حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠٢ لسنة ١٢ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٠٢ لسنة ١٢ دستورية
تاريخ النشر : ٠٨ – ٠٧ – ١٩٩٣

منطوق الحكم : رفض دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة برفض طلب الحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة الثالثة عشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ بقسمة الأعيان التي انتهي فيها الوقف والتي تنص علي أن “ويكون الحكم الصادر من محكمة الإستئناف نهائياً غير قابل للطعن أمام أية جهة قضائية”.

الحكم

.

برياسة عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة وحضور محمد ابراهيم ابو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وعبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء ومحمد خيرى طه عبد المطلب رئيس هيئة المفوضين ورأفت محمد عبد الواحد أمين السر .

– – – ١ – – –
إن الشرعية الدستورية التى تقوم المحكمة الدستورية العليا على مراقبة التقيد بها ، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية مطابقة لأحكام الدستور، و تتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانونى فى الدولة القمة من مدارجه، و هى فرع من خضوع الدولة للقانون و التزامها بضوابطه . و لا يجوز بالتالى لأية محكمة أو هيئة اختصها المشرع بالفصل فى نزاع معين فصلا قضائيا – و أيا كان موقعها من الجهة القضائية التى تنتمى إليها – إعمال نص تشريعى لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها إذ بدا لها مصادمته للدستور من جهة مبدئية. ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا التى تتولى دون غيرها الفصل فى المسائل الدستورية، لتقول كلمتها القاطعة فيها، بما مؤداه أنه كلما بدا لأية جهة أو هيئة أولاها المشرع سلطة الفصل فى الخصومة بأكملها أو فى بعض جوانبها، أن التعارض المدعى به أمامها بين النص التشريعى الأدنى و القاعدة الدستورية التى تحتل مرتبة الصدارة بين قواعد النظام العام، محمولا على أسس تظاهره من وجهة مبدئية غير متعمقة دخائل المطاعن الدستورية، فلا يجوز لهذه الجهة أو الهيئة، أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستور، و أن تنحيها جانبا، بل يتعين عليها – و لو كان بحثها منحصرا فى مسائل القانون دون غيرها – إما أن تحيل بنفسها ما ارتأته من تعارض بين نص تشريعى و قاعدة دستورية إلى المحكمة الدستورية العليا ليكون قضاؤها فى شأن هذا التعارض قولاً فصلاً، و إما أن توفر للخصم الذى دفع أمامها بعدم دستورية نص تشريعى، و كان دفعه جديا، مكنة عرض دعواه على المحكمة الدستورية العليا عن طريق تخويلها إياه حق رفعها إليها خلال الأجل الذى تحدده.

– – – ٢ – – –
إن الدفع بعدم الدستورية ليس من الدفوع التى يخالطها واقع، و لا تعتبر المجادلة فيه مجادلة موضوعية مما تستقل بتقديرها محكمة الموضوع. و إنما ينحل إلى ادعاء بمخالفة نص تشريعى لحكم فى الدستور، و هو ادعاء لا يرتبط الفصل فيه بأية واقعة تكون محكمة الموضوع قد حققتها. و من ثم تجوز إثارته و لو لأول مرة أمام محكمة النقض – التى تعتبر من المحاكم التى عنتها المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا، و التى يجوز إثارة مثل هذا الدفع أمامها – ذلك أن إعراضها عن بحثه على ضوء ظاهر الأمر فيه، بمقولة أن رقابتها منحصرة فى مسائل القانون وحدها، مؤداه أن يكون مرجعها فى هذه الرقابة إلى النصوص التشريعية المعمول بها عند الفصل فى الطعن المعروض عليها، و لو كانت معيبة فى ذاتها لمخالفتها للدستور. و هو ما يؤول إلى إنزالها لهذه النصوص دوما على الواقعة التى حصلها الحكم المطعون فيه أيا كان وجه تعارضها مع الدستور. و يناقض ذلك دون ريب التزمها بالخضوع بالقانون – و الدستور فى مدارجه العليا – و بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية متكاملة حلقاتها، و أن تكون لأحكام الدستور الصدارة على ما دونها فى المرتبة. و محصلة ما تقدم ، أن طبيعة الرقابة التى تباشرها محكمة النقض على محكمة الموضوع ، لا تحول بذاتها دون إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامها، بل إن إجالتها لبصرها فى هذا الدفع، يعكس جوهر رقابتها القانونية ، و يعتبر أوثق اتصالا بها ، ذلك أن تقرير ما إذا كان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته يعد لازما أو غير لازم للفصل فى الحقوق المدعى بها ، و كذلك ما إذا كان التعارض الذى يثيره الدفع بين هذا النص و حكم فى الدستور ، يعد – من وجه مبدئية – مفتقرا إلى ما يظاهره أو مرتكنا إلى ما يبرره، كلاهما من مسائل القانون التى يدخل الفصل فيها فى ولاية محكمة النقض التى عهد إليها المشرع بمراقبة صحة تطبيقهم على الوقائع التى خلص إليها الحكم المطعون فيه.

