«النقض» في حكم لها: للقاضي الجنائي تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق
كتب: أشرف زهران
أكدت محكمة النقض أثناء نظرها الطعن رقم 3730 لسنة 90 قضائية – الدوائر الجنائية – بجلسة 12 يونيو 2021، إنه للقاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه. ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق، مضيفة أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من الأدلة ما يكفي لتبرير اقتناعها بالإدانة متى اطمأنت إليها واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها.
الوقائــــــــــــــــــــع
اتهمت النيابة العامة الطاعن – وآخرين سبق الحكم عليهم – فى القضية رقم … لسنة ٢٠١٨ جنايات قسم الميناء والمقيدة برقم …. لسنة ٢٠١٨ كلى غرب الاسكندرية، بأنهم فى غضون عام ٢٠١٧ بدائرة قسم الميناء ـــ محافظة الاسكندرية:
المتهمون من الأول حتى الخامس:
١ ــ بصفتهم موظفين عموميين (مدير عام معامل اختبارات الجودة للسلع الصناعية بـ …. ، كبير فاحصين هندسيين بدرجة مدير عام بـ ….، فاحص هندسى ثان ومشرف المعمل بـ ….، فاحص ثالث بـ ….، فاحص ثالث بـ …. – على نفس ترتيب وظائفهم -) طلبوا وأخذوا لأنفسهم من المتهم التاسع بوساطة المتهمين السادس والسابع والثامن عطية (خمسة عشر ألف جنيه) على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفتهم وذلك بمنح الرسالة خاصته شهادة مطابقة رغم كونها غير مطابقة للمواصفة القياسية المصرية رقم ١٧٩٨ لسنة ٢٠١٣ وذلك على النحو المبين بالأوراق.
٢ ــ بصفتهم السابقة أضروا عمداً بأموال ومصالح جهة عملهم (….) بأن ارتكبوا الجريمة محل الاتهام السابق على النحو المبين بالتحقيقات.
٣ ــ بصفتهم السابقة حصلوا لأنفسهم ولغيرهم (المتهم التاسع) دون حق على ربح ومنفعة من عمل من أعمال وظيفتهم بأن ارتكبوا الجرائم محل الاتهامات السابقة على النحو المبين بالتحقيقات.
٤ ــ ارتكبوا تزويراً فى محرر رسمى وهو تقرير الفحص المعملى المؤرخ ٢١ من أغسطس سنة ٢٠١٧ بأن جعلوا واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة، بأن أثبتوا مطابقة العينات للمواصفات القياسية المصرية رقم ١٧٩٨ لسنة ٢٠١٣ على خلاف الحقيقة مع علمهم بأمر تزويرها على النحو المبين بالتحقيقات.
المتهمون السادس والسابع والثامن:
توسطوا فى جريمة الرشوة موضوع الاتهام الأول على النحو المبين بالتحقيقات.
المتهم التاسع:
أعطى المتهمين من الأول حتى الخامس بصفتهم موظفين عموميين المبلغ المالى المبين بالاتهام الأول على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفتهم بارتكاب الجرائم محل الاتهامات السابقة على النحو المبين بالتحقيقات.
المتهمون من السادس حتى التاسع:
اشتركوا بطريقى الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول حتى الخامس فى ارتكاب الجرائم محل الاتهامات (٢، ٣، ٤) من البند أولاً، بأن اتفقوا معهم على منح شهادة مطابقة للرسالة محل الواقعة رغم كونها غير مطابقة للمواصفات القياسية، وساعدهم بأن أمدهم بالبيانات اللازمة لذلك، فوقعت تلك الجرائم بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالته إلى محكمة جنايات الاسكندرية لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة بعد إعادة إجراءات المحاكمة قضت حضورياً فى ٨ من ديسمبر سنة ٢٠١٩ وعملاً بالمواد ٤٠/ ثانياً، ثالثاً، ٤١، ١٠٤، ١٠٧، ١٠٧ مكرر، ١١٥، ١١٦ مكرراً/١، ١١٩/أ، ١١٩ مكرراً/أ، ٢١١، ٢١٢، ٢١٣ من قانون العقوبات مع إعمال المادتين ١٧، ٣٢ من نفس القانون. بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات، وتغريمه مبلغ ألف جنيه عما أُسند إليه وبمصادرة المحرر المزور المضبوط.
فقرر المحامى/ …. – بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه – الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض فى الأول من فبراير سنة ٢٠٢٠، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن فى ٥ من فبراير سنة ٢٠٢٠ موقعاً عليها من المحامى/ ….
وبجلسة اليوم سُمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـــــــــــــــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة قانوناً:
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم التوسط فى رشوة والاشتراك فى تزوير محررات رسمية والإضرار العمدى، قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ فى تطبيق القانون وران عليه البطلان، ذلك أنه جاء مجملاً فى بيانه لواقعة الدعوى ومجهلاً للأدلة التى أقام عليها قضاءه، ولم يورد مضمون – اعترافات المتهمين السادسة والثامن والتاسع، التسجيلات الصوتية لـ …. – فى بيان واف متسانداً لها رغم أنها لا ترقى لذلك لخلو التسجيلات الصوتية من أى عبارات تسند دوراً للطاعن بالواقعة كما خلت الاعترافات من دليل يثبت صلته بها بما ينتفى معه الركن المادى للجريمة فى حق الطاعن، كما اطرح بما يسوغ دفعى الطاعن ببطلان اعتراف المتهمين لكونهم أدلوا باعترافاتهم مدفوعين بأمل الاستفادة من نص المادة ١٠٧ مكرراً من قانون العقوبات وببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية بدلالة أنه لم يسفر عن تسجيلات مرئية للواقعة أو ضبط مبلغ الرشوة، – دون أن تجرى المحكمة تحقيقاً فى هذا الشأن لاستجلاء وجه الحق فى الدعوى -، هذا إلى أن الواقعة لا تعدو وأن تكون جنحة نصب، ودانه بجرائم الاشتراك فى تزوير محررات رسمية والإضرار العمدى بأموال الجهة رغم عدم انطباق النصوص العقابية عليه لانتفاء صفة الموظف العام عنه، كما قضى بعقوبة الغرامة رغم عدم وجوبها بما دانه، وأخيراً خلا محضر الجلسة من إثبات دفاعه كاملاً كل ذلك بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله: “…. فى أن المتهمين السابق الحكم عليهم الأول …. والثانى …. والثالث …. والرابع …. والخامس …. وبصفتهم موظفين عموميين بـ …. قد طلبوا وأخذوا من المحكوم عليه التاسع …. بوساطة المحكوم عليها السادسة …. والمتهم السابع الماثل بجلسة المحاكمة …. والمحكوم عليه الثامن …. مبلغ خمسة عشرة ألف جنية على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفتهم وذلك بمنح الرسالة خاصة المحكوم عليه التاسع شهادة مطابقة رغم كونها غير مطابقة للمواصفات القياسية المصرية رقم ١٧٩٨ لسنة ٢٠١٢ وذلك بأن قام الأخير بتسليم مبلغ الرشوة للمحكوم عليهم السادسة والثامن والمتهم الماثل …. والذين قاموا بدورهم بالتوسط لدى المحكوم عليهم الخمسة الأول لمنح الرسالة شهادة المطابقة وتسليمهم مبلغ الرشوة وعقب ذلك تواجد المتهم الماثل بالمعمل أثناء إعادة فحص الرسالة وتدخل بإعادة الفحص مما ترتب منح الرسالة شهادة المطابقة بالمخالفة للمواصفات القياسية المصرية وقد ترتب على ذلك الإضرار العمدى بمصالح الـ …. جهة عمل المحكوم عليه الخمسة الأول وتحصلهم لأنفسهم وللمحكوم علية التاسع على ربح ومنفعة من أعمال وظيفتهم وتزوير محرر رسمى وهو تقرير الفحص المعملى المؤرخ ٢١/٨/٢٠١٧ بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة بإثبات مطابقة العينات للمواصفات القياسية المصرية رقم ١٧٩٨ لسنة ٢٠١٢ على خلاف الحقيقة”. ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة على النحو السالف بيانه أدلة مستمدة من أقوال عضو …. وأعضاء لجنة الإدارة المركزية للمعامل الصناعية بـ …. وما ثبت من تقرير الهندسة الإذاعية وما ثبت ببيان الحالة الوظيفية للمتهمين الخمس الأول وما جاء باعترافات المحكوم عليهم السادسة والثامن والتاسع، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها، بل يكفى أن يكون مجموع ما أورده الحكم كافياً فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تتوافر به العناصر القانونية لجريمة التوسط فى رشوة المعاقب عليها بمقتضى المواد ١٠٣، ١٠٤، ١٠٧ مكرر من قانون العقوبات على ما هى محددة فى القانون، كما أورد مؤدى أدلة الإثبات التى عول عليها فى إدانة الطاعن فى بيان واف يكفى للتدليل على ثبوت الصورة التى اقتنعت بها المحكمة واستقرت فى وجدانها، ومن ثم فإنه لا محل لما يثيره الطاعن بدعوى القصور فى التسبيب. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه، أنه – خلافاً لما يزعمه الطاعن بأسباب الطعن – قد أورد مضمون اعترافات المتهمين السادسة والثامن والتاسع بتحقيقات النيابة العامة ومضمون التسجيلات التى عول عليها فى قضائه، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص الاعتراف كاملاً أو التسجيلات بكل فحواها، ومن ثم تنتفى عن الحكم دعوى القصور فى هذا المنحى. لما كان ذلك، وكان الاعتراف فى المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به، دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، كما لا يلزم فى الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها، بل يكفى فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقى عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجانى للجريمة، وكان لا يلزم فى الأدلة التى يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، ومن ثم تنتفى من الحكم دعوى القصور فى هذا المقام. هذا فضلاً عن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن ما أورده بالنسبة لاعترافات المتهمين – المشار إليهم سلفاً – بالتحقيقات يحقق مراد الشارع الذى استوجبه فى المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية من دعوى بيان مؤدى الأدلة التى يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة. كما أن المحكمة لم تبن قضاءها – بإدانة الطاعن – بصفة أصلية على فحوى الدليل الناتج من تفريغ الأشرطة، وإنما استندت إلى هذه التسجيلات كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التى أوردتها، فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينة تأييداً أو تعزيزاً للأدلة الأخرى التى اعتمد عليها فى قضائه مادام لم يتخذ من نتيجة هذه التسجيلات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم، ومن ثم تنتفى من الحكم دعوى القصور فى هذا المقام. لما كان ذلك، وكان الأصل أن الشارع قد ترك للقاضى الجنائى فى المحاكمات الجنائية حرية تكوين عقيدته من أى دليل يطمئن إليه، طالما أن له مأخذه الصحيح فى الأوراق، فإن تعويل الحكم على اعتراف بعض المتهمين الراشين والوسطاء المعفين من العقاب باعترافهم، ليس فيه مخالفة للقانون، وينحل نعى الطاعن فى هذا الصدد إلى جدل فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. هذا فضلاً عن أن الطاعن أو المدافع عنه لم يثر أن اعتراف هؤلاء المتهمين قد صدر عن إغراء بالإعفاء من العقاب، فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعى لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق يخرج عن وظيفتها، ويكون ما يثيره فى هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ذلك، وكان قضاء محكمة النقض قد استقر على أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتسجيل هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت هذه المحكمة على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه قد اقتنعت بجدية التحريات التى بنى عليها إذن التسجيل وكفايتها لتسويغ إصداره، فلا معقب عليها فى ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وكان عدم وجود تسجيلات مرئية للواقعة أو ضبط مبلغ الرشوة لا يقدح فى جديتها لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها، ويكون النعى على الحكم فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب إجراء تحقيق فى هذا الشأن، فليس للطاعن من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هى من جانبها لزوماً لإجرائه بما تنحسر معه عن الحكم فى هذا الخصوص قالة الإخلال بحق الدفاع ويكون النعى فى هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن واقعة الدعوى لا تعدو أن تكون جنحة نصب لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التى اعتنقتها المحكمة للواقعة وعودة للجدل فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت فـى وجدانها، مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا مصلحة للطاعن فى النعى على الحكم بأوجه تتصل بجريمتى الاشتراك فى تزوير محرر رسمى والإضرار العمدى، مادامت المحكمة قد طبقت على الطاعن المادة ٣٢ من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهى المقررة لجريمة التوسط فى رشوة التى أثبتتها فى حقه. لما كان ذلك، وكانت المادة ١٠٣ من قانون العقوبات نصت على أن ” كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطيه لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به” كما نصت المادة ١٠٤ من ذات القانون على أن ” كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بالسجن المؤبد وضعف الغرامة المذكورة فى المادة ١٠٣ من هذا القانون” كما نصت المادة ١٠٧ مكرر من ذات القانون على أن “يعاقب الراشى والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشى….”. لما كان ذلك، وكان يبين من منطوق الحكم المطعون فيه أوقع على الطاعن عقوبة السجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه عما أسند إليه. ولما كان من المقرر أنه متى كانت عبارة النص واضحة لا لبس فيها ولا غموض فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف بها عن طريق التفسير أو التأويل. وكان الشارع إذ نص فى المادة ١٠٧ مكرراً من قانون العقوبات على معاقبة الوسيط بالعقوبة ذاتها المقررة للمرتشى، وهو ما جرى به منطوق الحكم المطعون فيه – وإن نزل بعقوبة الغرامة عن حدها الأدنى – على نحو ما سلف بيانه، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويضحى ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن غير مقبول. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من خلو محضر جلسة المحاكمة من إثبات دفاعه كاملاً، فإنه لما كان الطاعن لا يدعى أن المحكمة قد منعت الدفاع عنه من مباشرة حقه، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً، إذ كان عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته فى المحضر، كما أن عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت حقه فى الدفاع قبل قفل باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم أن يقدم الدليل على ذلك، وأن يسجل عليها هذه المخالفة فى طلب مكتوب قبل صدور الحكم، وإلا لم تجز المحاجة من بعد أمام محكمة النقض على أساس من تقصيره فيما كان يتعين عليه تسجيله. ويضحى النعى فى هذا الخصوص فى غير محله. وجدير بالإشارة أنه وإن كان الحكم قد أخطأ فيما قضى به من تغريم الطاعن ألف جنيه إذ أن الحد الأدنى لجريمة التوسط فى الرشوة المؤثمة بالمواد ١٠٣، ١٠٤، ١٠٧ مكرر من قانون العقوبات – والتى تحكم الواقعة التى دين بها الطاعن– هى ألفا جنيه، إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن فى هذا الحكم بطريق النقض بل طعن فيه الطاعن وحده، فإن هذه المحكمة – محكمة النقض – لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ الذى وقع فيه الحكم حتى لا يضار الطاعن بطعنه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهــــــــــذه الأسبــــــــــاب
حكمت المحكمة :- بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه.