حجية الحكم الجنائي الصادر بالبراءة في حق المطالبة بالتعويض

 

بقلم: الأستاذ/ أشرف الزهوي

هديًا بما استقرت عليه أحكام محكمة النقض، فإن الحكم الصادر بالبراءة في المواد الجنائية، لا تكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية، إلا إذا كان قد فصل فصلا لازما في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعوى الجنائية والمدنية، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، وأن الحكم الجنائي الصادر بالبراءة، إذا كان مبنيا على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون، سواء لانتفاء القصد الجنائي أو لسبب آخر، فإنه لا تكون له حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية.

وبالتالي فإنه لا يمنع تلك المحكمة من البحث فيما إذا كان هذا الفعل مع تجرده من وصف الجريمة قد نشأ عنه ضرر، يصح أن يكون أساسا للتعويض، ذلك أن القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم، وكان فصله فيها ضروريا.

والخلاصة إذًا، أنه إذا كان الحكم بالبراءة مبنيًا على أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون، ففي هذه الحالة يتقيد القاضي المدني بهذا التكييف القانوني، فلا يجوز له أن يقرر أن الواقعة تندرج تحت إحدى الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية، ولكن ذلك لا يمنعه من أن يقرر، أن الواقعة في نظر القانون المدني فعلا ضارا يستوجب المسئولية المدنية.

أما إذا كان الحكم بالبراءة مبنيا على الفصل في الواقعة أساس الدعوى دون الفصل في نسبتها إلى المتهم، فإنه في هذه الحالة، تنتفي حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية، فيجوز للقاضي الجنائي أن يحكم على المتهم بالتعويض، لأن حكمه هذا لا ينطوي على تعارض مع الحكم الجنائي، فقد يكون الحكم بالبراءة، راجعا إلى انقضاء الدعوى العمومية بموت المتهم أو بالعفو الشامل أو بالتقادم فيكون للقاضي المدني حينئذ أن يقضي بالتعويض على أساس أن الواقعة المنسوبة للمتهم تقصير مدني.

أما في حالة الحكم بالبراءة لانتفاء القصد الجنائي رغم ثبوت الواقعة ماديا، فلا يكون لهذا الحكم حجية أمام القاضي المدني تمنعه من الحكم بالتعويض ومن الأمثلة في ذلك، أنه إذا صدر حكم بالبراءة في َجنحة ضرب على أساس تخلف القصد الجنائي، فليس هناك ما يمنع من صدور حكم القاضي المدني بالتعويض على أساس وجود إهمال من الفاعل أدى إلى إصابة المجني عليه، وحدوث ضرر له من جراء إصابته.

وكذلك في البلاغ الكاذب إذا قضى بالبراءة لانتفاء القصد الجنائي الخاص وهو نية الأضرار بالمجني عليه، رغم ثبوت واقعة التبليغ الكاذب وعلم المبلغ بكذبها فهذا لا يمنع القاضي المدني من القضاء بالتعويض للمجني عليه.

أما إذا قضت المحكمة الجنائية بالبراءة للشك في الواقعة وتفسير الشك لصالح المتهم، فإن هذا الحكم لا يمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسئولية المدنية، طالما لم تفصل المحكمة الجنائية في هذا الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية.

في حالة قضاء المحكمة بالبراءة لعدم كفاية الأدلة، فقد اختلف الراي بين الفقهاء، ولكن استقرت محكمة النقض على التفرقة بين الأحكام التي فصلت في الأساس المشترك بين الدعويين وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى