«النقض»: بطلان القبض لا يحول دون الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى المستقلة
قالت محكمة النقض في حكمها بالطعن الطعن رقم 12669 لسنة 61 القضائية، إن بطلان القبض بفرض وقوعه لا يحول دون أخذ المحكمة بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها القبض ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق بارتكاب الجريمة، وكان تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم إثر قبض باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بالقبض هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم أولاً المتهمون وآخر 1 – سرقوا المنقولات المبينة بالأوراق وصفاً وقيمة والمملوكة….. حالة كون إحداهما يحمل سلاحاً ظاهراً – ثانياً: المتهمان الثاني والرابع أ – أحرزا بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً طبنجة ب – أحرزا ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخص لإحداهما بحيازة أو إحراز سلاح ناري. وأحالتهما إلى محكمة جنايات دمنهور لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 44 مكرراً، 316 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2 – 5، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 54 المعدل بالقانونين 26/ 78، 165 لسنة 81 والبند “أ” من القسم (1) من الجدول 3 الملحق من تطبيق المادتين 17، 32 من قانون بمعاقبة المتهمين بالسجن لمدة خمس سنوات ومصادرة السلاح الناري والذخيرة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض…… إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعنان……، ……، …… وإن قرروا بالطعن في الميعاد إلا أنهم لم يقدموا أسباباً لطعنهم، ولما كان التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه، فإن الطعن المقدم من الطاعنين المذكورين يكون غير مقبول شكلاً.
ومن حيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول……. قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة السرقة بالإكراه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك أنه دفع ببطلان القبض عليه لوقوعه بغير إذن من النيابة العامة وبطلان اعترافه لما شابه من إكراه مادي وأدبي تمثل في تواجد ضابط الواقعة أثناء التحقيق مما أثر عليه، وصدوره إثر قبض باطل، بيد أن المحكمة أطرحت الدفع الثاني بما لا يسوغه، ولم تجبه إلى طلب سماع أقوال السيد وكيل النيابة المحقق وسكرتير التحقيق، ولم تعرض للدفع الأول، هذا إلى أن الأوراق خلت من دليل على حمل أحد المتهمين لسلاح ناري حال وقوع الحادث، وإطلاق أعيرة نارية منه، وأن السلاح المضبوط عثر عليه بالمنزل بعد الحادث مما تعد معه الواقعة في حقيقتها جنحة سرقة عادية لا تختص محكمة الجنايات بنظرها، كل ما تقدم يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال ضابطي الواقعة وشهود الإثبات واعتراف المتهمين الخمسة الأول بتحقيقات النيابة العامة وتقرير فحص السلاح والذخيرة. وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعى على الحكم لعدم رده على دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه لأن إذن النيابة العامة الصادر بهما لم يشمله مردود بأن الحكم قد بنى قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التي قام عليها ولم يعول على أي دليل مستمد من هذا القبض ولم يشر إليه في مدوناته.
ومن ثم فإنه قد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على هذا الدفع. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع، وكما أن لها أن تقدر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وكان سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراهاً ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً كان أو معنوياً، ومجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً. ولما كان الحكم قد تناول دفع الطاعن ببطلان اعترافه وأطرحه بأسباب سائغة كافية لحمله وخلص إلى سلامة الدليل المستمد من اعتراف الطاعن لما ارتأته المحكمة من مطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهرته من باقي عناصر الدعوى وأدلتها من خلوه مما يشوبه وصدوره منه طواعية واختياراً.
ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بدعوى القصور في الرد على الدفع ببطلان اعترافه وعدم إجابته إلى ما طلبه من مناقشة السيد وكيل النيابة الذي أجرى التحقيق وسكرتير التحقيق ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض ويكون نعي الطاعن بغير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد في مدوناته وحال رده على الدفع ببطلان الاعتراف أن المتهم الأول (الطاعن) اعتراف تفصيلاً أمام النيابة العامة بارتكابه للحادث مع باقي المتهمين عدا السادس وقرر الأربعة الآخرون منهم بأن اعتراف المتهم الأول منفصل عن واقعة ضبطه، وكان من المقرر أن بطلان القبض بفرض وقوعه لا يحول دون أخذ المحكمة بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها القبض ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق بارتكاب الجريمة.
وكان تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم إثر قبض باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بالقبض هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى سلامة وصحة الاعتراف المنسوب للطاعن وأنه منبت الصلة بالقبض الباطل، فإن منعاه في هذا الخصوص يكون غير سديد ولا يقدح في سلامة الحكم ما سطره في مقام نفي صلة القبض بالاعتراف المنسوب للطاعن في قوله….. (وقرر الأربعة الآخرين منهم بقيام المتهم الأول منفصل تماماً عن واقعة ضبطه) إذ يبين من السياق الذي تخللته هذه العبارة على ما سلف بيانه أنها تعني أن اعترافه منفصل عن واقعة القبض عليه، ومن ثم فإن صياغتها على النحو المشار إليه لم يكن بذي أثر على عقيدة المحكمة التي تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمباني، طالما كان المقصود منها نفي الصلة بين القبض والاعتراف.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تحديد وقت وقوع الحادث من الليل أو النهار وإثبات ظرف حمل المتهم للسلاح هو مما يستقل به قاضي الموضوع بغير معقب عليه في ذلك، وكان قضاء محكمة النقض قد استقر على أن جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات تتحقق قانوناً بالنسبة إلى ظرف حمل السلاح كلما كان أحد المتهمين حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ أياً كان سبب حمله لهذا السلاح، وكانت المحكمة قد اطمأنت من جماع الدليل المطروح عليها في الدعوى إلى أن المتهم – ومعه آخرون – قد قاموا بإتيان واقعة السرقة ليلاً وأن أحدهم كان يحمل سلاحاً أطلق منه أعيرة نارية بعد الحادث مباشرة، وقد ضبط هذا السلاح معه بعد ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، هذا إلى أن النعي بأن الواقعة مجرد جنحة سرقة وليست جناية سرقة بالإكراه لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب.
طالما أنها تناولت دفاعه وردت عليه رداً سليماً يسوغ به إطراحه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها ويكون نعي الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن مرجعة إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
ولما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أوردته المحكمة من أقوال الشهود والمتهمين له معينه الصحيح في الأوراق، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون مجادلة في أدلة الدعوى التي اطمأنت إليها المحكمة، وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض، ولا يعيب الحكم التفاته عن قالة شهود النفي كما يدعي الطاعن أو نفي واقعة ضبط السلاح، إذ يعد دفاعاً لم تطمئن إليه المحكمة فأطرحته ويكون هذا النعي غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.