«النقض» توضح شرط تحقق القصد الجنائي في جرائم إزعاج الغير باستخدام أجهزة الاتصالات

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم ۱۱۸۹۲ لسنة ۹۲ ق، أن القصد الجنائي في جريمة تعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات يتحقق متى كان الجاني مدركاً وقت مقارفته الجريمة أن أقواله أو كتابته من شأن أيهما أن يزعج الغير.

 

” الوقائع “

اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجنحة رقم 1696 لسنة ٢٠١٦ جنح اقتصادية المنصورة بأنه في يوم 16 من فبراير سنة 2015 بدائرة مركز منية النصر – محافظة الدقهلية :-

۱ – تعدى على حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها/ …………… بأن قام بنقل بجهاز من الأجهزة صور شخصية من مكان خاص بالمجني عليها على النحو المبين بالأوراق.

2 – تعمد مضايقة المجني عليها/ …………… بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات على النحو المبين بالأوراق.

٣ – شرع في الحصول بالتهديد من المجني عليها / …………… على مبلغ مالي مقابل عدم نشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو التمكن من ضبطه على النحو المبين بالأوراق.

وطلبت عقابه بالمادتين ۳۰۹ مكرر ب ، ۳۲٦/2 من قانون العقوبات، والمواد ١/4 ، ٥ ، ٦ ، ۱۳/7، ۷۰/1 ، ۷6 من قانون تنظيم الاتصالات رقم ١٠ لسنة ۲۰۰۳.

 

وادعت المجني عليها مدنياً بمبلغ أربعون ألف جنيه وذلك على سبيل التعويض المدني المؤقت.

ومحكمة جنح المنصورة الاقتصادية قضت غيابياً في ٢٩ من ديسمبر سنة ٢٠١٦ بحبس المتهم لمدة سنة وكفالة ألفي جنيه لإيقاف التنفيذ مؤقتاً وإلزامه بأن يؤدي للمدعية بالحق المدني عشرة آلاف جنيه تعويض مدني مؤقت ومصروفات الدعويين الجنائية والمدنية وخمسة وسبعون جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عارض وقضى في معارضته في ۲۷ من إبريل سنة ٢٠١٧ بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه والإكتفاء بحبس المتهم أسبوعين والتأييد فيما عدا ذلك والمصاريف.

واستأنف المحكوم عليه هذا الحكم وقيد استئنافه برقم ٤٣ لسنة ٢٠١٧ جنح مستأنف إقتصادية المنصورة.

ومحكمة المنصورة الاقتصادية – بهيئة استئنافية – قضت غيابياً في ٢٦ من أغسطس سنة ۲۰۱۷ بسقوط الحق في الإستئناف وألزمت المتهم بالمصاريف.

عارض استئنافياً وقضى في معارضته في ۱۸ من نوفمبر سنة ٢٠١٨ بقبول المعارضة الاستئنافية شكلاً وفي موضوعها بإلغاء الحكم المعارض فيه وبقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم بالمصاريف الجنائية.

فطعن المحكوم عليه – بوكيل عنه – في هذا الحكم بطريق النقض، ودائرة طعون الجنح بمحكمة استئناف القاهرة منعقدة في غرفة مشورة أصدرت قراراً في ١٧ من أغسطس سنة ۲۰۲۰ بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الطعن.

وبتاريخ 12 من يناير سنة ۲۰۱۹ قرر الأستاذ/ ……………المحامي بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض بصفته وكيلاً عن الأستاذ / …………… المحامي بصفة الأخير وكيلاً عن المحكوم عليه.

وبذات التاريخ أودعت مذكرة بأسباب الطعن من المحكوم عليه موقع عليها من الأستاذ/ ……………المحامي المقبول للمرافعة أمام محكمة النقض.

وبجلسة اليوم سمعت المحكمة المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .

 

المحكمــــــــــــــــــــــــة

 

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً .

حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر قانوناً.