– – – ٣ – – –
إن الدفع بعدم الدستورية ليس من الدفوع التى يخالطها واقع، و لا تعتبر المجادلة فيه مجادلة موضوعية مما تستقل بتقديرها محكمة الموضوع. و إنما ينحل إلى ادعاء بمخالفة نص تشريعى لحكم فى الدستور، و هو ادعاء لا يرتبط الفصل فيه بأية واقعة تكون محكمة الموضوع قد حققتها. و من ثم تجوز إثارته و لو لأول مرة أمام محكمة النقض – التى تعتبر من المحاكم التى عنتها المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا، و التى يجوز إثارة مثل هذا الدفع أمامها – ذلك أن إعراضها عن بحثه على ضوء ظاهر الأمر فيه، بمقولة أن رقابتها منحصرة فى مسائل القانون وحدها، مؤداه أن يكون مرجعها فى هذه الرقابة إلى النصوص التشريعية المعمول بها عند الفصل فى الطعن المعروض عليها، و لو كانت معيبة فى ذاتها لمخالفتها للدستور. و هو ما يؤول إلى إنزالها لهذه النصوص دوما على الواقعة التى حصلها الحكم المطعون فيه أيا كان وجه تعارضها مع الدستور. و يناقض ذلك دون ريب التزمها بالخضوع بالقانون – و الدستور فى مدارجه العليا – و بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية متكاملة حلقاتها، و أن تكون لأحكام الدستور الصدارة على ما دونها فى المرتبة. و محصلة ما تقدم ، أن طبيعة الرقابة التى تباشرها محكمة النقض على محكمة الموضوع ، لا تحول بذاتها دون إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامها، بل إن إجالتها لبصرها فى هذا الدفع، يعكس جوهر رقابتها القانونية ، و يعتبر أوثق اتصالا بها ، ذلك أن تقرير ما إذا كان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته يعد لازما أو غير لازم للفصل فى الحقوق المدعى بها ، و كذلك ما إذا كان التعارض الذى يثيره الدفع بين هذا النص و حكم فى الدستور ، يعد – من وجه مبدئية – مفتقرا إلى ما يظاهره أو مرتكنا إلى ما يبرره، كلاهما من مسائل القانون التى يدخل الفصل فيها فى ولاية محكمة النقض التى عهد إليها المشرع بمراقبة صحة تطبيقهم على الوقائع التى خلص إليها الحكم المطعون فيه.

– – – ٤ – – –
ينبغى – ابتداء – التمييز بين قصر حق التقاضى على درجة واحدة ناحية ، و بين إنكار الحق فيه إنكار مطلقاً أو مقيدا من ناحية أخرى . ذلك أن قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها الحكم على درجة واحدة – و هو ما يستقل المشرع بتقديره – يفترض لزوما أمرين، أولهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى من حيث تشكيلها و ضماناتها و القواعد المعمول بها أمامها. و ثانيهما : أن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل فى عناصر النزاع جميعها – الواقعية منها و القانونية – دون أن تراجعها فيما تخلص إليه” من ذلك” أية جهة . و على نقيض ما تقدم، أن يقيم المشرع محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى للفصل فى مسائل القانون المرتبطة بنزاع معين دون سواها، تعقيبا من جانبها على قرار أصدرته جهة إدارية عند فصلها فيه ، إذ يعتبر ذلك إنكارا لحق اللجوء إلى القضاء – و هو الحق الذى كفلته المادة الثامنة و الستون من الدستور – باعتبار أن الفصل فى عناصر النزاع الواقعية عائد إلى جهة إدارية لا تتوفر أمامها – و بالضرورة – مقومات التقاضى و ضماناته الرئيسة . كذلك يتعين التمييز بين قصر حق التقاضى على درجة واحدة من ناحية، أخرى ، ذلك أن هذا التعدد – حين يتوفر الدليل عليه من النصوص التشريعية ذاتها – يعتبر نافيا – و بداهة – لقالة انحصاره فى درجة واحدة ، و متحققا دوما حين تقوم محكمة استئنافية بمراجعة قضاء المحكمة الدنيا فى عناصره الواقعية و القانونية ، و كذلك حين تتصدر التنظيم القضائى ، و تحتل القمة من مدارجه، محكمة تعلوهما تكون ولايتها مقصورة على الفصل فى مسائل القانون لتقعيدها، ولو كان الطعن فى أحكامها ممتنعا.

– – – ٥ – – –
إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن التمييز بين الأعمال القضائية و بين غيرها من الأعمال التى تلتبس بها، إنما يقوم على مجموعة من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعى ، و لكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائى، من بينها أن إسباغ الصفة القضائية على أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين، يفترض أن يكون تشكيلها و استقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل فى النزاع، و مؤديين إلى غيرتها فى مواجهة أطرافه. و فى كل حال يتعين أن يثير النزاع المطروح عليها إدعاء قانونيا يبلور الحق فى الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها، و بوصفها الوسيلة التى عينها المشرع لاقتضاء الحقوق المدعى بها، و بمراعاة ان يكون إطار الفصل فيها محددا بما لا يخل بالضمانات القضائية الرئيسية التى لا يجوز النزول عنها ، و على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفا، ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكدا للحقيقة القانونية ، مبلورا لمضمونها، لتفرض نفسها على كل من ألزمه المشرع بها، بافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة.

