النقض تستند لـ 11 سببًا للمُضي في نظر طعن محكوم عليه صدر له قرار عفو رئاسي
ذكرت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 10613 لسنة 88 القضائية، 11 سببا للمُضي في نظر طعن محكوم عليه صدر له قرار عفو رئاسي، مؤكدة أن صدور قرار بالعفو عن العقوبة في وقت ما زال الطعن في الحكم الصادر بها منظوراً أمام محكمة النقض، وصدور قرار العفو عن العقوبة – حال نظر الطعن أمام محكمة النقض – لا يمنعها من النظر في موضوع الطعن، وأن الحكم بعدم جواز نظر الدعوى – حال صدور قرار بالعفو عن العقوبة – يؤدي إلى تفويت طريق من طرق الطعن على المحكوم عليه وتعطيل محكمة النقض عن أداء مهمتها، وذلك استناداً لما يلى:
حيث إن المادة 155 من الدستور قررت بأنه ( لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأى مجلس الوزراء العفو عن العقوبة أو تخفيفها )، وفي هذا الإطار تقرر المادة 74 من قانون العقوبات بأن ( العفو عن العقوبة المحكوم بها يقتضي إسقاطها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها مقررة قانوناً ولا تسقط العقوبات التبعية ولا الآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم بالإدانة ما لم ينص في أمر العفو على خلاف ذلك )، وأخيراً قررت المادة 75 من القانون الأخير بأنه ( إذا صدر العفو بإبدال العقوبة بأخف منها تبدل عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد وإذا عفي عن محكوم عليه بالسجن المؤبد أو بدلت عقوبته وجب وضعه حتماً تحت مراقبة البوليس مدة خمس سنين والعفو عن العقوبة أو إبدالها إن كانت من العقوبات المقررة للجنايات لا يشمل الحرمان من الحقوق والمزايا المنصوص عنها في الفقرات الأولي والثانية والخامسة والسادسة من المادة الخامسة والعشرين من هذا القانون وهذا كله إذا لم ينص في العفو على خلاف ذلك )، ويعني العفو عن العقوبة إعفاء المحكوم عليه من تنفيذها كلها أو بعض منها أو إبدالها بعقوبة أخف منها مقررة قانوناً.
وقد يصدر رئيس الجمهورية – في حالات معينة – قراراً بالعفو عن العقوبة في وقت ما زال الطعن في الحكم الصادر بها منظوراً أمام محكمة النقض، وصدور قرار العفو عن العقوبة – حال نظر الطعن أمام محكمة النقض – لا يمنعها من النظر في موضوع الطعن، وأن الحكم بعدم جواز نظر الدعوى – حال صدور قرار بالعفو عن العقوبة – يؤدي إلى تفويت طريق من طرق الطعن على المحكوم عليه وتعطيل محكمة النقض عن أداء مهمتها وذلك استناداً لما يلى:
أولاً : أن العفو وإن كان من إطلاقات رئيس الدولة إلا أنه عمل إجرائي تحكمه أصول وضوابط، وهو لا يثبت له إلا بالنسبة لعقوبة صدر بها حكم يمثل الكلمة الأخيرة للقضاء، بحيث لم يعد أمام المحكوم عليه إلا أن يفزع إلى رئيس الدولة ملتمساً عفوه، أما إذا كان القضاء لم يقل كلمته الأخيرة فليس لرئيس الدولة أن يقطع الطريق عليه بالعفو عن عقوبة قد يلغيها القضاء نتيجة للطعن أو يخففها.
ثانياً : أن القضاء بعدم جواز نظر الطعن ليس له سند من القانون ؛ لأن العفو – وإن كان كلياً – لا ينفي وقوع الجريمة ولا نسبتها إلى من عفي عنه، وهو لا يمثل الحد الأقصى لما كان يأمله المتهم حينما سلك طريق الطعن، فقد يؤدي طعنه إلى حصوله على البراءة الكاملة، ولا شك أن الحصول على البراءة بالحق خير من الحصول على العفو بالمن.
ثالثاً : أن القضاء بعدم جواز الطعن قد يتيح للسلطة التنفيذية – إن شاءت – أن تكيد للمتهم إذا رجح لديها احتمال إلغاء الحكم أو تعديله وذلك بإصدار عفو شكلي يخفف العقوبة بنسبة ضئيلة فتوصد في وجهه باب الطعن وتحرمه بذلك حقاً قرره له القانون.
