“النقض” توضح.. مما تتكون عقيدة القاضي قبل النطق بالحكم؟

كتب: عبد العال فتحي

أكدت محكمة النقض خلال نظرها الطعن  رقم 14609 لسنة 89 قضائية، أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه مناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.

الوقائـــــــــــــــــع

اتهمت النيابة العامة كلاً من الطاعن – ترتيبه الخامس بأمر الاحالة – وآخرين في قضية الجناية رقم 6716 لسنة ٢٠١٧ جنايات قسم الوراق (والمقيدة برقم ٢٦٥٥ لسنة ٢٠١٧ كلي ).

بأنهم في يوم 11 من أبريل سنة 2017 بدائرة قسم الوراق – محافظة الجيزة.

– سرقوا المنقولات المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق ( المركبة الآلية رقم ٩٢١٣66 نقل الغربية والمبلغ النقدي والهاتف المحمول ) والمملوكين للمجنى عليهما / ………………………… وكان ذلك بالطريق العام وبطريق الإكراه الواقع علي المجنى عليه الأخير وذلك بأن اعترضوا طريقه وأشهر الأول بوجهه سلاح ناري تالي الوصف مهدداً إياه بإعماله في جسده وأعقب ذلك شد المتهمين الثاني والثالث ليديه وثاقاً بالحبال مما بث الرعب في نفسه وشل مقاومته وتمكنوا بتلك الوسيلة القسرية من الإستيلاء على المركبة الآلية آنفة البيان والمنقولات خاصته حال تواجد المتهمين من الرابع إلى السادس على محل الواقعة للشد من أزر المتهمين على النحو المبين بالتحقيقات .

– حازوا وأحرزوا بالذات والواسطة سلاح ناري غير مششخن مسدس .

– المتهمون من الأول إلى الثالث شرعوا في الحصول على مبلغ نقدي من المجني عليه / ………………….. وكان ذلك بطريق التهديد لإعادة المركبة الآلية خاصته (محل الإتهام الأول) على النحو المبين بالتحقيقات.

وأحالتهم إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.

والمحكمة المذكورة قضت غيابياً على الطاعن بجلسة 21 من مايو سنة 2019 بالسجن المشدد لمدة خمسة عشر عاماً والمصادرة والمصاريف.

فقام المتهم بإعادة الإجراءات وقضت ذات المحكمة حضورياً في 15 من أبريل سنة 2019 عملاً بالمواد ۳۹، ٤٠/ ثانياً، ثالثاً، 41/1 ،45، 47، ٣١٤، ٣١٥، ٣٢٦ مـن قـانون العقوبات، والمواد 1/1، 26/١،٣٠/١من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والجدول رقم ٢ الملحق واعملت المادة ٣٢ مـن قـانون العقوبات بمعاقبة ……………. بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات والمصادرة والمصاريف الجنائية بعد أن استبعدت وصف الاتهام الأخير.

فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.

وقرر المحكوم عليه / ……………… بشخصه وبصحبة الحراسة بقلم كتـاب المحكمة المختصة بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 13 من يونية سنة 2019.

وقرر المحكوم عليه سالف الذكر – مجدداً – بشخصه من السجن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 6 من نوفمبر سنة 2019 وذلك بعد الميعاد المقرر قانوناً.

وأودعت مذكرة بأسباب طعن المحكوم عليه بتاريخ 15 من يونية سنة 2019 موقعاً عليها من الأستاذ/ ………………. المحامي.

وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة.

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضى المقرر وبعد المداولة قانوناً.

من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 15 من أبريل سنة 2019 وكانت المادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 المعدلة بالمادة التاسعة من القانون رقم 23 لسنة 1992 تنص على وجوب التقرير بالطعن وإيداع الأسباب التي بنى عليها في ظرف ستين يوماً من تاريخ الحكم الحضوري.

