«النقض» توضح شرط إبطال العقد للغلط.. وما يشترط في الغش والتدليس
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 1297 لسنة 56 ق، أنه يشترط لإبطال العقد للغلط سواء كان في الواقع أو في القانون أن يكون جوهرياً، أي أن يكون هو الذي دفع إلى التعاقد.
وذكرت المحكمة أنه يشترط في الغش والتدليس على ما عرفته المادة 125 من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يكون ما استعمل في خدع المتعاقد حيلة، وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 188 سنة 1984 مدني شمال سيناء الابتدائية بطلب الحكم بإنقاص الأجرة المنصوص عليها في عقد الإيجار المؤرخ 31/ 10/ 1982 إلى عشرة آلاف جنيه وإلزام المطعون ضده بأن يدفع له مبلغ 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت، وقال بياناً لذلك إنه استأجر بموجب هذا العقد من المطعون ضده “كافتريا” الوصول بمنفذ رفح البري لمدة ثلاث سنوات لقاء أجرة سنوية مقدارها 20200 جنيه ونص في العقد على أن العين المؤجرة منشأة سياحية من مستوى النجوم الثلاثة، ثم اكتشف أنها ليست لها هذه الصفة وأن أسعار البيع فيها تخضع لقوانين التموين والتسعير الجبري وتحديد الأرباح وأنها لا تدر إيراداً يفي بالتزاماتها، وقد أصيب من جراء اختلاف ظروف التعاقد عن الظروف الفعلية بأضرار مادية وأدبية تستوجب التعويض فأقام الدعوى بطلبيه سالفي البيان، وبتاريخ 19/ 12/ 1984 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسماعيلية بالاستئناف رقم 3 سنة 10 ق، وبتاريخ 24/ 2/ 1986 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره والتزمت فيها النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه دفع ببطلان الحكم الابتدائي لافتقاد عضو يمين الدائرة التي أصدرته صلاحيته للفصل في الدعوى إعمالاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 146 من قانون المرافعات. وقدم تأييداً لدفعه هذا كتاباً من إدارة التفتيش القضائي يفيد ندبه للعمل مستشاراً قانونياً بالمحافظة التي يمثلها المطعون ضده خلال الفترة من 29/ 10/ 1983 وحتى 28/ 10/ 1984، غير أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفع على سند من أن ذلك الكتاب لا يفيد أن عضو الدائرة المذكور قد أفتى أو أبدى رأياً في الدعوى وفق ما يتطلبه نص المادة 146/ 5 من قانون المرافعات، في حين أن حالات عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة المشار إليها كافية كل منها بذاتها لبطلان الحكم إذا ما توافرت شروطها، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن المشرع أورد في المادة 146 من قانون المرافعات الأحوال التي يكون القاضي فيها غير صالح لنظر الدعوى وممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم – على سبيل الحصر – فلا يجوز القياس عليها، لما كان ذلك، وكان ليس من بين الحالات التي نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة سالفة الذكر حالة ندب القاضي للعمل مستشاراً قانونياً لجهة مختصمة في الدعوى، فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع ببطلان الحكم الابتدائي لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ولا يعيبه ما قد يكون قد اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية عندما أقام رفضه لذلك الدفع على أن كتاب إدارة التفتيش القضائي الذي يفيد ندب عضو يمين الدائرة التي أصدرت الحكم سالف الإشارة للعمل مستشاراً قانونياً لمحافظة شمال سيناء لا يكفي للدلالة على أنه أفتى أو أبدى رأياً في الموضوع، إذ أن لمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ دون أن تنقض الحكم ما دام أنه قد انتهى إلى النتيجة – الصحيحة، ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان عقد الإيجار للغلط الجوهري والغش والتدليس، وبأن تجميد العلاقات بين مصر وإسرائيل يعد حادث استثنائياً عاماً لم يكن في الوسع توقعه، غير أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع استناداً إلى أن عقد الإيجار أبرم بعد إجراء مزاد علني ونص في البند الرابع منه على أن المستأجر عاين المكان المؤجر ووجده مستوفياً وموافقاً لغرضه وإلى أنه لم تطرأ ثمة حوادث استثنائية تؤثر على الالتزام التعاقدي وأن الجهة المؤجرة لم تخل بأي من التزاماتها، وهذا الذي أورده الحكم لا يصلح رداً على دفاعه لأن المعاينة انصبت على المكان فقط ثم تكشف له بعد ذلك أن المنشأة لم يصدر بها ترخيص من وزارة السياحة ولا تتوافر لها الشرائط التي تجعل منها منشأة سياحية غير مقيدة بقوانين التموين وتحديد الأسعار وهي أمور كانت السبب الرئيسي في التعاقد، كما أن تجميد العلاقات بين مصر وإسرائيل تم بقرار سياسي من الدولة وترتب عليه أن صار تنفيذ عقد الإيجار بالنسبة إليه مرهقاً يهدده بخسارة فادحة مما يوجب رد التزامه المرهق إلى الحد المعقول. وكل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود، ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه يشترط لإبطال العقد للغلط سواء كان في الواقع أو في القانون أن يكون جوهرياً، أي أن يكون هو الذي دفع إلى التعاقد. وأنه يشترط في الغش والتدليس على ما عرفته المادة 125 من القانون المدني أن يكون ما استعمل في خدع المتعاقد حيلة، وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً. وأن قوام نظرية الظروف الطارئة في معنى المادة 147 من القانون المدني هو أن يكون الحادث استثنائياً وغير متوقع الحصول وقت انعقاد العقد، والمعيار في توافر هذا الشرط معيار مجرد مناطه ألا يكون في مقدور الشخص أن يتوقع حصوله لو وجد في ذات الظروف عند التعاقد، دون ما اعتداد بما وقر في ذهن هذا المدين بالذات من توقع الحصول أو عدم توقعه، ومن المقرر أيضاً أن استخلاص الغلط وعناصر الغش والبحث فيما إذا كان الحادث الطارئ هو مما في وسع الشخص العادي توقعه أو أنه من الحوادث الطارئة هو مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع طالما أقام قضاءه على أسباب مؤدية إلى ما انتهى إليه، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أطرح ما أثاره الطاعن بشأن بطلان العقد واعتبار تجميد العلاقات بين مصر وإسرائيل حادثاً طارئاً – بناء على ما قرره من أن “الثابت من أوراق الدعوى أن العقد سند الدعوى عقد انتفاع وقد تم تحريره بين طرفيه بعد إجراء مزاد علني ورسوه على المستأجر (الطاعن) وقد ثبت في البند الرابع من هذا العقد أن المستأجر قد عاين المكان المؤجر معاينة نافية للجهالة ووجده مستوفياً لجميع لوازمه ووجده خالياً من أي خلل وموافقاً لغرضه……. وكان لم يطرأ ثمة حوادث استثنائية تؤثر على الالتزام التعاقدي……” وإذ كانت هذه الأسباب سائغة ولها أصلها الثابت بالأوراق وتكفي لحمل قضائه فإن هذا النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير محكمة الموضوع لوقائع الدعوى وما استخلصته مما قدم فيها من مستندات مما تنحسر عنه رقابة محكمة النقض ولا يجوز إثارته أمامها.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.