انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح
بقلم: محـمد شعبان
تحدثنا في المقال السابق عن أحد الأسباب التي تنقضي بها الدعوى الجنائية والذي يكون راجعاً لأحد أطراف الخصومة الجنائية، وهو التنازل عن الشكوى أو الطلب ممن تقدم بهما. واليوم موعدنا مع سبب آخر من أسباب انقضاء الدعوى الجنائية قد يلتبس مع انقضاءء الدعوى الجنائية بالتنازل وهذا السبب هو انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح.
وقد أورد المشرع النص على التصالح وتنظيمه القانوني في المادتين 18مكرراً والمادة 18 مكرراً (ب) من قانون الإجراءات الجنائية. حيث نظم في المادة 18مكرراً أحكام التصالح مع المتهم في الجرائم البسيطة التي هي من عداد الجنح التي لا يُعاقب عليها وجوباً بغير الغرامة أو التي يًعاقب عليها جوازياً بالحبس الذي لا يزيد حده الأقصى عى ستة أشهر. أما المادة 18 مكرراً (ب) فهي مستحدثة بموجب المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 2015 والذي نظم أحكام الوساطة الجنائية لتسوية حقوق الدولة الناشئة عن ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهو الباب الخاص بجرائم العدوان على المال العام والعدوان عليه والغدر.
وثمة فروق جوهرية فيما بين أحكام التصالح المنصوص عليه في المادة 18مكرراً وتلك المنصوص عليها في المادة 18 مكرراً (ب)، ويمكن التماس هذه الفوارق في أطراف التصالح في كل النصين، ونطاقه الزمني، وفي إجراءاته، وأثره على الدعوى الجنائية .
1- أطراف التصالح:
المتهم هو الطرف الأول دائماً من أطراف التصالح، فهو القاسم المشترك في تطبيق أحكام النصين بوصفه هو الخصم الأصيل الذي توجه إليه سهام الدعوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المحددة على سبيل الحصر في هذين النصين، ويُقدم طلب التصالح منه أو من وكيله الخاص.
أما الطرف الثاني في التصالح في تطبيق نص المادة 18 مكرراً فإنه مختلف في مرحلة جمع الإستدلالات عنه في مرحلة تحريك الدعوى الجنائية. ففي المرحلة الأولية ( جمع الإستدلالات ) يكون التصالح جوازياً للمتهم متى قبل عرض التصالح من محرر المحضر، أما في مرحلة تحريك الدعوى الجنائية فيكون للمتهم التصالح متى عرضت عليه النيابة العامة ذلك قبل رفع الدعوى الجنائية إلى القضاء.
وفي تطبيق نص المادة 18مكرراً(ب) فإن الطرف الثاني في التصالح هو جهة خارجة عن نطاق سلطات جمع الإستدلالات والتحقيق في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، حيث نص الشارع على أن يكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء.
2- النطاق الزمني للتصالح: في تطبيق نص المادة 18 مكرراً إما أن يكون قبل رفع الدعوى أو بعد رفعها وقبل صدور حكم في الموضوع، فإذا رغب المتهم في التصالح قبل رفع الدعوى فإنه يلتزم بدفع مبلغاً يعادل ثلث الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة. أما إذا رُفعت الدعوى فيجوز له أن يتدارك الأمر بالتصالح عن طريق دفع ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الأدنى المقرر لها أيهما أكثر ويكون الدفع إلى خزانة المحكمة أو النيابة العامة أو من يرخص له في ذلك من وزير العدل، أما إذا فصلت المحكمة في الموضوع بحكم نهائي، فيكون باب التصالح قد انغلق بهذا الحكم.
في تطبيق نص المادة 18 مكرراً (ب) فيجوز للمتهم التصالح أثناء مرحلة التحقيق أو المحاكمة وحتى قبل صيرورة الحكم باتاً، كما يجوز له إثبات التصالح ولو بعد صيرورة الحكم باتاً مع اختلاف الأثر في هذه الحالة الأخيرة عنه في الحالة الأولى.
3- إجراءات التصالح: تتسم إجراءات التصالح المنصوص عليها في المادة 18 مكرراً بالبساطة، إذ في مرحلة ما قبل رفع الدعوى إلى القضاء، يُقتصر فيها على عرض التصالح من قبل محرر المحضر أو النيابة العامة على المتهم وإثبات ذلك ومدى قبول المتهم أو رفضه للتصالح في المحضر، أما في مرحلة ما بعد رفع الدعوى وقبل صدور الحكم في الموضوع فإن التصالح يظل فرصة متاحة للمتهم متى رغب في إنهاء الدعوى الجنائية بدون حكم.
