حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣ لسنة ١١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣ لسنة ١١ دستورية
– – – ١ – – –
المطاعن الشكلية التى تلحق التشريع تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور سواء فى ذلك ما كان منها متصلا بإقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال إنعقاد السلطة التشريعية ، أو ما كان منها منصرفا إلى الشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة الإختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها ، و من ثم ينسحب قضاء المحكمة الدستورية العليا فى خصوصها إلى تلك المطاعن وحدها و لا يعتبر الحكم الصادر برفضها مطهرا للنصوص التشريعية المطعون عليها من العيوب الموضوعية التى تشوبها أو مانعا كل ذى مصلحة من طرحها على هذه المحكمة وفقا لقانونها .
– – – ٢ – – –
إن المادة ٢٢ من الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر سنة ١٩٥٨ التى تنص على ألا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة ، و لا تجيز تقرير مشروع إلا بعد أخذ الرأى فيه مادة مادة ، ينسحب حكمها إلى القوانين التى تقرها السلطة التشريعية الأصيلة ممثلة فى مجلس الأمة و لا شأن لها بالتدابير العاجلة التى يتخذها رئيس الجمهورية لمواجهة حالة الضرورة فى إطار الرخصة التشريعية الاستثنائية التى يملكها وفقا لنص المادة ٢٣ من الدستور المؤقت التى تخوله أن يصدر أى قرار أو تشريع مما يدخل أصلا فى إختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة إلى إتخاذه فى غيابه .
– – – ٣ – – –
إن بطلان تكوين المجلس التشريعى – عند ثبوته – لا ينسحب إلى القوانين التى أقرها و لا إلى القرارات أو التدابير التى اتخذها قبل نشر الحكم ببطلان تكوينه فى الجريدة الرسمية بل تظل جميعها محمولة على أصلها من الصحة بما مؤداه بقاؤها نافذة معمولا بها إلى أن تقرر الجهة المختصة دستوريا إلغاءها أو تعديلها أو تقضى هذه المحكمة بعدم دستورية نصوصها التشريعية إذا كانت المطاعن الموجهة إليها تقوم على وجه آخر غير بطلان تكوين المجلس التشريعى ذاته
– – – ٤ – – –
إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً من دستور سنة ١٩٢٣ و إنتهاء بالدستور القائم تفصح جميعها عن إعتناقها لنظرية الضرورة و تضمينها لأحكامها فى صلبها تمكينا للسلطة التنفيذية فيما بين أدوار إنعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية و تلجئها إلى الإسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فى شأنها . و من ثم يكون تدخلها بهذه التدابير و تطبيقها لها ، مبررا بحالة الضرورة و مستنداً إليها ، و بالقدر الذى يكون متناسبا مع متطلباتها ، و بوصفها تدابير من طبيعة إستثنائية .
– – – ٥ – – –
الأصل فى نصوص الدستور أنها تمثل القواعد و الأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة ، و هى بإعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها و العمل بموجبها بإعتبارها أسمى القواعد الآمرة و أحقها بالنزول على أحكامها.
– – – ٦ – – –
إن الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية و ما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها ، بل تعد إستثناء يرد على أصل إنحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها . إذ كان ذلك ، و كان الدستور قد حصر هذه الأعمال الإستثنائية و بين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها ، و من ثم تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة و أن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور ، و إلا وقع عملها مخالفا لأحكامه .
– – – ٧ – – –
إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقا للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية ، و لئن كان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها ، و أقامها عليها إلا أن الدساتير المصرية جميعها ، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا ، بضرورة المحافظة على كيان الدولة و إقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه – فيما بين أدوار إنعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازما لمواجهة التزاماتها الدولية الحالة ، و لقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على إختلافها – و على ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص بإتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع إستثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . و تلك هى حالة الضرورة التى إعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الإختصاص الاستثنائى ، ذلك أن الإختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون إستثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى . إذ كان ذلك ، و كانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها ، فإن إنفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توفر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة و الضاغطة بتلك التدابير العاجلة ، بل هى مناط مباشرتها لهذا الإختصاص ، و إليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور ، و لضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – و هى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة و مطلقة لا قيد عليها ، و لا عاصم من جموحها و إنحرافها .
