حقوق السجين دستوريا وقانونيا
بقلم: أحمد سعيد نصر المحامى
مما لاشك فيه أن الإيداع داخل السجون تجربة قاسية ومريرة ومن المستحيل على من خاضها سواء كان السجين أو المعتقل نفسه أو أسرته أن تمر عليه فيما بعد مرور الكرام فقد حضرت وامتدت بجذورها في ذكرياته فقد جعلت قلبه قاسيا ، وسيطرت على عقلة لكونه إنسانا يشعر ويتأثر في كل مرحلة من مراحل حياته فقبل الخوض في تجربة السجن القاسية كان إنسانا يعيش بحرية لا قيود عليه – يعيش في مجتمع وهو آمن على نفسه وعلى بيته وعلى أولاده وجيرانه يتفاعل معهم يؤثر فيهم ويتأثر بهم وتتواصل علاقات المودة والرحمة بينة وبين من يعيشون حوله حياة جميلة يحلم بها كل إنسان في بيته وسط أولاده ، ولكن ما الحال إذا وجد نفسه بين الجدران في السجون مهما امتد بصرة فلن يرى إلا الأسوار العالية الانضباط هو السمة الغالبة التي يجب ان يلتزم بها الجميع كل شئ في السجن خاضع للأوامر من مآكل ومشرب وتريض ونوم وتجمع وانصراف والسير في طوابير وقسوة القائمين عليهما والنوم في عنابر تكاد تكون مظلمة وجدرانها منقوشة بذكريات أليمة تكسوها دموع النادمين متمنين لو عاد الزمان إلى الوراء حياة قاسية بكل المقاييس يعتصرهم حزنهم في تفكيرهم علي آبائهم وزوجاتهم وأولادهم متمنين ان يعيشوا يوما واحدا في أحضان أولادهم .
هذا ولم تكن المواثيق والمعاهدات الدولية والدستور والقانون بعيدة عن هذه الأمور فنظم العديد من التشريعات و الحقوق وأفرد الكثير من النصوص القانونية الواجبة الاتباع والتنفيذ
لذا كانت فكرة التواصل والتراسل والحق في الزيارة في جو إنساني ملائم والحق في عيشه كريمة داخل السجون والحفاظ على كرامة السجين أو المعتقل باعتباره إنسانا من الحقوق التي عملت الدساتير والقوانين الداخلية على إقرارها بل وسعت المواثيق والمعاهدات الدولية على تأكيدها وابرازها فى أكثر من تناول.
وبالنظرللدستور والقوانين المصرية نجد إن الحرية والأمان الشخصي وحفظ الكرامة الإنسانية وحق التواصل والزيارة تؤدي إلي حفظ الروابط الاجتماعية والأسرية وقد كان اهتمام الدستور المصري بكل ذلك لارتباطه بالحقوق الأصيلة للإنسان فجاءت نصوصه واضحة المعالم بما لا يدع مجالا لتأويل أو الالتفاف فقد نصت المادة 41 من الدستور علي أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالات التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تقييد حريته بأي قيد أو صفة من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع و يصدر هذا الأمر القاضي المختص أو النيابة العامة و ذلك وفقا لأحكام القانون ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي جاء نص المادة 41 من الدستور واضح الدلالة واعطى حرية الإنسان الشخصية مكانه أصيلة أحاطتها بسياج من الضمانات بأنها حق طبيعي.
وتأكيدا لهذه الضمانات أكد الدستور على مجموعة من الحقوق والضمانات التي يجب الحفاظ عليها وقد راعي الدستور حالات القبض وأولاها اهتماما كبيرا ويرجع هذا الاهتمام إلي أن إهدار تلك الحقوق يترتب علية الإخلال بمبدأ عام وهو ان الحرية الشخصية لا يجوز التعرض لها بأي شكل من الأشكال إلا في الحدود التي رسمت لها.
وقد جاءت المادة 71 من الدستور لتأكد على ذلك مضيفة حقا آخر وهو حق الاتصال للمقبوض عليه فقد نصت هذه المادة على أنه ” يبلغ كل من يقبض علية أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فورا ويكون له حق الاتصال بمن يري إبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذي ينظمه القانون ، ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهمة الموجهة إليه وله ولغيره التظلم أمام القضاء بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة ،وإلا وجب الإفراج عنه حتما وقد جاءت المادة 139 من قانون الإجراءات الجنائية لتأكد على نص المادة 71 من الدستور حيث نصت على أنه يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأسباب القبض عليه أو حبسة ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجه إليه ولا يجوز تنفيذ أوامر الضبط والإحضار وأوامر الحبس بعد مضى ستة أشهر من تاريخ صدورها ما لم يعتمدها قاضى التحقيق بمدة أخرى
ومن ناحية أخري فقد أكد الدستور على مكانة الأسرة داخل المجتمع وعلى دور الدولة في الحفاظ على هذه المكانة فقد نصت المادة 9 على أن الأسرة أساس المجتمع ، قوامها الدين والأخلاق والوطنية.
وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد مع تأكيد هذا الطابع وتنميته في العلاقات داخل المجتمع المصري.
