تعليق على حكم “الدستورية” بتكريس مبدأ المساواة بين المواطنين في قضايا الزنا
بقلم: كريم أحمد ولي الدين
تواصل المحكمة الدستورية المصرية بعد انقضاء نصف قرن على انشائها في 1979 – والتي كانت تسمي من قبل بالمحكمة العليا المنشئة في عام 1969 – دورها الأساسي في حماية الفرد والمجتمع من صور العصف بالحقوق والحريات بواسطة تشريعات او لوائح تتعارض مع النصوص الدستورية او تتجاهلها.
وإذا كان مبدأ المساواة يشكل حجر الزاوية بين كافة حقوق الانسان، وذلك باعتباره ضمانه أساسية لكفالة التمتع بالحقوق المعترف بها للأفراد في المجتمع السياسي، فضلا عن ان تقرير أي حق من الحقوق يرتبط ارتباط وثيق بمبدأ المساواة. فان المحكمة الدستورية العليا قد بسطت راياتها في مواطن عديده بتكريس مبدأ المساواة بين المواطنين، باعتباره حجر الأساس لحقوق الانسان.
فقد أصدرت المحكمة الدستورية حكما تاريخيا يكرس المساواة بين المواطنين دون التفرقة على أساس الدين وذلك في الطعن رقم 248 لسنة 30 قضائية دستورية بتاريخ 6 يونية 2020 يقضي بعدم دستورية ما تضمنه عجز المادة 276 من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 من اقتصار الدليل الذي يُقبل ويكون حجة على المتهم في جريمة الزنا على حالة وجوده في منزل مسلم.
فالحقيقة أن المحكمة استندت في ذلك إلى ان النص المطعون عليه انما اعطي لسلطة الاتهام وللمحكمة الجنائية، حق تحري اركان جريمة شريك الزوجة الزانية، وإقامة الدليل عليها وفقًا للقواعد العامة، متى وجُدِ في منزل مسلم، الامر الذي يستتبع بمفهوم المخالفة أن يكون ارتكاب الإثم في منزل غير المسلم غير منتج في إقامة الدليل على ارتكاب الجريمة عينها، حيث يحول ذلك دون إدانته بالمساهمة في هذه الجريمة.
ولذلك فان المحكمة الدستورية العليا تجد ان ما تضمنه النص المطعون عليه من المغايرة بين منزل المسلم وغير المسلم انما يتمخض وبلا شك عن عدم وجود مبرر موضوعي لتلك المغايرة. خصوصا وان الدستور يكرس المساواة بين المواطنين ويحظر التفرقة بينهم بشتى الصور، وبالأخص بسبب الدين او العقيدة.
وفي الواقع ان حكم المحكمة الدستورية العليا – الذي نحن بصدده – انما يلقي بظلاله على محورين أساسيين:
المحور الأول: تكريس المحكمة الدستورية العليا لمبدأ المساواة بين المواطنين.
تجد ان المحكمة الدستورية العليا دائما ما تعلي مبدأ المساواة بين المواطنين باعتباره أحد القيم الجوهرية التي تؤمن بها المجتمعات المتحضرة، حيث جاء في أحد احكامها ” أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، فى مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها. ” (حكم المحكمة الدستورية رقم 55 لسنه 31 قضائية ” دستورية ” يوم السبت الخامس من يناير سنه 2019م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنه 1440هـ.).
كما جري قضاء المحكمة الدستورية علي كفاله حق التقاضي والمساواة بين المواطنين فيه، حيث تعتبر ضمانات الدفاع – في اطار سيادة القانون – مفترضاً أولياً لصون حقوق الأفراد وحرياتهم، ” وقد غدا حق الدفاع غائراً في وجدان البشر، مرتبطاً بالقيم التي تؤمن بها الأمم المتحضرة ، مؤكداً مبدأ الخضوع للقانون، ناهياً عن التسلط والتحامل، معززاً إرادة الاختيار، مبلوراً الدور الاجتماعي للسلطة القضائية فى مجال تأمينها للحقوق على اختلافها، واقعاً فى إطار الأسس الجوهرية للحرية المنظمة ، نائياً عن أن يكون ترفاً عقيماً أو سرفاً زائداً، قائماً كضرورة تفرض نفسها ليبطل كل تنظيم تشريعي على خلافها، فلا يكون القبول بها رمزياً، بل فاعلاً ومؤثراً، تغليباً لحقائقها الموضوعية على أهدابها الشكلية ، إنفاذاً لمحتواها، وتقيداً بأهدافها، فلا ينازع أحد فى ثبوتها أو يحجبها. ” (الدعوي رقم 15 لسنة 17 قضائية “دستورية “، يوم السبت 2 ديسمبر سنة 1995 الموافق 9 رجب 1416 هـ.)
المحور الثاني: قيام فلسفة الدستور الحالي عام 2014 على تكريس مبدأ المساواة بين المواطنين.
يعتبر دستور 2014 من دساتير الدول الديموقراطية والمواثيق العالمية في تقرير مبدأ المساواة وعدم التمييز بين المواطنين، اذ يقوم النظام السياسي وفقا لدستور 2014 على مبدأ المساواة، وهو ما أكدته الديباجة حيث ذكرت ” نكتب دستوراً يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز. ” كما تنص المادة 4 من الدستور – والتي يستند اليها الحكم الذي بصدده – على ” السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين في الدستور. “، كما تنص المادة 53 من الدستور – والتي يستند اليها أيضا الحكم الذي بصدده – على ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. “وما يكفله الدستور أيضا من المساواة امام القضاء في المادة 97 من الدستور والتي تقضي ” التقاضي حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة.”.
كما ضمن الدستور مبدأ المساواة في العديد من المواطن، كالمساواة في الوظائف العامة في المادة 12 و14، والمساواة في تكافؤ الفرص بين المواطنين في المادة 9 و81.
بقلم: كريم أحمد ولي الدين
مدرس مساعد بكليه الحقوق جامعه عين شمس
قسم القانون العام