تربص الأوغاد بالعظماء!
نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 11/7/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
تربص الأوغاد بالعظماء، ظاهرة قديمة ممتدة من الماضي إلى الحاضر.. رأينا ذلك في كثير من حوادث الاغتيال، ورأيناه أيضاً في المعاكسات والمناكفات والمضايقات، وفى التهجم والنكاية والكيد وإطلاق القذائف الباطلة والشائعات الكاذبة.. والاغتيال المعنوي إلى جوار الاغتيال المادي !
فالذي اغتال الفاروق عمر بن الخطاب، هو أبو لؤلؤة المجوسي.. وكان مجوسيا من الأوغاد اتفق مع طغمة من الأوغاد لا يؤمنون بالإسلام، وأرادوا أن يحرموه من خليفة عظيم نشر الرخاء وضبط الدولة ونشر العدل.. والذي اغتال الإمام علىّ بن أبى طالب واحدٌ من الخوارج يدعى عبد الرحمن بن ملجم، اتفق مع آخرين من الأوغاد مثله على أن يقتلوا الإمام وعمرًا ومعاوية في ليلة السابع عشر من رمضان، فنجا عمرو ومعاوية وفقدت الأمة الإسلامية إمامًا عظيمًا، والذي اغتال غاندي متطرف شارد، قتله غدرًا على مشهد من آلاف محبيه وهو يتقدم لأداء الصلاة.. وكذلك كثير من حوادث الاغتيال.. ودراسة سير حياة الزعماء والساسة والأدباء والمفكرين والفنانين، حافلة بكثير من قصص تربص الأوغاد بهم، والتطاول عليهم، والكيد لهم، والنكال بهم.
قد يكون الحسد باباً لتحرش الصغار بالكبار، والفاشلين بالناجحين! .. بيد أن الحسد لا ينشأ إلاّ من خلال علاقة أو صلة تحرك الشعور بالنقص وتدفع الناقص الفاشل الموتور، إلى حسد الناجح الذي يغمطه على نجاحٍ لم ينله هو.. لذلك فالحاسد لا يحسد غريبا عنه، لأن هذه الغُربة لا تستحضر المقارنة.. وإنما تكون المقارنة بين الأقارب والمعارف والزملاء والأصدقاء.. ونادراً جداً ما يسفر التربص بالقادة والعظماء عن كشف حالة حسد.. إنما قد يكشف عن بغض أو مقت أو رفض، أو عدم توافق سياسي، أو اعتراض على أعمال أو قرارات أو سياسات!
معنى هذا أن العظماء معرضون للنكيرين.. لنكير الحاسدين من دوائر معارفهم وأصدقائهم وذوي قرباهم.. حتى قيل في الأمثال: الأقارب كالعقارب!.. ونكير دوائر المعترضين على سياساتهم أو أفكارهم واتجاهاتهم!
ومن المحال أن يقع السوي في مستنقع التطرف والتربص والعنف كما أنه من النادر جدًا أن يأتي الحسد والغيرة من ناجح، وأندر أن يأتي من صاحب ملكات وإمكانيات.. مرد ذلك أن الحسد مرض حقيقي، قيل عنه في الحديث إنه كالنار يأكل صاحبه كما تأكل النار الحطب، وذلك لا يصيب ذوي النجاحات أو الإمكانيات أو المؤهلات، وإنما يتمكن من أصحاب العلل النفسية ومركبات النقص وخيبة الحاضر وانعدام الأمل الواعد في المستقبل.. هنالك تسقط النفس فريسة للمقارنات، لا يرضيها إلاّ أن تنزل بالمحسود إلى دركٍ أقل من دركها، ولا تتطلع لأنها عاجزة عن الرقي بنفسها لتحقيق ما تنفسه على الناجح وتــغير منه وتحسده عليه!!
مشكلة ولا شك للمحسود أن تأتيه الغيرة والحسد وتداهمه بلواها من أقربائه أو أصدقائه، فالمصاب عند ذاك مصابان.. مصاب الحسد الذي يأكل كالنار ويستخرج كل ما في نفس الحاسد من شرور وضعة، والمصاب في القريب الذي أعطى ظهره لآصرة القربى أو في الصديق الذي خان الصداقة وتنكر لها وحسد صديقه -الذي كان- على ما أفاءت به عليه ملكاته ومواهبه وقدراته.
انعدام الملكات والمواهب والقدرات، وقلة الحظوظ أيضًا، هو الباب الواسع لمشاعر الغيرة والبغض والحسد.. وقدر على القامات والعظماء، أن ذات هذه الملكات والمواهب والقدرات، هي التي تجر عليهم صغائر الصغار، وحقد العاطلين من المواهب، المتخلفين عن ركب العلم والعمل والحضارة، المهمشين على هامش الحياة، الذين لا يجدون لأنفسهم مكانا أو موضعاً يزاحمون بــه الكبار والعظماء فيرمونهم بالأحجار.
صدق الشاعر الحكيم الذي قال:
قُل لمن بصروف الدهر عَيَّرني
هل عارض الدهرُ إلاّ من له خطرُ
ألم تر البحر تعلو فوقه الجيف
وتستقـر فـي أعماقـه الــدررُ
وكم على الأرضِ من خُضَرٍ وفاكهةٍ
وليـس يُرجـمُ إلاّ مـن لـه ثمرُ
وفى السماء نجوم لأعداد لـها
وليـس يُكْسـفُ إلاّ الشمس والقمرُ