هذا و قد جاءت اللائحة التنفيذية للقانون رقم 396 لسنة 1956 والخاصة بتنظيم السجون لتستأثر بالكثير من الحقوق والضمانات والتي روعى فيها ظروف السجين والمحبوسين احتياطيا والمعتقلين وراعت الظروف الإنسانية المحيطة بكل من الأسرة والسجين عامة بالرغم من وجود بعض الجوانب التي غفلتها والتي من بينها مراعاة جمع السجناء الأشقاء في سجن واحد وحق الزوج والزوجة في أن يجتمعا معا . . الخ من الجوانب الأخرى الخاصة بتدعيم الأواصر الأسرية بين السجين وأسرته ، وبالرغم من ذلك نص القانون على العديد من الضمانات والحقوق المتصلة بهذا الشأن ، فنص على مواد من شانها إزالة الفوارق والعوامل النفسية التي تتراكم علي الأسرة والسجين عامة نتيجة الوضع القائم ومن أولى الاهتمامات التي أولاها هذا القانون ؛ بحث الحالات الفردية أو الجماعية داخل السجون حتى يتم فهم التعامل على الأساس العلمي والاجتماعي السليم ، فجاءت المادة 18 من اللائحة الداخلية لتنظيم السجون وقامت بتقسيم الإخصائيين في السجن إلى:
أخصائي اجتماعي أو أكثر لبحث الحالات.
أخصائي اجتماعي للعمل مع الجماعات.
أخصائي اجتماعي للرعاية الخارجية عن طريق الاتصال بالهيئات والمؤسسات المختلفة.
وقد أدرجت هذه المادة إيمانا بان تقسيم المسجونين عامة على الأخصائيين الاجتماعيين لتقييم النمط الذي يجب أن تتعامل به إدارة السجن معهم ومع أسرهم من خلاله لتحقيق أفضل معاملة إنسانية ولتحقيق روح القانون والوصول إلى اعلي درجات الانضباط داخل الجدران.
وتأكيدا علي المادة السابقة جاءت المادة رقم 20 من نفس اللائحة لتؤكد ان دراسة شخصية المسجون واتجاهاته الانفعالية والمزاجية من الأسس الرئيسية لإدارة السجن في التعامل مع السجين وفقا لها وتتمثل في دراسة شخصية المسجون دراسة كاملة.
قياس ذكائه وقدراته المختلفة ,ومعرفة ميوله واتجاهاته والكشف عن النواحي الانفعالية والمزاجية عنده ورسم سياسية لخطة المعاملة والعلاج والتوجيه بما فيها التوجيه للناحية المهنية التي يصلح لها المسجون.
وإيمانا بفكرة التواصل بين السجين سواء المحكوم عليه أو المحبوس احتياطيا وما يمكن ان تقوم به من تخفيف حدة الألم وقسوة الظروف المحيطة بالسجناء وذويهم من الأسرة وذويهم وإعمالا لذلك جاءت المادة 60 من اللائحة ذاتها على ان للمحكوم علية بالسجن البسيط والمحبوسين احتياطيا الحق في التراسل في أي وقت ولذويهم أن يزوروهم مرة واحدة كل أسبوع في أي وقت من أيام الأسبوع عدا أيام الجمع والعطلات الرسمية ما لم تمنع النيابة العامة او قاضي التحقيق ذلك بالنسبة إلي المحبوسين احتياطيا طبقا للمادة 141 من قانون الإجراءات الجنائية أما المادة 63 من نفس اللائحة فقد نصت على أنه لمدير أو مأمور السجن إبلاغ السجون في أي وقت بأي أمر ذو أهمية يتعلق بالمسجون ويجوز له كذلك أن يسمح للمسجون بإرسال برقية على نفقته إذا رأي ضرورة لذلك بعد إطلاعه على أصل البرقية واعتماد إرسالها.
ولم يرد هذا النص من قبل المصادفة بل أنه وجد ضرورة توجب ان وضع تلك المادة مراعاة للظروف التي يمكن ان تحيط بالسجين وأقربها عند نقلة من سجن لآخر.
ومما لا شك فيه أن الأسرة والسجين كلهما يؤثر في الآخر تأثيرا كبيرا وان التواصل فيما بينهم من الأمور التي لا يجب إغفالها بأي شكل من الأشكال لذلك نصت المادة 66 من هذا اللائحة على أنه ” للمسجون عند نقله إلى سجن في بلد اخر الحق في التراسل ولذويه أن يزوروه مرة واحدة قبل وبعد نقله ولو لم يحن ميعاد المراسلة أو الزيارة العادية المستحق له ولا تحسب هذه الزيارة أو المراسلة من الزيارات والمراسلات المقررة للمسجون .
إن روح التواصل وإقامة جسور من الانطباع الاجتماعي لا تتم فقط بين المسجون وذويه خارج السجن وإنما بالضرورة ان تتم داخل السجون وقد نصت اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم السجون على ذلك وسمحت بزيارة بعضهم لبعض داخل السجن الواحد أو بين سجنين مختلفين كإحدى الطرق نحو الإصلاح والتهذيب بالإضافة إلى الاعتبارات الإنسانية فقد نصت المادة 75 من اللائحة التنفيذية للسجون على أنه يجوز للمدير او مأمور السجن ان يسمح بالزيارة للمسجونين في سجن واحد بزيارة بعضهم في الحدود المقررة للزيارة العادية وتتم الزيارة بمكتب المساعد وبحضوره ولا يجوز السماح بزيارة أحد المسجونين بإحدى المسجونات إلا إذا كانت زوجته أو محرما له وتتم هذه الزيارة في مكان المخصص للزيارة العادية وفي غير مواعيد هذه الزيارة بحضور إحدى مستخدمات السجن مع المسجونة ومساعد السجن مع المسجون ولمدير عام السجون أن يسمح للمسجونين بزيارة ذويهم المودعين في سجن آخر إذا دعت إلى ذلك ضرورة.