– – – ٦ – – –
البين من أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ و مذكرته الإيضاحية ، أن الأعيان التى كان مصرفها على غير جهات البر، و التى اعتبر وقفها منتهيا بصدور المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢، كان ينبغى توزيعها على المستحقين، كل بقدر نصيبه، باعتبار أنهم أصبحوا مالكين لهذه الأنصبة ، إلا أن معظم هذه الأعيان لم تصل إلى أيدى مستحقيها بسبب شيوع أنصبتهم ، و ما يقيمه بعض الحراس ، بل و بعض المستحقين ، من العوائق التى تحول دون إجراء القسمة و لمواجهة ذلك ، صدر القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٥٨ بقسمة الأعيان التى اعتبر وقفها منتهيا مستهدفا تقرير قواعد ميسرة تكفل إيصال الحقوق إلى المستحقين، و تجنبهم المنازعات و الخصومات التى تتفرع عن إجراءات التقاضى المعتادة و التى قد تعرض حقوقهم للضياع . إلا أن تطبيق هذا القانون أسفر عن تعقد إجراءاته و بطئها بالنظر إلى تعدد لجانه و تعدد إجراءاتها و مواعيدها. و من ثم فقد صدر القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ متوخيا تعديل تعديل أحكام القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٥٨ المشار إليه بما يكفل سرعة إنجاز عملية القسمة أو البيع – عند تعذر إجرائها – و بمراعاة أن تكون إجراءاتها مبسطة، و بما يصون حقوق المتقاسمين و غيرهم على السواء. و فى هذا الإطار، حدد القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ كيفية إجراء القسمة فى الاعيان التى اعتبر وقفها منتهيا، فاستعاض عن القواعد الإجرائية المعقدة بلجنتين، تختص إحداهما بفحص طلبات القسمة و تحقيق جديتها و إجرائها، و كذلك ببيع الأعيان التى تتعذر قسمتها، و تختص أخراهما بالفصل فى الاعتراضات على الأحكام التى تصدرها اللجنة الأولى ، سواء كان الاعتراض مبناه المنازعة فى الاستحقاق أو تقويم الأعيان أو غير ذلك. و قد قيد المشرع هاتين اللجنتين بقواعد قانونية ألزمهما باتباعها، بعضهما من طبيعة إجرائية هى تلك المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، و منها ما هو طبيعة موضوعية تمثلها الأحكام التى تضمنها القانون المدنى فى شأن القسمة و كذلك ما تضمنه القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ من أحكام متعلقة بالوقف. و تفصل هذه اللجان – التى يغلب العنصر القضائى على تشكيلها – فيما يعرض عليها مما يدخل فى اختصاصها بعد إعلان أصحاب الشأن ببدء إجراءتها ، و بما يكفل حقوق المتقاسمين و الأغيار على السواء، و فى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى التى تتهيأ معها لكل من كل طرفا فى إجراءات القسمة الفرص الكاملة لإبداء أقواله و مواجهة خصمة و تحقيق دفاعه، بما مؤداه أن المشرع أقام هيئتين ذواتى اختصاص قضائى تعلو إحداهما أدناهما، و تتقيد كلتاهما بقواعد إجرائية و موضوعية لا تريم عنها، و تتوافر فى تشكيلها الحيدة التى تكفل غيريتها فى مواجهة المتنازعين. و قد اقترن هذا التنظيم القائم على تعدد مراحل التقاضى فى الموضوع الواحد، بضمان حق الطعن الطعن أمام محكمة الاستئناف فى القرارات النهائية الصادرة عن لجان القسمة كلما كان الطعن عليها مبناه مخالفتها القانون أو خطؤها فى تطبيقة أو تأويلة، أو إذا وقع بطلان فى قراراتها أو بطلان فى إجراءاتها أثر فيها. و من ثم يكون المشرع قد حصر اختصاص محكمة الاستئناف فى مسائل القانون، و عهد إليها – من خلال مراقبتها لصحة تطبيقه – بدور مماثل لدور محكمة النقض التى لا يجوز الطعن فى أحكامها أمام أية جهة، و ليس ذلك إنكارا لحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة ٦٨ من الدستور، بل هو توكيد لمضمونه، و إرساء لأبعاده بما يكفل الأغراض التى توخاها.

