“النقض” في مبدأ لها: الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركانها

كتب: أشرف زهران 

أرست محكمة النقض أثناء نظرها الطعن رقم 11520 لسنة 84 -الدوائر الجنائية – جلسة 26 فبراير 2020 مبدأ هام ينص على أن الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركانها.

الحكم

وحيث أنَّ الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة استعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين لحملهم بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفتهم ولم يبلغا من ذلك مقصدهما قد شابه القصور في التسبيب ، والاخلال بحق الدفاع ، ذلك أنه لم يبين واقعة الدعوى والظروف التي وقعت فيها وخلا من بيان مؤدى أدلة الثبوت ووجه استدلاله بها ، ولم يبين أركان الجريمة التي دانهما بها رغم تمسكهما بانتفائها وانتفاء الباعث ، كما أنَّ الحكم الصادر ضد الطاعن الأول غير واجب النفاذ ، فضلاً عن عدم معقولية الواقعة وتصوير المجني عليهم لها ، وأخيراً دفعا بعدم جدية التحريات وخلو الأوراق من دليل يقيني قبلهما ، وذلك ممَّا يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث أنَّ الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من ملاحظات النيابة العامة وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلي ما رتَّبه الحكم عليها .

لمَّا كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه خلافاً لقول الطاعنين قد بيَّن مضمون الأدلة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، وتتوافر به جميع الأركان القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها ، كان ذلك محققاً لحكم القانون ، ولمَّا كان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، وكان الطاعنان لا يجادلان في أنَّ أقوال شهود الإثبات بالتحقيقات متفقة مع أقوال الملازم أول / …….. التي أحال عليها الحكم ، فإنَّ ما ينعاه الطاعنان على الحكم من قصور في هذا الصدد في غير محله .

لما كان ذلك ، وكان الركن الأدبي في الجناية المنصوص عليها في المادة ١٣٧ مكرراً ” أ ” من قانون العقوبات لا يتحقق إلا إذا توافرت لدى الجاني نيَّة خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هى أن يؤدى عملاً لا يحل له أن يؤديه أو يستجب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه ، وأنَّ الشارع قد أطلق حكم هذه المادة لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة على قضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء عمله المكلف به ، ويستوي في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه أو في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل .
لمَّا كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد من وقائع الاعتداء الحاصلة من الطاعنين ما يكفي لتوافر الركن المادي للجناية المذكورة ، قد استظهر استظهاراً سليماً من ظروف الواقعة أنَّ نيَّة الطاعنين مما وقع منهم من أفعال مادية تمثلت في تعدي الطاعنين بالضرب على أمين الشرطة وتمزيق ملابس الرقيب قد انصرفت إلى منع الضابط شاهد الإثبات الأول والقوة المرافقة له من أداء أعمال وظيفتهم وعدم تمكينهم من ضبط الطاعن الأول تنفيذاً لحكم قضائي ضده في القضية رقم ……. لسنة ٢٠١٢ جنح أبو تشت ولم يتمكنا بما استعملاه في حق هذا الضابط وقوته المرافقة من وسائل العنف والتعدي من بلوغ مقصدهما ، فإنَّ هذا الذي أورده الحكم على السياق المتقدم تتوافر به أركان الجناية المنصوص عليها في المادة ١٣٧ مكرراً ” أ ” من قانون العقوبات ، ويتضمن اطراح دفاع الطاعنين بانتفاء تلك الأركان في حقهما ، ومن ثم فإنَّ منعاهما في هذا الشأن يكون غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان لا يقبل من الطاعنين نعيهما على الحكم بانتفاء الباعث عليها لأنَّ الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركان الجريمة حتى تلتزم المحكمة بالتحدث عنه استقلالاً وإيراد الأدلة على توافره ، فإنَّ ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل .

لمَّا كان ذلك ، وكان من المقرر طبقاً لنص المادة ٢٤٨ من قانون العقوبات أنَّ حق الدفاع الشرعي لا يبيح مقاومة أحد مأموري الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تخطي هذا المأمور حدود وظيفته إلا إذا خيف أن ينشأ عن أفعاله موت أو جراح بالغة وكان لهذا التخوف سبب معقول ، وكان مفاد هذا النص أنَّ حق الدفاع الشرعي لا يبيح مقاومة مأمور الضبط ما دام يقوم بعمل من أعمال وظيفته ، كأن يقبض على متهم بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل أو أن يقبض بحسن نية على شخص غير الذى عُين في أمر القبض ، أو أن يشاهد وقوع فعل يظنه بحسن نية جريمة تبيح القبض فيقبض على مرتكبه ، أو أن يقبض بحسن نيته متهم صادر ضده حكم غيابي معتقداً أنَّ هذا الحكم يجوز تنفيذه قبل أن يصبح نهائياً ، ففي هذه الأحوال وما شاكلها لا يجوز مقاومة مأمور الضبط لأنَّ القبض على المحكوم عليهم لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم هو من أعمال وظيفته ،
ولمَّا كان المجني عليهم من المكلفين بتنفيذ الأحكام بحكم وظائفهم كانوا يقومون بعمل من أعمال وظائفهم وهو تنفيذ الحكم الصادر ضد الطاعن الأول في القضية رقم ……. لسنة ٢٠١٢ جنح أبو تشت ، فإنَّ ما يثيره الطاعنان بأسباب طعنهما من أن هذا الحكم غير واجب التنفيذ وبفرض صحة ذلك يكون على غير أساس ، هذا فضلاً عن أنَّ دفاع الطاعنين بأنَّ الحكم الصادر ضد الطاعن الأول غير واجب النفاذ لم يكن له اعتبار في إدانتهما ، ولا تعلق له بجوهر الأسباب ، إذ أنَّ التهمة التي دین الطاعنين بارتكابها هي استعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين فإنَّ ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
لمَّا كان ذلك ، وكان من المقرر أنَّ لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، وكان الأصل أنَّه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإنَّ ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان الحكم المطعون فيه قد ساق على ثبوت الواقعة لديه على الصورة التي اعتنقها أدلة استمدها من أقوال شهود الإثبات ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها ولا ينازع الطاعنان في أنَّ لها مأخذها الصحيح من الأوراق ، فإنَّ ما يثيره الطاعنان بشأن صورة الواقعة وأقوال المجني عليهم ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها ممَّا لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض .
لمَّا كان ذلك ، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فلا تجوز مجادلتها في ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعوّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية في الدعوى ، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى جدية تحريات الشرطة وإلى أقوال مجريها فإنَّ منازعة الطاعنان في كل ذلك تنحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض بما يكون نعى الطاعنان غير مقبول .

لمَّا كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم ودلل به على مقارفة الطاعنين للجريمة التي أدينا بها كافٍ وسائغ ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي فإنَّ ما يثيره الطاعنان من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ممَّا لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
لمَّا كان ما تقدم ، فإنَّ الطعن برمَّته يكون على غير أساس متعیَّناً رفضه موضوعاً .

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى