«النقض»: للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٢٣٧٧٤ لسنة ٨٨ القضائية، أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت أنها اطمأنت إلى جديتها، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم افصاح الضابط عن مصدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.
وحيث إن الطعن قد استوفي الشكل المقرر في القانون.
ينعي الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم الاشتراك في تظاهرة دون اخطار السلطة المختصة من شأنها الإخلال بالأمن العام وتعطيل مصالح المواطنين وحركة المرور حال حيازتهم لأسلحة بيضاء وأدوات مما تستخدم في الإعتداء على الأشخاص دون مسوغ، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال.
والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن أسبابه صيغت في عبارات غامضة مبهمة، ولم يورد مؤدى الأدلة التي تساند إليها في قضائه بالإدانة، ولم يرد على الدفع ببطلان القبض لانتفاء حالة التلبس، وعول في إثباتها على أقوال شهود الإثبات رغم أنها لا تسانده فيما استخلصه منها لافتقارهم الحيدة واحتدام الخلاف السياسي بينهم وبين الطاعنين مما ينفي عنهم شرط الخلو من العداوة بالمخالفة للشريعة الإسلامية، وجاءت شهادة مُجري التحريات شهادة سماعية لكونه لم يشهد الوقائع المشهود عليها.
وارتكن الحكم إلى تحرياته رغم عدم الإفصاح عن مصدرها ولا تصلح بذاتها دليلاً، فضلاً عن بطلانها لعدم اختصاص مجريها – ضابط الأمن الوطني – مكانياً، الأمر الذى يكشف عن بطلان الأمر الصادر بالضبط والاحضار ابتناءً عليها، وأمر الإحالة إلى المحاكمة الجنائية، ويشير إلى تلفيق الاتهام، وبنت المحكمة عقيدتها على رأي لسواها وليس بناء على عقيدة حصلتها بنفسها، وشاب تحقيقات النيابة العامة البطلان لمخالفة نص المادة ٢٠٦ مكرر من قانون الإجراءات الجنائية لإجرائها من عضو نيابة بدرجة أقل من رئيس نيابة.
ولم يجر مأمور الضبط القضائي معاينة لمحل الواقعة وقعدت النيابة العامة عن ذلك بالمخالفة لما توجبه المادة ٣١ من قانون الإجراءات الجنائية، ودانهم بجريمة الاشتراك في تظاهره دون اخطار من السلطة المختصة رغم خروجهم عن مناط التأثيم وفقاً للقانون ١٠٧ لسنة ٢٠١٣، ذلك أنه لا يقع تحت المسائلة القانونية سوي القائم بتنظيمها، كما خلت الأوراق من دليل على قيامهم بإعمال من شأنها تعطيل مصالح المواطنين، ومن تقديم شكوي في هذا الصدد، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة استقاها من شهادة المقدم / ….، والملازم أول / ….، والنقيب / …. وأورد مضمونها في بيان كاف وبني عقيدته على اطمئنانه لأدلة الثبوت التي بينها ولا يماري الطاعنون في أن لها أصلها الثابت بالأوراق.
وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعي الطاعنين بأن الحكم شابه الغموض والابهام يكون لا محل له.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن شاهد الإثبات الأول – ضابط الواقعة – لم يقبض على الطاعنين إلا عندما تحقق من اتصالهم بالجرائم المسندة إليهم حال اشتراكهم في تظاهرة بغير ترخيص بقصد الاخلال بالأمن العام، وبما يكفي لتوافر المظاهر الخارجية التي تنبئ عن وقوع الجريمة ويقطع بقيام حالة التلبس استناداً إلى ما أورده الحكم في هذا الخصوص بحق المتهمين سالفي البيان.
وكان تقدير الظروف التي تلابس حالة الجريمة وكفايتها لقيام حالة التلبس موكولاً لمحكمة الموضوع بلا معقب ما دامت الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها هذا التقدير صالحة لأن تؤدى إلى النتيجة التي انتهت إليها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفع الطاعنين ببطلان القبض عليهم لانتفاء حالة التلبس طالما أنه كان في – خصوصية هذه الدعوى – دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعة إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، ولما كان للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت سماعية منقولة عن شاهد آخر، كما أن لها أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة، إذ العبرة في تقدير الشهادة والاعتداد بها هي بما تقتنع المحكمة به وتطمئن إلى صحته، ومن ثم يكون منعي الطاعنون على الحكم في هذا المقام في غير محله.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت أنها اطمأنت إلى جديتها، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم افصاح الضابط عن مصدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات.
وإذ كان الحكم قد عول في إدانة الطاعنين على شهادة شهود الواقعة والتي تأيدت بما دلت عليه تحريات ضابط قطاع الأمن الوطني وشهد بها، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها ولم يقتصر على التحريات وأقوال مجريها، فإن ما يثيره الطاعنون من اعتماد الحكم على أقوال مجريها كدليل وحيد بالدعوى وعدم افصاحه عن مصدرها يكون على غير سند ويضحي النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الطاعنون أو المدافع عنهم لم يدفعوا بعدم اختصاص الضابط مكانياً، وكانت مدونات الحكم خالية مما ينفي هذا الاختصاص ويظاهر ما يدعوه في هذا الخصوص، فلا يجوز لهم أن يثيروا هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام، لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن وظيفتها.
