النقض محكمة قانون
بقلم الدكتور/ أشرف نجيب الدريني – دكتوراه القانون الجنائي
لقد بح صوت الفقه الجنائي مرارًا وتكرارًا وألح على المشرع المصري، بأن يجعل التقاضي في الجنايات على درجتين، ويُحمد للمشرع المصري مؤخرًا، بالاستجابة لهذه النداءات، وإن كانت استجابة قد تأخرت كثيرًا لمواكبة التشريعات المقارنة، علاوة على كون التقاضي على درجتين أصل من أصول المحاكمة الجنائية العادلة.
وقد أكدت على ذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية بل والدساتير في معظم دول العالم، وكان قد أصدر المشرع المصري قانون رقم 11 لسنة 2017 بشأن تعديل قانون رقم 57 لسنة 1959 الخاص بحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، في ظل التقاضي في الجنايات على درجة واحدة، وذلك لسرعة التقاضي تحت مسمى العدالة الناجزة(1) بأن جعل لمحكمة النقض حق التصدي للدعوى من أول مرة، مما تسبب ذلك في خروج محكمة النقض عن دورها الرئيس، في مراقبة تطبيق القانون أو تأويله أو تفسيره.
ويرى الباحث أنه تتبدى أهمية رجوع محكمة النقض لسابق عهدها، حيث كانت تتصدى عند عرض النزاع عليها للمرة الثانية، للتفرغ لمراقبة الأحكام ودقتها دون تزاحمٍ، ومناط ذلك بأنه أصبح هناك محكمة جنايات مستأنفة تقوم بدور ثاني درجة بعد حكم محكمة جنايات أول درجة، وبقاء محكمة النقض بهذه الوضعية تصبح درجة ثالثة للتقاضي، وتعلن عن التخلي عن دورها الرقابي على المحاكم الأقل درجة.
فزال سبب وجود تعديل قانون حالات الطعن بالنقض آنف الذكر، بالتالي تعود الاختصاصات لنصابها الصحيح. محكمة النقض محكمة قانون تحاكم الحكم، وليست محكمة موضوع، فهناك محكمة الجنايات المستأنفة بِناءً على القانون رقم 1 لسنة 2024 بشأن تعديل قانون الإجراءات الجنائية.
لذا، نرجو من المشرع عودة محكمة النقض محكمة قانون، حتى يتسنى لها القيام بدورها في توحيد المباديء والرقابة والتفسير والتأويل الذي يصب في مصلحة العدالة بصفة عامة. فالضرورة تقدر بقدرها.
و لا أؤمن بمصطلح العدالة الناجزة -وإن تردد كثيرًا في الآوان الأخيرة- العدالة لا تقاس بسرعة الإجراءات، ولكن بمدى تأثيرها على المجتمع، فإن لم يشعر المتقاضين بالعدل فقدت العدالة بوصلتها.