«النقض» لمحكمة الموضوع سلطة تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات
أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم ۱۳۲۲٤ لسنة ۹۱ ق، الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف، فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها فإنه لا على الحكم أن هو أخذ باعتراف الطاعن اطمئناناً من المحكمة لصحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة ، والمداولة قانوناً :
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون .
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد وإحراز سلاح أبيض ” مدية ” بدون مسوغ قانوني ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه لم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دانه بهما والظروف التي وقعت فيها ومضمون الأدلة التي عول عليها في الإدانة ومؤداها ، ولم يورد مضمون تقرير الصفة التشريحية من حيث إصابات المجني عليها ، كما لم يستظهر علاقة السببية بين تلك الإصابات ووفاة المجنى عليها ، ولم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر نية القتل – لديه – متخذاً من استعمال سلاح قاتل بطبيعته ومن تعدد الضربات دليلاً على توافرها رغم عدم كفايته واطرح الدفع بانتفائها برد قاصر غير سائغ .
كما قام دفاعه على أن الواقعة لا تعدو أن تكون ضرباً أفضى إلى موت بيد أنه اطرح دفاعه في هذا الصدد بما لا يسوغ ، وعول على التحريات رغم بطلانها لعدم جديتها – لشواهد عددها – كما أن مجريها لم يفصح عن مصدره في التحري ملتفتاً عن الدفع بعدم جديتها ، هذا وتمسك دفاع الطاعن ببطلان اعترافه لمعاناته من مرض نفسي ، والمؤيد بالمستندات ، ولم تُجبه المحكمة لطلبه بعرضه على الطب النفسي لفحص حالته العقلية ، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية واعتراف المتهم بتحقيقات النيابة العامة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، فإنه ينحسر عنه قالة القصور في التسبيب ، ويضحى منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد .
لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أورد مؤدى تقرير الصفة التشريحية وأبرز ما جاء به من أن وفاة المجني عليها تعزى إلى الإصابات الطعنية الحيوية الحديثة المشاهدة والموصوفة بالتقرير والتي أدت إلى قطع مستو الحواف بالأمعاء والشريان الأورطي مع وجود نزيف دموي إصابي غزير بالتجويف الباطني وكذا الضغط على العنق مما أدى إلى كسر بالعظم اللامي والغضروف الدرقي وكذلك باقي الإصابات فقد ساهمت في إحداث الوفاة بما أحدثته من تقليل لمقاومة المجني عليها ، فإن ما ينعاه الطاعن بعدم إيراد مضمون تقرير الصفة التشريحية كاملاً لا يكون له محل ؛ لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن علاقة السببية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفيا فلا رقابة لمحكمة النقض عليها متى أقام قضاءه في ذلك على أسباب سائغة تؤدي إليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بما ساقه من أدلة سائغة قولية وفنية أن إصابات المجني عليها التي لحقت بها من جراء التعدي عليها هي التي أدت إلى وفاتها ، فإن النعي عليه في هذا الشأن يكون غير سديد .
لما كان ذلك ، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعن بقوله : ” .. فإن المحكمة من حاصل ما طرحته من ظروف الدعوى تيقن لها أن نية القتل قد قامت بنفس المتهم وتوافرت في حقه المتمثلة في الخلافات السابقة بينهم كما نهضت هذه النية وتوافرت لديه من استعمال آلة حادة (مدية) من شأنها إحداث الوفاة وتسديد طعنات بالبطن وصدم رأسها أرضاً وهي مواضع قاتلة بجسم المجني عليها وتعددت هذه الضربات عن قصد منه قتلها وإزهاق روحها فكان له أن أحدث الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والذي نتج عنه إصابات ذات طبيعة حدية حدثت بالبطن بجسم حاد وما أحدثته من قطع مستو بالأمعاء والشريان الأورطي الباطني وإصابات بالرأس نتج عنها كسر بالعظم اللامي والغضروف الدرقي وهي ما ساهمت بالوفاة ..” .
وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان ما أورده الحكم فيما سلف كافياً في استظهار نية القتل ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد .
لما كان ذلك ، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جناية ضرب أفضى إلى موت لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة وجدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب هذا إلى أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ قضائها بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها اطرحتها ولم تعول عليها ومع هذا فقد عرضت المحكمة لهذا الدفاع واطرحته بأسباب سائغة ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير قويم .
لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، وكانت المحكمة قد أبدت اطمئنانها إلى تحريات الشرطة بجانب ما ساقته من أدلة أساسية في الدعوى ، وكان لا يعيب تلك التحريات أن لا يُفصح مجريها عن مصدرها ، وكان تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى مما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض ، وفضلاً عن ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جدية التحريات واطرحه استنادا إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة هذه التحريات وجديتها ، وهو ما يعد كافياً للرد على ما أثير في هذا الخصوص .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها فإنه لا على الحكم أن هو أخذ باعتراف الطاعن اطمئناناً من المحكمة لصحته ومطابقته للحقيقة والواقع ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا المنعى يكون غير سديد .
لما كان ذلك ، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يُثر الدفع ببطلان اعترافه لمعاناته من مرض نفسي على النحو الوارد بأسباب الطعن ، فإنه ليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يُبد أمامها ولا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول .
لما كان ذلك ، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة أمرت بإيداع الطاعن مستشفى الصحة النفسية بالعباسية واستمعت لأقوال الطبيب النفسي والذي انتهى تقريره إلى أن الطاعن لا يعاني من أي مرض عقلي أو نفسي – وذلك كله خلافاً لما يزعمه – الطاعن – في أسباب طعنه ، ومن ثم فإن ما يرمي به الحكم في هذا الصدد لا يكون له وجه .
لما كان ذلك ، وكان القانون رقم ١١ لسنة ٢٠١٧ في شأن تعديل بعض أحكام قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قد اختص محكمة النقض بنظر موضوع الدعوى إذا نقضت الحكم المطعون فيه ، وكان يلزم عن ذلك حق محكمة النقض في بسط رقابتها على تقدير محكمة الموضوع للعقوبة باعتباره مرادفاً لوظيفتها وفرعاً من اختصاصها الأصيل بإنزال حكم القانون الصحيح على الواقعة المعروضة ، ولما كان تقدير محكمة الموضوع للعقوبة لا يعدو أن يكون خاتمة مطاف الموضوع ومحصلته النهائية ، ومن ثم فإنه من غير المقبول عقلاً ومنطقاً أن يبقى تقدير العقوبة بمنأى عن رقابة محكمة النقض بعد التعديل الذي سنه الشارع بالقانون المشار إليه والمعمول به في الأول من شهر مايو سنة ٢٠١٧ ، ومن ثم فقد بات متعينا ًبسط رقابة هذه المحكمة – محكمة النقض – على تقدير محكمة الموضوع للعقوبة دون حاجة إلى نقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظر الموضوع ، وتأسيساً على ذلك ، فإن هذه المحكمة تقضي لما ارتأته من ظروف الطعن بجعل العقوبة المقضي بها السجن المشدد لمدة خمسة عشر سنة ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة/ بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتصحيح الحكم المطعون فيه بجعل العقوبة السالبة للحرية المقضي بها هي السجن المشدد لمدة خمسة عشر سنة ورفض الطعن فيما عدا ذلك .