حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١١٤ لسنة ٢١ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١١٤ لسنة ٢١ دستورية
– – – ١ – – –
باستعراض التطور التاريخي للمادة ٤٨ المشار إليها يبين أن المشرع المصري أدخل جريمة الاتفاق الجنائي كجريمة قائمة بذاتها – تختلف عن الاتفاق كسبيل من سبل المساهمة الجنائية – بالمادة ٤٧ مكررة من قانون العقوبات الأهلي وكان ذلك بمناسبة اغتيال رئيس مجلس النظار سنة ١٩١٠ فقدمت النيابة العامة إلي قاضي الإحالة تسعة متهمين اولهم بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والباقين بتهمة الاشتراك في القتل غير أن القاضي اقتصر علي تقديم الأول إلي محكمة الجنايات ورفض إحالة الباقين لعدم توافر أركان الجريمة قبلهم فتقدمت الحكومة إلي مجلس شورى القوانين بمشروع بإضافة نص المادة ٤٧ مكررة إلي قانون العقوبات الأهلي – وهو يؤثر جريمة الاتفاق الجنائي المجرد علي ذات النحو الذي ورد بعد ذلك بالنص الطعين مع خلاف بسيط في الصياغة – غير ان المجلس عارض الموافقة علي المشروع مستندا إلي ان القانون المصري – كالقوانين الأخري – لا يعاقب علي شئ من الأعمال التي تتقدم الشروع في ارتكاب الجريمة كالتفكير فيها والتصميم عليها واتفاق الفاعلين أو الفاعلين والشركاء علي كيفية ارتكابها ولا علي إتيان الأعمال المجهزة أو المحضرة لها وعرج المجلس إلي المقارنة بين النص المقترح منظيره في القانون المقارن موضحا ان القانون الفرنسي يشترط للتجريم وجود جمعية من البغاة أو اتفاق بين عدة أشخاص وأن يكون غرض الجمعية أو الاتفاق تحضير أو ارتكاب جنايات علي الأشخاص والأموال وأشار المجلس إلي أنه إذا كانت هناك للاستثناء من ذلك فيجب ان يكون بقدر الضرورة التي يقتضيها حفظ النظام وانه لأجل ان تكون المادة ٤٧ مكررة مقيسة يمقياس الضرورة النافعة فيجب ألا تشمل سوى الجمعيات التي يخشي منها علي ما يجب للموظفين العموميين او السياسيين من الطمأنينة او بعبارة أخري يجب أن لا يقصد إلا حماية نظام الحكومة فلا يشمل النص الأحوال الأخري كالاتفاقات الجنائية التي تقع بين شخصين أو أكثر علي ارتكاب جناية او جنحة تدخل في باب الجرائم العادية كجرائم السرقة أو الضرب أو التزوير أو غير ذلك من الجرائم الواقعة علي الأشخاص وعلي الأموال غير أن نظارة الحقانية رفضت اقتراح المجلس إذ رأته يثير صعوبات كبيرة في العمل ويفتقد الضمانات الفعالة ضد جميع الاتفاقات التي تكون غايتها تحقيق المقاصد السياسية بطريق القوة وأضافت أن القانون الجديد لم يوضع إلا للأحوال التي يجعل الأمن العام في خطر ولن يعمل به أصلا مهددا للحرية الشخصية والمأمول أن لا تدعوالأحوال إلي تطبيق هذا القانون إلا في النادر كما في البلاد التي استلقي منها وصدر نص المادة ٤٧ مكررة عقوبات اهلي معاقبا علي الاتفاق الجنائي بعد ان برر مستشار الحكومة استعمال المشرع لتعبير الاتفاق الجنائي بديلا عن كلمة association الواردة في القانون الفرنسي – والتي جاءت أيضا في النسخة الفرنسية لقانون العقوبات الأهلي – بأن هذا اللفظ الأخير قد يفيد قدرا من التنظيم والاستمرار .
– – – ٢ – – –
أحكام القضاء في شأن جريمة الاتفاق الجنائي – كجريمة قائمة بذاتها – اتجهت في البداية إلي وجوب قيام اتفاق منظم ولو في مبدأ تكوينه وأن يكون مستمرا ولو لمدة من الزمن واستند القضاء في ذلك إلي الاسترشاد بالفكرة التي حملت المشرع إلي تجريم الاتفاق الجنائي غير انه عدل بعد ذلك عن هذا الاتجاه فقضي بأن مجرد الاتفاق علي ارتكاب جناية أو جنحة كاف بذاته لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي بلا حاجة إلي تنظيم ولا إلي استمرار وقد أشير في بداية هذا العدول إلي أن المادة ٤٧ مكررة عقوبات أهلي هي في حقيقة الواقع من مشكلات القانون التي لا حل لها لأنها أتت بمبدأ يلقي الاضطراب الشديد في بعض أصول القانون الأساسية وان عبارات التنظيم والاستمرار هي عبارات اضطرت المحاكم للقول بها هربا من طغيان هذه المادة والظاهر – من الأعمال التحضيرية للنص – أن مراد واضعيه أن يكون بيد الحكومة أداة تستعملها عند الضرورة وفي الأحوال الخطرة استعمالا لا يكون في اتساع ميدانه وشموله محلا للتأويل من جهة القضاء التي تطبقه وأن الأجدر معاودة النظر في ذلك النص بما يوائم بين الحفاظ علي النظام والأمن العام من جهة ويزيل اللبس والخلط بينه والمبادئ الأخري وإلي ان يتم ذلك فلا سبيل لتفادي إشكال هذا النص ومنع إضراره إلا ما حرصت عليه النيابة العامة من عدم طلب تطبيقه إلا في الأحوال الخطرة علي الأمن العام وإذا كان المشرع قد عاد النظر مرتين في المادة سالفة الذكر سنتي ١٩٣٣ و ١٩٣٧ إلا أنه ظل علي فكرته الأساسية فيها التي تقوم علي عقاب الاتفاق البسيط علي ارتكاب أيه جناية أو جنحة ولو لم تقع أيه جريمة نتيجة لذلك الاتفاق .
