«النقض»: لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه.. وتؤكد: لها الأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة للدعوى لو خالف أقواله أمامها
كتب: أشرف زهران
أكدت محكمة النقض أثناء نظرها الطعن رقم 10349 لسنة 88 قضائية – الدوائر الجنائية – بجلسة 6 فبراير 2021 على أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بسط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخلفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهام وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات.
وأضافت النقض” إنه لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالف أقواله أمامها، وأن تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها لمحكمة الموضوع ، وكان للمحكمة متى اقتنعت بسلامة هذه التحريات وصحتها أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بها باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
” الوقائـع “
اتهمت النيابة العامة كلاً من : ١-……. ٢- …….. ” الطاعن ” في قضية الجناية رقم …… لسنة ۲۰۱٧ مركز المنشاة ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم …… لسنة ٢٠١٧ ) .
بأنهما في يوم ٦ من أغسطس سنة ۲۰۱٧ بدائرة مركز المنشأة – محافظة سوهاج .
المتهمان :-
شرعا في قتل المجني عليه / ……. عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم والتصميم على قتله وأن المتهم الأول لهذا الغرض أحرز السلاح الناري تالي الوصف وما أن ظفرا به حتى أطلق صوبه عدة أعيرة نارية فأحدث إصابته الموصوفة بتقرير الطب الشرعي قاصداً من ذلك قتله حال تواجد المتهم الثاني على مسرح الجريمة للشد من أزره إلا أنه قد خاب أثر تلك الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما به وهو مداركة المجني عليه بالعلاج على النحو المبين بالتحقيقات .
المتهم الأول :-
١- أحرز سلاحاً نارياً مششخناً ” مسدس ” حال كونه غير مرخصاً له بحيازته أو إحرازه .
٢- أحرز ذخائر ” عدة طلقات ” استعملها على السلاح الناري آنف البيان حال كونه غير مرخص له بحيازته أو إحرازه .
وأحالتهما إلى محكمة جنايات سوهاج لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى / ……. بصفته ولي طبيعي على نجله القاصر / …… ” المجني عليه ” مدنياً بمبلغ مائة ألف جنيه وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت غيابياً للأول وحضورياً للثاني في ١٣ من فبراير سنة ٢٠١٨ عملاً بالمواد ١٤٥ ، ٤٦/١ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ من قانون العقوبات والمواد ۱ / ۱ ، ٢ ، ٦ ، ٢٦ مكرر /٢ – ٤ من القانون رقم ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤ المعدل بالقانونين رقمي ٢٦ لسنة ١٩٧٨ ، ١٦٥ لسنة ١٩٨١ والبند أ من القسم الثاني من الجدول رقم ٣ الملحق بالقانون الأول ، مع إعمال المادتين ۱۷ ، ٣٢ من قانون العقوبات . أولاً : بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإثبات ترك المدعي بالحق المدني لدعواه المدنية . ثانياً :- بمعاقبة المتهم الأول بالسجن المؤبد .
فطعن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض في ٢٦ من فبراير سنة ٢٠١٨ .
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه الثاني في ١٢ من إبريل سنة ٢٠١٨ موقعاً عليها من الأستاذ / المحامي .
وبجلسة اليوم سُمِعَت المرافعة على نحو ما هو مبين بمحضر الجلسة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً:
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في الإسناد،والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أنه لم يدلل تدليلاً كافياً على توافر نية القتل ، وما أورده بياناً وإثباتاً لتوافر ظرف سبق الإصرار لا يكفي لاستظهاره ، واستدل على توافره في حقه بعبارة أن القتل بواسطة سلاحاً نارياً قام بشرائه خصيصاً لذلك الغرض وهو ما ليس له أصل بالأوراق ، ورغم عدم توافر الاتفاق بينه وبين المحكوم عليه الآخر على فعل القتل وأنه لم يكن متواجداً على مسرح الحادث للشد من أزره ، وعول في قضائه على أقوال المجني عليه رغم استحالة رؤيته لمحدث إصابته من الخلف ولعدم وجود إضاءة ولتناقض أقواله بتحقيقات النيابة العامة عنها بجلسة المحاكمة ، كما عول على التحريات واطرح الدفع بعدم جديتها لشواهد عددها بما لا يسوغ ، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه ، والنقيب أحمد محمد عبده تعيلب ، وما ثبت بالتقرير الطبي الشرعي ، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لنية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله : ” …. وحيث إنه عن نية إزهاق الروح ( نية القتل ) – بحسبان أن قوامها هو مقارفة الجاني للفعل بنية إزهاق روح المجني عليه وذلك أمر خفي يضمره الجاني في نفسه وتدل عليه الأمارات والملابسات التي تواكب وتحيط بالفعل – قد قام الدليل على توافرها في الواقعة – متحقق في الجريمة – ثابت في حق المتهمين مما ثبت بنفسهما من حاصل ما طرحته المحكمة من ظروف الدعوى ومن ضغينة مسبقة يحملها للمجني عليه وعائلته بسبب الخصومة الثأرية ثم فكرا في هدوء وترو فهداهما تفكيرهما إلى طريق أكثر هوانا في الدنيا والآخرة وأقدم على (قتل) نفس حرم الله قتلها إلا بالحق أخذاً بالثأر وعقداً العزم على ذلك وأعد لهذا الغرض سلاحاً نارياً لاستخدامه في إزهاق روح المجني عليه ، كما نهضت هذه النية وتوافرت لديه من استعماله أداة من شأنها أن تحدث الموت عاجلاً – والذي وما إن ظفر بالمجني عليه حتى أطلق صوبه عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأصابه في الظهر واسقطته أرضاً الأمر الذي تستخلص المحكمة من جماعه توافر نية القتل لدى المتهمين – بأن قام المتهم الأول بإطلاق صوب المجني علية أعيرة نارية فأحدثت به الإصابات المبينة سلفاً بتقرير الطب الشرعي وتواجد المتهم الثاني على مسرح الواقعة للشد من أزر الأول – كما هو معرف قانوناً دلت عليه الظروف المحيطة بالواقعة والمظاهر والأمارات الخارجية التي أتاها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه من انتوائه قتل المجني عليه إلا أنه قد خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو تدارك المجني عليه بالعلاج ” ، وإذ كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل لدي الطاعن من الظروف والملابسات التي أوضحها هو تدليل سائغ وكاف لحمل قضائه ، فإن منعاه على الحكم في هذا الخصوص في غير محله . لما كان ذلك ، وكان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها منها القاضي استخلاصاً ، وكان البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات القاضي يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتوافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، ولما كان ما قاله الحكم في تدليله على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن كافياً وسائغاً في تحقيق هذا الظرف – كما هو معرف به في القانون – ، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر على عقيدة المحكمة ، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره من خطأ الحكم فيما حصله من الأوراق من أن القتل بواسطة سلاحاً نارياً قام بشرائه خصيصاً لذلك الغرض – بفرض صحته – إذ لم يكن له أثر في منطقه ولا في النتيجة التي انتهى إليها من توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت ظرف سبق الإصرار بما ينتجه من وجوه الأدلة السائغة بما لا مطعن عليه مقبول من الطاعن ، وإذ كان من المقرر أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه من المصرين عليها وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينته من الوقائع المثبتة لسبق الإصرار ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت تصميم المتهمين على قتل المجني عليه ، فإن ذلك يرتب تضامناً في المسئولية ، يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهما محدداً بالذات أم غير محدد ، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه ، هذا إلى أن ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق الطاعن مع المتهم الآخر على قتل المجني عليه من معيتهما في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهما وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههما وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهما قصد قصد الآخر في إيقاعها ، بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ، ومن ثم يصح طبقاً للمادة ٣٩ من قانون العقوبات اعتبار الطاعن فاعلاً أصلياً في جريمة الشروع في القتل العمد التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم أو هذا الاتفاق ، ويكون النعي على الحكم بالقصور في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن من عدم تواجده على مسرح الحادث للشد من أزر المحكوم عليه الآخر مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بسط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخلفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهام وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهاداتهم ، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها – كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالف أقواله أمامها ، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجني عليه واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهد بها ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصديق المحكمة لأقواله أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها لمحكمة الموضوع ، وكان للمحكمة متى اقتنعت بسلامة هذه التحريات وصحتها أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بها باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن في هذا الشأن وكشف عن اطمئنانه لتلك التحريات في رد كاف وسائغ لاطراح الدفع بعدم جديتها ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون قويماً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهــــــــــذه الأسبـــــــاب
حكمت المحكمة :- بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه .