«النقض»: شرط المفاضلة بين العقود أن تكون كلها صحيحة
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 6914 لسنة 73 القضائية، أنه يشترط للمفاضلة بين العقود أن تكون كلها صحيحة، وأن القانون يعطي الأولوية للعقد السابق، إلا أن العقد الأسبق في التاريخ ينبغي في ذات الوقت أن يكون صحيحًا، ولا يلزم أن يكون مسجلاً، أما إذا كان باطلاً بطلانًا مطلقًا، أو نسبيًا، وتم التمسك ببطلانه، فإنه لا يكون له وجود قانوني.
المحكمـة
من حيث إن الثابت من الاطلاع على أوراق الطعن أن المحكمة – محكمة النقض – بهيئة سابقة قد قضت بجلسة…. بسقوط الطعن على سند من أن الطاعن لم يتقدم لتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضى بها ثم تبين فيما بعد أنه كان محددًا لنظر الطعن جلسة…. إلا أنه عجل لجلسة…. دون علمه أو إعلانه بذلك حيث صدر الحكم بسقوط الطعن، فإنه يتعين الرجوع فى هذا الحكم والنظر فى الطعن من جديد.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة النصب قد شابه قصور فى التسبيب وبطلان، ذلك أنه خلا من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة والأدلة التى أقام عليها قضاءه بالإدانة، وأنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه كان مالكًا عند التصرف بالبيع للمشترى الثانى للعقار برمته، وأنه قضى ببطلان عقد بيع المدعية بطلانًا مطلقًا بحكم نهائى فضلاً عن أنه لم يقم بالتصرف بالبيع لآخر فى شقة النزاع كما زعمت المدعية مما تنهار معه أركان الجريمة المسندة إليه، كما قدم المستندات المؤيدة لدفاعه إلا أن الحكم أغفل ذلك إيرادًا وردًا مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن القانون قد أوجب فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التى وقعت فيها والأدلة التى استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن تلتزم بإيراد الأدلة التى استخلصت منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة المأخذ وإلا كان الحكم قاصرًا.
لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد اقتصر فى بيانه لواقعة الدعوى على قوله “أن المدعية بالحق المدنى اشترت من المعلن إليه الأول – الطاعن – الشقة الكائنة بالدور الحادى عشر بالعقار ملك الشركة رقم… المقامة على القطعة… بحوض… محافظة… وفى سنة… فرضت الحراسة على المعلن إليه الأول والشركة وكانت الشقة المذكورة ضمن الديون ومدرجة بجهاز المدعى الاشتراكى وفى عام… تم رفع الحراسة عنه وردت إليه جميع أمواله ومنها العقار بالكامل وبه الشقة محل الاتهام، وأن المدعية قد أشهرت صحيفة دعوى صحة ونفاذ للشقة موضوع التداعى… بالمشهر رقم… بالمستند رقم… فى… كما أنها أقامت الدعوى رقم… والتى صدر فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ… مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل، وأنه وأثناء تنفيذها للحكم فوجئت بوجود شخص يدعى (…..) المعلن إليه الثانى – يدعى أنه اشترى العقار من المعلن إليه الأول.
وأنها علمت وبمحض الصدفة أن المعلن إليهما يتفقان معًا على هذا البيع للإضرار بها فقد أرسلت لهما إنذارين رسميين للأول فى…. والثانى فى… متضمنين أنها تمتلك الشقة محل الاتهام وحذرتهما من مغبة التعامل فيها محذرة الأول أن ذلك يشكل بيعًا لملك الغير ويوقعه تحت طائلة العقاب لارتكابه جريمة النصب…. ” وخلص الحكم إلى إدانة الطاعن فى قوله “وحيث إن الثابت بأوراق الدعوى والمستندات المقدمة أن المدعية قد أنذرت الأول بعدم التصرف فى العقار الوارد بصحيفة الإنذار إلا أنه تصرف فيه بالبيع للمتهم الثانى ومن ثم تحققت أركان جريمة النصب.
ولا ينال من ذلك ما جاء بالدعوى… مدنى كلى الجيزة إذ إن الثابت أن هناك عقد بيع ابتدائى تحرر بين المدعية بالحق المدنى والمتهم، وأن هذا العقد يحوز حجية لحين الفصل فى الدعاوى المدنية المترتبة عليه بحكم نهائى، تلك الحجية تحول دون إبرام المتهم لأى تصرفات بشأن ذلك العقار لحين الفصل فى ذلك بأحكام نهائية فمن ثم فقد استقر فى وجدان المحكمة قيام المتهم الأول بالتصرف بالبيع مما يشكل جريمة نصب ويتعين عقابه وفقًا لما هو ثابت بالمنطوق”.
لما كان ذلك، وكان المقرر أن بيع المالك للوحدة السكنية أكثر من مرة يشكل اعتداء على مصالح الأفراد ومصلحة الجماعة نظرًا لأنه يهدر الثقة فى المعاملات والأمن الاجتماعى والاقتصادى ويكشف عن اتجاه إجرامى يهدد تلك المصالح بالخطر لهذا كان حريًا بالمشرع أن يقيم الجزاء الجنائى إلى جانب الجزاء المدنى وفق نص المادة (23) من القانون 136 لسنة 1981، كما أن المستقر عليه قضاء أنه يشترط للمفاضلة بين العقود أن تكون كلها صحيحة، وأن القانون يعطى الأولوية للعقد السابق إلا أن العقد الأسبق فى التاريخ ينبغى فى ذات الوقت أن يكون صحيحًا، ولا يلزم أن يكون مسجلاً، أما إذا كان باطلاً بطلانًا مطلقًا أو نسبيًا وتم التمسك ببطلانه فإنه لا يكون له وجود قانونى وبالتالى لا تكون له أفضلية على العقد الثانى إلا أن العقد القابل للإبطال (بطلان نسبى) فيعتد به طالما لم يتم التمسك ببطلانه.
لما كان ذلك، وكان المتهم – الطاعن – قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه قد قضى ببطلان عقد بيع المدعية لشقة التداعى بطلانًا مطلقًا بحكم نهائى وقدم المستندات الدالة على دفاعه إلا أن المحكمة برغم أن هذا الدفاع المسوق من الطاعن يعد فى صورة الدعوى المطروحة – دفاعًا جوهريًا لتعلقه بتحقيق الدليل المقدم فيها ويترتب عليه لو صح تغير وجه الرأى وإذ لم تقسطه المحكمة حقه وتعنى بتحقيقه بلوغًا إلى غاية الأمر فيه واقتصرت فى هذا الشأن على ما أوردته فى حكمها لاطراح أوجه دفاعه الأخرى.
ومن ثم يكون الحكم معيبًا بالقصور، وفوق ذلك، فإن ما أثاره المتهم – الطاعن – من أنه لم يقم بالتصرف بالبيع مرة أخرى فى شقة التداعى كما زعمت المدعية آية ذلك ما قدمه من مستندات تؤيد دفاعه أغفلها الحكم المطعون فيه فإن دفاعه يعد دفاعًا جوهريًا إذ يترتب عليه – لو صح – تغير وجه الرأى فيها، فكان لزامًا على المحكمة أن تحققه بلوغًا إلى غاية الأمر فيه أو ترد عليه بأسباب سائغة تؤدى إلى اطراحه أما وهى لم تفعل مكتفية فى حكمها المطعون فيه بتأييد الحكم المستأنف لأسبابه.
مع أن هذه الأسباب التى أوردها الحكم المستأنف لتفنيد دفاع الطاعن لا تؤدى إلى ذلك، فإن الحكم المطعون فيه، لكل ما تقدم، ولعدم بيان الواقعة بيانًا كافيًا، وبيان أركان الجريمة والأدلة التى أقام الحكم عليها قضاءه بالإدانة، يكون فوق قصوره مشوبًا بالفساد فى الاستدلال متعينًا نقضه والإعادة، وذلك دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن الأخرى.