– – – ٣ – – –
نص المادة ٤٨ من قانون العقوبات كان محل انتقاد اللجنة التي شكلت لوضع آخر مشروع حديث متكامل لقانون العقوبات – خلال الوحدة بين مصر وسوريا تحت إشراف مستشار رئيس الجمهورية للشئون القانونية آنذاك – برئاسة الأستاذ علي بدوى وزير العدل وعمبد كلية الحقوق بجامعة القاهرة الأسبق وعضوية كل من رئيس الدائرة الجنائية بمحكمة النقض والمستشار عادل يونس والدكتور علي راشد أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة عين شمس وغيرهم حيث ورد بالمذكرة الايضاحية للمشروع أنه ” قد أصلح من احكام جريمة الاتفاق الجنائي التي تم وضع نصها في ظروف استثنائية والتي لك يكن لها نظير .. وأعيدت صياغة احاكمها بحيث تتفق مع اتجاهات التشريع الحديث واختتمت تلك المذكرة بأنه قد رؤي انه من الأفضل أن يلحق بالنصوص المقترحة ما يتصل بها من تعليقات وإيضاحات مبررة لها أو مفسرة لأحكامها كترجمة مباشرة لأفكار من اشتركوا في صوغ أحاكمه وقت مناقشتها مما لا يتوفر عادة في المذكرات الايضاحية .. فضلا عن ميزة تسهيل الوقوف علي مقاصد النصوص التي تم التوصل إليها بإجماع الأراء … وبذلك يكون المشروع خلاصة لأعمال لجان متعددة ومشاريع استغرق وضعها سنين طويلة الأمد روجعت علي ضوء القانون المقارن والفقه الحديث ونشاط المؤتمرات الدولية ليكون ذلك القانون مرأة لما بلغته الحمهورية من تطور مرموق في الميدان التشريعي وفي مقام التعليق علي نص المشروع في المادة ٥٩ منه (المقابلة للمادة ٤٨ من قانون العقوبات) أوردت اللجنة انها ” رأت بمناسبة وضع التشريع الجديد ان جريمة الاتفاق الجنائي علي الوضع المقرر في التشريع المصري الحالي في المادة ٤٨ إنما هو نظام استثنائي لقتضت إنشاءه ظروف استثنائية ويندر وجود نظير له في الشرائع الأخري الحديثة .. هذا فضلا عما أفضي إليه تطبيقه من الاضطرابات والجدل في تفسير أحاكمه ولذلك فضلت اللجنة العدول عنه في المشروع الجديد اكتفاء بجرائم الاتفاقات الخاصة التي نص عليها القانون في حالات معينة بارزة الخطورة يضاف إلي ذلك أن اللجنة رأت اعتبار تعدد المجرمين ظرفا مشددا إذا وقعت الجريمة بناء علي اتفاقهم السابق فإذا بقي الاتفاق بغير نتيجة كان هناك محل لتوقيع التدابير الاحترازية التي يقررها القانون بدلا من توقيع العقوبات العادية وتحديدا لمعني الخطورة اشترط النص أن يقع الاتفاق بين ثلاثة علي الأقل حتي يتحقق الظرف المشدد أو يتوافر شرط توقيع التدابير الاحترازية وليس المراد بالاتفاق في هذه الحالة مجرد التفاهم العرضي وإنما هو الاتفاق المصمم عليه الذي تدبر فيه الجريمة وكيفية ارتكابها وهذا النوع من الاتفاق هو الذي يبلغ درجة من الخطورة تقتضي معالجتها تشريعيا بتشديد العقاب إذا وقعت الجريمة المدبرة أو بتوقيع التدابير الاحترازية التي يقرها القانون إذا لم تقع الجريمة والمفهوم من تعبير وقوع الجريمة نتيجة للاتفاق هو ان تقع الجريمة تامة او مشروعا فيها شروعا معاقبا عليه ”
– – – ٤ – – –
إذا اكن الهدف من التجريم قديما هو مجرد مجازاة الجاني عن الجريمة التي اقترفها فقد تطور هذا الهدف في التشريع الحديث ليصبح منع الجريمة سواء كان المنع ابتداء أو ردع الغير عن ارتكاب مثلها فالاتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية في مختلف الدول تتجه – كما تشير المؤتمرات المتعاقبة للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة ومعاملة المجرمين – إلي أهمية اتخاذ التدابير المانعة لوقوع الجريمة وسن النصوص التي تكفل وقابة المجتمع منها وتجريم الاشتراك في الجمعيات الاجرامية وتنمية التعاون الدولى لمكافحة الجريمة المنظمة إلا ان شرعية النصوص التي تتخذ كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف مناطها توافقها زوأحكام الدستور واتفاقها ومبادئه ومقتضاه ومن ثم يتعين علي المشرع – في هذا المقام – إجراء موازنة دقيق بين مصلحة المجتمع والحرص علي أمنه واستقراره من جهة وحريات وحقوق الأفراد من جهة اخري .
– – – ٥ – – –
دل الدستور – بنص المادة ٦٦ منه – علي أن لكل جريمة ركنا ماديا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي مفصحا بذلك عن ان ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ علي ارتكابه إيجابيا كان هذ١ا الفعل أم سلبيا ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه علي المخاطبين بأحاكمه محورها الفعال ذاتها في علامتها اتلخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية إذ هي مناط التأثيم وعلته وهي التي يتصور إثباتها ونفيها وهي التي يتمك التمييز علي ضوئها بين الجرائم بعضها البعض وهي التي تديرها محكمة الموضوع علي حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها ولا يتصور بالتالي وفقا لأحكام الدستور ان توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل علي توافر السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي احدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه ولازم ذلك ان كل مظاهر التعبير عن الإرداة البشرية – وليس النوزايا التي يضمرها الانسان في أعماق ذاته – تعتبر ولقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكا خارجيا مؤاخذا عليه قانونا فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها وتم التعبير عنها خارجيا في صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة .
– – – ٦ – – –
من القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزائية ان تكون درجة اليقين التي تنتظم أحكامها في أعلي مستوياتها وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخري ذلك ان القوانين الجزائية تفرض علي الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثرا ويتعين بالتالي – ضمانا لهذه الحرية – أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعهة بما يحول دون التباسها بغيرها وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها ذلك أن التجهيل بها أو ابهامها في بعض جوانبها لا يجعل المحاطبين بها علي بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها كذلك فإن غموض مضمون النص العقابي مؤداه ان يحال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة تعين لكلك جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لاخفاء فيه وهي قواعد لا ترخص فيها وتمثل إطارا لعملها لا يجوز تجاوزه ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها ولازم ذلك ان تكون القيود علي الحرية التي تفرضها القوانين الجزائية محددة بصورة يقينية لأنها تدعو المحاطبين بها إلي الامتثال لها لكي يدفعوا عن حقهم في الحياة وكذلك عن حرياتهم تلك المخاطر التي تعكس العقوبة بحيث لا يتمك تجاوز الحدود التي اعتبرها الدستور مجالا حيويا لمباشرة الحقوق والحريات التي كفلها وهو ما يخل في النهاية بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقا لنص المادة ٦٧ من الدستور .
– – – ٧ – – –
البين من استقراء نص الفقرة الأولي من المادة ٤٨ من قانون العقوبات انها عرفت الاتفاق الجنائي بأنه اتحاد شخصين أو أكثر علي ارتكاب جناية أو جنحة أو علي الأعمال المجهزة أو المسيلة لارتكابها ولم يشترط النص عددا أكثر من اثنين لقيام الجريمة كما لم يتطلب أن يستمر الاتفاق لمدة معينة أو أن يكون علي قدر من التنظيم وقد يكون محل الاتفاق عدة جنايات أو عدة جنح أو مجموعة جرائم مختلطة من النوعين معا كما قد لا يرد الاتفاق إلا علي جناية أو جنحة واحدة ولم يستلزم النص أن تكون الجريمة أو الجرائم المتفق علي ارتكابها علي درجة من الجسامة بل قد يكون محل الاتفاق اقتراف أي جنحة مهما كانت قليلة الأهمية في دلالتها الاجرامية كما انه ليس بلازم أن تتعين الجناية أو الجنحة محل الاتفاق كما لو تم الاتفاق علي استعمال العنف – بأي درجة – لتحقيق غاية الاتفاق سواء كانت هذه الغاية في ذاتها مشروعة أو غير مشروعة وممن ثم فإننطاق التجريم جاء واسعا فضفاضا لا تقتضيه ضرورة اجتماعية مبررة .
– – – ٨ – – –
جري قضاء هذه المحكمة علي أن شرعية الجزاء – جنائيا كان أم مدنيا أم تأديبيا – مناطها أن يكون متناسبا مع الأفعال التي أتمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها فالأصل في العقوبة هو معقوليتها فكلما كان الجزاء الجنائي بغيضا أو عاتيا أو كان متصلا بافعال لا يسوغ تجريمها أو مجافيا بصورة ظاهرة للحدود التي يكون معها متناسبا مع خطورة الأفعال التي اتمها المشرع فإنه يفقد مبررات وجوده ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافا متي كان ذلك وكانت الفقرة الثانية من المادة ٤٨ من قانون العقوبات تقرر عقوبة السجن علي الاتفاق الجنائي علي ارتكاب جناية وكانت عقوبة السجن هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية وتشغيله داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعينها الحكومة المدة المحكوم بها عليه ولا يجوز ان تنقص عن ثلاث سنوات ولا أن تزيد علي خمس عشرة سنه إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونا بينما هناك جنايات كثيرة حدد المشرع العقوبة فيها بالسجن مدة تقل عن خمس عشرة سنة كما تنص الفقرة علي أن عقوبة الاتفاق الجنائي علي ارتكاب الجنح هي الحبس أي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه وحدها الأدني أربع وعشرون ساعة ولا تزيد علي ثلاث سنوات إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونا بينما هناك جنح متعددة حدد المشرع العقوبة فيها بالحبس مدة تقل عن ثلاث سنوات وهو ما يكشف عن عدم تناسب العقوبات الواردة في الفقرة الثانية من النص المطعون فيه مع الفعل المؤثم ولا وجه للمحاجة في هذا المقام بأن الفقرة الرابعة من المادة ٤٨ المشار إليها تقضي بأنه إذا كان محل الاتفاق جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرة السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة ذلك انما محل الاتفاق – كما سبقت الاشارة – قد يكون ارتكاب جناية او جنحة غير معينة بذاتها وعندئذ توقع العقوبات الواردة في الفقرة االثانية من المادة وحدها وهي تصل إلي السجن خمس عشرة سنة أو الحبس ثلاث سنوات – حسب الأحوال – ولا شك انها عقوبات مفرطة في قسوتها تكشف عن مبالغة المشرع في العقاب بما لا يتناسب والفعل المؤثم .
