الوعود الصادقة

بقلم: اشرف الزهوي المحامي

جاء في احد المأثورات، أن ملكا رجع إلى قصره في ليلة شديدة البرودة، ورأى حارسا عجوزا واقفا بملابس رقيقة، فإقترب منه الملك وسأله : ألا تشعر بالبرد؟ رد الحارس : بلى أشعر بالبرد، لكنني لا أملك لباسا دافئا، ولا مناص لي من تحمل البرد. فقال له الملك : سأدخل القصر الآن وأطلب من أحد خدمي أن يأتيك بلباس دافئ، فرح الحارس بوعد الملك، لكن ما أن دخل الملك قصره، نسي وعده الذي قطعه على نفسه، وفي الصباح كان الحارث العجوز قد فارق الحياة، والي جانبه ورق كتب عليها بخط مرتجف : أيها الملك؛ كنت أتحمل البرد كل ليلة صامدا، لكن وعدك لي بالملابس الدافئة سلب مني قوتي، وقتلني.
هذه القصة تستند إلى أسس علمية، فنلاحظ بأنفسنا أن الشخص المصاب بالحمى تسري في جسده القشعريرة، ويتمكن الدماغ من خداع الوعي، وجعله يقاسي البرد، رغم أنه جسدة يتلظي بلهيب الحمى والسخونة التي تسببها.
انه تقرير علمي يمثل تحديا صادما للفكر الإعتيادي في مسألة الإدراك الحسي للدفء والبرودة، فالدماغ ينتج واقعا افتراضيا، نختبره بوعينا، ويكون هذا الواقع إنسانيا ومخصوصا بالوعي البشري، وقد يحاكي الواقع الموضوعي، فالشعور بالبرد أو الحر من شئون الواقع الفعلي. قد تكون حيادية من حيث البرودة والسخونة، بمعنى أنها ليست بالحارة أو الباردة وإنما هي موجودة وحسب، وفي تجربة لطيفة حدثت لنا جميعا، عند الإمساك بوعاء أو صحن المونيوم جيد التوصيل للحرارة فأنت لاتعرف هل هو ساخن ام بارد ولذلك عندما تلمسة لأول وهله تشعر أنه بارد إذا غذيت عقلك بأنه تم استخراجه من المبرد أو الثلاجة في التو واللحظة حتى ولو كان ساخنا وليس باردا.
ولعلك تتساءل أيها الزميل الفاضل : وما علاقة هذا بمهنة المحاماة.؟!
الحقيقة أن العمل بالمحاماة يرتبط في كثير من الأحيان بقدراتك في بث روح الأمل في نفس موكلك الذي لجأ إليك بعد أن عجز عن مواجهة أموره بمفرده واعيته الحيل، ترى ماذا لو منحته الوعود برد حقوقه التي تنقله من حياة البؤس والفاقة والعوز إلى حياة الرغد والثراء والتنعم في الأملاك والأموال. ثم فاجأته بضياع الحلم وأفاق على خسارة دعواه، بل ومطالبته بالرسوم التي تفوق استطاعته
نعم انه أشبه بهذا الحارس الذي قتله الملك بالوعد الذي سها عنه. فلا تعطي الوعود أو تسرف في توقع النتائج وكن واضحا وصريحا في شرح ظروف الدعوى واحتمالات المكسب والخسارة بل والمدة التي يمكن أن تستغرقها للوصول إلى الحق بعد اجتياز ماراثون اول درجة والإستئناف والأشكال، انها الحقائق والأوضاع والأحلام والأمنيات التي نعيشها جميعا في كل لحظة من حياتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى