حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠ لسنة ١٦ دستورية
حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠ لسنة ١٦ دستورية
وعضوية السادة المستشارين: ماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه النجار وسعيد مرعي عمرو والدكتور / عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر ………….. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد علي غنيم ……… رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجي عبد السميع ………………. أمين السر
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الواقعات – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعين سبق أن أقاموا الدعويين رقمي ١٨٨٨ و١٨٨٩ لسنة ١٩٩٣ مدني كلي، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، ضد السيد وزير العدل، بطلب الحكم بإلغاء أوامر التقدير التكميلية الصادرة من مكتب الشهر العقاري والتوثيق بالإسكندرية – عن العقدين المسجلين رقمي ١٩٨٠ و١٩٩١ لسنة ١٩٩١ شهر الإسكندرية. وقالوا بيانا لذلك أنهم باعوا قطعتي أرض فضاء لآخرين، وسددوا الرسوم والضرائب التي قدرها مكتب الشهر العقاري، وتم تسجيل عقدي البيع، إلا أنهم فوجئوا بقيام الأخير بإعادة تقدير الرسوم والضرائب، وطالبهم بسداد مبالغ طائلة، بمقولة أنها رسوم تكميلية مستحقة وفقا لتقدير قيمة المبيع إعمالاً لأحكام القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ المعدل لأحكام القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر. وأثناء نظر الدعويين دفع المدعون بعدم دستورية القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ لاستبداله نص جديد بنص المادة (٢١) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤، فيما كان يتضمنه من إلغاء الالتجاء إلى الخبرة لتقدير قيمة الأراضي الزراعية والأراضي المعدة للبناء والمباني، وبعدم دستورية قرار وزير العدل رقم ٢٩٣٦ لسنة ١٩٩٢. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى المعروضة.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى للتجهيل، على سند من أن المدعين لم يحددوا النصوص المطعون عليها تحديدا قاطعا، كما أن النعي على الجداول الملحقة بقرار وزير العدل لم يبين فيه نوع العقار موضوع العقدين المسجلين لإمكان تحديد الجدول الذي طبق على تقدير الرسوم التكميلية محل المنازعة أمام محكمة الموضوع.
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه في مجال بيان النصوص القانونية المطعون عليها، ليس لازما أن يكون تعيينها مباشرا، وإنما يكفي لتحديدها أن يكون المدعي قد أبان عنها بطريق غير مباشر. وكان المدعون قد نازعوا في دعوييهم أمام محكمة الموضوع في مقدار الرسوم المستحقة عن شهر العقدين محل تقدير الرسوم التكميلية وفقا لأحكام القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ المعدل لأحكام المادة (٢١) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر، والجداول المرفقة بقرار وزير العدل رقم ٢٩٣٦ لسنة ١٩٩٢. وكان البين من مفردات الدعوى الموضوعية، أن محل العقدين المشار إليهما، قطعتي أرض فضاء، فإن النصوص القانونية التي حدد بها المشرع مقدار هذه الرسوم والأحكام التي تنظمه، تكون هي محل الخصومة الدستورية.
وحيث إن النص في المادة (٢١) من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر، المعدل بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١ على أن “تحدد قيمة العقار أو المنقول في الحالات التي ينص فيها على تقدير الرسم النسبي على أساس هذه القيمة على النحو الآتي:
أولا – العقارات:
١ – ……………
٧ – العقارات التي لم تربط عليها الضريبة على العقارات المبينة:
على أساس القيمة الموضحة في المحرر بحيث لا تقل عن قيمة المثل في الجهة الموجودة بها أو أقرب جهة مجاورة لها.
وتبين الجداول التي يصدر بها قرار من وزير العدل بعد أخذ رأي وزيري المالية والإسكان والمحافظ المختص ما يعد منطقة مماثلة ومستوى وقيمة العقارات المبنية في كل منها مستندة إلى متوسط ما تم ربط الضريبة عليه منها.
٨ – …………….
٩ – الأراضي الفضاء والمعدة للبناء وما في حكمها التي لم تربط عليها ضريبة الأراضي الفضاء:
على أساس القيمة الموضحة في المحرر بحيث لا تقل عن قيمة الأراضي المماثلة محسوبة وفقا للبند (٧) من هذه المادة.
ويسري هذا الحكم على الأراضي البور داخل كردون المدن”.