– – – ٩ – – –
لما كان الهدف من العقوبة الجنائية هو الزجر الخاص للمجرم جزاء لما اقترف والردع العام للغير ليحمل من يحتمل اررتكابهم الجريمة علي الإعراض عن إتيانها وكانت الفقرة الرابعة من المادة ٤٨ تقرر توقيع العقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو الجنحة محل الاتفاق علي مجرد الاتفاق علي اقترافها حتي ولو لم يتم ارتكابها فعلا فإنها بذلك لا تحقق ردعا ولا خاصا بل إن ذلك قد يشجع المتفقين علي ارتكاب الجريمة محل الاتفاق طالما أن مجرد الاتفاق علي اقترافها سيؤدي إلي معاقبتهم بذات عقوبة ارتكابها .
– – – ١٠ – – –
السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم علي عناصر متجانسة فإن قامت علي عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها بحيث لا تكون مؤدية إلي تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينها تقديرا بأن الأصل في النصوص التشريعية في الدولة القانونية هو ارتباطها عقلا بأهدافها باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذ كان النص الطعين يلتزم إطارا منطقيا للدائرة التي يعمل فيها كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها أم متهادما مع مقاصده أو مجاوزا لها ومناهضا – بالتالي – لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة ٦٥ من الدستور متي كان ذلك وكان المشرع الجنائي قد نظم أحكام الشروع في الباب السادس الخاص بالاتفاق الجنائي وكان الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها وكان مجرد العزم علي ارتكاب الجريمة او الأعمال التحضيرية لذلك لا يعتبر شروعا بحيث يتعدي الشروع مرحلة مجرد الاتفاق علي ارتكاب الجريمة إلي البدء فعلا في تنفيذها وكان الشروع غير معاقب عليه في الجنح إلا بنص خاص اما في الجنايات فإن عقوبة الشروع تقل درجة عن العقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو بما لا يزيد علي نصف الحد الأقصي للعقوية المقررة للجريمة التامة فإذا أعقب المشرع تلك الأحكام بالنص في الملدة ٤٨ علي تجريم مجرد اتحاد إرادة شخصين أو أكثر علي ارتكاب أي جناية لأو جنحة او علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها وتحدبد العقوبة علي النحو السالف بيانه بالعقوبة المقررة لارتكاب الجناية او الجنحة محل الاتفاق فإنه يكون منتهجا نهجا يتنافر مع سياسة العقاب علي الشروع ومناقضا – بالتالي – للأسس الدستورية للتجريم .
– – – ١١ – – –
الفقرة الأخيرة من المادة ٤٨ تقرر الإعفاء من العقوبات المقررة لمن يبادر من الجناه بإخبار الحكومة بوجود الاتفاق الجنائي والمشتركين فيه قبل وقوع الجناية أو الجنحة محل الاتفاق فإن حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين ان يوصل إلي ضبط الجناة وذلك ابتغاء تشجيع المتفقين علي الإبلاغ بإعفائهم من العقاب علي النحو السالف البيان إلا أن مؤدي النص انه إذا ما تم الاتفاق ثم عدل المتفقون جميعا من تلقاء أنفسهم عن المضي في الاتفاق فإن جريمة الاتفاق الجنائي تكون قد وقعت متكاملة الاركان ويحق العقاب علي المتفقين فيغدو ارتكاب الجريمة محل الاتفاق – في تقدير المتفقين ليس أسوأ من مجرد الاتفاق عليها ولا يكون لتجنب ارتكتبها والعدول عن اقترافها فائدة ما وهو ما يعني عدم تحقيق النص المطعون عليه للمقاصد التي ابتغاها المشرع .
– – – ١٢ – – –
الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستورية النصوص العقابية تضبطها مقاييس صارمة ومعايير حادة تلتئم وطبيعة هذه النصوص في اتصالها المباشر بالحرية الشخصية التي أعلي الدستور قدرها مما يفرض علي المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية وأن تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوما للعدالة يتحدد علي ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها فلا يندرج تحتها مجرد رغبة الجماعة في إرواء تعطشها للثأر والانتقام أو سعيها للبطش بالمتهم كما لا يسوغ للمشرع أن يجعل من نصوصه العقابية شباكا أو شراكا يلقيها ليتصيد باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها وكان الجزاء الجنائي لا يعد مبررا إلا إذا كان واجبا لمواجهة ضرورة اجتماعية لها وزنها ومتناسبا مع الفعل المؤثم فإن جاوز ذلك كان مفرطا في القسوة مجافيا للعدالة ومنفصلا عن أهدافه المشروعة .