– – – ٧ – – –
البين من أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ و مذكرته الإيضاحية ، أن الأعيان التى كان مصرفها على غير جهات البر، و التى اعتبر وقفها منتهيا بصدور المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢، كان ينبغى توزيعها على المستحقين، كل بقدر نصيبه، باعتبار أنهم أصبحوا مالكين لهذه الأنصبة ، إلا أن معظم هذه الأعيان لم تصل إلى أيدى مستحقيها بسبب شيوع أنصبتهم ، و ما يقيمه بعض الحراس ، بل و بعض المستحقين ، من العوائق التى تحول دون إجراء القسمة و لمواجهة ذلك ، صدر القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٥٨ بقسمة الأعيان التى اعتبر وقفها منتهيا مستهدفا تقرير قواعد ميسرة تكفل إيصال الحقوق إلى المستحقين، و تجنبهم المنازعات و الخصومات التى تتفرع عن إجراءات التقاضى المعتادة و التى قد تعرض حقوقهم للضياع . إلا أن تطبيق هذا القانون أسفر عن تعقد إجراءاته و بطئها بالنظر إلى تعدد لجانه و تعدد إجراءاتها و مواعيدها. و من ثم فقد صدر القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ متوخيا تعديل تعديل أحكام القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٥٨ المشار إليه بما يكفل سرعة إنجاز عملية القسمة أو البيع – عند تعذر إجرائها – و بمراعاة أن تكون إجراءاتها مبسطة، و بما يصون حقوق المتقاسمين و غيرهم على السواء. و فى هذا الإطار، حدد القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ كيفية إجراء القسمة فى الاعيان التى اعتبر وقفها منتهيا، فاستعاض عن القواعد الإجرائية المعقدة بلجنتين، تختص إحداهما بفحص طلبات القسمة و تحقيق جديتها و إجرائها، و كذلك ببيع الأعيان التى تتعذر قسمتها، و تختص أخراهما بالفصل فى الاعتراضات على الأحكام التى تصدرها اللجنة الأولى ، سواء كان الاعتراض مبناه المنازعة فى الاستحقاق أو تقويم الأعيان أو غير ذلك. و قد قيد المشرع هاتين اللجنتين بقواعد قانونية ألزمهما باتباعها، بعضهما من طبيعة إجرائية هى تلك المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، و منها ما هو طبيعة موضوعية تمثلها الأحكام التى تضمنها القانون المدنى فى شأن القسمة و كذلك ما تضمنه القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ من أحكام متعلقة بالوقف. و تفصل هذه اللجان – التى يغلب العنصر القضائى على تشكيلها – فيما يعرض عليها مما يدخل فى اختصاصها بعد إعلان أصحاب الشأن ببدء إجراءتها ، و بما يكفل حقوق المتقاسمين و الأغيار على السواء، و فى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى التى تتهيأ معها لكل من كل طرفا فى إجراءات القسمة الفرص الكاملة لإبداء أقواله و مواجهة خصمة و تحقيق دفاعه، بما مؤداه أن المشرع أقام هيئتين ذواتى اختصاص قضائى تعلو إحداهما أدناهما، و تتقيد كلتاهما بقواعد إجرائية و موضوعية لا تريم عنها، و تتوافر فى تشكيلها الحيدة التى تكفل غيريتها فى مواجهة المتنازعين. و قد اقترن هذا التنظيم القائم على تعدد مراحل التقاضى فى الموضوع الواحد، بضمان حق الطعن الطعن أمام محكمة الاستئناف فى القرارات النهائية الصادرة عن لجان القسمة كلما كان الطعن عليها مبناه مخالفتها القانون أو خطؤها فى تطبيقة أو تأويلة، أو إذا وقع بطلان فى قراراتها أو بطلان فى إجراءاتها أثر فيها. و من ثم يكون المشرع قد حصر اختصاص محكمة الاستئناف فى مسائل القانون، و عهد إليها – من خلال مراقبتها لصحة تطبيقه – بدور مماثل لدور محكمة النقض التى لا يجوز الطعن فى أحكامها أمام أية جهة، و ليس ذلك إنكارا لحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة ٦٨ من الدستور، بل هو توكيد لمضمونه، و إرساء لأبعاده بما يكفل الأغراض التى توخاها.

– – – ٨ – – –
المشرع غير مقيد – فى مجال ضمانه حق اللجوء إلى القضاء – بأشكال محددة تمثل أنماطا جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل . بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون فى تقديره الموضوعى أكثر اتفاقا مع طبيعة المنازعة التى يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى و دون ما إخلال بضمانتها الرئيسية التى تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة فى ذاتها . متى كان ذلك ، فإن التنظيم التشريعى الذى تضمنه القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ – بمراعاة طبيعة المنازعات التى اختص اللجان التى أنشأها بالفصل فيها، و فى الحدود التى يقتضيها الصالح العام – لا يكون مخالفا للدستور من هذه الناحية.

– – – ٩ – – –
إعمال مبدأ المساواة – و ما يقتضيه من الحماية القانونية المتكافئة – يفترض تماثل المراكز القانونية فى نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعى ، و معاملتها بالتالى على ضوء قاعدة قانونية موحدة لا تفرق بين أصحابها بما ينال من مضموزن الحقوق التى يتمتعون بها، و كان النص التشريعى المطعون عليه لا يعدو أن يكون جزءا من التنظيم المتكامل لحق التقاضى الذى ورد بالقرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠، و كان هذا التنظيم قد تقرر لأغراض مشروعة ، ووفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا منهيا بين المخاطبين بها، فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بمبدأ المساوة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور لا يكون لها محل .

– – – ١٠ – – –
إن ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعى المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص الذى تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقا لنص المادة ٨ من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأيتصل بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، و أن إعماله يقع عند التزاحم عليها، و إن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – فى مجال الإنتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض ، و هى أولوية تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. إذ كان ذلك ، فإن إعمال مبدأ تكافؤ الفرص – فى نطاق تطبيق النص المطعون عليه – يكون منتفيا، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها.

