بعض ما لاقاه قاسم أمين في دعوته لحرية المرأة !
بعض ما لاقاه قاسم أمين في دعوته لحرية المرأة !
نشر بجريدة الوطن الجمعة 16 / 7 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
تحت عنوان: فلسفة طائشة، من كتابه: وحى القلم، شن الأستاذ مصطفي صادق الرافعي حملة ضارية على الأستاذ قاسم أمين صاحـب « تحرير المرأة » و« المرأة الجديدة ».. فجعل يأخذ عليه أنه تلميذ أوروبا، وأن أستاذته تلك هي أبلغ رد على فساد رأيه في تحرير المرأة.. وأنه لو استقرأ أطوار المدنية، لقدّر أن هذا الزمن المتمدن سيتقدم في رذائله ـ بحكم الطبيعة ـ أسرع وأقوى مما يتقدم في فضائله.. وكأنه كان يظن أنه ليس تحت الأرض زلازل ولا تحت الحياة مثلها.. مَزَّق البرقع بقالة « إنه مما يزيد في الفتنة، وإن المرأة لو كانت مكشوفة الوجه لكان في مجموع خَلْقها ـ على الغالب ـ ما يرد البصر عنها ».. وزعم أن « النقاب والبرقع من أشد أعوان المرأة على إظهار ما تظهر وعمل ما تعمـل لتحـريك الرغبة، لأنهما ( النقاب والبرقع ) يخفيان شخصيتها، فلا تخاف أن يعرفها قريب أو بعيد، فتأتى كل ما تشتهيه تحت حماية البرقع والنقاب » !.. وها قد زال البرقع والنقاب.. هكذا يقول الرافعي: فهل قَدَّر قاسم أمين أن المرأة ستلجأ إلى حماية أخرى، فتجعل ثيابها تعبر تعبيرًا دقيقًا عن أعضائها ؟! وقد أراد قاسم أن يعلم الناس الحب ليربطوا الزواج به، فلم يزد على أن جرّأهم على الحب الذي فَرّ به الزوج، ونسى أن المرأة التي تخالط الرجل ليعجبها وتعجبه فيصيرًا زوجين ـ إنما تخالط في هذا الرجل غرائزه قبل إنسانيته.. هو رجل وهي امرأة وبينهما مصارعة الدم، وكثيرًا ما تكون المسكينة هي المذبوحة !
ويستأنف الأستاذ الرافعي هجومه قائلاً: أخطأ قاسم أمين في إغفال عامل الزمن من حسابه، وهاجم الدين بالعرف، وكان من أفحش غلطه أنه ظن أن العرف مقصور على زمنه، وكأنه لم يدرك أن الفرق بين الدين والعرف، هو أن العرف دائم التغير والاضطراب فلا يصلح أبدًا قاعدة للفضيلة. وها نحن قـد انتهينا ـ بالعرف !ـ إلى زمن العرى ! ونسى قاسم ـ غفر الله له والعبارة للرافعي ـ أن للشباب أخلاقًا تتغير بتغيرها، وأن من تغيرها تغير معها فهمها للفضائل، فتتغير بذلك فضائلها وتتحول من آيات دينية إلى آيات شعرية. بينما روح المسجد غير روح الحانة، وهذه هي غير روح المرقص، وهذه غير روح المخدع، ولكل حالة لباسها، فأين أخلاق المرأة العصرية من الأخلاق التي كانت لها من الحجاب ؟ لقد تبدلت مشاعر الطاعة والصبر والاستقرار والعناية بالنسل والتفرغ لإسعاد أهلها وأدبها ـ وحلت محلها مشاعر أخرى أولها كراهية الدار والطاعة والنسل !
والواقع أن حملة الأستاذ مصطفي صادق الرافعي على الأستاذ قاسم أمين ــ هي الطائشة، فقد غلبها الانفعال والتهجم، ووصف الأشياء بغير مسمياتها كالادعاء ـ مثلاً ـ بأن قاسم أمين هاجم الدين بالعرف، ووصف خطأه ــ في نظر الرافعي ــ بالفحش، حتى ذكّرني نهجه بما كتبه في حق الأستاذ العقاد في الكتاب المؤسف « على السفود »، فنرى الرافعي يدعى أن قاسم أمين أخطأ في إغفاله عامل الزمن من حسابه، مع أن الرافعي هو الذي أخطأ في حساب الزمن. وقيمة الصواب في حساب الزمن لا تنحصر في الزمن المضارع، بل في القدرة على استشراف المستقبل وما يستوجبه، وهذا هو دومًا شأن الدعوات والرسالات.