– – – المحكمة – – –
الاطلاع على الأوراق، والمداولة . حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة العامة أحالت المدعى إلى محكمة جنايات طنطا، متهمة إياه بأنه – بدائرة مركز زفتى محافظة الغربية – أحرز بغير ترخيص سلاحاً، واتفق مع آخر على ارتكاب جنحة سرقة مرتبطة بجناية ارتكبها الأخير، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة ٤٨ من قانون العقوبات، فقدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فأقام الدعوى الماثلة . وحيث إن المادة ٤٨ من قانون العقوبات يجرى نصها كالآتى : – فقرة أولى ” يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما أو على الأعمال المجهِّزة أو المسهِّلة لارتكابها، ويعتبر الاتفاق جنائياً سواء أكان الغرض منه جائزاً أم لا إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح من الوسائل التي لوحظت في الوصول إليه . ” فقرة ثانية ” وكل من اشترك في اتفاق جنائي سواء كان الغرض منه ارتكاب الجنايات أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب لمجرد اشتراكه بالسجن . فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب الجنح أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه يعاقب المشترك فيه بالحبس .” فقرة ثالثة ” وكل من حرض على اتفاق جنائي من هذا القبيل أو تداخل في إدارة حركته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة في الحالة الأولى المنصوص عليها في الفقرة السابقة وبالسجن في الحالة الثانية .” فقرة رابعة ” ومع ذلك إذا لم يكن الغرض من الاتفاق إلا ارتكاب جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرات السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة .” فقرة خامسة “ويعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي، وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أوجنحة، وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة، فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلا إلى ضبط الجناة الأخرين ” . وحيث إن المدعى ينعى على نص هذه المادة عدم بيانه للركن المادي للجريمة، ذلك أن الركن المادي هو سلوك أو نشاط خارجى، فلا جريمة بغير فعل أو ترك، ولا يجوز للمشرع الجنائي أن يعاقب على مجرد الأفكار والنوايا، باعتبار أن أوامر القانون ونواهيه لا تنتهك بالنية وحدها، وإنما بالأفعال التي تصدر عن إرادة آثمة؛ فضلاً عن أن النص جاءت صياغته واسعة يمكن تحميلها بأكثر من معنى وتتعدد تأويلاتها إذ ترك تحديد الأعمال المجهزة والمسهلة للجريمة لاجتهادات مختلفة مما يُفقده خاصية اليقين التي يجب توافرها في النصوص الجزائية . وحيث إنه باستعراض التطور التاريخي للمادة ٤٨ المشار إليها، يبين أن المشرع المصري أدخل جريمة الاتفاق الجنائي كجريمة قائمة بذاتها – تختلف عن الاتفاق كسبيل من سبل المساهمة الجنائية – بالمادة ٤٧ مكررة من قانون العقوبات الأهلي، وكان ذلك بمناسبة اغتيال رئيس مجلس النظار سنة ١٩١٠ فقدمت النيابة العامة إلى قاضى الإحالة تسعة متهمين أولهم بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والباقين بتهمة الاشتراك في القتل، غير أن القاضي اقتصر على تقديم الأول إلى محكمة الجنايات ورفض إحالة الباقين لعدم توافر أركان الجريمة قبلهم، فتقدمت الحكومة إلى مجلس شورى القوانين بمشروع بإضافة نص المادة ٤٧ مكررة إلى قانون العقوبات الأهلي – وهو يؤثم جريمة الاتفاق الجنائي المجرد على ذات النحو الذي ورد بعد ذلك بالنص الطعين مع خلاف بسيط في الصياغة – غير أن المجلس عارض الموافقة على المشروع مستنداً إلى أن القانون المصري – كالقوانين الأخرى – لا يعاقب على شئ من الأعمال التي تتقدم الشروع في ارتكاب الجريمة، كالتفكير فيها والتصميم عليها واتفاق الفاعلين أو الفاعلين والشركاء على كيفية ارتكابها، ولا على إتيان الأعمال المجهِّزة أو المحضِّرة لها . وعرّج المجلس إلى المقارنة بين النص المقترح ونظيره في القانون المقارن موضحاً أن القانون الفرنسي يشترط للتجريم وجود جمعية من البغاة أو اتفاق بين عدة أشخاص وأن يكون غرض الجمعية أو الاتفاق تحضير أو ارتكاب جنايات على الأشخاص والأموال . وأشار المجلس إلى أنه إذا كانت هناك حاجة للاستثناء من ذلك فيجب أن يكون بقدر الضرورة التي يقتضيها حفظ النظام، وأنه لأجل أن تكون المادة ٤٧ مكررة مقيسة بمقياس الضرورة النافعة فيجب ألا تشمل سوى الجمعيات التي يُخشى منها على ما يجب للموظفين العموميين أو السياسيين من الطمأنينة، أو بعبارة أخرى يجب أن لا يُقصد منها إلا حماية نظام الحكومة، فلا يشمل النص الأحوال الأخرى كالاتفاقات الجنائية التي تقع بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة تدخل في باب الجرائم العادية كجرائم السرقة أو الضرب أو التزوير أو غير ذلك من الجرائم الواقعة على الأشخاص وعلى الأموال؛ غير أن نظارة الحقانية رفضت اقتراح المجلس إذ رأته يثير صعوبات كبيرة في العمل ويفتقد الضمانات الفعالة ضد جميع الاتفاقات التي تكون غايتها تحقيق المقاصد السياسية بطريق القوة، وأضافت أن القانون الجديد لم يوضع إلا للأحوال التي تجعل الأمن العام في خطر، ولن يُعمل به أصلاً بما يجعله مهدداً للحرية الشخصية، والمأمول أن لا تدعو الأحوال إلى تطبيق هذا القانون إلا في النادر كما في البلاد التي استُقى منها . وصدر نص المادة ٤٧ مكررة عقوبات أهلي