كما نصت المادة الأولى من قرار وزير العدل رقم ٢٩٣٦ لسنة ١٩٩٢ بإصدار الجداول المنصوص عليها في المادة (٢١) من قانون رسوم التوثيق والشهر رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ على أن “يعمل بالجدولين المرفقين في بيان قيمة المثل للأراضي والعقارات الواردة في البنود (٥، ٧، ٩) من المادة (٢١) من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر المعدلة بالمادة الأولى من القانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١”.
وقد تضمن الجدول رقم (٢) المرفق بقرار وزير العدل المشار إليه أن “بيان قيمة المثل للعقارات التي لم تربط عليها ضريبة:
أولا – المباني – دون الأرض – التي لم تربط عليها ضريبة للعقارات المبنية، ……..
ثانيا – الأراضي التي لم تربط عليها ضريبة الأراضي الفضاء والمعدة للبناء، تقدر قيمة المثل للمتر المربع وفقا للآتي:
……………….
ثالثا – فيما عدا ما سبق، تقدر قيمة المثل للمتر المربع وفقا لاتساع الشارع المطلة عليه الأرض على النحو التالي:
١ – ٩٠٠ جنيه للمتر المربع من الأرض المطلة على شارع عرضه ٣٠ مترا فأكثر.
٢ – ٧٠٠ جنيه للمتر المربع من الأرض المطلة على شارع عرضه ٢٠ مترا إلى أقل من ٣٠ مترا.
٣ – ٥٠٠ جنيه للمتر المربع من الأرض المطلة على شارع عرضه من ١٠ أمتار إلى أقل من ٢٠ مترا.
٤ – ٢٥٠ جنيها للمتر المربع من الأرض المطلة على شارع عرضه أقل من ١٠ أمتار”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول منازعة المدعين فيما تطالب به مأمورية الشهر العقاري بالإسكندرية من رسوم تكميلية، عن شهر عقدي بيع المدعين لمساحة أرض فضاء، بعد إعادة تقدير قيمتها وفقا لأحكام المادة (٢١) من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر، المعدلة بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١، ومن ثم يكون الفصل في دستورية نص البند (٩) من الفقرة (أولاً) من تلك المادة، فيما تضمنه من تحديد قيمة الأراضي الفضاء والمعدة للبناء على أساس القيمة الموضحة في المحرر بحيث لا تقل عن قيمة الأراضي المماثلة محسوبة وفقا للجداول التي صدر بها قرار وزير العدل رقم ٢٩٣٦ لسنة ١٩٩٢، وأيضا الفصل في دستورية ما تضمنه البند (ثالثا) من الجدول رقم (٢) المرفق بذلك القرار، يرتب انعكاسا أكيدا ومباشرا على الطلبات المعروضة في الدعوى الموضوعية، وتتوافر للمدعين مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريتها، ويتحدد فيها – وحدها – نطاق الدعوى المعروضة، دون سائر ما اشتملت عليه من أحكام أخرى.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون عليه، إهداره لمبدأ العدالة الاجتماعية وإخلاله بالحق في الملكية، ذلك أنه أخذ بمعيار التقدير التحكمي المخالف للأصول العامة في تقدير قيمة العقارات كأساس لفرض رسوم الشهر والتوثيق، وهو ما ترتب عليه مطالبتهم برسوم إضافية جاوزت قيمة العقارين محل عقدي البيع، وهو ما ينطوي على مصادرة كاملة لأموالهم، بما يخالف أحكام المواد (٣٢، ٣٤، ٣٦، ٣٨) من دستور ١٩٧١.
وحيث إنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
وحيث إن المناعي التي وجهها المدعون إلى النص المطعون عليه، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على ذلك النص في ضوء الدستور المعدل الصادر سنة ٢٠١٤.
وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعون بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور ١٩٧١، فالثابت أن المادتين (٣٢) و(٣٤) بشأن حماية الملكية، والمادة (٣٦) بشأن المصادرة، والمادة (٣٨) الخاصة بالعدالة الاجتماعية، التي وردت في الدستور السابق، تطابق في مجملها الأحكام الواردة بالمواد (٣٥) و(٣٨) و(٤٠) من الدستور القائم.
وحيث إن ما ينعاه المدعون على النص المطعون فيه سديد في جوهره، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة – أن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة، تمتد إلى كل أشكالها، وتقيم توازنا دقيقا بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق بما ينال من محتواها أو يقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجردا من المضمون، وإطارا رمزيا لحقوق لا قيمة لها عملاً، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه مما يرجوه منها إنصافا، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهو ما يعني أن الأموال بوجه عام ينبغي أن توفر لها من الحماية ما يعينها على أداء دورها، ويكفل اجتناء ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، وبما يقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها، ولم يعد جائزا بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها، أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن بعض أجزائها، أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصبا أدخل إلى مصادرتها.
وحيث إن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التي تضمنها، فقد خلا في الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل – سواء بمبناه أو أبعاده – يتعين أن يكون محددا من منظور اجتماعي، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التي لا تنفصل الجماعة في حركتها عنها، والتي تبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقا لديها، فلا يكون العدل مفهوما مطلقا ثابتا باطراد، بل مرنا ومتغيرا وفقا لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجا متواصلاً منبسطا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنا بالقسط تلك الأعباء التي يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافا، وإلا كان القانون منهيا للتوافق في مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازما.
وحيث إن الأعباء التي يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو في الحدود التي يبينها، سواء كان بنيانها ضريبة أو رسما أو تكليفا آخر، هي التي نظمها الدستور بنص المادة (٣٨) منه، فنص على أن “يهدف النظام الضريبي” وغيره من التكاليف العامة، إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية”، وهو ما يتطلب أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتوى النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة، ومن بينها الرسوم، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التي يقيم عليها المشرع هذه النظم، ويتعين بالتالي أن يكون العدل – من منظور اجتماعي – مهيمنا عليها بمختلف صورها، محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعا.
وحيث إن البند (٩) من الفقرة (أولاً) من المادة (٢١) من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ المشار إليه بعد تعديله بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١، لم يحدد قيمة الأرض – في الأحوال التي يحصل الرسم النسبي على أساسها – وفق ما هو مدون بشأنها في المحرر محل الشهر، ولا هو استعاض عنها بمعايير دقيقة تنضبط بها أسس التقدير. وهو إن كان قد أحال إلى الجداول التي يصدر بها قرار من وزير العدل في تحديد قيمة العقارات محل الشهر، إلا أن هذه الجداول لا يمكن التعويل عليها بصورة مطلقة، خاصة وأنها قد اتخذت من اتساع عرض الشارع الذي تطل عليه الأرض، معيارا لتقدير قيمتها، حال أن قيمة الأراضي محلها تختلف من قطعة إلى أخرى رغم تجاورها لاختلاف معايير التمييز النسبي بينهما، كما أنه لا توجد رابطة منطقية تتسم بتحقيق العدالة بين هذه القيمة ورسوم الشهر المستحقة عليها، إذ ترتبط هذه الرسوم منطقيا بتكلفة هذه الخدمة – وإن لم تكن بمقدارها – أو بما يعود على طالبها من منفعة، الأمر الذي يؤدي إلى انعدام التناسب بين قيمة الأرض والرسوم المستحقة على شهر محررات نقل ملكيتها، لابتناء تحديد مقابل الخدمة – أو المنفعة – على غير أساس موضوعي يتفق مع الواقع، وهو ما يؤدي – في كثير من الحالات – إلى أن يفوق قدر هذه الرسوم القيمة الفعلية للأرض موضوع المحرر محل الشهر، وهو ما يعدو إخلالاً بحقائق العدل الاجتماعي التي اختص بها الدستور الأعباء المالية على اختلافها، محددا على ضوئها شروط اقتضائها، فإذا أهدرها المشرع – مثلما هو الحال في النص المطعون عليه، كان ذلك عدوانا على الملكية الخاصة من خلال اقتطاع بعض عناصرها دون مسوغ، وهو ما يعد بمثابة مصادرة لها، ومن ثم يكون مخالفا لأحكام المواد (٣٥) و(٣٨) و(٤٠) من الدستور.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية نص البند (٩) من الفقرة (أولاً) من المادة (٢١) من القرار بقانون رقم ٧٠ لسنة ١٩٦٤ بشأن رسوم التوثيق والشهر بعد تعديله بالقانون رقم ٦ لسنة ١٩٩١، مؤداه ولازمه القضاء بسقوط البند (ثالثا) من الجدول رقم (٢) المرفق بقرار وزير العدل رقم ٢٩٣٦ لسنة ١٩٩٢.