– – – ٨ – – –
إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقا للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية ، و لئن كان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها ، و أقامها عليها إلا أن الدساتير المصرية جميعها ، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا ، بضرورة المحافظة على كيان الدولة و إقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه – فيما بين أدوار إنعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازما لمواجهة التزاماتها الدولية الحالة ، و لقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على إختلافها – و على ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص بإتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع إستثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . و تلك هى حالة الضرورة التى إعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الإختصاص الاستثنائى ، ذلك أن الإختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون إستثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى . إذ كان ذلك ، و كانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها ، فإن إنفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توفر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة و الضاغطة بتلك التدابير العاجلة ، بل هى مناط مباشرتها لهذا الإختصاص ، و إليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور ، و لضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – و هى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة و مطلقة لا قيد عليها ، و لا عاصم من جموحها و إنحرافها .
– – – ٩ – – –
النعى بإنتفاء حالة الضرورة التى تسوغ إصدار القرار بقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ فى شأن مكافحة الدعارة فى الجمهورية العربية المتحدة مردود بأن البين من الإطلاع على المذكرة الإيضاحية لذلك التشريع ، أن رئيس الجمهورية أصدر القرار رقم ٨٨٤ بتاريخ ١١ مايو سنة ١٩٥٩ مقررا بمقتضاه إنضمام الجمهورية العربية المتحدة إلى الإتفاقية الدولية لمكافحة الإتجار فى الأشخاص و إستغلا دعارة الغير الموقعة فى ليك سكس بتاريخ ٢١ مارس سنة ١٩٥٠ ، و كانت المادة الأولى منها تقرر موافقة الدول أطرافها على معاقبة أى شخص يقوم بقصد اشباع شهوة الغير بحمل أى شخص آخر أو ترغيبه أو تقديمه لأغراض الدعارة أو إستغلال دعارته و لو كان ذلك بموافقته . كما تلزم الاتفاقية الدول أطرافها بالعمل على معاقبة كل من يفتح بيتاً للدعارة أو يديره أو يقوم بتمويله مع علمه بذلك ، و كذلك كل من يؤجر بناء أو مكانا أو جزءا من بناء أو مكان أو يستأجره بقصد دعارة الغير إلى غير ذلك من الأعمال التى تعتبر شروعا فى إرتكاب أى جريمة مما تقدم أو تعد من الأفعال التحضيرية لها . لما كان ذلك ، و كان إنضمان الجمهورية العربية المتحدة إلى تلك الإتفاقية يجعلها طرفا فيها و يلزمها بالعمل على تنفيذ أحكامها و من بينها إلغاء الدعارة فى كل صورها بإعتبار أن الدعارة و ما يتبعها من شر الإتجار فى الأشخاص بقصد إشباع شهوات الغير تناقض كرامة الانسان ، و تعرض للخطر مصالح الفرد و الأسرة و الجماعة ، و هو ما واجهته الإتفاقية بذهابها إلى حد إلزام الدول أطرافها بأن تعمل على إتخاذ التدابير التى من شأنها منع البغاء و ضمان تأهيل ضحاياه و إصلاحهم إجتماعيا عن طريق الخدمات الإجتماعية و الصحية و الإقتصادية و التعليمية و غيرها من الخدمات المتصلة بها ، و كذلك إتخاذ التدابير اللازمة لتنظيم دعاية مناسبة لتحذير الجمهور من مخاطر الاتجار بالأشخاص فى مجال الدعارة ، فضلا عن إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بالقوانين و اللوائح المعمول بها لديها فى شأن المسائل التى تنظمها الإتفاقية ، و كذلك نصوص القوانين و اللوائح الجديدة و كافة التدابير التى تتخذ لتنفيذ أحكامها . إذ كان ذلك ، و كان البغاء – عند إنضمام الجمهورية العربية المتحدة إلى الإتفاقية السالف بيانها – محظورا فى إقليمها الجنوبى و منظما فى إقليمها الشمالى ، و كان إنفاذ أحكام تلك الإتفاقية يقتضى تطبيقها على إقليميها لفرض العقوبة الملائمة على الصور المختلفة للبغاء سواء فى ذلك ما تعلق منها بالتحريض على البغاء أو المساعدة عليه أو إستغلاله أو إحترافه أو غير ذلك من أشكاله ، فقد أصدر رئيس الجمهورية العربية المتحدة القرار بقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ مؤكدا بالأحكام التى تضمنها ما يقتضيه النزول على الإتفاقية الدولية المشار إليها من إتخاذ التدابير التشريعية العاجلة التى تكفل إلغاء البغاء و مكافحته فى إقليمى الجمهورية ، و آية ذلك أن هذه الاتفاقية و إن كان لها قوة القانون عملا بنص المادة ٥٦ من الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر سنة ١٩٥٨ ، و المادة ١٥١ من الدستور القائم ، إلا أن أحكامها تحيل إلى القوانين و النظم فى الدول أطرافها و تتطلب إقرار ما يكون لازما منها لتفصيل الأحكام التى أجملتها الإتفاقية بمراعاة أغراضها كى تحدد على ضوئها جرائم الفجور و الدعارة فى أشكالها المختلفة ، و تقرر كذلك عقوباتها ، إلى غير ذلك من التدابير الإجتماعية و التعليمية و الصحية التى تتصل بمكافحة البغاء فى صوره المتعددة و تأهيل ضحاياه ، بما لا يجوز معه القول بإنتفاء حالة الضرورة التى تسوغ إصدار رئيس الجمهورية للقرار بقانون المطعون عليه ، الأمر الذى يعتبر معه هذا الوجه من النعى على غير أساس .
– – – ١٠ – – –
نعى المدعية بأن القرار بقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ فى شأن مكافحة الدعارة فى الجمهورية العربية المتحدة لم يعد ساريا لوقوع إنفصال بين إقليمى الجمهورية ، مردود بأن قالة إنتهاء العمل بأحكام ذلك القرار بقانون – بفرض صحتها – لا تدل بذاتها على أن عوارا دستوريا شابها ، و إنما يتمحض هذا الوجه من النعى – فى حقيقته – عن أن النصوص القانونية المتصلة بالتهمة المعاقب عليها بأحكام ذلك القرار بقانون و التى نسبتها النيابة العامة إليها لا ينبغى تطبيقها عليها لسقوطها تبعا لإنفصال سوريا عن الدولة التى كانت تضمها مع مصر ، بما يعنيه ذلك من وجوب تبرئتها من هذه التهمة عملا بمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات ، و هو أمر يعود قانونا إلى محكمة الموضوع ذاتها التى تختص دون غيرها بالتحقق مما إذا كانت الأفعال التى أتتها المدعية تشكل جريمة معاقبا عليها وفقا للقانون .
