«النقض»: خطأ الحكم في تحديد الجريمة ذات العقوبة الأشد لا يبطله
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ۱۱۸۹۲ لسنة ۹۲ قضائية، أن خطأ الحكم في تحديد الجريمة ذات العقوبة الأشد لا يبطله ولا يقتضى نقضه اكتفاء بتصحيح أسبابه – عملاً بالمادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض- مما يكون معه نعى الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول.
المحكمــــــــــــــــــــــــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً .
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر قانوناً.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي ، بإرسال عبارات وصور تخدش شرفها وسمعة عائلتها، وتعمد إزعاجها بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات والشروع في الحصول بطريق التهديد على مبلغ نقدي منها، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه جاء قاصراً في بيان الأسباب التي دان الطاعن بها، ولم يبين أركان الجرائم التي دانه بها، وعول في الإدانة على أقوال المجني عليها رغم أنها لم تتعرف على الطاعن وتناقض أقوالها، والتفتت المحكمة دون رد على دفعه في هذا الشأن، ولم تعن بإجراء تحقيق وصولاً للحقيقة، فضلاً عن أن الحكم مسخ أقوال المجني عليها وحرفها فأوردها على نحو يخالف الثابت بالتحقيقات، وأخيراً فإن ما أورده من أدلة لا يكفي لحمل قضائه، الأمر الذى يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شانها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وقد جاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ويكون منعى الطاعن على الحكم بالقصور لا محل له.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبة بالعقوبة المقررة لأشدها ، وهي جريمة تعمد مضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات والتي أثبتها في حقه بالأدلة السائغة على النحو السالف البيان ، فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن أركان جريمتي الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها والشروع في الحصول بطريق التهديد على مبلغ نقدي، ما دامت المحكمة قد دانته بجريمة تعمد مضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات ، وأوقعت عليه عقوبتها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد.
ولا ينال من هذا النظر خطأ الحكم في تعيين الجريمة ذات العقوبة الأشد بأنها جريمة الشروع في الحصول بطريق التهديد على مبلغ نقدي، إذ أنه من المقرر أن خطأ الحكم في تحديد الجريمة ذات العقوبة الأشد لا يبطله ولا يقتضى نقضه اكتفاء بتصحيح أسبابه – عملاً بالمادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض- مما يكون معه نعى الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب ، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ، وأن لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها.
كما أن التناقض بين أقوال الشهود – على فرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود ، فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته.
وكان لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق ، بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وإذ كان الحكم قد عول في إدانة الطاعن على أقوال المجني عليها، والتي اطمئن إليها وحصلها بما لا تناقض فيها، فضلاً عن باقي الأدلة الأخرى وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
ومن ثم فإن كافة ما يثيره الطاعن في شأن أقوال المجني عليها ومن عدم تعرفها عليه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له ايراداً له ورداً عليه، ولما كان الطاعن لم يكشف بأسباب الطعن عن أوجه التناقض في أقوال المجني عليها بل ساق قولاً مرسلاً مجهلاً، فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق في خصوص ما يثيره بأوجه طعنه، فلا يقبل منه – من بعد – النعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق أمسك عن طلبه ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه.
لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من أقوال المجني عليها له صداه وأصله الثابت بتحقيقات النيابة العامة، فإن منعى الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل.
لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن من عدم كفاية الأدلة التي استند إليها الحكم لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
فلهـــــــذه الأســـــــــــــباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.