معاقباً على الاتفاق الجنائي، بعد أن برر مستشار الحكومة استعمال المشرع لتعبير الاتفاق الجنائي بديلاً عن كلمة association الواردة في القانون الفرنسي – والتي جاءت أيضاً في النسخة الفرنسية لقانون العقوبات الأهلي – بأن هذا اللفظ الأخير قد يفيد قدراً من التنظيم والاستمرار . وحيث إن أحكام القضاء في شأن جريمة الاتفاق الجنائي – كجريمة قائمة بذاتها – اتجهت في البداية إلى وجوب قيام اتفاق منظم ولو في مبدأ تكوينه وأن يكون مستمراً ولو لمدة من الزمن، واستند القضاء في ذلك إلى الاسترشاد بالفكرة التي حملت المشرع إلى تجريم الاتفاق الجنائي، غير أنه عدل بعد ذلك عن هذا الاتجاه، فقُضى بأن مجرد الاتفاق على ارتكاب جناية أو جنحة كاف بذاته لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي بلا حاجة إلى تنظيم ولا إلى استمرار، وقد أُشير في بداية هذا العدول إلى أن المادة ٤٧ مكررة عقوبات أهلي هي في حقيقة الواقع من مشكلات القانون التي لا حل لها لأنها أتت بمبدأ يُلقى الاضطراب الشديد في بعض أصول القانون الأساسية، وأن عبارات التنظيم والاستمرار هي عبارات اضطرت المحاكم للقول بها هرباً من طغيان هذه المادة، والظاهر – من الأعمال التحضيرية للنص – أن مراد واضعيه أن يكون بيد الحكومة أداة تستعملها عند الضرورة وفى الأحوال الخطرة استعمالاً لا يكون في اتساع ميدانه وشموله محلاً للتأويل من جهة القضاء التي تطبقه، وأن الأجدر معاودة النظر في ذلك النص بما يوائم بين الحفاظ على النظام والأمن العام من جهة ويزيل اللبس والخلط بينه والمبادئ الأخرى، وإلى أن يتم ذلك فلا سبيل لتفادى إشكال هذا النص ومنع إضراره، إلا ما حرصت عليه النيابة العامة من عدم طلب تطبيقه إلا في الأحوال الخطرة على الأمن العام . وإذا كان المشرع قد عاود النظر مرتين في المادة سالفة الذكر سنتي ١٩٣٣، ١٩٣٧ إلا أنه ظل على فكرته الأساسية فيها التي تقوم على عقاب الاتفاق البسيط على ارتكاب أية جناية أو جنحة، ولو لم تقع أية جريمة نتيجة لذلك الاتفاق . وحيث إن نص المادة ٤٨ المشار إليها كان محل انتقاد اللجنة التي شُكِّلَتْ لوضع آخر مشروع حديث متكامل لقانون العقوبات – خلال الوحدة بين مصر وسوريا تحت إشراف مستشار رئيس الجمهورية للشئون القانونية آنذاك – برئاسة الأستاذ على بدوى وزير العدل وعميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة الأسبق وعضوية كل من رئيس الدائرة الجنائية بمحكمة النقض والمستشار عادل يونس والدكتور على راشد أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة عين شمس .. وغيرهم، حيث ورد بالمذكرة الإيضاحية للمشروع أنه قد أصلح من أحكام جريمة الاتفاق الجنائي التي تم وضع نصها في ظروف استثنائية والتي لم يكن لها نظير … وأعيدت صياغة أحكامها بحيث تتفق مع اتجاهات التشريع الحديث؛ واختُتِمَت تلك المذكرة بأنه قد رؤى أنه من الأفضل أن يُلحق بالنصوص المقترحة ما يتصل بها من تعليقات وإيضاحات مبرِّرة لها أو مفسرة لأحكامها كترجمة مباشرة لأفكار من اشتركوا في صوغ أحكامه وقت مناقشتها مما لا يتوفر عادة في المذكرات الإيضاحية … فضلاً عن ميزة تسهيل الوقوف على مقاصد النصوص التي تم التوصل إليها بإجماع الآراء .. وبذلك يكون المشروع خلاصة لأعمال لجان متعددة ومشاريع استغرق وضعها سنين طويلة الأمد، روجعت على ضوء القانون المقارن والفقه الحديث ونشاط المؤتمرات الدولية ليكون ذلك القانون مرآة لما بلغته الجمهورية من تطور مرموق في الميدان التشريعي. وفى مقام التعليق على نص المشروع في المادة ٥٩ منه (المقابلة للمادة ٤٨ من قانون العقوبات) أوردت اللجنة أنها “رأت بمناسبة وضع التشريع الجديد أن جريمة الاتفاق الجنائي على الوضع المقرر في التشريع المصري الحالي في المادة ٤٨ إنما هو نظام استثنائي اقتضت إنشاءه ظروف استثنائية ويندر وجود نظير له في الشرائع الأخرى الحديثة .. هذا فضلاً عما أفضى إليه تطبيقه من الاضطراب والجدل في تفسير أحكامه، ولذلك فضلت اللجنة العدول عنه في المشروع الجديد اكتفاء بجرائم الاتفاقات الخاصة التي نص عليها القانون في حالات معينة بارزة الخطورة . يضاف إلى ذلك أن اللجنة رأت .. اعتبار تعدد المجرمين .. ظرفاً مشدداً إذا وقعت الجريمة بناء على اتفاقهم السابق، فإذا بقى الاتفاق بغير نتيجة كان هناك محل لتوقيع التدابير الاحترازية التي يقررها القانون .. بدلاً من توقيع العقوبات العادية ..، وتحديداً لمعنى الخطورة .. اشترط النص أن يقع الاتفاق بين ثلاثة على الأقل حتى يتحقق الظرف المشدد أو يتوافر شرط توقيع التدابير الاحترازية . وليس المراد بالاتفاق في هذه الحالة مجرد التفاهم العرضي وإنما هو الاتفاق المصمم عليه الذي تُدبَّر فيه الجريمة وكيفية ارتكابها، وهذا النوع من الاتفاق هو الذي يبلغ درجة من الخطورة تقتضى معالجتها تشريعياً بتشديد العقاب إذا وقعت الجريمة المدبرة، أو بتوقيع التدابير الاحترازية التي يقررها القانون .. إذا لم تقع الجريمة، والمفهوم من تعبير وقوع الجريمة نتيجة للاتفاق .. هو أن تقع الجريمة تامة أو مشروعاً فيها شروعاً معاقباً عليه ” وحيث إنه إذا كان الهدف من التجريم قديماً هو مجرد مجازاة الجاني عن الجريمة التي اقترفها، فقد تطور هذا الهدف في التشريع الحديث ليصبح منع الجريمة سواء كان المنع ابتداء أو ردع الغير عن ارتكاب مثلها، فالاتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية في مختلف الدول تتجه – كما تشير المؤتمرات المتعاقبة للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة ومعاملة المجرمين – إلى أهمية اتخاذ التدابير المانعة لوقوع الجريمة وسن النصوص التي تكفل وقاية المجتمع منها وتجريم الاشتراك في الجمعيات الإجرامية وتنمية التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة، إلا أن شرعية النصوص التي تتخذ كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف مناطها توافقها وأحكام الدستور واتفاقها ومبادئه ومقتضاه، ومن ثم يتعين على المشرع – في هذا المقام – إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى . وحيث إن الدستور ينص في المادة ٤١ على أن ” الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس .. ” كما ينص في المادة ٦٦ على أن ” العقوبة شخصية . ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون “، كما حرص في المادة ٦٧ على تقرير افتراض البراءة، فالمتهم برئ إلى أن تثبت إدانته في محاكمة منصفة تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه . وحيث إن الدستور – بنص المادة ٦٦ سالفة الذكر – قد دل على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل أساساً في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهى التي يتصور إثباتها ونفيها، وهى التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، ولا يتصور بالتالي وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه . ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً . فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة . وحيث إنه من القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزائية، أن تكون درجة اليقين التي تنتظم أحكامها في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخرى، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً، ويتعين بالتالي – ضماناً لهذه الحرية – أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها . كذلك فإن غموض مضمون النص العقابي مؤداه أن يُحَال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة تُعيّن لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لإخفاء فيه . وهى قواعد لا ترخص فيها وتمثل إطاراً لعملها لا يجوز تجاوزه، ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها، ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التي تفرضها القوانين الجزائية، محددة بصورة يقينية لأنها تدعو المخاطبين بها إلى الامتثال لها لكى يدفعوا عن حقهم في الحياة وكذلك عن حرياتهم، تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة، بحيث لا يتم تجاوز الحدود التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لمباشرة الحقوق والحريات التي كفلها، وهو ما يخل في النهاية بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقاً لنص المادة ٦٧ من الدستور . وحيث إن البيّن من استقراء نص الفقرة الأولى من المادة ٤٨ المشار إليها أنها عرفت الاتفاق الجنائي بأنه اتحاد شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها، ولم يشترط النص عددا أكثر من اثنين لقيام الجريمة، كما لم يتطلب أن يستمر الاتفاق لمدة معينة أو أن يكون على قدر من التنظيم، وقد يكون محل الاتفاق عدة جنايات، أو عدة جنح، أو مجموعة جرائم مختلطة من النوعين معاً، كما قد لا يرد الاتفاق إلا على جناية أو جنحة واحدة، ولم يستلزم النص أن تكون الجريمة أو الجرائم المتفق على ارتكابها على درجة من الجسامة، بل قد يكون محل الاتفاق اقتراف أي جنحة مهما كانت قليلة الأهمية في دلالتها الإجرامية، كما أنه ليس بلازم أن تتعين الجناية أو الجنحة محل الاتفاق كما لو تم الاتفاق على استعمال العنف – بأى درجة – لتحقيق غاية الاتفاق، سواء كانت هذه الغاية في ذاتها مشروعة أو غير مشروعة، ومن ثم فإن نطاق التجريم جاء واسعا فضفاضا لا تقتضيه ضرورة اجتماعية مبرَّرة . وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرعية الجزاء – جنائياً كان أم مدنياً أم تأديبياً – مناطها أن يكون متناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها . فالأصل في العقوبة هو معقوليتها، فكلما كان الجزاء الجنائي بغيضا أو عاتيا، أو كان متصلاً بأفعال لا يسوغ تجريمها، أو مجافياً بصورة ظاهرة للحدود التي يكون معها متناسباً مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع، فإنه يفقد مبررات وجوده ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافاً؛ متى كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة ٤٨ تقرر عقوبة السجن على الاتفاق الجنائي على ارتكاب جناية، وكانت عقوبة السجن هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية وتشغيله داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعينها الحكومة المدة المحكوم بها عليه، ولا يجوز أن تنقص عن ثلاث سنوات ولا أن تزيد على خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً، بينما هناك جنايات كثيرة حدد المشرع العقوبة فيها بالسجن مدة تقل عن خمس عشرة سنة؛ كما تنص ذات الفقرة على أن عقوبة الاتفاق الجنائي على ارتكاب الجنح هي الحبس أي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه وحدها الأدنى أربع وعشرون ساعة ولا تزيد على ثلاث سنوات إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً، بينما