ويختلف الحال في هذا النص عما هو منصوص عليه في المادة 18 مكرراً (ب) والتي نصت على إجراءات تتسم بالشكلية والتعقيد، ويبرر ذلك جسامة الجرائم محل التصالح والتي أراد المشرع أن يضع ضوابط صارمة تضمن حقوق الدولة عند اللجوء إلى التسوية الرضائية لحقوقها الناشئة عن هذه الجرائم التي أجاز التصالح فيها وفقاً للنص.
حيث نصت المادة على أن يكون التصالح بموجب تسوية من لجنة الخبراء المختصة، ويُفرغ في محضر متضمن البنود التي سيتم الإتفاق عليها مع مراعاة ما يجبر الأضرار التي أصابت المال العام، ويوقع من أطرافه، ثم يُعرض على مجلس الوزراء لاعتماده، وهذا الإعتماد يعد توثيقاً للمحضر ويعطيه قوة السند التنفيذي، وبدونه فإن التصالح لا يكون نافذاً، ويتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام بالتصالح سواء كانت الدعوى مازالت قيد التحقيق أو المحاكمة.
4- أثر التصالح: في تطبيق نص المادة 18 مكرراً فإن الدعوى الجنائية تنقضي بمجرد دفع المتهم للمبلغ المبين في النص بحسب المرحلة التي يتم التصالح فيها، ولا يكون لهذا الإنقضاء أثر على الدعوى المدنية، فإذا تم أمام المحكمة قبل صدور حكم في الموضوع بقيت الدعوى المدنية وحدها أمام المحكمة الجنائية.
أما في تطبيق نص المادة 18 مكرراً (ب) فيختلف أثر التصالح في مرحلتي التحقيق والمحاكمة قبل صدور حكم بات، عنها في مرحلة صدور حكم غير بات، عنها في الحالة التي يصدر فيها حكم بات تنقضي به الدعوى الجنائية.
ففي مرحلتي التحقيق أو المحاكمة تقوم النيابة المختصة بالتقرير في الأوراق بألاوجه لإقامة الدعوى لانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح متى كانت الدعوى في حوزتها، وإذا كانت الدعوى قيد المحاكمة يتولى ممثل النيابة تقديم إخطار مجلس الوزراء بتمام التصالح ويطلب من المحكمة القضاء بإنقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، وفي هذه الحالة تنقضي الدعوى الجنائية بجميع أوصافها، فلو كانت على سبيل المثال مقيدة بوصف تربيح للغير دون حق فلا يجوز إعادة تحريكها بوصف إضرار عمدي بالمال العام، ويمتد التصالح إلى جميع المتهمين
اما في حالة تمام التصالح بعد صدور حكم على المتهم وقبل صيرورته باتاً فإن النيابة تأمر بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهمين – مؤقتاً – لحين الفصل في الطعن المقدم من النيابة أو المتهم بحسب الأحوال، وفي جميع الأحوال تعُرضت الأوراق على محكمة النقض من قبل الطاعن وفي هذه الحالة تقضي المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح.
أما التصالح بعد صيرورة الحكم باتاً فإنه يعد سبباً – نهائياً – من أسباب وقف تنفيذ العقوبة، فإذا كان المحكوم عليه محبوساً نفاذاً لهذا الحكم جاز له أو لوكيله الخاص أن يتقدم إلى النائب العام بطلب لوقف التنفيذ مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له، وفي هذه الحالة يُرفع الطلب بمعرفة النائب العام إلى محكمة النقض مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له ومذكرة برأي النيابة العامة وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمه، ويُبت فيه عن طريق إحدى الدوائر الجنائية بمحكمة النقض منعقدة في غرفة المشورة، ومتى تحققت من إتمام التصالح واستيفاءه لكافة الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون تأمر بقرار مسبب بوقف تنفيذ العقوبات نهائياً ، ويمتد هذا الأثر إلى بقية المحكوم عليهم.
وإلى لقاء في المقال الثالث حول انقضاء الدعوى الجنائية صُلحاً،،