هذا فضلاً أن المقرر وفقاً للمادة ٢٣ من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم ٧ لسنة ١٩٦٣ المعدل، قد منحت الضباط العاملين بإدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية وفروعها بمديرات الأمن المسماة الأن بالأمن الوطني – سلطة عامة وشاملة في ضبط جميع الجرائم، فأنها كذلك قد خولتهم هذه السلطة في كافة أنحاء الجمهورية، فإنه يكون من غير المجدي ما يثيره الطاعنون في شأن عدم اختصاص ضابط الأمن الوطني مكانياً بإجراء التحريات، ويكون الحكم قد أصاب صحيح القانون.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن القبض على الطاعنين تم بناء على توافر حالة التلبس وليس بناءً على أمر ضبط واحضار، فإن النعي ببطلان الأمر الصادر بالضبط والاحضار لا يكون متعلقاً بالحكم المطعون فيه ولا متصلاً به، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون في غير محله.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن أمر الإحالة هو عمل من أعمال التحقيق فلا محل لإخضاعه لما يجري على الأحكام من قواعد البطلان، ومن ثم فإن القصور في أمر الإحالة لا يبطل المحاكمة ولا يؤثر على صحة إجراءاتها، كما أن إبطال أمر إحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بها يقتضي إعادتها إلى مرحلة الإحالة وهو أمر غير جائز باعتبار تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة، مما يكون معه نعي الطاعنين في هذا الصدد غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً، ما دام الرد يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وكان حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون يكون غير مقبول.
لما كان ذلك، وكانت المحكمة لم تكوَّن عقيدتها في إدانة الطاعنين على رأي لسواها – خلافاً لما يزعمه الطاعنون بأسباب طعنهم – بل بينت صورة واقعة الدعوى كما اعتنقتها مستخلصه من أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال شهود الإثبات، فإن النعي عليه بالفساد في الاستدلال في هذا الشأن لا يكون له محل.
لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يدفعوا ببطلان تحقيقات النيابة العامة لإجرائها بمعرفة وكيل نيابة بالمخالفة لنص المادة ٢٠٦ مكرر من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه لا يجوز إثارة الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض.
هذا فضلاً أنه من المقرر وفقاً لما جري عليه نص الفقرة الثانية من المادة ٢٠٦ مكرر من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ أن لأعضاء النيابة من درجة رئيس نيابة على الأقل بالإضافة لاختصاصات النيابة العامة سلطات قاضي التحقيق فيما عدا مُدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في المادة ١٤٢ من هذا القانون، وذلك في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكرر والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.
ومفاد ذلك أن القانون خول أعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل سلطات قاضي التحقيق في أمور معينة في الجنايات المنصوص عليها في الأبواب المار ذكرها من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وليس من بينها الجناية التي اقترفها الطاعنون، والتي خول قانون الإجراءات الجنائية في المادة ١٩٩ منه لأى عضو من أعضاء النيابة – أياً كانت درجته – تحقيقها، فالمحظور عليهم هو اتخاذ إجراء من الإجراءات التي يختص بها قاضي التحقيق، ويضحي منعي الطاعنون عليه في هذا المنحى غير صحيح.
لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يثيروا شيئاً مما ينعوه بأسباب طعنهم من عدم إجراء مأمور الضبط القضائي والنيابة العامة معاينة لمحل الواقعة فليس لهم من بعد أن يثيروا هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن ما نصت عليه المادة ٣١ من قانون الإجراءات الجنائية من أنه يجب على النيابة العامة بمجرد اخطارها بجناية متلبس بها الانتقال فوراً إلى محل الواقعة لم يرد إلا على سبيل التنظيم والإرشاد ولم يرتب على مخالفته البطلان، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الصدد يكون غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعنين جريمة واحدة وعاقبهم بالعقوبة المقررة لأشدهما، فإنه لا مصلحة لهم فيما يثيرونه بشأن جرائم الاشتراك في تظاهره بغير اخطار السلطة المختصة ما دامت المحكمة قد دانتهم بجريمة الاشتراك في تظاهره بقصد الإخلال بالأمن العام حال حملهم أسلحة وأدوات وأوقعت عليهم عقوبتها عملاً بالمادة ٣٢ من قانون العقوبات بوصفها الجريمة ذات العقوبة الأشد، ومن ثم يكون منعاهم في هذا الصدد غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون من عدم ثبوت الاتهام قبلهم لانتفاء الدليل بالأوراق لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول واقعة الدعوى ومناقشة أدلة الثبوت ومبلغ اقتناع المحكمة بها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكانت جريمة الاشتراك في تظاهره بقصد الإخلال بالأمن العام حال حملهم أسلحة وأدوات ليست من الجرائم التي عُددت حصراً في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتي يتوقف رفع الدعوى فيها على شكوى المجني عليه أو وكيله الخاص، ومن ثم يكون النعي في هذا الشأن غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة: ــــ بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.