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي ، بإرسال عبارات وصور تخدش شرفها وسمعة عائلتها، وتعمد إزعاجها بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات والشروع في الحصول بطريق التهديد على مبلغ نقدي منها، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه جاء قاصراً في بيان الأسباب التي دان الطاعن بها، ولم يبين أركان الجرائم التي دانه بها، وعول في الإدانة على أقوال المجني عليها رغم أنها لم تتعرف على الطاعن وتناقض أقوالها، والتفتت المحكمة دون رد على دفعه في هذا الشأن، ولم تعن بإجراء تحقيق وصولاً للحقيقة، فضلاً عن أن الحكم مسخ أقوال المجني عليها وحرفها فأوردها على نحو يخالف الثابت بالتحقيقات، وأخيراً فإن ما أورده من أدلة لا يكفي لحمل قضائه، الأمر الذى يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شانها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وقد جاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ويكون منعى الطاعن على الحكم بالقصور لا محل له. لما كان ذلك، وكان الإزعاج وفقاً لنص المادة 76 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن تنظيم الاتصالات لا يقتصر على السب والقذف اللذان وردا بنص المادة 308 مكرر من قانون العقوبات، بل يتسع إلى كل قول أو فعل تعمده الجاني يضيق به صدر المجني عليه ، أياً كان نوع أجهزة الاتصالات المستعملة أو الوسيلة المستخدمة .

وكان القصد الجنائي في جريمة تعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات يتحقق متى كان الجاني مدركاً وقت مقارفته الجريمة أن أقواله أو كتابته من شأن أيهما أن يزعج الغير، وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة ، بل يكفى أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه، وكان الحكم المطعون فيه إبان عرضه لصورة الواقعة قد استظهر تعمد الطاعن إزعاج ومضايقة المجني عليها بإساءة استعماله لأجهزة الاتصال وانتهاكه لحرمة حياتها الخاصة، بأن قام بإرسال رسائل تتضمن عبارات خادشة للحياء ، وتهديد وابتزاز بطلب مبلغ مالي مقابل عدم نشر صور عارية لها من حسابه الخاص على موقع الفيس بوك ، وأنه أرسل صورها العارية لأمها وأخيها بقصد التشهير بها وإساءة لسمعتها، وأنه كان مدركاً وقت مقارفته الجريمة أن كتابته من شأنها أن تزعج المجني عليها ، فإن ما أورده الحكم – على السياق المار بيانه– تتوافر به جريمة تعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، كما هي معرفة به في القانون في حق الطاعن بركنيها المادي والمعنوي، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا القصد غير سديد.

 

لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبة بالعقوبة المقررة لأشدها ، وهي جريمة تعمد مضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات والتي أثبتها في حقه بالأدلة السائغة على النحو السالف البيان ، فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن أركان جريمتي الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمجني عليها والشروع في الحصول بطريق التهديد على مبلغ نقدي، ما دامت المحكمة قد دانته بجريمة تعمد مضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات ، وأوقعت عليه عقوبتها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد ، ولا ينال من هذا النظر خطأ الحكم في تعيين الجريمة ذات العقوبة الأشد بأنها جريمة الشروع في الحصول بطريق التهديد على مبلغ نقدي، إذ أنه من المقرر أن خطأ الحكم في تحديد الجريمة ذات العقوبة الأشد لا يبطله ولا يقتضى نقضه اكتفاء بتصحيح أسبابه – عملاً بالمادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض- مما يكون معه نعى الطاعن في هذا الخصوص غير مقبول.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب .

وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها ، وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ، وأن لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها .

كما أن التناقض بين أقوال الشهود – على فرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود ، فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته .

وكان لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق ، بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وإذ كان الحكم قد عول في إدانة الطاعن على أقوال المجني عليها ، والتي اطمئن إليها وحصلها بما لا تناقض فيها، فضلاً عن باقي الأدلة الأخرى وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، ومن ثم فإن كافة ما يثيره الطاعن في شأن أقوال المجني عليها ومن عدم تعرفها عليه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له ايراداً له ورداً عليه، ولما كان الطاعن لم يكشف بأسباب الطعن عن أوجه التناقض في أقوال المجني عليها بل ساق قولاً مرسلاً مجهلاً، فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير مقبول.

لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق في خصوص ما يثيره بأوجه طعنه، فلا يقبل منه – من بعد – النعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق أمسك عن طلبه ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من أقوال المجني عليها له صداه وأصله الثابت بتحقيقات النيابة العامة، فإن منعى الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن من عدم كفاية الأدلة التي استند إليها الحكم لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

فلهـــــــذه الأســـــــــــــباب

حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.

زر الذهاب إلى الأعلى