جهل الرأي العام بمهنة المحاماة وشرعيتها
بقلم : الأستاذ باسم بركات
إرتبطت مهنة المحاماة في أذهان الكثير من الناس بصورة المحامى فى الأفلام والمسلسلات العربية فهو الشخص الفهلوى الذى يستطيع أن يقلب الحق إلى باطل والباطل إلى حق، ويستطيع أن يكسب القضية لموكلة بجميع الطرق ولو كانت ملتوية بالخداع والمناورة وبعيداً عن الإعتبارات والقيم الدينية والأخلاقية، وهو الذى ينقذ موكله ويخلصه من التهمة المنسوبة إليه كمن يخرج الشعرة من العجين كما يقال، فتجدهم بسبب هذا الفهم الخاطئ يشوهون من سمعة المحامى فتارة يصفوه بالنصاب وتارة أخرى بأنه يقلب الحق باطل والباطل حق، والأفظع أنه نصير المجرمين .
والحقيقة التى يجب أن يفهمها هؤلاء أن الدفاع عن المجرم واجب من واجبات المحامى التى يجب عليه القيام بها، لأنه من غير المنطقى أن يُدان متهم قبل أن يُحاكم محاكمة عادلة ، ولا تكون المحاكمة عادلة إذا لم يوجد محامٍ يساند المتهم الذى هجره أهله وتنكر له أصدقائه وتشمت به أعدائه وأنصبت عليه لعنة الناس أجمعين .
فالقاتل مثلاً يُصدر الناس بحقه حكم الإعدام قبل بدء محاكمته ، وإذا تكفل المحامى بأن يدافع عن هذا القاتل أصبح بنظر الناس أنه محامٍ المجرم ولا شىء يدفع الناس لهذا الوصف إلا الجهل ، لأنه بالقانُون ليس كل قاتل يجب إعدامه ، وأنه بقاعة المحكمة تأتى أوقات يجب فيها على الجميع أن يغض طرفه عن منظر الأشلاء والدماء لأنها ليست كل شىء فى القضية .
والقاعدة العامة فى القوانيين كافة ، أن أى محاكمة لأى متهم مهما كانت جريمته يجب أن يوجد فيها بجانب المجرم محامٍ ليكون سداً منيعاً فى وجه الغضب الشعبى الذى ثار بسبب جريمة ذالك المتهم ، وليكون مراقباً لحكم القضاء الذى يتأثر غالباً بالرأى العام، الذى يجعل فكر القاضى مهياً لإدانة المتهم قبل دخوله لقاعة المحكمة .
وللأسف الشديد كذالك نسمع كثيراً من العوام يرددون أن المحامى مهمته تغيير الحقائق ، فهو يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً ، والحقيقة أن هذا الكلام إفتراء على المحاميين وجهل آيضاً بمهنة المحاماة ، لأن المحامى ليست مهمته قلب الحقائق إنما مهمته أن يختار من الحقائق تلك التى هى فى صالح موكله ويبحث عن تلك التى هى ضد خصمه ، ولا شك أن المحامى مُلزم بالإنحياز لموكله وإلا خان رسالته ومهنته .
فما أود قوله أن المحامى يبحث دائماً عن الحقيقة من زاوية موكله ، وكذالك يفعل محامٍ الطرف الآخر ، أما البحث عن الحقيقة المجردة فهى مهمة القاضى وليس للمحامى علاقة بهذا الأمر ، فدفاع المحامى عن المجرم ليس دفاعاً عن جريمته، وإنما ليثق ذالك المجرم أنه حصل على الحكم بعد محاكمة عادلة نزيهة كفلها له القانُون، وبهذا يكون المحامى ليس نصيراً للمجرمين إنما مساعداً فى إعمال حقيقى للعدالة .