ثَغـــرَةٌ في قَـــانون
بقلم الأستاذ / على سيد أبوصديره، المحامى
صدر حديثًا قانون ختان الإناث رقم 10 لسنة2021 م . والذى رصد الشارع فيه عقوبة السجن والسجن المشدد على اختلاف ظروف الواقعة تشديداً وتخفيفاً لكل من يقوم بختان لأنثى بإزالة أي جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل تام أو جزئي ، إو إلحاق أي أذى بتلك الأعضاء .
كما شدد المشرع عقوبة طالب ختان الأنثى من الحبس التي كانت في تشريع الختان الثاني رقم 78 لسنة 2016 م إلى عقوبة السجن لكل من يطلب ختان لأنثى ويتم ختانها بناء على طلبه بالصورة وبالكيفية التي نص عليها قانون الختان الحالي ، وبذلك تحولت جريمة طلب الختان من جنحة في ظل القانون السابق إلى جناية في ضوء تشريع الختان الحالي .
كذلك أستحدث المشرع جريمة جديدة وأضافها إلى هذا القانون وهي جريمة الترويج أو التشجيع أو الدعوة إلى إرتكاب جريمة ختان الإناث ، ووضع لها عقوبة الحبس وهذا أجل ميزة أتسم بها قانون الختان المرقوم 10 لسنة 2021 م .
ويلاحظ على هذا القانون الأخير للختان رقم 10 لسنة 2021 م أنه خلت تماماً نصوص مواده من عبارة : «دون مبرر طبى» والتى كانت فى قانون الختان المعدل رقم 78 لسنة 2016. ونتيجة لذلك فقد حرم المشرع أو جرم كل أشكال وصور ختان الإناث حتى وإن كان ختان الأنثى لمبررات طبية حيث جاء قانون الختان رقم 10 لسنة 2021 م بالنص الآتى :
مادة (242مكرراً) : ” يعاقب بالسجن مدة لاتقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختاناً لأنثى بإزالة أى جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئى أوتام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء ، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد مدة لاتقل عن سبع سنوات ، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لاتقل عن عشرسنوات .
وتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لاتقل عن خمس سنوات إذا كان من أجرى الختان المشارإليه بالفقرة السابقة طبيباً أومزاولاً لمهنة التمريض ، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لاتقل عن عشر سنوات ، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لاتقل عن خمس عشرة سنة ولاتزيد على عشرين سنة .
وتقضى المحكمة فضلاً عن العقوبات المتقدمة بحرمان مرتكبها ، من الأطباء ومزاولى مهنة التمريض ، من ممارسة المهنة مدة لاتقل عن ثلاث سنوات ولاتزيد على خمس سنوات تبدأ بعد إنتهاء مدة تنفيذ العقوبة ، وغلق المنشأة الخاصة التى أجرى فيها الختان ، وإذا كانت مرخصة تكون مدة الغلق مساوية لمدة المنع من ممارسة المهنة مع نزع لوحاتها ولافتاتها سواء أكانت مملوكة للطبيب مرتكب الجريمة ، أم كان مديرها الفعلى عالماً بإرتكابها ، وذلك بما لايخل بحقوق الغيرحسن النية ، ونشرالحكم فى جريدتين يوميتين واسعتى الإنتشار و بالمواقع الإلكترونية التى يعينها الحكم على نفقة المحكوم عليه”.
مادة (242مكرراً/أ) : ” يعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناءً على طلبه على النحو المنصوص عليه بالمادة (242) مكرراً من هذا القانون .
كمايعاقب بالحبس كل من روج أو شجع ، أو دعا بإحدى الطرق المبينة بالمادة (171) من هذا القانون لإرتكاب جريمة ختان أنثى ولولم يترتب على فعله أثر”.
وبرأينا أن هذا من المشرع يعد قصوراً تشريعياً جسيماً قد أنحدر فيه عند وضعه صياغة قانون الختان الأخير ، ومن ثم فهذا الأمر يحتم عليه أن يسارع إلى تداركه وتعديله بإضافة عبارة (دون مبررطبى) التى كانت فى القانون السابق وحذفت من هذا القانون .
ذلك أنه كان أحرى بالمشرع أن يوازن بين حق المرأة فى تلقى العلاج حتى وإن كان العلاج تجميلياً فبدلاً من تجريم كل صور ختان الإناث أن يجيزه فى بعض صوره التى تستوجب كعلاج طبى لبعض حالات الإناث و يـمنعه فيما دون ذلك ، مع تقنين وضبط هذه الضرورة الطبية بوضع شروط خاصة فى الفتاة الراغبة فى الختان .