يرى الرافعي ــ أو يدعى ــ أن قاسم أمين كان كالمخدوع المغتر بآرائه، وكان مصلحا فيه روح القاضي، والقاضي بحكم عمله مقلّدٌ متّبع يسند الرأي دائما إلى نص لم يكن له فيه عمل، ومن ثم كثرت أغلاط الرجل حتى جعل الفرق بين فساد الجاهلة وفساد المتعلمة، أن الجاهلة « لا تكلف نفسها عناء البحث عن صفات الرجل الذي تريد أن تقدم إليه أفضل ما لديها، وهو نفسها ».. وأن المتعلمة على خلاف ذلك لا يجرى قدرها بمن يحل لها إلاَّ بعد محبة شديدة يسبقها علمٌ تام بأحواله وشمائله وصفاته، فتختاره من بين مئات وألوف ممن تراهم في كل وقت (!!!!) وهي تحاذر أن تضع ثقتها في شخص لا يكون أهلا لها، ولا تسلم نفسها ـ إلاَّ بعد مناضلة يختلف زمنها وقوة الدفاع فيها حسب الأمزجة (؟؟؟؟)، وهي بكل حال تستتر بظاهر التعفف (؟؟؟؟)
يعقب الرافعي بأن هذا كلام قاضٍ من المتفلسفين علـى مذهب « لامبروزو » يقول لإحدى الفاجرتين ـ وهذه عبارة الرافعي ـ أيتها الجاهلة الحمقاء، كيف لم تتحاش ولم تتستّرى فلا يكون عليـك سبيل ؟
وهذا ــ فيما يراه ــ نظر قاصر، فمتى كان في الحب اختيار، ومتى كان الاختيار يقع « فيما يجرى به القدر »، ومتى كان نظر العاشقة كنظر المعلمة إلى صبيانها تدرس به الصفات والشمائل في مئات الألوف ممن تراهم في كل وقت لتصطفي منهم واحداً تختاره !
وأنت تلاحظ في حملة الأستاذ الرافعي الضارية على الأستاذ قاسم أمين، أنه لا يلاحظ مبالغاته هو اللامزة حين يفترض افتراضاً أن المتعلمة تختار من بين مئات وألوف ممن تراهم في كل وقت، وأنها تدرس الصفات والشمائل في مئات الألوف ممن تراهم في كل وقت لتصطفي وتختار منهم واحداً.. والرافعي يفترض هذا الافتراض المبالغ اللامز لتستقيم له أسباب حملته، فيأخذ فيها على قاسم أمين أنه أغفل في هذا أيضا حساب الزمن، فكثير من المنكرات والآثام فد انحلّ فيها المعنى الديني، وثبت في مكانه معنى اجتماعي مقرّر، فأصبحت المتعلمة لا تتخوف من ذلك على نفسها شيئا، بل هي تقارفه وتستأثر به دون الجاهلة، وتلبس له ( السواريه ) وتقدم فيه للرجال المهذبين مـرةً ذراعها ومرةً خصرها !
وينتقل الرافعي من مهاجمة قاسم أمين وآرائه، إلى مهاجمة مصطفي كمال ( أتاتورك ) في تحرير المرأة وتمزيق الحجاب، فيأخذ عليه أن حقده على الدين وأهل الدين هو الدليل على أنه ثائر لا مصلح، احتذى حذو الناس في أوروبا، وجعل رذائلهم مـن فضائلهم، وكأنه يعتنف الآراء ويأخذها أخذاً عسكرياً !!
تساءلت وأنا أتابع ما يُدَار حول المرأة وحقوقها ما لها وما ليس لها، أين هي من هذا كله.. ولماذا تسكت حواء ولا تبدى رأيها ـ أمس واليوم ـ في منظور يجعل منها لعبة ودمية.. ولا يخرج بها عن كونها مفاتن جسدية تقدم ـ إن قدمت ـ نفسها، فلا عقل ولا شخصية ولا مزية لها سوى هذه المفاتن التي يدور حولها طلب الرجال، وكيف تستر ويُستر معها وجهها خلف برقع أو نقاب لأنه هو الآخر عورة واجبة الحجب عن عيون الرجال !
أليس في انفراد الرجال بالحديث في أخص مـا يخص المرأة، أن الذكورية طاغية طغيانا حجب النساء اللائى استسلمن لهذا المنطق الذي لا يزال يصنفهن في باب الدمى.. بلا حول ولا قوة ولا رأى إلا ما يراه ويستحسنه أو يستقبحه الرجال ؟!!