– – – ١١ – – –
إذ كان المتدخلون انضماما للمدعين غير ماثلين فى الدعوى الموضوعية التى يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الحكم فيها ، و لا يعتبرون بالتالى خصوما ذوى شأن فى الدعوى الدستورية ، فإن مصلحتهم فى الطعن على النص التشريعى محلها تكون منتفية، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول تدخلهم.
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليهما الأولى والرابعة كانتا قد تقدمتا بطلب إلى لجنة القسمة بوزارة الأوقاف ابتغاء قسمة أعيان وقف مصطفى حلمى. وبتاريخ ١١ مارس سنة ١٩٨٦ صدر قرار اللجنة باعتماد تقرير الخبير المؤرخ ٤ يناير سنة ١٩٨٦ بالنسبة للطريقة الأولى لقسمة أطيان الوقف. وإذ لم يرتض المدعون هذا القرار فقد تقدموا باعتراض عليه إلى لجنة الاعتراضات التى انتهت إلى قبول الاعتراض شكلاً، ورفضه موضوعاً. طعن المدعون فى هذا القرار أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم ٦ لسنة ١٥٤ حيث قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد القرار المطعون فيه. وإذ لم يرتض المدعون هذا الحكم فقد طعنوا فيه أمام محكمة النقض ودفعوا أمامها بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة الثالثة عشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ بقسمة الأعيان التى انتهى فيها الوقف والتى تنص على أن “ويكون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف نهائياً غير قابل للطعن أمام أية جهة قضائية”. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع فقد صرحت للمدعين باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقاموا دعواهم الماثلة. وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة قولاً منها بأنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها باعتبار أن الدفع بعدم الدستورية أثير أمام محكمة النقض التى لا تعتبر محكمة موضوع، ولا يعد النزاع المعروض عليها متصلاً بتقرير الحق أو نفيه، بل تقتصر مهمتها على مراقبة صحة تطبيق القانون على الوقائع التى فصل فيها الحكم المطعون فيه. وبالتالى لا يجوز لمحكمة النقض أن تحيل مسألة دستورية تتصل بطعن معروض عليها إلى المحكمة الدستورية العليا ولا أن تقدر جدية دفع بعدم الدستورية أثير أمامها بمناسبة فصلها فى هذا الطعن، إذ لا يعتبر هذا الدفع متعلقا بالنظام العام، ولا يجوز أن يثار أمامها لأول مرة. وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الشرعية الدستورية التى تقوم المحكمة الدستورية العليا على مراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية مطابقة لأحكام الدستور. وتتبوأ هذه الشرعية من البنيان القانونى فى الدولة القمة من مدارجه وهى فرع من خضوع الدولة للقانون والتزامها بضوابطه. ولا يجوز بالتالى لأية محكمة أو هيئة اختصها المشرع بالفصل فى نزاع معين فصلا قضائياً – وأيا كان موقعها من الجهة القضائية التى تنتمى إليها – إعمال نص تشريعى لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية قوامها ظاهر الأمر فى المطاعن الدستورية الموجهة إليه دون خوض فى أعماقها. ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا التى تتولى دون غيرها الفصل فى المسائل الدستورية، إذ هى التى تتحراها سابرة أغوارها، متقصية أبعادها، بالغة ببحثها منتهاه، لتقول كلمتها القاطعة فيها، بما مؤداه أنه كلما بدا لأية جهة أو هيئة أولاها لمشرع سلطة الفصل فى الخصومة بأكملها أو فى بعض جوانبها، أن التعارض المدعى به أمامها بين النص التشريعى الأدنى والقاعدة الدستورية التى تحتل مرتبة الصدارة بين قواعد النظام العام، محمول على أسس تظاهره من وجهة مبدئية غير متعمقة دخائل المطاعن الدستورية، فلا يجوز لهذه الجهة أو الهيئة، أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستور، ولا أن تنحيها جانبا، بل يتعين عليها – ولو كان بحثها منحصراً فى مسائل القانون دون غيرها – أما أن تحيل بنفسها ما ارتأته من تعارض بين نص تشريعى وقاعدة دستورية إلى المحكمة الدستورية العليا ليكون قضاؤها فى شأن هذا التعارض قولاً فصلاً، وإما أن توفر للخصم الذى دفع أمامها بعدم دستورية نص تشريعى، وكان دفعه جدياً، مكنة عرض دعواه على المحكمة الدستورية العليا عن طريق تخويلها إياه حق رفعها إليها خلال الأجل الذى تحدده. يؤيد ذلك أن الدفع بعدم الدستورية ليس من الدفوع التى يخالطها واقع، ولا تعتبر المجادلة فيه مجادلة موضوعية مما تستقل بتقديرها محكمة الموضوع، وإنما ينحل إلى إدعاء بمخالفة نص تشريعى لحكم فى الدستور. وهو إدعاء لا يرتبط الفصل فيه بأية عناصر واقعية تكون محكمة الموضوع قد حققتها. ومن ثم تجوز إثارته ولو لأول مرة أمام محكمة النقض – التى تعتبر من المحاكم التى عنتها المادة ٢٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا والتى يجوز إثاره مثل هذا الدفع أمامها – ذلك أن إعراضها عن بحثه على ضوء ظاهر الأمر فيه، بمقولة أن رقابتها منحصرة فى مسائل القانون وحدها، مؤداه أن يكون مرجعها فى هذه الرقابة إلى النصوص التشريعية المعمول