تصحيح المفاهيم فى مدى حجية جلسات التحكيم العرفى فى القانون المصرى ____________
بقلم/ محمد صبري أبوصالح المحامي
بداية لآبد وأن نشير فى نبذة مختصرة إلى نشأة ما يعرف بجلسات التحكيم العرفى، وتشكيلها بالنسبة للمحكمين فيها أو أعضائها ، ونلقى الضوء على بعض من أحكامها، قبل أن نخوض فى مدى حجيتها فى القانون المصرى.
نبذة عن النشأة التاريخية لجلسات التحكيم العرفي:
منذو أن خلق الله الأنسان وكلفه بعمارة الأرض ، وقد غلبت وطغت طبيعتة البشرية وأهوائه على تصرفاته وأفعاله ، فأنحرف بفطرة خلق الله له السامية والسليمة ، إلى كل ما تسول له به نفسه ، وما ترتضيه أهوائه …فكانت الجريمة .
ومع تطور الجرائم وتعددها كما ونوعا ، أرسل الله الرسل و الأنبياء مبشرين ومنذرين بغاية هداية الناس ، عن طريق تلبيغهم بقوانين إلهية جاءت فى صورة أوامر ونواهى “شفاهية” تسير بها حياة الإنسان وتخبره بما له من حقوق وبما عليه من واجبات.
وظل الأمر هكذا إلى أن ظهرت العشائر والقبائل بالشكل القديم ، فكان لكل عشيرة رجل يحكمها هو ” كبير العشيرة ” ، ومن كل مجموعة من العشائر كانت تتشكل القبيلة ويكون لتلك القبيلة رجل آخر يحكمها يسمى ” زعيم القبيلة ” وغالبا ما كان أمر الحاكم فى كلا من العشيرة والقبيلة يعود لمبدأ قوة هذا الحاكم والأكثر فى عدد الأبناء والأحفاد .
ومن هنا بدأت فكرة #التحكيم عموما فى جميع ما يحدث فى القبيلة الواحدة من نزاعات أو أعتدائات .
تشكيل مجلس التحكيم العرفي :
كان مجلس المحكمين قديما يتشكل من زعيم القبيلة كرئيسا للمجلس بالأضافة لمن يختارهم من عائلته أو من أكابر العشائر ليعاونوه ، وكان يفوض منهم من يبت فى أمر النزاعات التى تحدث فى القبيلة فى حالة غيابه أو مرضه أو أنشغاله بالحروب مع القبائل الأخرى .
الأحكام التى كانت تصدر عن مجالس التحكيم العرفي:
كانت الأحكام فى الفترات الأولى لمعرفة مجالس التحكيم العرفى ونشأتها منها الغريب ومنها المألوف ..
فمثلا كان من بين الأحكام الغريبة لبعض القبائل تطبق عقوبة الإعدام رميا من فوق الجبل على من يترك قبيلته ويذهب للعيش مع قبيلة أخرى ، وكان من العقوبات أيضا فقأ أحدى العينين للسارق ، وتسليم القاتل لأهل القتيل يخدمهم طيلة حياته أو يقتلوه حسبما أرادوا .. ومنها أحكاما مألوفة أو معروفة فى الشرائع والأديان كرجم الزانية، وطرد المخالف لقواعد القبيلة او تغريبه نظرا لعدم وجود ما يعرف بالسجون حينها.
مدى حجية مجالس التحكيم العرفى فى القانون المصرى:
مع تطور القبائل وتطور شكل التنظيم الإداري فيها ظهر ما يعرف بدولة (شعب ، وأقليم له حدود ، و سلطة) وبدأ معها ظهور القانون المكتوب الذى يتميز فى أحكامه عن الأحكام العرفية بعموميته وتجريده وسهولة معرفته
و وصوله إلى كل ربوع الدولة المترامية الأطراف ، كما أن عمومية القانون المكتوب وتجريده خلع عنه الوساطة ، والمحسوبية ،والنزعة الأنتقامية ،والعصبية للقبيلة ..وغيرهم مما يعيب التحكيم العرفى ويشكك فى نزاهته .
وأستمرار وجود مجالس التحكيم العرفى حتى الآن ونحن فى عام 2020 ماهو إلا #سرسبات توارثتها بعض الأجيال الموجودون غالبا فى المحافظات الحدودية المصرية للعادات والتقاليد التاريخية التى عفا عليها الزمن وأصبحت غير صالحة الآن ولا تتناسب أبدا مع كم هذا التطور الهائل للدولة بكافة مفاهيمها.
وبذلك فإن جلسات الصلح العرفية التى ينظمها محكّمون من كبار العائلات وشيوخ القبائل لحل الصراعات فى الصعيد والمناطق البدوية لا سند لها فى القانون المصرى الحالى، ولا يعتد بها من منظور القضاء حتى لو تنازل الطرفان عن حقهما أمام القاضى بسند كتابى، لأن القانون المصرى لا يعترف مثلاً بمفهوم دفع (الدية) فى جرائم القتل لأهل القتيل ويشترط تنفيذ العقوبة على المتهمين، وأن يأخذ القانون مجراه على الجميع.
وإن كان قضاء الدولة ممثلا فى القضاه قد تسامحوا فى اللجوء إلى محكمين عرفيين فذلك يرجع لكون القضية مدنية أو تجارية.
ولجوء بعض العائلات أو القبائل لمجالس التحكيم العرفى فى قضايا كالثأر مثلا بأعتبار أن تلك المجالس هى بديل عن القانون ، فلا يعتبر هذا شيئاً إيجابياً ولا يمنع القضاء من نظر أى دعوى جنائية والفصل فيها بالعدل ووفق أحكام القانون، خاصة أن هناك مسئولية كبيرة على الدولة لإنهاء النزاع وتقديم كل المتهمين للعدالة أياً كان عددهم، فقانون العقوبات جعل الإعدام عقوبة لكل من ارتكب جريمة القتل العمد وبالتالى لابد من إعدام كل من تورط فى هذه الجرائم وإلا ضاعت هيبة الدولة.
والقضاء أيضا لا يعرف المواءمات السياسية أو الاجتماعية ولا ينظر إلى أشخاص بل إلى الوقائع المجردة، بخلاف تلك المجالس التى تقضى فى أحكامها فى الغالب وفقا لما يتماشى مع شخص المتهم وعائلته.
والزيارات أو الجلسات التى قد يحضرها مسئولون فى الدولة للمصالحات بين العائلات لوقف الثأر فهى فقط لمنع نزيف دماء جديدة وليس للحيلولة دون محاكمة المتورطين فى الجرائم السابقة.
مع تمنياتى للجميع بالتوفيق.