«النقض»: تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى من صميم عمل المحكمة 

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 814 لسنة 72 القضائية، بجلسة 25 من فبراير سنة 2014، أن تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى المطروحة على المحكمة، هو من صميم عملها، وأولى واجباتها للوصول إلى معرفة حكم القانون فيما هو معروض عليها.

وأضافت: “إعمال التفسير اللغوي أو اللفظي للنص باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص سواء من عبارته، أو إشارته أو دلالته، فإذا تعذر على القاضي الوقوف على قصد المشرع عن طريق التفسير اللغوي، فقد تعينه على الكشف عن هذا القصد عناصر خارجية أي غير مستمدة من الدلالات المختلفة للنص كالأعمال التحضيرية والمصادر التاريخية، والحكمة من النص ،والجمع بين النصوص”.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

 

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعنة قد اعترضت لدى هيئة الإذاعة البريطانية ” جهة عملها ” على إخضاع راتبها للضريبة على كسب العمل، فأحالته لمأمورية الضرائب المختصة التي أحالته بدورها للجنة الطعن الضريبي حيث قيد لديها تحت رقم ….. لسنة 1996، وبتاريخ 6 من مارس سنة 1997 أصدرت قرارها برفض الطعن وتأييد المأمورية، أقامت الطاعنة الدعوى رقم ….. لسنة 1997 ضرائب جنوب القاهرة الابتدائية طعنًا على هذا القرار، ومحكمة أول درجة بعد أن ندبت خبيرًا فيها أودع تقريره.

 

حكمت بتاريخ 27 من أبريل سنة 2000 برفض الطعن، استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم …. لسنة 117 ق لدى محكمة استئناف القاهرة، وبتاريخ 24 من أبريل سنة 2002 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف.

 

طعنت الطاعنة على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيه الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة – في غرفة مشورة – حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

 

وحيث إن الطعن أقيم على سببين نعي الطاعنة بالسبب الأول منهما وبالوجه الأول من السبب الثاني بالخطأ في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه اعتبر أن هيئة الإذاعة البريطانية تعد هيئة خاصة وفقًا لمفهوم الفقرة الأولى من المادة 49 من القانون 187 لسنة 1993.

 

ورتب على ذلك خضوع الرواتب التي تؤديها للعاملين بها لضريبة كسب العمل بالرغم من أن هذا الوصف يخالف نص المادة 11/ 2 من التقنين المدني التي تستوجب الرجوع في ذلك لقانون البلد الذي يقع فيه المركز الرئيسي للهيئة وهي المملكة المتحدة وبمقتضى قانونها تعد هيئة الإذاعة البريطانية من الهيئات العامة الأجنبية التي لا تخضع رواتب العاملين فيها للضريبة على كسب العمل طبقًا لمفهوم المخالفة لحكم البند الثاني من المادة 55 من القانون رقم 157 لسنة 1981 والفقرة الأولى من المادة 49 من القانون رقم 187 لسنة 1993 وهو ما يعيب قضاء الحكم بما يستوجب نقضه.

 

وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن المقرر في قضاء محكمة النقض أن تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى المطروحة على المحكمة هو من صميم عملها وأولى واجباتها للوصول إلى معرفة حكم القانون فيما هو معروض عليها. وأن إعمال التفسير اللغوي أو اللفظي للنص باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص سواء من عبارته أو إشارته أو دلالته فإذا تعذر على القاضي الوقوف على قصد المشرع عن طريق التفسير اللغوي فقد تعينه على الكشف عن هذا القصد عناصر خارجية أي غير مستمدة من الدلالات المختلفة للنص كالأعمال التحضيرية والمصادر التاريخية والحكمة من النص والجمع بين النصوص.

 

وكانت النصوص التشريعية وفقًا لحكم المادة الأولى من التقنين المدني تسري على جميع المسائل التي تناولها في لفظها وفحواها، وأن فحوى اللفظ لغة يشمل إشارته ومفهومه، واقتضاءه والمراد بمفهوم النص هو دلالته على شيء لم يذكر في عبارته وإنما يفهم من روحه، فإذا كانت عبارة النص تدل على حكم واقعة يفهم من روحه، فإذا كانت عبارة النص تدل على حكم واقعة اقتضته، وجدت واقعة أخرى مساوية لها في علة الحكم أو أولى منها، بحيث يمكن فهم المساواة أو الأولوية بمجرد فهم اللغة من غير حاجة إلى اجتهاد أو رأي.

