تعيين المرأة الكويتية في القضاء من ناحية فقهية ودستورية

بقلم: أ. مطاوع جابر مطاوع

أصدر النائب العام الكويتي بتاريخ 30/6/2020- ولأولِ مرة بتاريخ دولة الكويت- قراراً بنقل (8) وكيلات نيابة وترشيحهن للعمل قاضيات.

ولا يوجد نص صريح قاطع من القرآن الكريم أو من السنة النبوية المُطهرة قطعي في ثبوته ودلالته يمنع المرأة من شغل وظيفة القضاء.

وقد سبق كثير من الدول العربية والإسلامية دولة الكويت في هذا الشأن، وسمحت للمرأة بتقلد وظائف القضاء منذ سنوات طويلة، ومن تلك الدول: مصر، الأردن، تونس، السودان، سوريا، لبنان، ليبيا، العراق، المغرب، اليمن، الجزائر، فلسطين، باكستان، تركيا، وإيران.

وطالما كان ذلك، فأن لولي الأمر في دولة الكويت أن يُشَرع بما يرد الأمر المُتنازع ‏عليه إلى الله ورسوله، مستلهماً في ذلك أن المصالح المُعتبرة التي تكون مناسبة لمقاصد ‏الشريعة، والتي تتطور على ضوء أوضاع المجتمع، ولا يوجد دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها بحسبان أن الصحابة والتابعين، والأئمة ‏المجتهدين، كثيراً ما قرروا أحكاماً متوخين بها مطلق مصالح العباد، طلباً لنفعهم أو دفعاً لضرر ‏عنهم أو رفعاً للحرج عنهم.

أولاً: من الناحية الفقهية

اختلف الفقه الإسلامي ما بين منكرٍ لأهلية المرأة للاشتغال بالقضاء وما بين مؤيد لتوليها إياه:

فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، قد ذهبوا إلى أن الذكورة شرط لابد من توافره فيمن يتولى القضاء، واحتجوا بقول الله تبارك وتعالي في محكم آياته (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة)، وبأن المرأة لا تصلح للإمامة العظمي ولا لتولية البلدان، والقضاء فرع من الولاية العامة، ولهذا لم يولِ الرسول صلي الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد.

أما فقهاء الحنفية، فقد ذهبوا إلى صلاحية المرأة للقضاء وأهليتها له فيما تشهد فيه، وأن أهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة، وهي تشهد في كل شيء إلا في الحدود والقصاص لأنه لا شهادة لها في هذا، فحكم القضاء يُستقي من حكم الشهادة ومبني عليها إذ كل منهما من باب الولاية، فكل ما يجوز أن تشهد فيه المرأة يجوز لها أن تقضي فيه، والمرأة أهل للشهادة فيما عدا الحدود والقصاص فهي أهل للقضاء في غيرها.

أما ابن جرير الطبري، وابن حزم الظاهري وابن القاسم المالكي، والخوارج خالفوا جمهور الفقهاء، حيث قالوا بجواز تولية المرأة للقضاء في كل شيء يجوز للرجل أن يقضي فيه دون استثناء شيء، وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة في كل شيء حتى في الدماء والفروج. وحجتهم في ذلك بأن المرأة تصلح للفتوى في كل مسألة من مسائل الأحكام الفقهية، فكذلك تصلح للقضاء من باب أولي، وردوا على الحديث الشريف الذي استدل به جمهور الفقهاء (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة) إنما يكون ذلك في الأمر العام الذي هو الخلافة فقط، واستدلوا على صحة رأيهم ما ذهب إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم بأن المرأة راعية على مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها.

ثانياً: من الوجهة الدستورية والتشريعية

ينص الدستور في المادة السابعة منه على أن (العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع الكويتي، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين)، كما ينص في المادة الثامنة منه على أن «تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين»، وينص في المادة (29) منه على أن (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين)، وتنص المادة (40) منه على أن: (التعليم حق للكويتيين، تكفله الدولة وفقاً للقانون وفي حدود النظام العام والآداب)، كما ينص في المادة (41) منه على أن (لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه)، ويُعد حق التعليم متكاملاً مع حق تولي الوظائف العامة ذلك أن التعليم يُعد من أهم الطرق المؤدية لتولي الأفراد الوظائف العامة .

وبحسبان أن التشريع يجب ألا يخالف الدستور، فإننا نجد الذكورة أو الانوثة  ليست شرطاً في تولي القضاء على ما تقرر  في المادة 19 من قانون تنظيم القضاء (مرسوم بقانون رقم 23/ 1990)، علاوة على أن ورود مصطلح “رجال القضاء” في المادتين 20، 23 من ذات القانون لا يفيد حصر التعيين في الذكور بحسبان أنه من لغة العرب إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلبوا المذكر، ويبينه قوله تعالى: (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ)، وكان ذلك خطابًا لآدم وزوجه والشيطان؛ وبالتالي ولا يجوز إخراج الإناث من الحكم الوارد في النص إلا إذا ورد في النص تحديد صريح مثل “كويتي من الذكور”.