بها عند الفصل فى الطعن المعروض عليها، ولو كانت معيبة فى ذاتها لمخالفتها للدستور، وهو ما يؤول إلى إنزالها لهذه النصوص دوما على الواقعة التى حصلها الحكم المطعون فيه أيا كان وجه تعارضها مع الدستور، ويخل بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية متكاملة حلقاتها، وأن تكون لأحكام الدستور الصدارة على ما دونها فى المرتبة. ولازم ذلك، أن طبيعة الرقابة القانونية التى تباشرها محكمة النقض على محكمة الموضوع، لا تحول بذاتها دون إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامها، بل أن إجالتها لبصرها فى هذا الدفع، يعكس جوهر رقابتها القانونية، ويعتبر أوثق اتصالا بها. ذلك أن تقرير ما إذا كان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته يعد لازماً أو غير لازم للفصل فى الحقوق المدعى بها، وكذلك ما إذا كان التعارض الذى يثيره الدفع بين هذا النص وحكم فى الدستور، يعد – من وجهة مبدئية – مفتقراً إلى ما يظاهره أو مرتكنا إلى ما يبرره، كلاهما من مسائل القانون التى يدخل الفصل فيها فى ولاية محكمة النقض التى عهد إليها المشرع بمراقبة صحة تطبيقه على الوقائع التى خلص إليها الحكم المطعون فيه. وحيث إن المدعين ينعون على الفقرة الثالثة من المادة الثالثة عشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ بقسمة الأعيان التى انتهى فيها الوقف، إنها إذ تنص على أنه “ويكون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف نهائياً غير قابل للطعن أمام أية جهة قضائية”، فإنها تكون قد حالت دون الطعن بالنقض فى أحكام القسمة الصادرة عن تلك المحكمة، وذلك على خلاف الأصل فيها بما مؤداه أن تكون قرارات لجان القسمة بمنأى من الرقابة التى تباشرها محكمة النقض على صحة تطبيقها للقانون، وهو ما ينطوى على إنكار لحق التقاضى وإخلال بمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما فى المواد ٨، ٤٠، ٦٨ من الدستور. وحيث إن الفصل فى هذا النعى يقتضى ابتداء التمييز بين قصر حق التقاضى على درجة واحدة من ناحية، وبين إنكار الحق فيه إنكاراً مطلقاً أو مقيداً من ناحية أخرى، ذلك أن قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها الحكم على درجة واحدة – وهو ما يستقل المشرع بتقديره – يفترض لزوماً أمرين، أولهما أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها. ثانيهما أن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل فى عناصر النزاع جميعها – الواقعية منها والقانونية – دون أن تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى. وعلى نقيض ما تقدم، أن يقيم المشرع محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى للفصل فى مسائل القانون المرتبطة بنزاع معين دون سواها، تعقيباً من جانبها على قرار أصدرته جهة إدارية عند فصلها فيه، إذ يعتبر ذلك إنكاراً لحق اللجوء إلى القضاء وهو الحق الذى كفلته المادة الثامنة والستون من الدستور باعتبار أن الفصل فى عناصر النزاع الواقعية عائد إلى جهة إدارية لا تتوافر أمامها – وبالضرورة – مقومات التقاضى وضماناته الرئيسية. كذلك يتعين التمييز بين قصر حق التقاضى على درجة واحدة من ناحية، وبين تعدد مراحله فى الموضوع الواحد من ناحية أخرى. ذلك أن هذا التعدد – حين يتوافر الدليل عليه من النصوص التشريعية ذاتها – يعتبر نافيا – وبداهة – لقالة انحصاره فى درجة واحدة، ومتحققاً دوما حين تقوم محكمة استئنافية بمراجعة قضاء المحكمة الدنيا فى عناصره الواقعية والقانونية. وكذلك حين تتصدر التنظيم القضائى، وتحتل القمة من مدارجه، محكمة تعلوهما تكون ولايتها مقصورة على الفصل فى مسائل القانون لتقعيدها، ولو كان الطعن فى أحكامها ممتنعا. وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على ان التمييز بين الأعمال القضائية وبين غيرها من الأعمال التى تلتبس بها، إنما يقوم على مجموعة من العناصر لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعى، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائى، من بينها إن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين، يفترض أن يكون تشكيلها واستقلالها كاشفين عن حيدتها عند الفصل فى النزاع، ومؤديين إلى غيريتها فى مواجهة أطرافه، وأنه فى كل حال يتعين أن يثير النزاع المطروح عليها ادعاء قانونيا يبلور الحق فى الدعوى كرابطة قانونية تنعقد الخصومة القضائية من خلالها، وبوصفها الوسيلة التى عينها المشرع لاقتضاء الحقوق المدعى بها، وبمراعاة أن يكون إطار الفصل فيها محدداً بما لا يخل بالضمانات القضائية الرئيسية التى لا يجوز النزول عنها، وعلى ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفا ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكداً للحقيقة القانونية، مبلوراً لمضمونها، لتفرض نفسها على كل من ألزمه المشرع بها، بافتراض تطابقها مع الحقيقة الواقعة. وحيث إن البين من أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ ومذكرته الإيضاحية، أن الأعيان التى كان مصرفها على غير جهات البر، والتى اعتبر وقفها منتهيا بصدور المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢، كان ينبغى توزيعها على المستحقين، كل بقدر نصيبه، باعتبار أنهم أصبحوا مالكين لهذه الانصبة، إلا أن معظم هذه الأعيان لم تصل إلى أيدى مستحقيها بسبب شيوع أنصبتهم، وما يقيمه بعض الحراس، بل وبعض المستحقين، من العوائق التى تحول دون إجراء القسمة، وانه لمواجهة ذلك، صدر القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٥٨ بقسمة الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً، مستهدفاً تقرير قواعد ميسرة تكفل إيصال الحقوق إلى المستحقين، وتجنبهم المنازعات والخصومات التى تتفرع عن إجراءات التقاضى المعتادة والتى قد تعرض حقوقهم للضياع، إلا أن تطبيق هذا القانون أسفر عن تعقد إجراءاته وبطئهما بالنظر إلى تعدد لجانه وتشابك إجراءاتها ومواعيدها. ومن ثم صدر القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ متوخيا تعديل أحكام القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٥٨ المشار إليه بما يكفل سرعة إنجاز عملية القسمة أو البيع – عند تعذر إجرائها – وبمراعاة أن تكون إجراءاتها مبسطة، وبما يصون حقوق المتقاسمين وغيرهم على السواء. وفى هذا الإطار نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ فى مادته الأولى على أنه استثناء من أحكام المادة ٨٣٦ من القانون المدنى والمادة ٤١ من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ بأحكام الوقف، تتولى وزارة الأوقاف بناء على طلب أحد ذوى الشأن قسمة الأعيان التى انتهى فيها الوقف طبقا للمرسوم بقانون رقم ١٩٨٠ لسنة ١٩٥٢، كما تتولى الوزارة فى هذه الحالة فرز حصة الخيرات الشائعة فى تلك الأعيان. وتعهد مادته الثانية بإجراء القسمة إلى لجنة أو أكثر يصدر بتشكيلها ومكان انعقادها قرار من وزير الأوقاف على أن يرأسها مستشار مساعد بمجلس الدولة ويكون أحد القضاة وأحد العاملين فى وزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف المصرية من الفئة الوظيفية التى حددتها، عضوين بها. وعملاً بمادتيه الرابعة والخامسة تختص لجان القسمة هذه بفحص طلباته وتحقيق جديتها، ولها أن تكلف الحارس على الوقف، أو من يتولى إدارة أعيانه، بأن يقدم جميع الإشهارات الصادرة بالوقف والمتضمنة الزيادة فيه والاستبدال منه والأحكام الصادرة فى شأنه، وكذلك بيانا بأعيانه ومقرها والمنازعات القائمة بصددها. فإذا لم يقدم الحارس على الوقف أو من يتولى إدارة أعيانه فى الموعد الذى تحدده اللجنة البيانات والمستندات التى طلبتها، تعين عليها تغريمه، وجاز لها إقالته وإبداله بغيره يتولى إدارة الأعيان بصفة مؤقته إلى أن تتم قسمتها نهائياً. ولكل ذى شأن الاطلاع على الأوراق المقدمة إلى اللجنة وأن يطلب صوراً منها مطابقة للأصل. ووفقاً لمادته السادسة تراعى لجان القسمة فى عملها اتباع القواعد الإجرائية المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، كما تتقيد فى مباشرتها بالقواعد الموضوعية المنصوص عليها فى القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ بأحكام الوقف وكذلك قواعد القانون المدنى فى شأن القسمة، وذلك دون إخلال بما نص عليه القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ من أحكام. وتكون لجان القسمة هى المختصة بالفصل فى جميع المنازعات التى تدخل فى اختصاص المحاكم وفقاً لأحكام القوانين المتقدمة. ولا تباشر هذه اللجان أعمالها فى غيبة ذوى الشأن ولكن بعد إعلانهم بالكيفية المنصوص عليها فى المادة الثامنة من القرار بقانون المشار إليه. وتنشئ مادته العاشرة لجنة أو أكثر تسمى لجنة الاعتراضات تشكل بقرار من وزير الأوقاف برئاسة مستشار بمحكمة الاستئناف وعضوية مستشار مساعد على الأقل بمجلس الدولة وأحد العاملين بالشئون القانونية بوزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف المصرية من الفئة الوظيفية التى حددتها هذه المادة. وتختص لجنة الاعتراضات بالنظر فيما يقدمه أصحاب الشأن من أوجه الاعتراضات على الحكم الصادر من لجنة القسمة سواء كان ذلك متعلقا بتقدير أنصبة المستحقين أو تقويم أعيان الوقف أو غير ذلك، على ان ترفع الاعتراضات على حكم لجنة القسمة – وعلى ما ينص عليه القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ فى مادته الحادية عشرة٠ من كل خصم فى الدعوى خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره. وقد اعتبرت المادة الثانية عشره القرارات النهائية للجان القسمة بمثابة أحكام مقررة للقسمة بين أصحاب الشأن وتشهر فى مصلحة الشهر العقارى والتوثيق. وخولت مادته الثالثة عشرة كل من كان طرفاً فى إجراءات القسمة أن يطعن فى القرارات النهائية الصادرة من لجان القسمة إذا كان القرار مبنيا على مخالفة القانون أو خطأ فى تطبيقه أو فى تأويله أو إذا وقع بطلان فى القرار او فى إجراءاته أثر فيه. ويرفع الطعن إلى محكمة الاستئناف خلال موعد محدد، ويكون قرارها نهائياً غير قابل للطعن فيه أمام أية جهة قضائية. وحيث إن البين مما تقدم أن القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ حدد كيفية إجراء القسمة فى الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً، فاستعاض عن القواعد الإجرائية المعقدة بلجنتين تختص إحداهما بفحص طلبات القسمة وتحقيق جديتها وإجرائها وكذلك ببيع الأعيان التى تتعذر قسمتها، وتختص أخراهما بالفصل فى الاعتراضات على الأحكام التى تصدرها اللجنة الأولى سواء كان الاعتراض مبناه المنازعة فى الاستحقاق أو تقويم الأعيان أو غير ذلك. وقد قيد المشرع هاتين اللجنتين بقواعد قانونية ألزمهما باتباعها، بعضها من طبيعة إجرائية هى تلك المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، ومنها ماهو من طبيعة موضوعية تمثلها الأحكام التى تضمنها القانون المدنى فى شأن القسمة، وكذلك ما تضمنه القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٦ من أحكام متعلقة بالوقف. وتفصل هذه اللجان – التى يغلب العنصر القضائى على تشكيلها – فيما يعرض عليها مما يدخل فى اختصاصها بعد إعلان أصحاب الشأن ببدء إجراءاتها، وبما يكفل حقوق المتقاسمين والأغيار على السواء، وفى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى التى تتهيأ معها لكل من كان طرفاً فى إجراءات القسمة الفرص الكاملة لإبداء أقواله ومواجهة خصمه وتحقيق دفاعه، بما مؤداه أن المشرع أقام هيئتين ذواتى اختصاص قضائى تعلو إحداهما أدناهما، وتتقيد كلتاهما بقواعد إجرائية وموضوعية لا تريم عنها، وتتوافر فى تشكيلها الحيدة التى تكفل غيريتها فى مواجهة المتنازعين. وقد اقترن هذا التنظيم القائم على تعدد مراحل التقاضى فى الموضوع الواحد، بضمان حق الطعن أمام محكمة الاستئناف فى القرارات الصادرة عن لجان القسمة كلما كان الطعن عليها مبناه مخالفتها القانون أو خطؤها فى تطبيقه أو تأويله، أو إذا وقع بطلان فى قراراتها أو بطلان فى إجراءاتها أثر فيها. ومن ثم يكون المشرع قد حصر اختصاص محكمة الاستئناف فى مسائل القانون، وعهد إليها – من خلال مراقبتها لصحة تطبيقه – بدور مماثل لدور محكمة النقض التى لايجوز الطعن فى أحكامها أمام أية جهة. وليس ذلك إنكاراً لحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة ٦٨ من الدستور، بل هو توكيد لمضمونه، وإرساء لأبعاده بما يكفل الأغراض التى توخاها. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع غير مقيد – فى مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء – بأشكال محددة تمثل أنماطا جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون فى تقديره الموضوعى أكثر اتفاقا مع طبيعة المنازعة التى يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى، ودون ما إخلال بضماناتها الرئيسية التى تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة فى ذاتها وغير متحيفة بالتالى. متى كان ذلك، فإن التنظيم التشريعى الذى تضمنه القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠ – بمراعاة طبيعة المنازعات التى اختص اللجان التى أنشأها بالفصل فيها، وفى الحدود التى يقتضيها الصالح العام – لا يكون مخالفاً للدستور من هذه الناحية. وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعى المطعون عليه إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون، وكان إعمال هذا المبدأ – وما يقتضيه من الحماية القانونية المتكافئة – يفترض تماثل المراكز القانونية فى نطاق الموضوع محل التنظيم التشريعى ومعاملتها بالتالى على ضوء قاعدة موحدة لا تفرق بين أصحابها بما ينال من مضمون الحقوق التى يتمتعون بها، وكان النص التشريعى المطعون عليه لا يعدو أن يكون جزءاً من التنظيم المتكامل لحق التقاضى الذى تضمنه القرار بقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٦٠، وكان هذا التنظيم قد تقرر لأغراض مشروعة، ووفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً منهياً عنه بين المخاطبين بها، فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة ٤٠ من الدستور، لا يكون لها حل. وحيث إن ما ينعاه المدعون من إخلال النص التشريعى المطعون فيه بمبدأ تكافؤ الفرص الذى تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة ٨ من الدستور، مردود بأن مضمون هذا المبدأ يتصل بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – فى مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهى أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. إذ كان ذلك، فإن إعمال مبدأ تكافؤ الفرص فى نطاق تطبيق النص المطعون عليه يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها. وحيث إنه عن طلبات التدخل فى الدعوى الماثلة، فإنه إذ كان المتدخلون انضماماً للمدعين فيها غير ماثلين فى الدعوى الموضوعية التى يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الحكم فيها، ولا يعتبرون بالتالى خصوماً ذوى شأن فى الدعوى الدستورية، فإن مصلحتهم فى الطعن على النص التشريعى محلها تكون منتفية، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول تدخلهم. وحيث إن النص التشريعى المطعون عليه لا يتعارض مع حكم فى الدستور من أوجه أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى