اَلْمَقَاصِد اَلْكُلِّيَّةِ لِلشَّرِيعَةِ

د/ إبراهيم جاد الله 

قَالَ اَلْغَزَالِي رَحِمَهُ اَللَّهُ إن مقصود الشرع من الخلق خمسة أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسده ودفعها مصلحة “.

وما من تشريع من التشريعات سواء كان تشريعاً سماوياً أو وضعياً إلا وله مقاصد يهدف لتحقيقها في حياة الناس وغايات يرمي للوصول إليها من خلال ما يضعه من أحكام وما يسنه من نظم وتشريعات.

والشريعة الإسلامية بحسبانها الشريعة الخاتمة التي أكمل الله بها الدين وأتم بها النعمة وجعلها صالحة لكل زمان ومكان لا تبلي نصوصها ولا تهتز قواعدها جاءت لتحمي على الإنسان كليات خمس هى حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال وتمنع كل ما يعطلها أو يعطل إحداها حتى تستقيم حياة العباد ومصالحهم.

فهذه الكليات الخمس لا غنى للناس عنها ولا قيام لحياتهم بدونها فعليها يقوم أمر دينهم ودنياهم فمصالح العباد تدور رحاها حول تلك الضرورات.

فالنسبة للضرورة الأولي وهي حفظ الدين :-

فقد جاءت الشريعة لتحمي على الإنسان مجرداً دينه وحريته في الإعتقاد وحرمت الإعتداء عليه أو التمييز بينه وبين غيره بسبب الدين بل أولت بالحماية دور العبادة لما في حمايتها حماية لما يعتقده الإنسان ويقدسه ويؤمن به قال تعالي  ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ “.

وقد جاءت نصوص الشريعة من قرآن وسنة متوالية تتري في حفظ الدين وحماية كيانه ودفعاً لكل ما يقصد إليه من مجاوزة حدوده.

والشريعة في سبيل ذلك حرمت كل إعتداء من الإنسان على أخيه الإنسان بسبب دينه ومعتقده، وحرمت كل تميز بسبب الدين أو سب المسلم لدين غيره أو أي فعل يقصد به التضييق من إنسان على أخيه الإنسان بسبب دينه وعقيدته؛ وإعطاء مطلق الحرية لكل إنسان في الإيمان بما يعتقد ويقدس.

وبالنسبة لضرورة حفظ النفس والعقل:-

فقد جاءت الشريعة الغراء بحماية تلك الضرورات أيما حماية من خلال التأكيد على البعد عن كل ما يتعارض مع صيانتها.

وفي سبيل ذلك حرمة قتل الإنسان لنفسه أو ما يسمى ” الإنتحار” ، قال تعالى ” وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” ؛ كما نهت عن أن يقدم الإنسان علي ما يؤذيه ويضره ويلحق به الهلاك قال تعالى “وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ “؛ وحرمت قتل الإنسان لأخيه الإنسان وجعلته أكبر الكبائر، قال تعالى “‏مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً” فقال تعالى “ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ” وشرعت القصاص جزاءً لمن تسول نفسه قتل غيره قال تعالى ” وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

وفي حفظها للعقل الذي هو مناط التكليف لم تتوانا في تحريم كل ما يؤثر عليه ويعيقه عن أداء رسالته والترغيب في كل ما يمكنه من أداء رسالته فحثته الشريعة على التعلم والقراءة والتفكير والتدبر.

فنصوصها حافلة بصيانة عقل الإنسان وحمايته من كل ما يذهب فكره ويعطل ملكته فنهت عن تناول الخمر والمخدرات بأنواعها.    

وبالنسبة لضرورة حفظ العرض والمال:-

فقد صانت الشريعة عرض الإنسان ونسله فحرمت الإعتداء على عرض الإنسان وجعلته كبيرة من الكبائر ووضعت سياجاً لصيانة العرض الموصل لصيانة النسل والحفاظ عليه.

فحرمت سب الإنسان ورميه بأي كلمه تشينه أو تنقص من قدره وهى في سبيل ذلك حرمت إطلاق البصر وعدم غضه سداً لذريعة التوصل لكل حرام بالمرأة الأجنبية، كما حرمت الزنا وحرمت حتى سلوك طريقه ووضعت عقوبات رادعة لمن يخوض في أعراض الناس ويستبيح أعراضهم قال تعالي ”  وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَٰنِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَٰدَةً أَبَدًا ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ”، كما نهت الشريعة عن غيبة الآخرين وغمزهم ولمزهم والسخرية منهم قال تعالي ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”                    

وبالنسبة للضرورة الخامسة من الضرورات التي جاءت الشريعة لحمايتها وهي المال:-

فقد أوجبت الشريعة للحفاظ عليه السعي في طلبه بالحلال فأباحت المعاملات والمبادلات والتجارة.

وحرمت كذلك كسبه بالطرق غير المشروعه، كما حرمت كل إعتداء من الإنسان على مال غيره وكل ما يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل بأي طريقة فحرمت السرقة ووضعت لها عقوبة رادعه وهى قطع يد السارق لمال غيره إن توافرت شروط ذلك وحرمت كذلك الرشوه والتدليس وكل ما يضر بالأسواق وبمصالح الناس فحرمت الربا والإحتكار وحرمت كذلك تطفيف الكيل والميزان قال تعالي ” وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ “.

فهذه الضرورات والكليات الخمس أولتها الشريعة حماية خاصة لما في الحفاظ عليها  ومراعتها صلاح حياة الناس ومصالحهم وبفسادها أو تعطيل إحداها يختل نظام الحياة وينهار المجتمع.

وقد أورد الله عز وجل في كتابة أيه واحدة جاءت بحفظ هذه الضرورات الخمس هى قوله تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

فاشتملت على الكليات الخمس فحفظ الدين جاء بقوله ”  لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّه “، وحفظ النفس بقوله ” وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ “، وحفظ النسل والعرض بقوله ” وَلَا يَزْنِينَ “، وحفظ المال جاء بقوله ” وَلَا يَسْرِقْنَ “، وحفظ العقل حيث أنه مناط التكليف ومن قام بخلاف ذلك فعقله فاسد طالح ومن قام بذلك فعقله صحيح راجح.

زر الذهاب إلى الأعلى