علاوة على أن المساواة بين الرجل والمرأة تجد لها سنداً إضافياً في (الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرآة) التي انضمت إليها دولة الكويت بموجب المرسوم الأميري رقم 24 لسنة 1994، وبالتالي أصبحت هذه الاتفاقية جزء لا يتجزأ من القانون الكويتي الداخلي، وحكم المادة 25 من (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) الذي صدقت عليه دولة الكويت بالقانون رقم 12 لسنة 1996 التي تقرر أنه يجب أن تُـتاح لكل مواطن فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده على قدم المساواة مع سواه، ومن المعلوم أن هذه الاتفاقيات تكون لها وفقاً للفقرة الأولي من المادة 151 من الدستور قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة.

ثالثاً: موقف المحكمة الدستورية في دولة الكويت

جرى قضاء المحكمة الدستورية في شأن عدم جواز الاجتهاد في الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها وجواز الاجتهاد فيما سواها من أحكام ظنية على أن: (أحكام الشريعة الإسلامية القطعية في ثبوتها ودلالتها- أي في أصولها الثابتة مصدراً وتأويلاً- هي وحدها التي لا يجوز الخروج عليها ويكون الاجتهاد فيها ممتنعاً، ولا يُقبل إقرار أي قاعدة قانونية تعارضها إذ هي عصية على التعديل أو التأويل بما يُخرجها عن معناها، أما الأحكام الظنية غير المقطوع في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معاً فهي ليست كذلك، وهي التي تتسع لدائرة الاجتهاد فيسطع فيها ويصلح مجالاً لتنظيم شئون العباد وضماناً لسد حاجاتهم ومصالحهم المشروعة- فيما لا نص فيه صريح- وذلك باستنباط الحكم عن طريق الأدلة الشرعية التفصيلية لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده تسعها الشريعة الإسلامية مع مراعاة الالتزام بالمقاصد العُليا لهذه الشريعة الغراء).

(حكم لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية في الطعن رقم 1 لسنة 2007 دستوري-جلسة 18/3/2007) (حكم المحكمة الدستورية في الطعن المباشر رقم 13 لسنة 2015 دستوري-جلسة 16/12/2015).

كما جرى قضاء المحكمة الدستورية في شأن وجوب المساواة بين من تتماثل مراكزهم القانونية على أن: (مبدأ المساواة لدى القانون يعد ركيزة أساسية للحقوق والحريات جميعاً ودعامة من دعامات المجتمع وميزاناً للعدل والإنصاف وقيداً في الوقت ذاته على المشرع ألا يتعداه في ما يسنه من الأحكام، والمقصود بهذا المبدأ هو ألا يفرق القانون بين الناس فلا يحرم أحداً شيئاً من الحقوق ولا يعفي أحداً من الواجبات العامة أو يضعه في أي الأمرين موضعا خاصاً، بل يعتبر الجميع في ذلك في منزلة سواء، لا تفرقة بينهم أو تمييز، وهذا المبدأ غايته صون هذه الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز وأشكاله وتنال منها، لذا فقد حرص الدستور على النص في المادة 29 منه على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم وذلك بسبب الجنس أو الاصل أو اللغة أو الدين).

(الطعن رقم 17 لسنة 2006 دستوري – جلسة 23/9/2007) (الطعن رقم 7 لسنة 2007 دستوري جلسة 10/12/2007) (الطعن رقم 2 لسنة 2015 دستوري – جلسة 9/12/2015).

ولا ينال من حظ المرأة الكويتية في شغل منصب القضاء القول إن الأمر يحتاج إلى تدخل تشريعي حيث أصبحت المرأة عضواً في مجلس الأمة بإرادة صريحة من المشرع الذي سمح لها بممارسة حقوقها السياسية بالقانون رقم 17 لسنة 2005!

فمثل هذا القول مردودٌ عليه بأن نص المادة الأولى من القانون رقم 35 لسنة 1962بشأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة كان يتضمن حظراً صريحاً على الإناث في الانتخاب بقوله إنه: «لكل كويتي من الذكور …»، أما نص المادة (19) من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء، فإنه لا يتضمن مثل هذا الحظر بالمرة، وحينما أراد المشرع السماح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية ومساواتها بالرجل في مباشرة هذه الحقوق تجسيدا لمعاني الديموقراطية، قام بتعديل نص المادة الأولى من القانون رقم 35 لسنة 1962 سالف الذكر بحذف عبارة «من الذكور» منه فقط، ومن ثم أصبح النص الحالي- في صياغته العامة- مشابهاً لنص المادة (19) من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 سالف الذكر، وهو ما يقتضي تطبيقهما تطبيقًا مماثلاً باعتبار أن أياً منهما لا يشير إلى مسألة الجنس.

 

زر الذهاب إلى الأعلى