستأجرين، بموجب قوانين متعاقبة، ضمَّنها أحكام تكفل هذه الحماية، من بينها امتداد عقود إيجار الأماكن ولو انتهت مدتها (المادة ٣١ من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والتى حلت محلها المادة ١٨ من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١). ونصت الفقرة الأولى من المادة (١) من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه على أن “فيما عدا الأراضى الفضاء، تسرى أحكام هذا الباب على الأماكن وأجزاء الأماكن على اختلاف أنواعها المعدة للسكنى أو لغير ذلك من الأغراض،….. وذلك فى عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدنا بالتطبيق لأحكام القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٧٥ بإصدار قانون نظام الحكم المحلى والقوانين المعدلة له”. ونصت الفقرة الثانية من تلك المادة على أن “ويجوز بقرار من وزير الإسكان والتعمير مد نطاق سريان أحكامه، كلها أو بعضها على القرى بناءً على اقتراح المجلس المحلى للمحافظة،….”. وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن راقبت مدى دستورية ما ورد بذلك النص من استثناء القرى من تطبيق أحكام الامتداد القانونى لعقد إيجار الأماكن، وذلك فى القضية الدستورية رقم ٦٣ لسنة ١٣ قضائية، ورأت اتفاق ذلك مع أحكام الدستور، فقضت بجلسة ٢٠ / ٦ / ١٩٩٣ برفض الدعوى.
وحيث كان ذلك، وكان ما يحول بين المدعى واستفادته من الامتداد القانونى لعقد إيجار المسكن المؤجر له بقرية جزيرة محمد بالوراق بمحافظة الجيزة، هو ما ورد النص عليه فى المادة (١) من القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧ المشار إليه، من استبعاد الأماكن المؤجرة بالقرى من الامتداد القانونى لعقد الإيجار، ما لم يصدر قرار من وزير الإسكان والتعمير بمد نطاق هذا الحكم للقرى. وعلى ذلك، فإن الضرر الذى يراه المدعى أنه لحق به، لا يتصل مباشرة وعلى استقلال بنص المادة (٥٦٣) من القانون المدنى – المطعون عليها – والفصل فى دستوريتها لا يرتب انعكاسًا على النزاع المعروض على محكمة الموضوع، والحكم فيه. ومن ثم لا تتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى الدعوى المعروضة، مما لزامه الحكم بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.