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد أقامت الدعوى الجنائية قبل المدعية فى القضية رقم ٣٥٧٤ لسنة ١٩٨٨ جنح آداب القاهرة ناسبة لها ممارسة الدعارة على وجه الاعتياد مع الرجال دون تمييز لقاء أجر . وطلبت عقابها بالمادتين ٩ / ج ، ١٥ من القرار بقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ فى شأن مكافحة الدعارة فى الجمهورية العربية المتحدة ، وبالجلسة المحددة لمحاكمتها دفع وكيلها بعدم دستورية أحكام القرار بقانون المشار إليه ، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى الجنائية لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقام وكيلها الدعوى الماثلة . وحيث إن المدعية تنعى على القرار بقانون المشار إليه أن رئيس الجمهورية أصدره فى غيبة السلطة التشريعية دون أن تتوافر حالة الضرورة التى تخول رئيس الجمهورية – وفقاً لنص المادة ٥٣ من الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر سنة ١٩٥٨ – أن يصدر حال غياب مجلس الأمة أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلاً فى اختصاص هذا المجلس على ان يعرض عليه فور انعقاده ، كما تنعى المدعية على ذلك القرار بقانون عدم إقراره مادة مادة بالمخالفة لنص المادة ٢٢ من الدستور المؤقت سالف البيان التى تنص على ما يلى ” لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة ولا يجوز تقرير مشروع قانون إلا بعد أخذ الرأى فيه مادة مادة ” هذا بالإضافة إلى صدور القرار بقانون المطعون عليه بالمخالفة لنص المادة ١٣ من ذلك الدستور التى تنص على أن يتولى السلطة التشريعية مجلس يسمى مجلس الأمة يحدد أعضاؤه ويتم اختيارهم بقرار من رئيس الجمهورية – على أن يكون نصفهم على الأقل من مجلس الأمة المصرى ومجلس الأمة السورى ، ذلك أن رئيس الجمهورية هو الذى يدعو مجلس الأمة إلى الانعقاد ويفض دورته وفقاً لنص المادة ١٧ من الدستور المشار إليه ومنذ قيام الوحدة وحتى يولية سنة ١٩٦٠ لم يصدر رئيس الجمهورية قراراً بإحياء هذا النص المعطل ولا تكشف مضابط مجلس الأمة حين دعى إلى الانعقاد عن الكيفية التى تم بها تشكيله ولا دليل على ان أعضاء مجلس الأمة الذين اختارهم رئيس الجمهورية نصفهم على الأقل من أعضاء مجلس الأمة المصرى ومجلس الأمة السورى ، الأمر الذى يصم مجلس الأمة ببطلان التكوين ، وهو بطلان يمتد إلى قراراته ومن بينها قراره بالموافقة على القرار بقانون المطعون عليه . وحيث إن هذه المناعى جميعها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة تعتبر من المطاعن الشكلية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور سواء فى ذلك ما كان منها متصلاً باقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية ، أو ما كان منها منصرفاً إلى الشروط التى يفوضها الدستور لمباشرة الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها ، ومن ثم ينسحب قضاء هذه المحكمة على الدعوى الماثلة إلى تلك المطاعن وحدها ولا يعتبر الحكم الصادر برفضها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – مطهراً للنصوص التشريعية المطعون عليها من العيوب الموضوعية التى تشوبها أو مانعاً كل ذى مصلحة من طرحها على هذه المحكمة وفقاً لقانونها . وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة القرار بقانون المطعون عليه لنص المادة ٢٢ من الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر سنة ١٩٥٨ التى تنص على ألا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة ، ولا تجيز تقرير مشروع قانون إلا بعد أخذ الرأى فيه مادة مادة ، مردود بأن حكمها ينسحب إلى القوانين التى تقرها السلطة التشريعية الأصلية ممثلة فى مجلس الأمة ولا شأن لها بالتدابير العاجلة التى يتخذها رئيس الجمهورية لمواجهة حالة الضرورة فى إطار الرخصة التشريعية الاستثنائية التى يملكها وفقاً لنص المادة ٢٣ من الدستور المؤقت التى تخوله أن يصدر أى قرار أو تشريع مما يدخل أصلاً فى اختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة إلى اتخاذه فى غيابه . وحيث إن المدعية تنعى على المجلس التشريعى الذى اقر القرار بقانون المطعون عليه – عند عرضه عليه فور انعقاده – بطلان تكوينه وهو بطلان