 

فإنه يفهم من ذلك أن النص الذي يتناول الواقعتين وأن حكمه يثبت لهما لتوافقهما سواء كان مساويًا أو أولى، ويسمى مفهوم الموافقة أو المفهوم من باب أولى، فالتفسير يجب أن يتوخى الكشف عن المعنى أو المعاني التي ينطوي عليها النص اختيارًا للحل الأقرب إلى تحقيق العدالة باعتباره الحل المناسب الذي أوجب القانون إعماله، خاضعًا لرقابة محكمة النقض وهي تضطلع بمهمتها في توحيد فهم القانون وكان المشرع الضريبي وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 157 لسنة 1981 قد اعتبر أن الضريبة أحد مظاهر التضامن الاجتماعي الذي يتحتم على كل مواطن تحمل نصيبه من أعباء الدولة مقابل حصوله على الضمانات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للسلطة العامة.

 

بحيث تأتي الضريبة معبرة عن السلام الاجتماعي الذي يتمثل في مجال الضريبة على وضع جانب من نشاط المواطنين في خدمة الجماعية وفقًا لقدرات كل منهم، وقد اعتد في مجال تحديد اختصاصه في فرض الضرائب على فكرة التبعية الاقتصادية التوصية وقوامها العلاقة التي تنشأ بين الفرد والدولة وتحكم مساهمته في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وركيزتيها الموطن أو الإقامة في الدولة وهو ما يطلق عليه التبعية الاجتماعية، وموقع المال أو مصدر الدخل الناتج عن المشاركة في أعمال الاستهلاك أو التداول أو إنتاج الثروة في الدولة وهو ما يطلق عليه إقليمية الضريبة.

 

وأخذ في تحديد الموطن بحكم المادة 40 من القانون المدني وبين في المادة الثالثة من القانون 187 لسنة 1993 أن الشخص الطبيعي يعد مقيمًا في مصر في أحوال عددها …….. 2 أن تكون مصر محلاً لإقامته الرئيسية …….. أخذًا بمفهوم أن الممول الذي يقيم في إقليم الدولة ويحمل جنسيتها ويزاول نشاطًا منتجًا للثروة (الدخل) ويستفيد من المزايا العامة والخاصة التي تؤديها له الدولة، كما ينتفع أيضًا من المرافق العامة الموجودة بها إلى أقصى حد ولهذا يتعين أن يؤدي واجبه كاملاً نحو الاشتراك في الأعباء المالية لها بأداء الضرائب المقررة.

 

وكان النص في المواد 1، 2، 3 من القانون رقم 187 لسنة 1993 المنطبق على واقع النزاع المتعلقة بتحديد نطاق سريان الضريبة على الأفراد الطبيعيين، يدل على أن المشرع الضريبي قد أخذ بمبدأ التبعية الاقتصادية القومية كمعيار في تحديد نطاق سريان أحكامه والتي مقتضاها خضوع كافة دخول المقيمين على الأراضي المصرية للضريبة سواء كانت مصادر داخل أو خارج مصر وعلى الدخول التي تتحقق داخل مصر سواء كان الممول مقيمًا في مصر أو خارجها.

 

وجعل مناط فرض الضريبة أحد أمرين أولهما إقامة الممول في مصر وفي هذه الحالة أخضع الدخل للضريبة سواء تحقق من مصدر داخل مصر أو خارجها، وثانيهما إخضاعه الدخل للضريبة إذ تحقق من مصدر داخل مصر أيًا كانت إقامة الممول داخل أو خارج مصر، واستثنى من هذه القاعدة وفقًا للمادة الرابعة دخول السفراء والدبلوماسيين الأجانب العاملين في مصر بشرط المعاملة بالمثل وكذا الفنيين والخبراء والأجانب المقيمين في مصر متى كان استخدامهم بناء على طلب الحكومة المصرية أو إحدى الهيئات العامة أو الخاصة أو الشركات أو أحد الأفراد بالنسبة لإيراداتهم الناتجة عن مصادر خارج مصر، وهو ما أعاد المشرع تقريره في القانون 91 لسنة 2005 إذ جرى نص المادة التاسعة منه الخاصة بتحديد نطاق ضريبة كسب العمل في بندها الثاني على خضوع ما يستحق للممول من مصدر أجنبي عن أعمال أديت في مصر للضريبة.

 

ورائد المشرع في ذلك أن الضريبة هي فريضة مالية تقتضيها الدولة من المكلفين بها إسهامًا منهم في أعبائها وتكاليفها العامة لحسبان أنهم يقيمون على أراضيها ويتمتعون بما تقدمه من خدمات أو تمثل الدولة لهم مصدر الدخل. لما كان ذلك، وكان الواقع في الدعوى حسبما حصله الحكم المطعون فيه أن الطاعنة مصرية الجنسية وتقيم بصفة دائمة على الأراضي المصرية، وتعمل مراسلة لهيئة الإذاعة البريطانية B.B.C من مصر.

 

وهي حسبما تدعي هيئة أجنبية تابعة للحكومة البريطانية، ومن ثم فإن الدخل (المرتب) الذي تحصل عليه من هذه الهيئة وفقًا لمفهوم المادة 2 من القانون رقم 187 لسنة 1993 يخضع للضريبة على كسب العمل بوصف أنه دخل حصلت عليه مصرية مقيمة في الأراضي المصرية بصفة دائمة من مصدر أجنبي عن أعمال أدتها له في مصر ولا يخضع بهذه المثابة للإعفاء الوارد بالبند الثاني من المادة الرابعة من ذات القانون بحسبان أن عملها بناء على طلب هيئة أجنبية وليست مصرية على النحو السالف بيانه.

 

وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى تأييد خضوع الطاعنة للضريبة على كسب العمل عن راتبها الذي تتقاضاه من هيئة الإذاعة البريطانية فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة ويضحى تعييبه بسبب الطعن قائمًا على غير أساس.

 

وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إنه لما كان راتبها يدفع من خزينة الحكومة البريطانية وبالرغم من ذلك أيد الحكم المطعون فيه خضوعها للضريبة عن كسب العمل وهو ما يعد مخالفًا ومتعارضًا مع حجية الحكم الصادر في الاستئناف رقم …… لسنة 115 ق القاهرة والذي انتهى إلى أن هيئة الإذاعة البريطانية هيئة أجنبية لا تهدف إلى تحقيق الربح ومن ثم لا تخضع للضريبة، وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.

 

وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن المقرر في قضاء محكمة النقض أن النص في المادة 101 من قانون الإثبات على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسببًا وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها يدل على أن حجية الأحكام القضائية في المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كان طرفًا في الخصومة حقيقة أو حكمًا، ولا يستطيع الشخص الذي صدر لمصلحته حكم سابق الاحتجاج به على من كان خارجًا عن الخصومة ولم يكن ممثلاً فيها وفقًا للقواعد القانونية المقررة في هذا الشأن ويجوز لغير الخصوم في هذا الحكم التمسك بعدم الاعتداد به.

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المحاج به موضوعه المطالبة بعدم خضوع هيئة الإذاعية البريطانية للضريبة على شركات الأموال، حال أن الدعوى الراهنة موضوعها الاعتراض على إخضاع الطاعنة لضريبة العمل عن راتبها الذي تتقاضاه من الهيئة السالف بيانها ومن ثم فإن الموضوع مختلف في الدعويين فضلاً عن أن الطاعنة لم تكن خصمًا في الدعوى السابقة وبالتالي فإن إعراض الحكم المطعون فيه عن إعمال حجية الحكم المحاج به إن كان لذلك محل على النزاع الراهن يكون بمنأى عن مخالفة القانون ويضحى تعييبه بوجه النعي قائمًا على غير أساس.

من أحكام «النقض» بشأن القصد الجنائي في جرائم الإكراه على التوقيع

 

زر الذهاب إلى الأعلى