رابعاً : ومما يؤكد أن القضاء بعدم جواز نظر الطعن فيه تفويت طريق من طرق الطعن على المحكوم عليه ما قررته محكمة النقض ــــــ بعد أن قضت بعدم جواز نظر الطعن ــــــ من أنه ( لا يسع المحكمة في هذا الصدد إلا أن تلاحظ على وزارة الحقانية ــــــ وزارة العدل حالياً ــــــ أنه ما كان يسوغ لها أن تطلب العفو قبل صيرورة الحكم غير قابل للطعن ؛ لما في ذلك من تفويت طريق من طرق الطعن على المحكوم عليه وتعطيل محكمة النقض عن أداء مهمتها، ولقد كان من المتعين أن ترجئ الوزارة السير في إجراءات العفو إلى أن يُفصل في الطعن المقدم من المحكوم عليه ).
وعلى ذلك فقد فطنت محكمة النقض لذلك وصرحت في حكمها ــــــ سالف الإشارة إليه ــــــ بأن العفو المبكر فيه تفويت لطريق من طرق الطعن على المحكوم عليه وتعطيل لها عن أداء مهمتها، ويكون ما ذكرته كافياً قانوناً لإطراح قرار العفو والمضي في نظر الطعن
خامساً : أن أقصى ما يرتبه قرار العفو عن العقوبة هو اعتبارها قد نفذت حكماً، وتنفيذ العقوبة فعلاً لا يفترض الحكم بعدم جواز الطعن في الحكم الصادر فيها.
سادساً : العفو عن العقوبة لا يمحو الإدانة ولا يؤثر في الحكم الصادر في الدعوى المدنية، مما يولد مصلحة للطاعن في إلغاء الحكم ؛ ذلك بأن العفو عن العقوبة لا يمكن أن يمس الفعل في ذاته ولا يمحو الصفة الجنائية التي تظل عالقة به ولا يرفع الحكم ولا يؤثر فيما نفذ من عقوبة بل يقف دون ذلك جميعاً، وكان أثر العفو ينصرف إلى الدعوى الجنائية وحدها دون المساس بما قضى به في الدعوى المدنية التي تستند إلى الفعل في ذاته لا إلى العقوبة المقضي بها عنه.
سابعاً : أن المصلحة هي مناط الحق في الدعوى والحق في الطعن سواء بسواء، فلا دعوى بغير مصلحة، والمصلحة في الطعن تندرج تحت الفكرة العامة للمصلحة في الالتجاء إلى القضاء، وتتميز المصلحة في الطعن عن الحق في الالتجاء إلى القضاء، فيجب أن يكون للطاعن مصلحة في نقض الحكم المطعون فيه، وتتحدد المصلحة في الطعن بالنقض في ضوء الفائدة التي قد تعود على الطاعن من وراء نقض الحكم، ومما لا شك فيه أن المحكوم عليه له مصلحة في نقض الحكم الصادر بإدانته حتى ولو صدر عفو عن العقوبة المحكوم بها، بل إن مصلحته تظل قائمة حتى ولو نفذت العقوبة المقضي بها ؛ ذلك أن العبرة في قيام المصلحة في الطعن إنما هو بتوافرها وقت صدور الحكم المطعون فيه ولا أثر لزوالها من بعده، ومصلحة المحكوم عليه ــــــ في حالة العفو ــــــ تتوافر وقت صدور الحكم المطعون فيه وحال نظر طعنه بالنقض.
ثامناً : القضاء بعدم جواز الطعن يتعارض مع المادة 96 من الدستور التي تقرر بأن ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه )، وأيضاً المادة 97 التي تقرر بأن ( التقاضي حق مصون ومكفول للكافة )، ومؤدى عدم جواز نظر طعن المحكوم عليه ــــــ في هذه الحالة ــــــ حرمانه من تبرئة ساحته وإهدار قرينة براءته بغير حكم بات.
تاسعاً : يتضمن العفو عن العقوبة معنى الإغضاء عن تنفيذها فحسب، فلا تسقط العقوبات التبعية ولا الآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم بالإدانة ما لم ينص في أمر العفو على خلاف ذلك، فالحكم يظل قائماً محتسباً سابقة في العود ومستتبعاً جميع آثاره المحتومة الأخرى المتعلقة بالعقوبات التبعية كالحرمان من بعض الحقوق أو المزايا، بل إن أمر العفو قد يستتبع بذاته في بعض الصور الوضع تحت مراقبة الشرطة.
عاشراً : صدور قرار العفو بالتخفيف قد يكون سابقاً لأوانه ولا ينفي احتمال إلغاء العقوبة كلها بمعرفة محكمة النقض للخطأ في تطبيق القانون أو إعادة محاكمة المتهم للبطلان في الإجراءات مما قد يضر بالمتهم المحكوم عليه إذا ما تم إصدار قرار بالعفو سابقاً لأوانه بتخفيف العقوبة المحكوم بها.
حادي عشر: أن الحكم بعدم جواز نظر الطعن بالنقض ــــــ لصدور قرار العفو ــــــ مبني على سبب من الأسباب التي لا تدعو إلى الحكم بعدم جواز نظر الطعن. لما كان ذلك، فإن المحكمة تلتفت عما صدر من عفو عن العقوبة الصادرة بحق الطاعن وتمضي في نظر الطعن.
وحيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر قانوناً.
وحيث إن الطاعن ينعى ــــــ بمذكرتي أسباب طعنه ــــــ على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بغير قصد من القصود المسماة قد شابه التناقض والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم جاء في عبارات عامة معماة ومجملة، ولم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة، ولم يورد مؤدى أدلة الإدانة، ولم يدلل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن، وأورد الحكم بمدوناته إحراز الطاعن للمخدر بقصد الاتجار ثم عاد ونفي عنه هذا القصد بما يشوبه بالتناقض وينبئ عن اضطراب صورة الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة، وتساند الحكم إلى استدلالات متناقضة لا ترقى لمرتبة الدليل، وبنى الحكم قضاءه على رأى لسواه بأن عول على أقوال ضابط الواقعة ــــــ الشاهد الوحيد ــــــ وعلى إقرار الطاعن بمحضر جمع الاستدلالات رغم أنهما لا يصلحان دليلاً ــــــ لشواهد عددها ــــــ ملتفتاً عن دفاعه ببطلان ذلك الإقرار، ولم يورد الحكم سبب اطمئنانه لأدلة الإدانة، ورد الحكم بما لا يسوغ على الدفع ببطلان القبض والتفتيش ــــــ وبطلان ما تولد عنهما من أدلة ــــــ لانتفاء حالة التلبس، وكيدية الاتهام وتلفيقه وعدم معقولية تصور الواقعة ــــــ لشواهد عددها ــــــ وانفراد ضابط الواقعة بالشهادة وحجبه لأفراد القوة المرافقة، ولم تعن المحكمة بتحقيق هذه الدفوع باستدعاء ضابط الواقعة لسؤاله، والتفتت المحكمة عن الدفع بانتفاء صلة الطاعن بالمضبوطات وإنكاره للاتهام، كما التفتت عن باقي أوجه دفاعه ودفوعه الجوهرية، وعدلت المحكمة وصف الاتهام باستبعاد قصد الاتجار دون تنبيه الدفاع، بما يؤكد رغبة المحكمة في الإدانة، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان يبين مما سطره الحكم المطعون فيه أنه بيَّن مضمون أدلة الدعوى ــــــ خلافاً لقول الطاعن ــــــ وجاء استعراض المحكمة لها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل.
لما كان ذلك، وكان مناط المسئولية في حالتي حيازة وإحراز الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية، وكان القصد الجنائي في جريمة حيازة وإحراز الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز بأن ما يحوزه أو يحرزه من المواد المخدرة، وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالاً عن هذا الركن إذا كان ما أوردته في حكمها كافياً في الدلالة على علم المتهم بأن ما يحرزه مخدراً، وإذ كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع بانتفاء هذا العلم، وكان ما أورده الحكم في مدوناته كافياً في الدلالة على إحراز الطاعن للمخدر المضبوط وعلى علمه بكنهه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في هذا الصدد غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يورد في بيانه لواقعة الدعوى أو إيراده لمؤدى أقوال ضابط الواقعة أن الطاعن يتجر بالمواد المخدرة، إلا أن البين من أسبابه أنه حصل مؤدى أدلة الثبوت كما هي قائمة في الأوراق، وإذ أورد بعد ذلك ما قصد إليه في اقتناعه من عدم توافر قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في حق الطاعن، فإن ذلك يكون استخلاصاً موضوعياً للقصد من الإحراز ينأى عن قالة التناقض في التسبيب، ذلك أن التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة وهو ما لم يترد الحكم فيه، ومن ثم يكون هذا النعي غير سديد.
لما كان ذلك وكان يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب الطعن عن أوجه التناقض والتضارب بين الأدلة بل جاء قوله مرسلاً مجهلاً، وكان من المقرر أن تقدير الدليل موكول لمحكمة الموضوع وأنه متى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك، ولما كانت الأدلة التي أوردها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها ولم يشوبها ثمة تناقض ــــــ خلافاً لما يزعمه الطاعن بأسباب طعنه ــــــ ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما استخلصه من أقوال ضابط الواقعة وتقرير المعمل الكيماوي بمصلحة الطب الشرعي، ومن ثم لم يبنِ حكمه على رأي لسواه، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تنبئ عن أن المحكمة ألمت بواقعة الدعوى ومستنداتها وأحاطت بالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهي على بينة من أمرها، فإن مجادلتها في ذلك ينطوي على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشاهد وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
وكان من المقرر أن الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بنصاب معين في الشهادة وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أن له مأخذه الصحيح في الأوراق، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط شاهد الإثبات وصحة تصويره للواقعة على النحو الذي حصله حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع في مرافعته ببطلان إقراره بمحضر الضبط هذا فضلاً، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يستند في قضائه بالإدانة إلى دليل مستمد من إقرار مستقل من هذا الطاعن بل استند إلى ما أقر به الطاعن لضابط الواقعة في هذا الخصوص، وهو بهذه المثابة لا يعد إقراراً بالمعنى الصحيح وإنما هو مجرد قول للضابط يخضع لتقدير المحكمة، فلا محل للنعي على الحكم إغفاله الرد على ما تمسك به الطاعن من دفاع في هذا الشأن.
لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم لعدم إيراده علة اطمئنانه إلى أدلة الإدانة لا يعدو أن يكون جدلاً في موضوع الدعوى تنأى عنه وظيفة محكمة النقض، ومن ثم يكون هذا النعي غير قويم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس وأطرحه تأسيساً على مشاهدة رجل الضبط للطاعن محرزاً المخدر، فإن الحكم يكون سليماً فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش تأسيساً على توافر حالة التلبس، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته، ومتى كان لا بطلان فيما قام به الضابط من إجراءات فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقواله وما أسفر عنه التفتيش ضمن ما عولت عليه في إدانة الطاعن، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير قويم.
لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب سماع أقوال شاهد الإثبات بل اكتفى بتلاوة أقواله، ومن ثم فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماعه، لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلو بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه – الذي لم يدفع به الطاعن بمحضر جلسة المحاكمة – وعدم معقولية تصور الواقعة وانتفاء صلة الطاعن بالمضبوطات وانفراد ضابط الواقعة بالشهادة وما يثيره الطاعن من إطراح الحكم لإنكاره الاتهام المسند إليه كل أولئك – وكذا نفي التهمة – من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاءً بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد إطراحها، ومع ذلك فقد عرض الحكم للدفع بانفراد الضابط بالشهادة وحجبه باقي أفراد القوة المرافقة وأطرحه برد كاف وسائغ، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً وكان الطاعن لم يكشف بأسباب الطعن عن أوجه الدفاع والدفوع التي لم ترد عليها المحكمة بل جاء قوله مرسلاً مجهلاً، فإن النعي على الحكم في هذا المقام يكون غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة ودارت حولها المرافعة ــــــ وهي واقعة إحراز جوهر الحشيش المخدر ــــــ هي بذاتها التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به، وكان مرد التعديل هو عدم قيام الدليل على توافر قصد الاتجار لدى الطاعن واستبعاد هذا القصد باعتباره ظرفاً مشدداً للعقوبة، دون أن يتضمن إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الأولى، فإن الوصف الصحيح الذي نزلت إليه المحكمة في هذا النطاق حين اعتبرت إحراز المخدر مجرداً من أي قصد لم يكن يستلزم تنبيه الدفاع، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليه من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره، وترك المشرع أمر تقرير الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.