حق المجرم في الدفاع

بقلم: الأستاذ/ عمر محمود عبد الصمد

تتناول وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كل فترة حادثة معينة أو جريمة تكون على درجة كبيرة من البشاعة بحيث يتعاطف ويتفاعل معها الجميع مطالبين بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم أو حتى إعدامه وحتى وإن لم تكن القوانين تجيز الإعدام لارتكاب مثل هذه الجريمة.

والشعور العام من المجتمع بالتأثر أو التعاطف – في الحدود المناسبة- بحدث اجتماعي هو ظاهرة صحية جدا تكشف الوازع الأخلاقي والديني لأفراد المجتمع، وتشكل نوعا من الرقابة والضغط الشعبي على السلطات في الدولة.

لكن ما أردت أن أعرضه أو أناقشه في هذا المقال حين ينعكس هذا الشعور أو الغضب من عامة الناس وينتقل إلى أفراد يُسمع لهم نظرا لمكانتهم الاجتماعية أو الثقافية العلمية أو كونهم من رجال الدين، فيهاجموا دور المحامي في العموم أو ينكروا أهميته لصالح العدالة والمجتمع، ناسيين أو متناسين أن الدفاع عن المتهمين والمظلومين هي رسالة الأنبياء والشرفاء، وأن الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم دافع عن المذنبين وقد ثبتت إدانتهم في جريمة لكن الرسول الكريم لم يقبل بظلمهم أو أن يعاقبوا بأشد مما نص عليه الشرع أو أن نُشيطن من ارتكب ذنبا أو جرما فنلفظه ونطرده من رحمة الله ونغفل كونه بشرا يصيب ويخطئ.

فقد رُوي في صحيح البخاري أنه قد أُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برَجُلٍ قدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ -قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بيَدِهِ، والضَّارِبُ بنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بثَوْبِهِ- فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أخْزَاكَ اللَّهُ! قَالَ: لا تَقُولوا هَكَذَا؛ لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطَانَ.

وفي حديث آخر عند رجم زانية وقد سبها صحابي فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَبَّهُ إيَّاهَا، فَقالَ: مَهْلًا يا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له.

فهذا حال النبي مع من ثبتت إدانتهم بل ويُطبق عليهم الحد، فما بالنا بمن لازال قيد التحقيق أو المحاكمة فقد رُوي عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: ادرؤوا الحدود بالشبهات. أي أن الحد لا يطبق إذا ما شاب الأدلة أي شك.

وما لفت انتباهي أيضا في حالات لجرائم صارت شهيرة بفعل مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام فيكون الموقف من بعض السادة المحامين أن هذا المتهم لا ينبغي أن يدافع عنه أحدا من المحامين معللا ذلك بشدة الجرم المرتكب وفداحته.

وهذا الموقف وإن كان يدل على ضمير حي لصاحبه، فإنه يعبر أيضا أن هذا الرأي قد صدر في حالة انفعال أو غضب وإلا اعتبرناه عدم وعي كامل وصحيح برسالة المحاماة ودورها.

فما يدرينا يا سادة أن المتهم الحالي هو من ارتكب هذه الجريمة فعلا لمجرد أنه قد ذاع صيتها في الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي وظهرت الضحية في صورة تجبر المتلقي على التعاطف والدعم، فلا يصح أبدا أن نجعل الإعلام هو القاضي وهو الحكم الذي لا يقبل النقد أو النقض.

والموقف النهائي للمحامي المحترف المتخصص لا يكون إلا بعد فحص القضية كاملة من أدلة وقرائن وغيرها..، وهل هناك موانع للمسئولية أو سببا من أسباب الإباحة… فكم من جرائم مرعبة قامت عليها الدنيا وانتشرت عنها الشائعات، ثم تبين فيما بعد أن من وُجهت إليهم الاتهامات لا علاقة لهم بها بل هي من فعل آخرين، بل أن هناك جرائم صاحبها اعترافا من المتهمين وانكشف فيما بعد عدم صحة الاعتراف سواء أكان المتهم مكرها عليه أو راغبا في حماية الجاني الحقيقي.

وبعد كل ما سبق وإن كان المتهم قد أجرم فقد كفل له القانون حق الدفاع وألزم وجود محاميا مع المتهم في الجنايات وإلا بطلت المحاكمة، فليس دور المحامي يا سادة التلفيق أو التزوير أو طمس الأدلة ليفلت المجرم من العقاب، فليست هذه رسالة المحاماة الحقيقية، إنما يبقى دوره الجوهري في أن يكفل للمتهم حقه في الدفاع وفي ظل محاكمة عادلة وفق القانون، لا يُظلم فيها حتى ولو كان مذنبا ومجرما.

فكما يضر العدالة أن يفلت مجرما من العقاب فلا يفيدها أبدا أن ينال المجرم عقابا لا يتناسب مع فعله، فلا يمكن أن نعاقب مثلا من سرق كمن سرق بالإكراه ومن تحرش كمن اغتصب ومن شرع في القتل كمن قتل.

وختامًا، أود أن أقول مهما بلغت بشاعة الجرم الموجه للمتهم، فإن الحق في الدفاع مكفول للمتهم حتى لا يعاقب بأشد مما يستحق، ولا يعيب المحامي مطلقا أن يقف مدافعا عنه ضامنا لمحاكمة عادلة تصون الحقوق وتُتنج حكما عادلا يكون عنوانا للحقيقة، يؤدي فيه المحامي دوره بشرف ونزاهة.

زر الذهاب إلى الأعلى