وكان هذا الميعاد وينقضي بالنسبة للحكم المطعون فيه في 14 من يونيه سنة 2019 بيد أنه لما كان ذلك اليوم يوم جمعة وهو عطلة رسمية ، ومن ثم فإن ميعاد الطعن يمتد إلى يوم 15 من يونيه سنة 2019 وإذ أودعت مذكرة بأسباب الطعن الماثل في ذلك اليوم فإنها تكون قد أودعت في الميعاد المقرر قانوناً ويكون الطعن قد استوفى الشكل المقرر له في القانون .

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي السرقة بالإكراه بالطريق العام مع حمل السلاح وتعدد الجناة وحيازة وإحراز بالذات وبالوساطة سلاح ناري غير مششخن مسدس صوت قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد واعتوره الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يورد النص العقابي الذى أدان الطاعن بمقتضاه ، واطرح برد قاصر غير سائغ دفاع الطاعن بانتفاء أركان الجريمة في حقه، وخلو الأوراق من ثمة دليل يقيني على ارتكابها بدلالة عدم ضبطه والجريمة متلبساً بها فضلاً عن عدم ضبط ثمة أسلحة أو مسروقات لديه.

وعول في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها وعدم معقولية تصويرهم للواقعة ، كما عول على تحريات الشرطة رغم عدم جديتها فضلاً عن عدم صلاحيتها بمفردها كدليل في الدعوى ورغم تناقض التحريات الأولية مع التحريات النهائية وعول على أقوال المجنى عليه رغم عدم تعرفه على الطاعن وأسند إلى المتهم الثالث إقراره باشتراك الطاعن في جريمة السرقة رغم أقواله جرت باشتراك الطاعن في طلب الفدية ، ولم يمثل أمام النيابة العامة ولم تواجهه بالاتهام ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال شهود الإثبات.

لما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين وصف الجريمتين المسندتين إلى الطاعن أشار إلى نصوص القانون الذي أخذه بها بقوله وبما يتعين إدانته بالمادة 304/ 2 أ. ج ومعاقبته طبقاً للمواد 32، 315 من قانون العقوبات، 1/1، 26/1، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والجدول رقم 2 الملحق فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مادة القانون الذي حكم بمقتضاه بما يحقق حكم القانون، ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد على غير أساس.

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بانتفاء أركان الجريمة واطرحه – بعد أن أورد تقريراً قانونياً – في قوله وذلك ما ثبت في حق المتهم اشتراكه مع باقي المتهمين في ارتكابهم لواقعة سرقة المركبة الآلية قيادة المجنى عليه – شاهد الإثبات الأول – بالطريق العام كرها عنه من قيام المتهمين من الأول إلى الثالث بالدلوف إلى المركبة قيادته وتهديد المتهم الأول له بإعمال سلاح مسدس في جسده مهدداً إياه وتمكن مع باقي المتهمين بالاستيلاء على المركبة قيادة المجنى عليه وكذا المبالغ النقدية خاصته وهاتف محمول.

الأمر الذى يقطع بيقين توافر أركان جريمة السرقة بركنيها المادي والمعنوي وظروفها المشدد في حق المتهم ولا ينال من ذلك ما أثاره الدفاع الحاضر مع المتهم وبطلان الإقرار المستمد من أقوال المتهم الثاني وتناقض أقوال المجنى عليه مع ما ورد بالتحريات السرية للثابت بالأوراق تعرف المجنى عليه على المتهمين من الأول إلى الثالث ثم إقرار المتهم الثاني باشتراك المتهم …………… معهم في الواقعة وجاءت التحريات السرية تؤكد صحة ارتكاب المتهم للواقعة مع باقي المتهمين وتواجده بمحل الواقعة وإذ كان هذا الذى استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف للتدليل على ثبوت توافر أركان جريمة السرقة التي دان الطاعن بها بكافة أركانها وظروفها ، فإنه لا محل للنعي على حكمها المطعون فيه في هذا الصدد.

لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه استظهر – على نحو ما سلف – الفعل المسند الطاعن ارتكابه وهو سرقة المجنى عليه بالإكراه بالطريق العام مع التعدد وحمل السلاح وعاقبه بموجب نص المادة 315 من قانون العقوبات وأورد من الأسباب ما يكفى لحمل قضائه فإن منعى الطاعن بخلو الأوراق من ثمة دليل يقيني على ارتكابه الواقعة يكون في غير محل .

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة السرقة بالإكراه أو إحراز السلاح الناري ومعاقبة مرتكبها قيام أدلة معينة بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجرائم من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها.

ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم ضبطه متلبساً بالجريمة أو عدم ضبط ثمة مسروقات أو أسلحة بحوزته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ، مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.

كما أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب ، وكان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان تناقض الشاهد أو اختلاف روايته في بعض تفاصيلها – على فرض حصوله – لا يعيب لحكم ولا يقدح في سلامته مادامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه– كما هو الحال في الدعوى المطروحة – وكان الحكم المطعون فيه قد ساق على ثبوت الواقعة لديه على الصورة التي اعتنقتها أدلة استمدها من أقوال شهود الإثبات.

وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، ولا ينازع الطاعن في أن لها مأخذها الصحيح من الأوراق ، فإن ما يثيره بشأن صورة الواقعة وأقوال شهود الإثبات ينحل إلى جدل موضوعى حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي تخضع لإشراف محكمة الموضوع.

وأن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث ، هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن من تناقض التحريات الأولية مع التحريات النهائية ، ومن ثم لا يسوغ أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض ولا يقبل منه النعي على المحكمة إغفالها الرد عليه مادام أنه لم يتمسك به أمامها ، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه مناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجنى عليه وشهود الإثبات واقتناعه بحدوث الواقعة على الصورة التي شهدوا بها وإلى إقرار المتهم الثاني بارتكاب الطاعن للجريمة مع باقي المتهمين.

فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة أو في تصديقها لأقوال المجنى عليه والشهود أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعى في أدلة الثبوت التي عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا يسوغ إثارته أمام محكمة النقض ، ومن ثم فإن منعاه في هذا الصدد يكون غير سديد .

لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من أقرا المتهم الثالث له صداه في الأوراق فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من خطأ في الإسناد يكون في غير محله.

لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يثر أي منهما شيئاً بخصوص عدم استجوابه في التحقيقات فإنه لا يحق له من بعد أن يثير شيئاً من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض ، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة ما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم ، هذا فضلاً عن أن عدم سؤال المتهم في التحقيق لا يترتب عليه بطلان الإجراءات إذ لا مانع في القانون يمنع من رفع الدعوى العمومية بدون استجواب المتهم أو سؤاله ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الخطأ في رقم مادة العقاب المنطبقة لا يترتب عليه بطلان الحكم مادام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى موضوع الإدانة بياناً كافياً وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها ، فإن خطأ الحكم بإيراد نصوص المواد 39 ، 40/ ثانياً ، ثالثاً ، 41/1 ، 45 ، 47 ، 314 ، 326 من قانون العقوبات دون مقتضى لا يعيبه ، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذى وقع في أسباب الحكم وذلك بحذف المواد المضافة بدون مقتضى سالفة الذكر عملاً بنص المادة 40 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكم النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 .

لما كان ذلك، وكانت المصادرة عقوبة لا يقضى بها بحسب القاعدة العامة إلا إذا كان الشيء موضوع المصادرة سبق ضبطه على ذمة الفصل في الدعوى، وكانت الثابت من مدونات الحكم أنه لم يتم ضبط السلاح المستخدم الجريمة على ذمة الفصل فيها، فإن الحكم بالمصادرة يكون وارداً على غير محل، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في قضائه بالمصادرة مما يتعين معه نقضه نقضاً جزئياً وتصحيحه بإلغاء عقوبة المصادرة ورفض الطعن فيما عدا ذلك.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وبتصحيحه بإلغاء عقوبة المصادرة المقضي بها ورفض الطعن فيما عدا ذلك.

أمين السر نائب رئيس المحكمة

زر الذهاب إلى الأعلى