هناك جنح متعددة حدد المشرع العقوبة فيها بالحبس مدة تقل عن ثلاث سنوات؛ وهو ما يكشف عن عدم تناسب العقوبات الواردة في الفقرة الثانية من النص المطعون فيه مع الفعل المؤثم، ولا وجه للمحاجة في هذا المقام بأن الفقرة الرابعة من المادة ٤٨ المشار إليها تقضى بأنه إذا كان محل الاتفاق جناية أو جنحة معينة عقوبتها أخف مما نصت عليه الفقرة السابقة فلا توقع عقوبة أشد مما نص عليه القانون لتلك الجناية أو الجنحة، ذلك أن محل الاتفاق – كما سبقت الإشارة – قد يكون ارتكاب جناية أو جنحة غير معيّنة بذاتها وعندئذ توقع العقوبات الواردة في الفقرة الثانية من المادة وحدها، وهى تصل إلى السجن خمْس عشرة سنة أو الحبس ثلاث سنوات – حسب الأحوال – ولا شك أنها عقوبات مفرطة في قسوتها تكشف عن مبالغة المشرع في العقاب بما لا يتناسب والفعل المؤثم . وحيث إنه لما كان الهدف من العقوبة الجنائية هو الزجر الخاص للمجرم جزاء لما اقترف، والردع العام للغير ليحمل من يُحتمل ارتكابهم الجريمة على الإعراض عن إتيانها، وكانت الفقرة الرابعة من المادة ٤٨ تقرر توقيع العقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو الجنحة محل الاتفاق على مجرد الاتفاق على اقترافها حتى ولو لم يتم ارتكابها فعلاً، فإنها بذلك لا تحقق ردعا عاما ولا خاصاً، بل إن ذلك قد يشجع المتفقين على ارتكاب الجريمة محل الاتفاق طالما أن مجرد الاتفاق على اقترافها سيؤدى إلى معاقبتهم بذات عقوبة ارتكابها . وحيث إن السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينها؛ تقديراً بأن الأصل في النصوص التشريعية – في الدولة القانونية – هو ارتباطها عقلاً بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصوداً لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دائماً استظهار ما إذا كان النص الطعين يلتزم إطاراً منطقياً للدائرة التي يعمل فيها، كافلاً من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أم متهادماً مع مقاصده أو مجاوزاً لها، ومناهضاً – بالتالي – لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة ٦٥ من الدستور؛ متى كان ذلك وكان المشرع الجنائي قد نظم أحكام الشروع في الباب الخامس من قانون العقوبات ( المواد من ٤٥ إلى ٤٧ ) وهو الذي يسبق مباشرة الباب السادس الخاص بالاتفاق الجنائي، وكان الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، وكان مجرد العزم على ارتكاب الجريمة أو الأعمال التحضيرية لذلك لا يعتبر شروعاً، بحيث يتعدى الشروع مرحلة مجرد الاتفاق على ارتكاب الجريمة إلى البدء فعلاً في تنفيذها، وكان الشروع غير معاقب عليه في الجنح إلا بنص خاص، أما في الجنايات فإن عقوبة الشروع تقل درجة عن العقوبة المقررة لارتكاب الجناية، أو بما لا يزيد على نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التامة؛ فإذا أعقب المشرع تلك الأحكام بالنص في المادة ٤٨ على تجريم مجرد اتحاد إرادة شخصين أو أكثر على ارتكاب أي جناية أو جنحة أو على الأعمال المجهِّزة أو المسهِّلة لارتكابها، وتحديد العقوبة على النحو السالف بيانه بالعقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو الجنحة محل الاتفاق، فإنه يكون منتهجاً نهجاً يتنافر مع سياسة العقاب على الشروع، ومناقضاً – بالتالي – للأسس الدستورية للتجريم . وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة ٤٨ تقرر الإعفاء من العقوبات المقررة لمن يبادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود الاتفاق الجنائي والمشتركين فيه قبل وقوع الجناية أو الجنحة محل الاتفاق، فإن حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل إلى ضبط الجناة، وذلك ابتغاء تشجيع المتفقين على الإبلاغ بإعفائهم من العقاب على النحو السالف البيان؛ إلا أن مؤدى النص أنه إذا ماتم الاتفاق ثم عدل المتفقون جميعاً من تلقاء أنفسهم عن المضي في الاتفاق فإن جريمة الاتفاق الجنائي تكون قد وقعت متكاملة الأركان ويحق العقاب على المتفقين، فيغدو ارتكاب الجريمة محل الاتفاق – في تقدير المتفقين – ليس أسوأ من مجرد الاتفاق عليها ولا يكون لتجنب ارتكابها والعدول عن اقترافها فائدة ما، وهو ما يعنى عدم تحقيق النص المطعون عليه للمقاصد التي ابتغاها المشرع . وحيث إن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص العقابية، تضبطها مقاييس صارمة، ومعايير حادة تلتئم وطبيعة هذه النصوص في اتصالها المباشر بالحرية الشخصية التي أعلى الدستور قدرها، مما يفرض على المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية، وأن تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوما للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها، فلا يندرج تحتها مجرد رغبة الجماعة في إرواء تعطشها للثأر والانتقام، أوسعيها للبطش بالمتهم، كما لا يسوغ للمشرع أن يجعل من نصوصه العقابية شباكاً أو شراكاً يلقيها ليتصيد باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وكان الجزاء الجنائي لا يعد مُبرَّراً إلا إذا كان واجباً لمواجهة ضرورة اجتماعية لها وزنها، ومتناسباً مع الفعل المؤثم فإن جاوز ذلك كان مفرطاً في القسوة مجافياً للعدالة، ومنفصلاً عن أهدافه المشروعة؛ متى كان ما تقدم جميعه فإن المادة ٤٨ المشار إليها تكون قد وقعت في حمأة المخالفة الدستورية لخروجها على مقتضى المواد ٤١ و٦٥ و٦٦ و٦٧ من الدستور .