جريمة فتاة المعادي والقصد الاحتمالي
بقلم: الأستاذ/ محمود أحمد راغب
استيقظ المصريون على أحد أبشع الجرائم في الفترة الأخيرة تلك الجريمة المعروفة إعلامياً بجريمة فتاة المعادي ومع الضجة المثارة حول الجريمة و كثرة الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الواقعة إلا أن النيابة العامة قطعت الشك باليقين وسردت في بيان لها، أن شاهدا أبلغ الشرطة برؤيته سيارة ميكروباص بيضاء اللون يستقلُّها اثنان، وقام المتهم المجاور لقائد السيارة بانتزاع حقيبةَ المجني عليها منها، ممَّا أدى إلى اصطدامها بسيارة متوقفة ومن ثَمَّ وفاتها، فهنا نتوقف على التكييف القانوني للقضية فلا شك توافر جريمة السرقة بالإكراه مكتملة الأركان ويثار التساؤل حول القصد الجنائي لجريمة القتل فمن ظهر الوقائع نجد عدم توافر القصد الجنائي لجريمة القتل لدى المتهمين ويمكن تكييف الجريمة أنها ضرب أفضى إلى موت ولكن مع التعمق في الواقعة والتركيز في التفاصيل نذهب إلى وجود القصد الاحتمالي للمتهمين وعند توافر القصد الاحتمالي نكون أمام جريمة قتل عمد.
حيث من المقرر أن القصد الاحتمالي هو نية ثانوية تختلج بها نفس الجاني، قوامه أن يتوقع أن فعله يمكن أن يحدث النتيجة الإجرامية التي لا يتغياها بالدرجة الأولى، فيمضى مع ذلك في تنفيذ الفعل، مستوياً لديه حصول هذه النتيجة أو عدم حصولها بما يوفر لديه قبول تحققها، ومن ثم يجب لتوفر القصد الاحتمالي في جريمة القتل العمد أن يكون الجاني قد توقع وفاة المجنى عليه كأثر ممكن لفعله، وأن يقبل ويرضى بتحقق هذه النتيجة، وينبغي على الحكم الذى يقضى بإدانة متهم في هذه الجناية استناداً إلى توافر القصد الاحتمالي لديه أن يعني بالتحدث استقلالاً عن اتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجنى عليه، متمثلاً في قبوله تحقق هذا الغرض إلى جانب الغرض الأول الذى استهدفه بفعله، وأن يورد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه، فلا يكفيه في هذا المقام التحدث عن استطاعة المتهم التوقع أو وجوبه بل يجب عليه أن يدلل على التوقع الفعلي وقبول إزهاق روح المجنى عليه.
و الضابط العملي الذى يعرف به وجود القصد الاحتمالي أو عدم وجوده هو وضع السؤال الآتي و الإجابة عليه :” هل كان الجاني عند ارتكاب فعلته المقصودة بالذات مريداً تنفيذها و لو تعدى فعله غرضه إلى الأمر الإجرامي الآخر الذى وقع فعلاً و لم يكن مقصوداً له في الأصل أم لا ؟ ” فإن كان الجواب بالإيجاب تحقق وجود القصد الاحتمالي، أما إن كان بالسلب فهناك لا يكون في الأمر سوى خطأ يعاقب عليه أو لا يعاقب بحسب توفر شروط جرائم الخطأ و عدم توفرها.
ثم إن الإجابة على هذا السؤال تتبنى طبعاً على أدلة الواقع من اعتراف أو بيانات أو قرائن، وحيث أن جريمة القتل العمد فقد تطلب الشارع قصداً خاصاً فيها وهو ضرورة توافر نية القتل كما تقوم ذات الجريمة إذا ما توافر القصد الاحتمالي وهو الحالة الذهنية للشخص الذي يتمثل النتائج الممكنة أو المحتملة لفعله أو الذى يعلم أن وضعاً إجرامياً معيناً يمكن أن ينشأ من نشاطه بحيث لا يكون تحقق هذه النتائج أو هذا الوضع داخلاً في الهدف أو الدافع إلى النشاط ولكنه يريده أي يريد النشاط، وعلى ذلك فإن الجاني قد يتعمد جريمة معينة فتتحقق بدلاً منها جريمة أخرى أو قد تتحقق الجريمة المقصودة ومعها جريمة ثانية فطبقاً لنظرية القصد الاحتمالي ينبغي مساءلة الجاني عن جميع النتائج التي تحصل إذا كانت مقبولة أو بالأقل متوقع حدوثها، فمثال على ذلك إذا كان متهم قد جذب المجني عليها داخل المنزل المهجور لهتك عرضها وحال تنفيذه لتلك الجريمة وضع يده على فيها وأنفها فإن ذلك الفعل من جانب المتهم هو الذى أدى إلى وفاة المجنى عليها نتيجة اسفكسيا كتم النفس كما أورى تقرير الصفة التشريحية وأن تلك النتيجة التي ترتبت على فعل المتهم مألوفة ومتوقعة نتيجة وضع اليد على فاها وأنفها وكتم نفسها وبالتالي حقق جريمته المقصودة وهى هتك العرض كما تحقق معها جريمة أخرى كنتيجة للأولى وهى جريمة القتل العمد لتوافر القصد الاحتمالي في حقه.
بيد أننا أمام اقتران جناية بجناية فهنا يتوافر الظرف المشدد للعقوبة، و توقع عقوبة القتل العمد على من ساهم في الجنايتين بوصفه فاعلاً فيهما أو بوصفه فاعلاً في إحداهما وشريكاً في الأخرى أو بوصفه شريكاً فيهما معاً، أما إذا ساهم المتهم بوصفه فاعلاً أو شريكاً في إحدى الجريمتين دون الأخرى فلا يطبق عليه ظرف الاقتران، إلا إذا كانت الجريمة الأخرى نتيجة محتملة للجريمة التي ساهم فيها طبقاً للمادة 43 من قانون العقوبات.