ووجهة الرأى ؟
أن العلاج حق لكل إنسان وهو أحد حقوق المرأة المصرية المكفولة بالدستوروالقانون وهذا الحق لا يمكن بحال من الأحوال أن يتحول إلى جريمة بأن تمنع الأنثى من الختان لأسباب طبية بدافع التعالج حتى وإن كان هذا العلاج تجميلياً كما رأى بعض الفقه الجنائى ومنهم الأستاذ الدكتور : جميل عبد الباقى الصغير فى مؤلفه القيم “ختان الإناث بين التجريم والإباحة “.
وأعود إلى النقطة الأهم ، ألا وهى :
<( الثغرة القانونية التى فى قانون الختان الحالى )>
حقيقة أن من يطالع قانون ختان الأخير الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2021 م بنظرة ثاقبة يتفحص فيه ثغورقانونية قد ينفذ منها الجناة فيكون مدعاة إلى إرتكاب جرائم ختان الإناث وهذا ما أوضحه للقارىء من خلال سؤالين إفتراضيين من إجتهادنا :
1- ماذا لو قامت الأنثى بختان نفسها دون أن تستعين بطبيب أو بغيره فهل تسأل جنائياً عن جريمة ممارسة الختان أم لا؟
2- ماذا لو طلبت الأنثى بنفسها ختانها هل تسأل جنائياً عن جريمة طلب الختان أم لأ ؟
ونجيب عن ذلك :
بداية أعلم أن هذا المثال يصعب إثباته فى الواقع العملى لو حدث بالفعل لأنه من غير المنطقى أن تقوم الأنثى بالإبلاغ عن نفسها فتوجه إليها تهمة الختان ، وهذا لا يحول دون أن تكتشف الجريمة بطرق أخرى ولكن هذا فرض ليس محتمل بل هو محقق الوقوع فى الحياة العملية
وقد طرحت هذين السؤالين بغاية نبيلة وما من قصد يجول فى صدرى سوى توعية المشرع المصرى ولفت نظره إلى هاتين الثغرتين اللتين من الممكن أن ينفذ منهما جناة بجرائم ختان الإناث فيكون سبباً فى الإستمرار فى الختان على غير مبتغى الشارع من وراء هذا القانون للقضاء على ظاهرة ختان الإناث .
1- المثال الأول : (جريمة الختان) :
أما بالنسبة للتسائل الأول فإنه طبقاً لقانون ختان الإناث الحالى فإن الأنثى لا تسأل جنائياً عن
جريمة الختان فيما لو قامت هى بنفسها بتوقيع الختان على عضوها التناسلى الخارجى ، وهذا يحصل عملياً وبكل سهولة ويسر كما لو كانت الفتاة طبيبة أو ممرضة أو غير ذلك فأجرت الختان لنفسها دون أن تستعين فى ذلك بالغير.
والسبب فى عدم مسئوليتها عن هذه الجريمة يكمن فى أن النص الحالى لقانون الختان رقم 10 لسنة 2021 م والذى جاء فيه : يعاقب بالسجن كل من قام بختان أنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئى أو تام أو ألحق أى أذى بتلك الأعضاء .
هذا النص القانونى بحالته الراهنة يمكن أن يكون ثغرة قانونية ينفذ منها الجناة للتحايل على إرتكاب جرائم ختان الإناث فيكون فى هذه الحالة بمنأى بعيداً عن التجريم والعقاب .
وذلك بسبب عدم إحكام صياغة هذا النص فى عبارات جامعة مانعة تشمل هاتين الحالتين اللتين أشرت لهما، لأن قانون الختان الحالى يفترض بداهة وجود طرفين لإكتمال أركان جريمة ختان الإناث وهما :
1- الجانى : وهو ( الطبيب أو غيره ) .
2- المجنى عليه : وهى ( الأنثى ) .
وفى المثال أو السؤال الإفتراضى المشار إليه فيما تقدم أجتمعت صفتى الجانى والمجنى عليه فى شخص واحد ألا وهى (الأنثى) ، وعلى ذلك فلم تكتمل أركان جريمة ختان الإنثى ، ومن ثم فلا تسأل الأنثى لو قامت بختان نفسها جنائياً عن جريمة ختان الإناث .
لأن النص القائم يقرر عقوبة السجن : لكل من قام بختان (لأنثى) . وحرف اللام هنا للإضافة ويشير صراحة ودلالة بعبارة النص إلى وجوب تواجد طرفين لإثبات الجريمة والعقاب عليها فإذا ما غاب أحد طرفى الرابطة الإجرامية فلانكون بصدد جريمة ختان أنثى طبقاً لقانون الختان الحالى .
2- المثال الثانى : (جريمة طلب الختان) :
وأما بالنسبة للتسائل الثانى فإنه طبقاً لقانون ختان الإناث الحالى فإن الأنثى لا تسأل جنائياً كذلك عن جريمة طلب الختان فيما لو قامت هى بنفسها بطلب الختان من أحد الأطباء أو من غيرهم . وما قيل في المثال السابق يصح قوله هنا ، بالإضافة إلى أن نص المادة الحالية التى تعاقب على طلب الختان تقول : كل من طلب ختان (لأنثى) وحرف اللام فى اللغة العربية للإضافة بمعنى أنه يجب لإكتمال أركان جريمة طلب الختان للأنثى طرفين أيضاً وهما :
1- الجانى : ( طالب الختان ) .
2- المجنى عليه : ( الأنثى ) .
وفى هذا المثال الذى طرحناه فيما تقدم أجتمعت صفة الجانى والمجنى عليه فى شخص واحد وهى (الأنثى) كما فى المثال السابق ، وعليه فلا تسأل الأنثى جنائياً عن جريمة طلب الختان ويتم ختانها بناء على طلبها على النحو المنصوص عليه فى هذا القانون .
وهذا لا يمنع من جواز إسناد تهمة التحريض على جريمة طلب الختان وفقاً للقواعد العامة إلى ولى أمر الفتاة أو غيره فى حالة إذا ما ثبث فى شأنه او غيره أنه قد قام بأفعال من شأنها تحريض الفتاة على أن تطلب الختان وتم ختانها بناء على هذا التحريض على النحو المنصوص عليه فى هذا القانون .
وغنى عن البيان أن العقاب جائز على الشروع فى جريمتى ممارسة الختان وطلبه وفقاً للقواعد العامة بإعتبار أن هاتين الجريمتين من نوع الجنايات ، والقاعدة فى الجنايات جواز العقاب على الشروع فيها كأصل عام ، وهذا بخلاف العقاب على الشروع فى الجنح التى تحتاج إلى قانون يقرره .
ولكن ثمة ملاحظة على جريمة طلب الختان أن المشرع لم يأخذ بنظرية الشروع الناقص فى الجريمة ، بدليل أنه أشترط لتمام أركان جريمة طلب الختان أن يحصل الختان كنـتيجة حتمية ومباشرة لهذا الطلب ، وليس ذلك فحسب بل أشترط لتمام جريمة طلب الختان أن يحصل الختان بكيفية وصورة خاصة نص عليها صراحة فى قانون الختان عن طريق إزالة أى عضو من الأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى بشكل جزئى أو كلى أو إلحاق أى أذى بتلك الأعضاء وهذا تفسير رأينا بأن الشارع المصرى لم يأخذ بنظرية الشروع الناقص فى جريمة طلب الختان كما فى سائر الجرائم المعاقب على الشروع فيها فى القانون الجنائى .
وهذا مقصدى من إلفات نظر المشرع المصرى حتى يتحرك نحو إعادة صياغة قانون الختان الحالى من جديد ونقترح عليه إضافة عبارتى :
– على أن يكون نص المادة 242 مكرراً من قانون الختان الحالى رقم 10 لسنة 2021 م .
بعد تعديلها كالتالى :
مادة (242مكرراً) : ” يعاقب بالسجن مدة لاتقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختاناً لأنثى حتى وإن أجرت الأنثى ختانها لنفسها بإزالة أى جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئى أوتام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء دون مبررطبى . ….”.
– على أن يكون نص المادة 242 مكرراً من قانون الختان الحالى رقم 10 لسنة 2021 م .
بعد تعديلها كالتالى :
مادة (242مكرراً/أ) : ” يعاقب بالسجن كل من طلب ختاناً لأنثى حتى وإن طلبت الأنثى لنفسها ختاناً وتم ختانها بناءً على طلبها أو طلب غيرها على النحو المنصوص عليه بالمادة (242) مكرراً من هذا القانون .
أو ما يجرى مجرى هذين النصين بهذا الغرض .
وبالله التوفيق ،،