يمتد إلى قراراته ومن بينها قراراه بالموافقة على ذلك القرار بقانون . وحيث إن هذا النعى مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن بطلان تكوين المجلس التشريعى – عند ثبوته – لا ينسحب إلى القوانين التى أقرها ولا إلى القرارات أو التدابير التى اتخذها قبل نشر الحكم ببطلان تكوينه فى الجريدة الرسمية بل تظل جميعها محمولة على أصلها من الصحة بما مؤداه بقاؤها نافذة معمولاً بها إلى أن تقرر الجهة المختصة دستورياً إلغاءها أو تعديلها أو تقضى هذه المحكمة بعدم دستورية نصوصها التشريعية إذا كانت المطاعن الموجهة إليها تقوم على وجه آخر غير بطلان تكوين المجلس التشريعى ذاته . وحيث إن المدعية تنعى على القرار بقانون المطعون عليه صوره من رئيس الجمهورية لمجرد دعم الأخلاق وصونها وهو ما لا تقوم به حالة الضرورة التى تخول رئيس الجمهورية استخدام الرخصة التشريعية الاستثنائية المخولة له بمقتضى المادة ٥٣ من الدستور المؤقت . وحيث إن هذا النعى مردود بأن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً من دستور سنة ١٩٢٣ وانتهاء بالدستور القائم تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها فى صلبها تمكيناً للسلطة التنفيذية فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها إلى الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فى شأنها ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير وتطبيقاً لها ، مبرراً بحالة الضرورة ومستنداً إليها وبالقدر الذى يكون متناسباً مع متطلباتها ، وبوصفها تدابير من طبيعة استثنائية ، ذلك أن الأصل فى نصوص الدستور – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة ، وهى باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها والعمل بموجبها باعتبارها اسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها . وإذا كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها ، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها ، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها ، تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور ، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه . وحيث إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية ، وكان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها ، وأقامها عليها ، إلا أن الدساتير المصرية جميعها ، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً ، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما تواجه – فيما بين ادوار انعقاد السلطة التشريعية او حال غيابها – من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية الحالة ، ولقد كان النهج الذى التزمته هذه الدساتير على اختلافها – وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها . وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائى ، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى . إذ كان ذلك ، وكانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها ، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية ، ذلك ان توافر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التى لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها – هى علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة ، بل هى مناط مباشرتها هذا الاختصاص وإليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور لها ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – وهى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها . وحيث إن البين من الاطلاع على المذكرة الإيضاحية لقرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ فى شأن مكافحة الدعارة فى الجمهورية العربية المتحدة ، أن رئيس الجمهورية اصدر القرار رقم ٨٨٤ بتاريخ ١١ مايو سنة ١٩٥٩ مقرراً بمقتضاه انضمام الجمهورية العربية المتحدة إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار فى الأشخاص واستغلال دعارة الغير الموقعة فى ليك سكس بتاريخ ٢١ مارس سنة ١٩٥٠ وكانت المادة الأولى منها تقرر موافقة الدول أطرافها على معاقبة أى شخص يقوم بقصد إشباع شهوة الغير بحمل أى شخص آخر أو ترغيبه أو تقديمه لأغراض الدعارة أو استغلال دعارته ولو كان ذلك بموافقته . كما تلزم الاتفاقية الدول أطرافها بالعمل على معاقبة كل من يفتح بيتاً للدعارة أو يديره أو يقوم بتمويله مع علمه بذلك ، وكذلك كل من يؤجر بناء أو مكاناً أو جزءاً من بناء أو مكان أو يستأجره بقصد دعارة الغير إلى غير ذلك من الأعمال التى تعتبر شروعاً فى ارتكاب أى جريمة مما تقدم أو تعد من الأفعال التحضيرية لها ، إذ كان ذلك ، وكان انضمام الجمهورية العربية المتحدة إلى تلك الاتفاقية يجعلها طرفاً فيها ويلزمها بالعمل على تنفيذ أحكامها ومن بينها إلغاء الدعارة فى كل صورها باعتبار أن الدعارة وما يتبعها من شر الاتجار فى الأشخاص بقصد إشباع شهوات الغير تناقض كرامة الإنسان ، وتعرض للخطر مصالح الفرد والأسرة والجماعة ، وهو ما واجهته الاتفاقية بذهابها إلى حد إلزام الدول أطرافها بأن تعمل على اتخاذ التدابير التى من شأنها منع البغاء وضمان تأهيل ضحاياه وإصلاحهم اجتماعياً عن طريق الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والتعليمية وغيرها من الخدمات المتصلة بها ، وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لتنظيم دعاية مناسبة لتحذير الجمهور من مخاطر الاتجار بالأشخاص فى مجال الدعارة فضلاً عن إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بالقوانين واللوائح المعمول بها لديها فى شأن المسائل التى تنظمها الاتفاقية ، وكذلك نصوص القوانين واللوائح الجديدة وكافة التدابير التى تتخذ لتنفيذ أحكامها . إذ كان ذلك . وكان البغاء – عند انضمام الجمهورية العربية المتحدة إلى الاتفاقية السالف بيانها – محظوراً فى إقليمها الجنوبى ومنظماً فى إقليمها الشمالى، وكان إنفاذ أحكام تلك الاتفاقية يقتضى تطبيقها على إقليميها لفرض العقوبة الملائمة على الصور المختلفة للبغاء سواء فى ذلك ما تعلق منها بالتحريض على البغاء أو المساعدة عليه أو استغلاله أو احترافه أو غير ذلك من أشكاله ، فقد اصدر رئيس الجمهورية العربية المتحدة القرار بقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٦١ فى شأن مكافحة الدعارة فى الجمهورية العربية المتحدة مؤكداً بالأحكام التى تضمنها ما يقتضيه النزول على الاتفاقية الدولية المشار إليها من اتخاذ التدابير التشريعية العاجلة التى تكفل إلغاء البغاء ومكافحته فى إقليمى الجمهورية ، وآية ذلك أن هذه الاتفاقية وأن كان لها قوة القانون عملاً بنص الماد ٥٦ من الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة الصادر سنة ١٩٥٨ ، والمادة ١٥١ من الدستور القائم ، إلا أن أحكامها تحيل إلى القوانين والنظم فى الدول أطرافها وتتطلب إقرار ما يكون لازماً منها لتفصيل الأحكام التى أجملتها الاتفاقية بمراعاة أغراضها كى تحدد على ضوئها جرائم الفجور والدعارة فى أشكالها المختلفة وتقرر كذلك عقوباتها إلى غير ذلك من التدابير الاجتماعية والتعليمية والصحية التى تتصل بمكافحة البغاء فى صوره المتعددة وتأهيل ضحاياه ، بما لا يجوز معه القول بانتفاء حالة الضرورة التى تسوغ إصدار رئيس الجمهورية للقرار بقانون المطعون عليه ، الأمر الذى يعتبر معه هذا الوجه من النعى على غير أ ساس . وحيث إن ما تنعاه المدعية من أن القرار بقانون المطعون عليه لم يعد سارياً لوقوع انفصال بين إقليمى الجمهورية العربية المتحدة مردود بأن قالة انتهاء العمل بأحكام ذلك القرار بقانون – بفرض صحتها – لا تدل بذاتها على أن عواراً دستورياً شابها ، وإنما يتمحض هذا الوجه من النعى – فى حقيقته – عن أن النصوص القانونية المتصلة بالتهمة التى نسبتها النيابة العامة إليها لا ينبغى تطبيقها عليها لسقوطها تبعاً لانفصال سوريا عن الدولة التى كانت تضمها مع مصر بما يعنيه ذلك من وجوب تبرئتها من هذه التهمة عملاً بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، وهو أمر يعود قانوناً إلى محكمة الموضوع ذاتها التى تختص دون غيرها بالتحقق مما إذا كانت الأفعال التى أتتها المدعية تشكل جريمة معاقباً عليها وفقاً للقانون . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة ، وإلزام المدعية المصروفات ، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .