«النقض» توضح.. متى توقع عقوبة الجناية في جريمة الإتجار بالنفوذ ومتى توقع عقوبة الجنحة؟
كتب: علي عبدالجواد
أوضحت محكمة النقض بحكمها في الطعن رقم ٥٦٩ لسنة ٨٨ قضائية، الدوائر الجنائية، جلسة 10 أكتوبر 2020، ما يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المؤثمة بالمادة ١٠٦ مكرر عقوبات؟ ومتى تكون عقوبة جريمة الاتجار بالنفوذ تلك المقررة للجناية المنصوص عليها بالمادة ١٠٤ عقوبات، ومتى تكون تلك المقررة للجنحة المنصوص عليها بالمادة ١٠٦ مكرر عقوبات؟
الوقائع.. (المتهمان تحصلا على مبالغ مالية لاستعمال نفوذ مزعوم لتعيين مواطنين في وظائف حكومية)
اتهمت النيابة العامة الطاعنين في القضية رقم … لسنة ٢٠١٦ جنايات قسم المنشية والمقيدة برقم … لسنة ٢٠١٦ كلي شرق الإسكندرية، بأنهما في يوم ٦ من فبراير سنة ٢٠١٢ بدائرة قسم المنشية ـــ محافظة الاسكندرية، طلب المتهم الأول ـ وهو موظف عام ـ لنفسه وأخذ مبالغ مالية لاستعمال نفوذ مزعوم لتعيين المجني عليهم الواردة أسماؤهم بالتحقيقات وآخرين في وظائف حكومية.
و اشترك مع المتهم الثاني وآخر مجهول في اصطناع خاتم شعار الجمهورية منسوب صدوره لمديرية أوقاف وقام باستخدامه في مهر استمارة طلب استخراج بطاقة شخصية بعد أن قام بتحرير بيانات مزورة في تلك الاستمارة.
كما اشترك المتهم الثاني مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمتين الموصوفتين بعاليه.
وأحالتهما إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمحاكمتهما طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وقضت المحكمة المذكورة حضوريًا في ١٩ أكتوبر ٢٠١٧ عملًا بالمادة ٣٠٤/٢ من قانون الإجراءات الجنائية، والمواد ٤٠، ١٠٤، ١٠٦ مكررًا، ٢٠٦، ٢١١ من قانون العقوبات مع إعمال المادتين ١٧، ٣٢/٢ من نفس القانون، والمادتين ٣٠٩/٢، ٣١٣ من قانون الإجراءات الجنائية، بمعاقبة كلًا منهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ ألفي جنيه عما أُسند إليه ومصادرة المستندات المزورة المضبوطة.
فقرر المحكوم عليهما الطعن في هذا الحكم بطريق النقض في ٢٥ من أكتوبر، و٤ من ديسمبر ٢٠١٧، وأودعت مذكرتين بأسباب الطعن في ٤، ١٨ من ديسمبر ٢٠١٧ موقعًا عليهما من محاميين.
المحكمـة حكمت بقبول الطعن شكلًا وفى الموضوع برفضه وذكرت الأسباب
قالت محكمة النقض في حكمها أنه بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة قانونًا حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم أخذ وطلب عطية لاستغلال نفوذه والتزوير في محرر رسمي وتقليد خاتم إحدى جهات الحكومة واستعماله، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنهما دفعا بانتفاء أركان جريمة استغلال النفوذ وانطباق أركان جريمة النصب المؤثمة بالمادة ٣٣٦ من قانون العقوبات إلا أن الحكم اطرح دفعيهما مستندًا إلى إقرار الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة الذي عدل عنه أمام المحكمة وإلى أقوال المجني عليهم وضابط التحريات رغم أنها مرسلة وتضمنت أفعالًا لا تشكل سوى جريمة النصب، وأضاف الطاعن الثاني أن الحكم دانه بجرائم التزوير في محرر رسمي وتقليد خاتم إحدى جهات الحكومة واستعمال رغم خلو الأوراق من دليل سوى إقرار المتهم الأول والذي لم يقرر أن الطاعن هو المحرر لبيانات استمارة الرقم القومي المزورة أو قام باستخراجها فضلًا على أنه غير مختص بإمساك أي أوراق أو سجلات أو أختام، كما عول على تحريات الشرطة رغم أنها لا تصلح دليلًا للإدانة لكونها مجهولة المصدر ولم تحدد دورًا في الواقعة والتفت الحكم عن دفع الطاعن الأول بعدم جدية التحريات كما ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان بها الطاعنين وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال الشهود وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وكتاب مديرية أوقاف الإسكندرية وإقرار المتهم الأول بتحقيقات النيابة العامة، وهي أدلة سائغة – لا ينازع الطاعنان في أن لها أصلها الثابت بالأوراق – ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها.
