«النقض» ترسي مبدأ هام بشأن إجراءات التحقيق.. وتؤكد: تعييب التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح سببا للطعن على الحكم 

كتب: أشرف زهران

أرست محكمة النقض أثناء نظرها الطعن رقم 1990 لسنة 88 قضائية مبدأ هام بشأن إجراءات التحقيق ينص على ان تعييب التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح سببا للطعن على الحكم، موضحة أن الدفع بصدور الإذن بعد الضبط هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها ، هذا إلى أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها مع باقي الأدلة في الدعوى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام النقض، هذا فضلاً عن أنه البين من محضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور الإذن بهما فليس له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها

 

الحكم

 

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه بمذكرتي أسباب طعنه أنه إذ دانه بجريمة الالتحاق بجماعة إرهابية مقرها خارج البلاد وتلقي تدريبات عسكرية بها ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك أنه لم يحط بوقائع الدعوى المستوجبة للعقوبة ولم يبين أركانها القانونية ، واعتنق صورتين متعارضتين لها ، وعول في قضائه بالإدانة على اعتراف الطاعن رغم خلوه من انضمامه إلى تنظيم داعش ، وعدوله عنه بعد ذلك ، وأنه جاء نتيجة إكراه مادي ومعنوي ، وأنه تم بعد احتجازه لمدة طويلة قبل عرضه على النيابة العامة ، ولعدم حضور محام معه الاستجواب وفقاً لنص المادة ١٢٤ من قانون الإجراءات الجنائية ، وأطرح بما لا يصلح دفوعه ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية ، وخلوها من اسم الطاعن ، ولصدوره عن جريمة مستقبلة ، وببطلان القبض لحصوله قبل صدور إذن النيابة العامة بدلالة المستندات المقدمة منه في هذا الشأن ، كما أن الحكم أورد في مدوناته أن مجري التحريات ضابط أخر غير الذي أجراها ، وتمسك الطاعن بإعفائه من العقاب وفقاً لنص المادة رقم ١٠٠ من قانون العقوبات لانفصاله عن الجماعة قبل تاريخ ٣٠ / ٦ / ٢٠١٣ ، فضلاً عن أن جماعة أنصار محمد السورية لم يصدر قرار باعتبارها كياناً إرهابياً وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم ٨ لسنة ٢٠١٥ ، هذا إلى أن الطاعن لم تضبط معه ثمة مضبوطات ، والتفت المحكمة عن طلبه الاستعلام عن تحركاته من مصلحة الجوازات ، كما أن النيابة العامة لم تجر تحقيقاً في القضية رقم …….. لسنة ٢٠١٤ حصر أمن دولة عليا ولم تعرضه على الطب الشرعي لإثبات ما به من إصابات ، كما تقاعس ضابط الواقعة عن تنفيذ قرار النيابة العامة حول الإقرار المنسوب إلى الطاعن ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن التحق بجماعة ولاية أنصار محمد الإرهابية بدولة سوريا في غضون الفترة من شهر إبريل سنة ٢٠١٣ حتى مايو ٢٠١٥ متسللاً عبر الحدود التركية وانتقل إلى أحد معسكراتها ومكث به ثلاث أشهر تلقى خلالها تدريبات عسكرية وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شاهد الإثبات وإقرار الطاعن بتحقيقات النيابة العامة ، وأورد مؤدى الأدلة التي استند إليها في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كما هو الحال في هذه الدعوى كان ذلك محققاً لحكم القانون ، ويكون النعي على الحكم بالقصور في البيان لا محل له .

لما كان ذلك ، وكان البين من استقراء نص المادتين ٨٦ مكرراً من قانون العقوبات أن المشرع أطلق وصف التنظيم الإرهابي على جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة تهدف إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو سلطاتها العامة من ممارسة أعمالها أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي تكفل الدستور والقانون بحمايتها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي ، وذلك كله إذا كان العنف أو القوة أو التهديد باستعمالها من بين الوسائل التي قد تلجأ إليها هذه الجماعة لتحقيق أهدافها ، ولما كانت العبرة في قيام هذه الجماعة أو تلك الهيئة أو المنظمة أو العصابة وصفها بالإرهابية هو بالغرض الذي تهدف غليه والوسائل التي تتخذها للوصول إلى ما تنعياه ، وكانت جريمة الالتحاق بجماعة إرهابية مقرها خارج البلاد وتتخذ من الإرهاب أو التدريب العسكري وسائل لتحقيق أهدافها المؤثمة بالمادة ٨٦ مكرراً د من قانون العقوبات تحقق بالتحاق الجاني بإحدى هذه التنظيمات المشار إليها آنفاً ، خارج أراضي جمهورية مصر العربية أو تلقيه تدريبات عسكرية أو المشاركة في عملياتها غير الموجهة لمصر ، ولا يشترط لإثبات هذه الجريمة طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة ، بل يكفي كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة بوقوع الفصل المكون لها من أي دليل أو قرينة تقدم إليها ، ولما كان ما خلص إليه الحكم من التحاق الطاعن بإحدى التنظيمات الإرهابية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش بدولة سوريا وأورد بمدوناته إقرار الطاعن أنه التحق بجماعة ولاية أنصار محمد بدولة سوريا التي تعتنق الأفكار التكفيرية المتطرفة وانه تلقى تدريبات عسكرية بها ، فإن ما أورده الحكم على السياق المار بيانه يعد كافياً وسائغاً في تدليله على توافر الجريمة التي دان الطاعن بارتكابها بركنيها المادي والمعنوي ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص لا محل له .

لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتنق صورة واحدة للواقعة وهي انضمام الطاعن إلى جماعة إرهابية مقرها خارج البلاد وتلقي تدريبات عسكرية بها ، وتتخذ من الإرهاب والتدريب العسكري وسائل لتحقيق أغراضها فإن دعوى التناقض التي يثيرها الطاعن لا تصادف محلاً من الحكم المطعون فيه .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة كامل الحرية في تقدير صحتها ، وقيمتها في الإثبات ، فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه أو تعذيب أو تخويف أو ترويع ، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه ، وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحة اعترافه ، ومطابقته للحقيقة والواقع ، مادامت تقيمه على أسباب سائغة ، ولما كانت المحكمة قد استخلصت سلامة اعتراف الطاعن بتحقيق النيابة العامة ، فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ، ومحاولة مصادرتها في عقيدتها .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المادة ١٢٤ من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على عدم جواز استجواب المتهم أو مواجهته في الجنايات إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد ، فقد استثنت من ذلك حالتي التلبس والسرعة ، وإذ كان تقدير هذه السرعة متروكاً للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع ولا يغير من ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة ١٢٤ سالفة الذكر المضافة بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ من وجوب ندب محام لحضور التحقيق إذ أن ذلك مقصور على غير حالات التلبس والاستعجال المستثناة أصلاً عملاً بالفقرة الأولى من المادة سالفة البيان وكان الطاعن لا يزعم في أسباب طعنه أنه أعلن اسم محاميه سواء للتحقق في محضر الاستجواب أو قبل استجوابه بتقرير في قلم الكتاب أو أمام مأمور السجن ، ولا يدعى أن النيابة العامة قد تقاعست في اتخاذ إجراءات ندب محامياً لحضور التحقيق معه أو أنها لم يكن لديها وجهاً لاستعجال إجراء التحقيق دون حضوره ، ومن ثم فإن استجوابه في تحقيق النيابة العامة يكون قد تم صحيحاً في القانون ، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير قويم .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن ، فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، ولما كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق وكان الحكم قد أفصح فيما أورده في مدوناته عن اطمئنانه أن الطاعن هو الذي انصبت عليه التحريات وهو المقصود في الإذن الصادر في التفتيش فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير أساس .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد اثبت في مدوناته أن التحريات السرية التي أجراها ضابط الواقعة دلت على أ، الطاعن تسلل عبر الحدود التركية إلى دولة سوريا والتحق بجماعة ولاية أنصار محمد الإرهابية وتلقى تدريبات عسكرية بها ، فاستصدر إذناً من النيابة العامة بضبطه ، فإن مفهوم ذلك أن الأمر قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من مقرفها لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة ، ويضحى ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن على غير أساس ، فضلاً عن أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان الإذن لصدور عن جريمة مستقبلة ، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير قويم .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بعد الضبط هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها ، هذا إلى أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها مع باقي الأدلة في الدعوى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام النقض . هذا فضلاً عن أنه البين من محضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور الإذن بهما فليس له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها .

لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن خطأ الحكم في بيان اسم الضابط مجري التحريات لا يعدو أن يكون زلة قلم لا تخض وخطأ مادياً لا أثر له في منطق الحكم واستدلاله على جوهر الواقعة التي دان الطاعن بارتكابها ، ويكون ما ينعاه على الحكم في هذا الخصوص غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بأسباب طعنه أنه يستحق الإعفاء وفقاً لنص المادة ١٠٠ من قانون العقوبات وأن جماعة أنصار محمد السورية لفم تدرج كياناً إرهابياً وفقاً للإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم ٨ لسنة ٢٠١٥ ، فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على هذا الدفع طالما أنه دفع قانوني ظاهر البطلان ، فضلاً عن أنه البين من محضر جلسة المحاكمة أنه لم يتمسك بشيء من ذلك أمام محكمة الموضوع أثناء المحاكمة ، فإنه ما يثيره في هذا الوجه من النعي يكون على غير أساس .

لما كان ذلك ، وكان الدفع بعدم ضبط مضبوطات مع الطاعن من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد إطراحها ، وبحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على سلامة ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ، لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون لا محل له .

لما كان ذلك ، وكان باقي ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة ، مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان القانون يخول لمحكمة النقض أن تطبق النصوص التي تدخل الواقعة في متناولها ، ومادام هذا التطبيق يقتضي حتماً أن تقدر محكمة النقض العقوبة اللازمة ، فإن ذلك يستتبع أن يكون لها عندئذ حق الأخذ بموجبات الرأفة المنصوص عليها في القانون ، فإنه يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بإلغاء عقوبة السجن المؤبد المقضي بها على المحكوم عليه الطاعن ومعاقبته بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات بدلاً منها ، ورفض الطعن فيما عدا ذلك .

زر الذهاب إلى الأعلى