جرائم القتل ” الجزء الخامس “
كتبه :- ياسر الحسنين القواس
[ حيث إن القانون أوجب فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التى إستخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ومؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه إستدلالها بها وسلامة مأخذها وإلا كان قاصراً / الطعن رقم 26346 لسنة 71 ق جلسة 7/2/2002 ، ولئن كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها إلا أن ذلك مشروط بأن يكون إستخلاصها سائغا وأن يكون الدليل الذى تعول عليه مؤدياً إلى مارتبته عليه من نتائج من غير تعسف فى الإستنتاج ولاتنافر مع حكم العقل والمنطق/ الطعن رقم 10983 لسنة 79ق جلسة 6/5/2012 ، وكانت الأحكام الجنائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولاتؤسس بالظن والإحتمال على الفروض والإعتبارات المجردة ، فالأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التى يقتنع منها القاضى بإدانة المتهم أو ببراءته ، ” وحيث إنه عن قصد القتل ونية إزهاق روح المجنى عليه فهو من الأمور الداخلية التى لاتقع تحت الحواس ولا تظهر بعلامات خارجية أو أمارات مادية وإنما هى تختبىء داخل الصدور ، وتختلج داخل النفوس ويستدل عليها القاضى الجنائى بطريق الإستنباط والإستنتاج مما يتاح له من حرية مطلقة فى تكوين عقيدته لايحدها من قيد أوشرط إلا أن يكون ذلك الإستنباط وذلك الإستنتاج سائغا وتؤدى إليه ظروف وملابسات الدعوى وماتضمنته الأوراق والتحقيقات من وقائع وماديات / طعن رقم 8483 لسنة 80 ق جلسة 1/4/2012 ” ، ومن المقرر أن جرائم القتل العمد والشروع فيه تتميز قانوناً بنية خاصة ، هى إنتواء القتل وإزهاق الروح ، وهذه تختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم العمدية ، لما كان ذلك ، فإن من الواجب أن يعنى الحكم الصادر بالإدانة فى هذه الجرائم عناية خاصة بإستظهار هذا العنصر وإيراد الأدلة التى تثبت توافره / الطعن رقم 4066 لسنة 66ق جلسة 17/3/2004 ، قبل الحديث عن ظرف الترصد اليوم ، سوف أتحدث عما قالته محكمة النقض المصرية:- بأن تواجد الجانى بغرفة نوم والده المجنى عليه وبجواره فى مخدعه … مغاير لفعل الإنتظار والمكث والتربص اللازم لقيام ظرف الترصد . [ لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف الترصد بقوله :- ” …… أن الترصد ظرف عينى مشدد للعقوبة كظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أيهما يغنى عن ضرورة إثبات الآخر ، بيد أنه ومع ذلك وكان يكفى لتحقق ظرف الترصد مجرد تربص الجانى للمجنى عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالإعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد بغير إستخفاء وكان الثابت أن المتهم قد إدعى النوم بجوار والده فى مخدعه الذى يبيت فيه حتى إطمأن إلى أنه غط فى نومه وكان المجنى عليه قد هجع تماماً وما أن ظفر به وهو على هذه الحالة حتى والى الإعتداء عليه ولم يتركه إلا بعد أن أدرك أنه جثة هامدة بما يتعين رفض الدفع ”– لما كان ذلك ، وكان ماأورده الحكم تدليلا على توافر ظرف الترصد غير سائغ ذلك أن الطاعن وقت الحادث كان متواجداً أصلاً بغرفة نوم والده وبجواره فى مخدعه وما إن غط الأخير في نومه حتى تسلل المتهم من جواره فى خفة وإعتدى بعصاه على رأس والده ثلاث ضربات حتى فارق الحياة ومن ثم فإن مابدر منه من أفعال تغاير فعل الإنتظار والمكوث والتربص اللازم لقيام ظرف الترصد فإن هذا الظرف – والحال كذلك – يضحى غير متوافر فى حق المتهم { الطعن رقم 28565 لسنة 86 ق – جلسة 6/5/2017 } … هذا يدفعنا للتحدث اليوم عن الترصد .
______
– الترصد :- عرف المشرع الترصد فى المادة 232 من قانون العقوبات بأنه :- الترصد هو تربص الإنسان لشخص فى جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذاءه بالضرب ونحوه .
_____
– ويتضح من هذا التعريف أن الترصد هو تربص الجانى بالمجنى عليه بإنتظاره فى مكان معين ، حتى إذا ماقدم هذا الأخير ظفر به الجانى وقتله ، وقد عرفته محكمة النقض المصرية … ” فالعبرة فى قيام الترصد هى بتربص الجانى وترقبه للمجنى عليه مدة من الزمن قصرت أم طالت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى الإعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد فى مكان خاص بالجانى نفسه ” {نقض 5/3/1955 – مجموعة أحكام النقض – العدد 2 السنة 6 ص 588 ونقض 6/2/1961 – المرجع السابق العدد 1 السنة 12 ص 174 } ، ” وحيث إنه عن ظرف الترصد والذى يتمثل فى تربص الإنسان لشخص فى جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذائه بالضرب ونحوه ، والترصد ظرف عينى مشدد وصفته لاصقة بذات الفعل المادى المكون للجريمة ويكفى توافره فى حق المتهم تربصه للمجنى عليه وترقبه فترة من الزمن طالت أم قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى الإعتداء عليه ودون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد فى مكان خاص بالجانى نفسه” { الطعن رقم 42103 لسنة 75 ق جلسة 4/4/2006 } ، ” لما كان نص المادة 196 من قانون العقوبات الأهلي قد جرى على أن ” الترصد هو تربص الإنسان لشخص فى جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو بإيذائه بالضرب ونحوه ” وقد أبقى على ذات النص بذات الصياغة فى المادة 232 من قانون العقوبات الحالى ، وكانت هذه الصياغة نقلت نصاً من التشريع العقابى الفرنسى الذى إستخدم مصطلح ( Cuet Apens ) الذي عبر عنه المشرع المصري بكلمة ترصد ، و إستخدم النص الفرنسى فى تعريفه فعل (Attandre ) ومعناه الإنتظار والذي عبر عنه النص المصرى بالتربص وإذ كان الترصد لغة يعنى تربص المتهم للمجنى عليه على نحو يفاجئه فيه بفعله ، كى يقتله أو يؤذيه فى بدنه ، ويقال ربص فلان بفلان ربصاً أى إنتظر خيراً أو شر يحل به ، والتربص بالشىء أو المكث أو الإنتظار ، ويقال فى التنزيل العزيز [ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ] ، وقد إستقر قضاء هذه المحكمة على أن الترصد هو تربص الجانى بالمجنى عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالإعتداء عليه ، وكان جماع ذلك كله إنما ينصرف إلى إعتبار جوهر ظرف الترصد هو إنتظار الجانى للمجنى عليه لمباغتته والغدر به لدى وصوله أو مروره بمكان الإنتظار ، ولا يتحقق بالسعى إلى المجنى عليه فى مأمنه على حين غفلة منه مهما توسل الجانى إلى ذلك بوسائل التسلل أو التخفى . { الطعن رقم 24740 لسنة 70 ق جلسة 24/12/2001 }
-وقد إعتد القانون بهذا الظرف ، وجعل من توافره سبباً لتشديد العقوبة ، كظرف سبق الإصرار فكلاهما يوجب الحكم على الجانى بالإعدام .. ولقد نصت المادة 230 عقوبات [ كل من قتل نفساً مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام ] ، وحكمة التشديد :- والحكمة التى دعت إلى تشديد العقاب فى حالة الترصد ، هى ظرف الترصد ذاته ، والذى يتحقق بإنتظار الجانى للمجنى عليه فى مكان إعتقد ملاءمته لتنفيذ ماعقد العزم على إرتكابه أى ينتظر الجانى المجنى عليه فى أى مكان أو فى عديد من الأمكنة طالما إعتقد الجانى أن ذلك سيوصله إلى تنفيذ الجريمة ومما يدل على الخسة والخطورة الإجرامية فى شخصية الجانى ، وسواء كان الجانى إنتظر المجنى عليه متخفيا وباغته بالقتل ، أم غير متخف وواجهة قبل القتل ، وسواء توقع المجنى عليه ذلك أم لم يتوقعه ، وبتحقق وجود الظرف بهذا الشكل ، تتوافر ميزة التفوق من الجانى على المجنى عليه ، كما أن حكمة التشديد فى الترصد هى ماينم عنه من نفسية خطيرة تسعى إلى إغتيال المجنى عليه بطريق المباغتة والغدر فى غفلة منه تجعله على غير إستعداد للدفاع عن نفسه.
– عناصر الترصد :- يتضح من تعريف الشارع للترصد أنه يقتضى أن ينتظر الجانى المجنى عليه فترة زمنية فى مكان ما ، ترقبا لقدومه لتنفيذ ماعقد العزم عليه من قبل وصوله للمكان ، ومن ثم يعتبر الترصد قائماً إذا توافر عنصران وهما :- أولهما عنصر زمانى ، يقتضى إنتظار الجانى المجنى عليه فترة ما ، بغض النظر عن المدة التي يستغرقها هذا الإنتظار ، أى حتى ولو كانت هذه المدة قصيرة ، ” وكان الترصد هو تربص الجانى للمجنى عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالإعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد بغير إستخفاء ” الطعن رقم 1013 – لسنة 69ق – جلسة 6/3/2004
– وثانيها :- عنصر مكانى ، وهو ما يقتضى أن يكون إنتظار الجانى للمجنى عليه فى مكان ما أو أكثر إعتقد ملاءمته لتنفيذ الجريمة ، إما ﻷنه يمكنه من الوصول إلى المجنى عليه ، أو ﻷنه يحقق مفاجأته وهو فى غفلة من أمره وعلى غير إستعداد للدفاع عن نفسه ، أو لمنع تقديم المساعدة له من غيره ، أو لكى يهيىء له فرصة الهرب عقب إرتكاب جريمته . فأعتقد الجانى أن ذلك سيوصله إلى تنفيذ الجريمة ، ويجوز أن يكون ذلك المكان خاص بالجانى نفسه ” وحيث أن ظرف الترصد ثابت أيضاً من أن المتهم وهو قريب فى السكن للمجنى عليه ، ويعرف الطريق الذى يسلكه الأخير فى غداوته وروحاته إلى منزله فترصد له فى هذا الطريق صباح يوم الحادث حتى إذا رآه مقبلا نحو منزله إنهال عليه بالفأس حتى قضى علية ، فإن الحكم يكون بذلك قد إستظهر ظرف الترصد ودلل على توافره تدليلا سائغا ( نقض 10/5/1955 – مجموعة أحكام النقض العدد 3 السنة 6 ص 962 ) ، ” إن ظرف الترصد يتحقق بإنتظار الجانى للمجنى عليه فى الطريق الذي يعرف أنه سوف يأتي منه سواء كان ذلك بالتربص له فى مكان معين منه أو بالسير فى بعض الطريق إنتظارا لقدوم المجنى عليه من حقله مادام الجانى كان مترقبا في الطريق مجيئه للفتك به ( نقض 30/12/1952 – مجموعة أحكام النقض العدد 1 السنة 4 ص 306)
وللحديث بقية إن شاء الله ، بتكملة فى الجزء السادس إن شاء الله .