ما يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المؤثمة بالمادة ١٠٦ مكررًا عقوبات
وتابعت المحكمة: “لما كان ذلك، وكان يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة ١٠٦ مكرر من قانون العقوبات أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدًا أو عطية تذرعًا بنفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول أو محاولة الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المساءلة ولو كان النفوذ مزعومًا، والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية”.
متى تكون عقوبة جريمة الإتجار بالنفوذ جناية ومتى تكون جنحة
قالت المحكمة: “إن كان الجاني موظفًا عموميًا وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة ١٠٤ من قانون العقوبات، وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها في عجز المادة ١٠٦ مكررًا عقوبات، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر ما وقع من الطاعن الأول وهو موظف عام (إمام ومدرس بمديرية أوقاف ……….) – من طلب مبالغ نقدية من المجني عليهم – وأخذها – بزعم تدخله لدى المسئولين بوزارة الأوقاف للعمل على استصدار قرارات تعيينهم بجهة عمله، كما اعتبر الحكم ما وقع من شريكه الطاعن الثاني وهو عامل بمسجد بإدارة الأوقاف بالجمرك بالإسكندرية – من قيامه بإمداد الطاعن الأول باستمارة استخراج تحقيق شخصية لأحد المجنى عليهم تضمنت بيانًا بأنه – أي المجنى عليه المذكور – يعمل بوظيفة عامل مسجد بمديرية أوقاف الإسكندرية ممهورة ببصمة مقلدة لخاتم منسوب لتلك الجهة بقصد تأكيد مزاعم الطاعن الأول – محققًا لجناية الاتجار بالنفوذ فإنه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح، هذا فضلًا على أن القصد الجنائي في هذه الجريمة يتحقق بالعلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الادعاء بالنفوذ المزعوم، والعلم بنزع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك وبأن الاختصاص يمنحها هو لسلطة عامة وطنية، وهو ما استظهره الحكم في حق الطاعنين، فإن كافة ما يثيرانه بشأن انتفاء أركان الجريمة يكون بعيدًا عن محجة الصواب”.
لما كان ذلك، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة نصب وليست جناية استغلال نفوذ لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلًا موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، وكانت المحكمة قد تناولت دفاعهما في هذا الشأن واطرحته بما يسوغ اطراحه.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وأن من إطلاقاتها الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق، وإن عدل عنه بعد ذلك، متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، فإن النعي على المحكمة بأنها عولت على اعتراف المتهم الأول في التحقيقات رغم عدوله عنه وإنكاره الاتهام في المحاكمة، يكون غير سديد.
لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن منازعة الطاعن الأول في القوة التدليلية لأقوال المبلغين (المجنى عليهم)، وضابط التحريات على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلًا موضوعيًا فص تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان لا يجدى نعى الطاعن الثاني في صدد جرائم التزوير في محرر رسمي وتقليد خاتم احدى جهات الحكومة واستعماله مادام أن المحكمة طبقت عليه المادة ٣٢ من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد عن التهمة الأخرى المسندة إليه الخاصة بالإتجار في النفوذ.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها، ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال العقيد/ ………….. على النحو الذى شهد به وسطره الحكم في مدوناته فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلًا موضوعيًا في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع، ويضحى ما يثار في هذا الشأن غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهما مبلغ ألفي جنيه – بعد إعمال المادتين ١٧، ٣٢ من قانون العقوبات – دون أن يقضى بعقوبة العزل عملًا بحكم المادة ٢٥ من قانون العقوبات، فإنه يكون مشوبًا بالخطأ في تطبيق القانون ولا ينال من ذلك أن هذه المادة أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة في الحكومة ولم تورد لفظ العزل، وذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلي في مفهوم هذا النص يؤكد ذلك أن المادة ٢٧ من قانون العقوبات قد نصت على أن “كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضًا بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه، الأمر الذى لا يتصور معه أن يكون المشرع قد قصد عزل الموظف من وظيفته في حال معاملته بالرأفة، في وضع أسوء من ذلك الذى لم تر المحكمة معاملته بالرأفة، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة المشرع قد اتجهت إليه، وهو ما كان يؤذن لهذه المحكمة أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحكم بطريق النقض بل طعن المحكوم عليهما وحدهما فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ حتى لا يضار الطاعنان بطعنهما.
لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.