«النقض» ترسي مبدأ هام في الاعترافات.. وتؤكد: تناقض اعترافات المتهمين لا يعيب الحكم متى استخلصت المحكمة الحقيقة منها بما لاتناقض فيه
كتب: أشرف زهران
أرست محكمة النقض أثناء نظرها الطعن رقم الطعن رقم ٩٨٦١ لسنة ٨٩ قضائية، بجلسة 26 فبراير 2020، على مبدأ هام ينص على أن تناقض اعترافات المتهمين، لا يعيب الحكم ، متى استخلصت المحكمة الحقيقة منها بما لاتناقض فيه، موضحة إنه لما كان من المقرر أن تقدير الأدلة من اطلاقات محكمة الموضوع فلها كامل الحرية في الأخذ باعترافات المتهمين في حق أنفسهم أو في حق غيرهم من المتهمين متى اطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع ، وأن التناقض بين أقوال المتهمين وراوية الشهود بفرض قيامه – لا يعيب الحكم – ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له سند .
لما كان ذلك ، وكان لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات المقدمة من النيابة العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة فإن النعي على الحكم في هذا الصدد – بفرض صحته يكون بلا سند .
لما كان ذلك ، وكان يبين من استقراء أحكام القانون رقم ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤ في شأن الأسلحة والذخائر والتعديلات التي طرأت عليه أن المشرع قد راعى فيما قرره من عقوبات القصد من الحيازة أو الإحراز وتدرج في المادة ٢٦ حتى وصل بالعقوبة إلى الإعدام ، إذا كانت حيازة أو إحراز تلك الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات بقصد استعمالها في أي نشاط يُخل بالأمن العام أو النظام العام أو بقصد المساس بنظام الحكم ، أو مبادئ الدستور ، أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي ، وكانت حيازة أو إحراز الأسلحة النارية أو الذخائر بقصد استعمالها في أي نشاط يُخل بالأمن العام أو النظام العام أو بقصد المساس بمبادئ الدستور ، والوحدة الوطنية ، والسلام الاجتماعي مسألة نفسية لا تستفاد فقط من أقوال الشهود ، بل لمحكمة الموضوع أن تتبينها من ظروف الدعوى وما توحي به ملابساتها ، ولا يشترط أن يتحدث عنه الحكم صراحة وعلى استقلال ، ما دامت الوقائع كما أثبتها تُفيد بذاتها توفره ، فإن النعي على الحكم بالقصور في التدليل على توافر هذا الغرض يكون في غير محله .
لما كان ذلك ، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعنين جريمة واحدة وعاقبهما بالعقوبة المقررة لأشدهم وهي جريمة احراز وحيازة بالذات وبالواسطة سلاح ناري غير مششخن ” فرد خرطوش ” بغير ترخيص بقصد استعماله في نشاط يُخل بالأمن العام وبالنظام العام وأوقعت عليهما المحكمة عقوبتها عملاً بنص المادة ۳۲ من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد ، فإنه لا مصلحة للطاعن الأول فيما يثيره بشأن الجرائم الأخرى من حيث عدم التدليل على أركانها وعدم استظهار القصد الجنائي فيها – على النحو الوارد بأسباب الطعن ، ويضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب، كما أن التناقض بين أقوال الشهود – على فرض حصوله – لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يُفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود وصحة تصويرهم للواقعة ، فإن كل ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض .
لما كان ذلك ، وكان الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع ويتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذى رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها ، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، فإن ما يثيره الطاعنان من أن أقوال المجنى عليهم لا تنبئ عن وقوع الجريمة لعدم تعرفهم على الجناة وقت الواقعة لا يكون له محل .
لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعنين وكان قضاؤه في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما يذهب الطاعنان ، فإن ما يثيراه في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه عودة إلى الجدل الموضوعي الذى لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة من اطلاقات محكمة الموضوع فلها كامل الحرية في الأخذ باعترافات المتهمين في حق أنفسهم أو في حق غيرهم من المتهمين متى اطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع ، وأن التناقض بين أقوال المتهمين وراوية الشهود بفرض قيامه – لا يعيب الحكم – ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له سند .
لما كان ذلك ، وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم المطعون فيه من إقرار الطاعن الأول بالتحقيقات له صداه في تحقيقات النيابة العامة مما أدلى به من أقوال تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من معنى الإقرار بارتكاب الجريمة مما يجعل الحكم سليماً فيما انتهى إليه ومبنياً على فهم صحيح للواقعة إذ المحكمة ليست ملزمة في أخذها بأقوال المتهم أن تلتزم نصها وظاهرها بل لها أن تأخذ منها ما تراه مطابقاً للحقيقة ، ومن ثم فلا تثريب على الحكم إن هو استمد من تلك الأقوال ما يدعم الأدلة الأخرى التي أقام عليها قضاءه بإدانة الطاعن الأول وبذلك ينحسر عن الحكم قاله الخطأ في الإسناد .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير العقوبة وتقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها من اطلاقات محكمة الموضوع بغير معقب دون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالضرر الذي ارتأته وكانت محكمة الموضوع قد انتهت إلى اعمال المادة ٣٢ من قانون العقوبات ودانت الطاعنين بالجريمة الأشد وهي إحراز وحيازة بالذات وبالواسطة سلاح ناري غير مششخن ” فرد خرطوش ” بغير ترخيص بقصد استعماله في نشاط يُخل بالأمن وبالنظام العام وعقوبتها الإعدام طبقاً النص – البند الأخير – من الفقرة السادسة من المادة ٢٦ من القانون رقم ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤ في شأن الأسلحة والذخائر ثم استعملت الرخصة الممنوحة لها بموجب المادة ١٧ من القانون ذاته ونزلت بالعقوبة إلى السجن المؤبد إلى حد تسمح به هذه المادة – على خلاف ما يزعمه الطاعن الأول – وقضاؤها في ذلك صحيح فلا ينال من سلامته إغفال تعيين الجريمة الأشد ، ويضحى النعي على الحكم في هذا الخصوص غير قويم .
لما كان ذلك ، وكان باقي ما يثيره الطاعنان من عدم ضبط ثمة أسلحة وعدم معقولية الواقعة وتلفيق الاتهام وكيديته وانتفاء صلتهما بالجريمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية ، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على كل جزئية من دفاع المتهم الموضوعي لأن الرد عليه مستفاد ضمناً من قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التى أوردتها ، فضلاً عن أن البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين لم يطلب تحقيقاً معيناً بصدد ما أثاره من دفاع ، فليس لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون بلا سند .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعن الأول لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية المستندات التى عاب على الحكم عدم التعرض لها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة ، بل ساق قولاً مرسلاً مجهلاً ، فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .