امتهان البشر لحياتهم
من تراب الطريق (1134)
امتهان البشر لحياتهم
نشر بجريدة المال الثلاثاء 6/7/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
امتهان البشر لحياتهم أكثر شيوعًا بينهم من استعجالهم حتى إنسانيتهم.. وذلك يؤدى حتما إلى تقصير أعمارهم وإضعاف أبدانهم وكفاياتهم وإفساد اتجاهاتهم وعاداتهم وتشويه طبيعتهم وفطرتهم بتسليط الكحول أو المخدر عليهم، أو بالمجون واللهو والسهر والإفراط في الشهوات، وعدم المبالاة بمطالب الصحة البدنية والعقلية والنفسية، وينصرفون بإصرار إلى طراز من العيش المتمرد الجارف المتحدى المنساق باستمرار إلى المبالغة والإجهاد والزراية واجتذاب غير المتزنين والمندفعين والشواذ إلى محاكاتهم على قدر ما تسمح لهم به ظروف ومحيط أولئك المقلدين.. ولم تنجح العقائد في مكافحة امتهان البشر للحياة، بل نجحت فقط وإلى حدود ـ في ستره وتشجيع الآدميين على التظاهر بالاعتدال والاستقامة مع غض البصر عن فساد حقيقتهم والتواء سلوكهم وإتيانهم ما يأتون من المنكرات والموبقات في غير علانية !
اعتاد الناس لأجيال وقرون على الجمع بين التدين المعلن المتكلف وبين الإباحية المستترة في مظاهر تراعى رغم معرفة الجميع لما يحدث خلفها ووراءها من واقع يندى له الجبين.. واستسلم معظم الناس إلى هذا الصلح العجيب في الجماعات المتدينة، وباتوا متعصبين متمسكين بمحافظتهم على المظاهر الدينية التي تطلق يدهم سِرًا يعلمه جميع الخلق ـ في ارتكاب ما يشتهون !!
وتتميز الحياة الروحية عن الأخلاقية الدنيوية والذكاء، بمفارقة الوهم مع معاناة هذه المفارقة ـ وليس بالمزيد من المعرفة. ومهما يكن حظها في الدنيا متواضعًا، فإنها ترفع المساعى العادية أو القليل منها إلى ضياء الخلود. لأن الجانب الخالد من الأشياء ينتزع الروح من انغماسها الأوّلى في الحس الحيوانى والإيمان الحيوانى( animal faith ) لكى تصير روحًا نقية، علمًا بأن الجانب الخالد في الأشياء هو هو جانبها المباشر.. لأن خبرتنا بأى موضوع متى طرد منها القلق والاعتقاد يتبقى منها جوهرها فقط.. هذا الجانب المباشر من الأشياء نهائى من الوجهة السيكولوجية والاستبطانية، لأن وجود الشىء الواقعى المعين عرضى، مبناه ظروفه، بينما وجوده كتنويع للوجود العام الضرورى ـ وجودٌ دائم لا يُمحى، والروح تعيش في إحساسها بالنهائى ضمن المباشر!
ما الذي يرجوه الآدمى من حياته ؟ هذا سؤال لا يكاد يطرحه إنسان عادى على نفسه وهو جاد فيه.. لأن حياتنا، أعنى حياة كل منا، ليست مشروعًا بشريًا نحاول تنفيذه يحتمل أن ننجح فيه أو نفشل، فنستمر فيه أو نكف عنه إلى سواه، وإنما هى وجودنا ذاته وكله.. ونحن جميعاً نقبلها قبولاً فطريًا غريزيًا بلا أدنى مناقشة أو تشكك على أنها أغلى وأثمن ما أُعطينا.. أيا كانت ومهما كانت ظروفنا.. يسـتوى في ذلك الحر والعبد، والطليق والمعتقل، والصحيح والعليل، والقوى والضعيف، والطفل والشيخ، والموسر وذو الفاقة.
مشيئة الله تعالى لا تنقض القواعد , ولا تسقط التكليف. فيبقى لآدمي أن يختار طريقه , وأن يميز بين الخير والشر.. وقد قيل في الخير , أنه ما اطمأنت إليه النفس , واطمأن إليه القلب.. أما الشر , فما حاك الصدر , وكره الآدمي أن يطلع عليه الناس , وإن أفتاه الناس وأفتوه !
قالوا من أرضى جوارحه بالشهوات، غرس في قلبه شجرات الندم !