تكتل المحامين العرب أمر حتمي وعاجل
بقلم المحامي وليد عثمان ـ أمين عام المؤتمر العربي للمحاماة
يمر العالم بفترة عالية المخاطر بسبب تغير الوضع السياسي والاقتصادي العالمي، لذلك وجب على المحامين التعاون والتشارك والتكتل لمواجهة هذا التغيير والتكيف مع الاتجاهات الحديثة في صناعة المحاماة؛ حيث تزداد كل يوم الضغوط على المكاتب المحاماة الفردية بسبب الموجات التضخمية التي تجتاح العالم وحالة الكساد والانكماش المتوقعة، فالعالم يتجه إلى التكتل والشراكة في كل القطاعات، الأمر الذي يوجب علينا التكيف مع الاتجاهات الحديثة في إدارة مكاتب وشركات المحاماة؛ حيث أصبحت المحاماة صناعة تتجاوز قيمة حجم الأعمال فيها بعض القطاعات الاقتصادية، فتشير التقارير الدولية نمو حجم الأعمال في القطاع الخدمات القانونية؛ حيث وصل في عام ٢٠٢٢ إلى ٧٨٨.٩٤ مليار دولار أمريكي علي مستوى العالم.
كما أن تزايد عدد المحامين المصحوب بتراجع المستوى يشكل خطراً حقيقياً على رسالة المحاماة؛ حيث أصبحت كليات القانون جراجاً لذوي التقديرات المنخفضة في مرحلة الثانوية، غير المدركين لأهمية مهنة المحاماة في المجتمع، بل أن الانتساب لنقابة المحامين أصبح ملاذًا للهروب من شبح البطالة عند الكثيرين، ويزاد الأمر خطورة عندما ترى عدم فهم المحامي لدوره الحقيقي في المنظومة القضائية والقانونية.
بالإضافة إلى ما سبق تواجه المحاماة توغلاً كبيراً من مكاتب المحاماة الأجنبية في المنطقة العربية؛ حيث تستحوذ هذه الشركات على العمليات القانونية العابرة للحدود ومتعدد الجنسيات، نظراً لما تمتلكه من خبرات عملية في تخصصات دقيقة ونادرة، الأمر الذي يوجب علينا تطوير قدراتنا ورفع الكفاءات العربية لمنافستها، تلك المكاتب لم تعد تشكل خطراً على مكاتب المحاماة العربية وفقط، بل أن الأمر تخطي ذلك؛ حيث أصبح بعض مكاتب المحاماة الأجنبية أداة لفرض ثقافات وقيم تخالف ثوابتنا الدينية والأخلاقية في منطقتنا العربية.
وفضلاً عن ذلك تهدد التكنولوجيا عدد ليس بالقليل من أصحاب الأعمال القانونية؛ حيث تتجه شركات المحاماة في الاستثمار في مجال التكنولوجيا القانونيةLegalTech، فوفقاً للتقارير الدولية الصادرة عن Law 360 بلغت حجم الاستثمار في عام ٢٠٢١ إلى ٩.١ مليار دولار أمريكي.
دواعي التعاون بين المحامين
هناك العديد من الأسباب والمبررات التي تظهر معها الحاجة إلى التعاون بين المحامين، فاختلاف التخصص أحد أهم أسباب التعاون بين المحامين؛ حيث يصعب علي المحامي الإلمام بدقائق كل التخصصات، فهناك المحامي المتخصص في مجال الشركات وسوق المال وصفقات الاندماج والاستحواذ وآخر متخصص في تسوية المنازعات وثالث متخصص في القضايا الجنائية ورابع متخصص في الملكة الفكرية والعديد من التخصصات الأخرى.
كما أن اختلاف الموقع الجغرافي لمكاتب المحاماة سبب من أسباب التعاون بينهم؛ حيث يصعب علي المحامي – وخاصة في الدعاوي القضائية – مباشرة عمله خارج دولته، نظراً لوجود قيود قانونية في تلك الدول، واختلاف القوانين والاتجاهات القضائية وزيادة التكاليف، فلا مناص من إحالتها إلى مكتب محاماة آخر في تلك الدولة.
كما أن بعض مكاتب المحاماة قد تستعين بمكاتب محاماة أخرى لقيام ببعض الأعمال بمبلغ أتعاب أقل، لتخفيض تكاليف التشغيل وزيادة التنافسية مع المكاتب الأخرى، وهذه المكاتب تسمي المكاتب الخلفية (Back Office).
هذا فضلاً عن أن تعارض المصالح قد يكون سبباً للتعاون بين مكاتب المحاماة؛ وفقد تتعارض مصالح عميل مكتب المحاماة مع أشخاص آخرين، في هذه الحالة فليس من الجائز قانوناً أو حتى من المهنية قبول وكالة شركة أو شخص تتعارض مصالحه مع عميل المكتب.
أشكال تعاون المحامين العرب
وتعدد أشكال التعاون بين المحامين، فيأتي الانضمام لفريق عمل المكتب كشكل تقليدي للتعاون وخاصة في شركات المحاماة متعددة الأقسام، أو قد يأخذ شكل الإحالة لملف قضية بين مكتبين، أو قد يأخذ شكل الشركة بين محامين فأكثر، بل أن الأمر تطور إلى تكتل شركتين أو أكثر تحت اسم وكيان واحد سواء عن طريق الاندماج أو الاستحواذ. وبالاطلاع على التقارير الدولية بشأن أكبر شركات المحاماة في العالم من حيث الإيرادات نلاحظ أن هذه الشركات نشأت عن طريق اندماج أو الاستحواذ.
التحديات
ولكل شكل من تلك الأشكال تحدياته، ففي حالة الانضمام المحامي لفريق مكتب أو شركة محاماة يجب أن يتوافر في هذا المكتب أو الشركة نظام عمل ولوائح تنظيم علاقة المحامي مع الشركة وترسم الطريق لترقي المحامي وصولاً لدرجة الشريك (Partner).
أما في حالة الإحالة فيجب وضوح مسئولية كل مكتب عن القضية محل الإحالة، والدور الموكل لكل منهما، وأثر الإخلال بتلك الالتزامات، ونسب كل مكتب من الأتعاب بشكل مسبق.
وفي حالة الشراكة فإن الموضوع يزداد تعقيدات من حيث شكل الإدارة وحق التصويت واتخاذ القرارات، وقواعد توزيع الأرباح والاحتياطي، قواعد خروج ودخول الشركاء.
مبادرة ترشيح محام
لذلك عملت الأكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم علي فتح فتوات للتعاون والتواصل بين المحامين العرب للمساهمة في الارتقاء برسالة المحاماة، وأطلقت مبادرة لترشيح محامين سواء للشركات أو للمحامين الآخرين، والذي يستطيع من خلالها الحصول على ترشيحات لمحامين ومتخصص في الدول المُباشرة العمل فيها.