«النقض» توضح الفرق بين سقوط الحكم وسقوط العقوبة
أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 8325 لسنة 60 القضائية، أن التقادم في الجنايات حسب نص المادة 394 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه لا يسقط الحكم الصادر غيابياً من محكمة الجنايات في جناية بمضي المدة وإنما تسقط العقوبة المحكوم بها ويصبح الحكم نهائياً بسقوطها، وبالتالي فإن التقادم إنما يكون تقادم عقوبة وليس تقادم دعوى، إذ لا بد من مضي عشرين سنة على صدور الحكم الغيابي.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز جوهراً مخدراً “أفيون” في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وكان ذلك بقصد الاتجار.
وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/ 1، 2، 37، 38، 42/ 1 من القانون 182 لسنة 1960 والبند أ من الجدول الأول الملحق بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المخدر المضبوط باعتبار أن الإحراز مجرد من القصود.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض…… إلخ.
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الطاعن دفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة لانقضاء أكثر من عشر سنوات من يوم وقوع الجريمة دون اتخاذ إجراء قاطع في مواجهته حيث لم يعلن إعلاناً صحيحاً بالجلسة التي صدر فيها الحكم الغيابي ضده، إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفع تأسيساً على عدم اكتمال المدة القانونية اللازمة لسقوط العقوبة وهو ما لا يتفق وصحيح القانون مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها – تحقيقاً لوجه الطعن – أن النيابة العامة أسندت إلى الطاعن ارتكابه جناية إحراز مخدر بقصد الاتجار بتاريخ 26/ 8/ 1968 وقدمته إلى مستشار الإحالة – بعد إعلانه في مواجهة الإدارة بتاريخ 10/ 10/ 1970 – الذي أمر بإحالته إلى محكمة الجنايات والتي قضت غيابياً في 28/ 3/ 1972 – دون إعلانه بجلسة المحاكمة – بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المخدر المضبوط، وبتاريخ 24/ 2/ 1989 تم القبض على المتهم.
وأعيد محاكمته بجلسة 7/ 11/ 1989، حيث دفع الطاعن بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة لمرور أكثر من عشر سنوات على تاريخ وقوع الجريمة وقضت المحكمة بإدانته، ويبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض للدفع المبدى من الطاعن بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة ورد عليه بقوله “وحيث إنه بالنسبة للقول بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي عشر سنوات بمقولة أن الواقعة حدثت في 26/ 8/ 1968 فإنه مردود بأن التقادم في الجنايات حسب نص المادة 394 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه لا يسقط الحكم الصادر غيابياً من محكمة الجنايات في جناية بمضي المدة وإنما تسقط العقوبة المحكوم بها ويصبح الحكم نهائياً بسقوطها.
وبالتالي فإن التقادم إنما يكون تقادم عقوبة وليس تقادم دعوى، إذ لا بد من مضي عشرين سنة على صدور الحكم الغيابي، ولما كان الثابت من الأوراق أن المتهم قد حكم عليه غيابياً بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المخدر المضبوط بجلسة 28/ 3/ 1972 وقد تم إعلان المتهم بهذه الجلسة إدارياً بتاريخ 10/ 10/ 1970 وبالتالي فلا يسقط الحكم الصادر ضده من محكمة الجنايات بمضي المدة وإنما تسقط العقوبة في 28/ 3/ 1992 ومن ثم يكون الدفع في غير محله متعين الرفض”.
لما كان ذلك ولئن كان من المقرر أنه ما دامت الدعوى الجنائية قد رفعت أمام محكمة الجنايات عن واقعة يعتبرها القانون جناية، فإن الحكم الذي يصدر فيها غيابياً يجب أن يخضع لمدة السقوط المقررة للعقوبة في مواد الجنايات وهى عشرين سنة وذلك عملاً بالمواد 394، 395، 528 من قانون الإجراءات الجنائية، إلا أن محل ذلك أن يكون هذا الحكم صحيحاً.
لما كان ذلك وكان مفاد نص المادة 384 من قانون الإجراءات الجنائية – في مفهومه المخالف – أنه لا يجوز لمحكمة الجنايات الحكم على المتهم في غيبته إلا بعد إعلانه قانوناً بالجلسة التي تحدد لنظر دعواه، وإلا بطلت إجراءات المحاكمة، لأن الإعلان القانوني شرط لازم لصحة اتصال المحكمة بالدعوى.
ولما كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن المتهم لم يعلن بالجلسة التي نظرت فيها الدعوى – خلافاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه – فإن إجراءات المحاكمة تكون قد وقعت باطلة ويبطل حتماً الحكم الصادر بناء عليها، وعليه فإن الحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات بتاريخ 28/ 3/ 1972 – وقد وقع باطلاً على نحو ما سلف – يكون لغواً ولا قيمة له ولا يرتب أثراً بما لازمه عدم سريان القواعد المقررة لسقوط العقوبة على الواقعة التي تظل خاضعة لقواعد التقادم المقررة للدعوى الجنائية.
لما كان ذلك، وكان قانون الإجراءات الجنائية يقضي في المادتين 15، 17 منه بانقضاء الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشر سنوات من يوم وقوع الجريمة وتنقطع المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وكذلك بالأمر الجنائي أو بإجراءات الاستدلال إذا اتخذت في مواجهة المتهم أو إذا أخطر بها بوجه رسمي، وتسري المدة من جديد ابتداء من يوم الانقطاع وإذا تعددت الإجراءات التي تقطع المدة فإن سريان المدة يبدأ من تاريخ آخر إجراء.
وكان من المقرر أن الدعوى الجنائية لا تعتبر مرفوعة بمجرد التأشير من النيابة العامة أو من الجهة التي تملك سلطة الإحالة – بتقديمها إلى المحكمة لأن التأشير بذلك – أو الأمر به – لا يعدو أن يكون أمراً إدارياً إلى قلم كتاب النيابة لإعداد ورقة التكليف بالحضور حتى إذا ما أعدت ووقعها عضو النيابة جرى من بعد إعلانها وفقاً للقانون ترتب عليها كافة الآثار القانونية بما في ذلك قطع التقادم بوصفها من إجراءات الاتهام، وكان من المقرر أيضاً أن الأصل أنه وإن كان ليس بلازم مواجهة المتهم بإجراءات المحاكمة التي تقطع المدة المسقطة للدعوى ما دامت متصلة بسير الدعوى أمام القضاء إلا أنه يشترط فيها لكي يترتب عليها قطع التقادم أن تكون صحيحة فإذا كان الإجراء باطلاً فإنه لا يكون له أثر على التقادم.
وإذ كان الثابت – على ما سلف – أنه قد مضى في صورة الدعوى المطروحة ما يزيد على عشر سنوات من تاريخ إعلان الطاعن بجلسة الإحالة أمام مستشار الإحالة بتاريخ 10/ 10/ 1970 والقبض عليه بتاريخ 21/ 12/ 1989 وإعلانه إعلاناً صحيحاً بالجلسة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه بتاريخ 7/ 11/ 1989 دون اتخاذ إجراء قاطع لتلك المدة، إذ لا يعتد في هذا الخصوص بقرار مستشار الإحالة بتقديم الدعوى للمحكمة في 19/ 10/ 1970 أو بالحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات بجلسة 28/ 3/ 1972، طالما أن تلك المحكمة لم تكن قد اتصلت بالدعوى اتصالاً صحيحاً حتى التاريخ الذي تم فيه القبض على الطاعن وصدر فيه الحكم المطعون فيه بتاريخ 7/ 11/ 1989، فإن الدعوى الجنائية تكون قد انقضت بمضي المدة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإدانة الطاعن فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين نقضه والقضاء بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.