«النقض»: الوفاء يبطُل كعمل قانوني ويبقى كواقعة مادية عند زوال سببه

 

الوفاء، أكدت محكمة النقض محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٦٦٣٢ لسنة ٧٦ قضائية ـ الدوائر المدنية، أن المطالبة بالرد عن طريق دعوى رد غير المستحق وهى إحدى تطبيقات دعوى الإثراء بلا سبب، إذ بزوال سبب الوفاء يبطل الوفاء كعمل قانونى ولا يبقى قائماً إلا كواقعة مادية، وهى الواقعة التي يترتب عليها إثراء المدفوع له وافتقار الدافع، كما أنها هي ذاتها التي ينشأ عنها الالتزام برد ما دُفع بغير حق، وهذه الدعوى ذات طبيعة مدنية محضة ويختص بها القضاء العادي.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر/ د. أيمن الحسيني والمرافعة وبعد المداولة.

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن بصفته أقام علي المطعون ضدهم بصفاتهم الدعوي رقم ٥٨٢٨ لسنة ٢٠٠٣ مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهم بأن يؤدوا إليه مبلغ مقداره ٣٧٧١٦,٢٤ جنيهاً مع فوائده القانونية حتي تاريخ السداد، وقال بياناً لذلك أنه استورد عدة رسائل تجارية حصلت عليها مصلحة الجمارك المبلغ المطالب به كرسوم خدمات دون وجه حق بموجب المادة ١١١ من قانون الجمارك رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ والقرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن، حكمت المحكمة بالطلبات.

فاستأنف المطعون ضدهم بصفاتهم هذا الحكم بالاستئناف رقم ١٠٢ لسنة ٦٢ ق لدي محكمة استئناف الإسكندرية التي حكمت بتاريخ ١٣/٩/٢٠٠٦ بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوي، طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة دفعت فيها أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة مصدرة الحكم ولائياً بنظر الدعوي وانعقاد الاختصاص بنظرها للقضاء الإداري، واحتياطياً: عدم قبول الطعن لرفعه علي غير ذي صفة بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث، وفي الموضوع بنقضه، وإذ عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .

وحيث إنه عن دفع النيابة بعدم اختصاص المحكمة مصدرة الحكم ولائياً بنظر الدعوي وانعقاد الاختصاص بنظرها للقضاء الإداري.

وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة النقض – حسبما انتهي إليه قضاء هيئتها العامة – أن القضاء العادي هو صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات المدنية والتجارية وكافة المنازعات التي لم تخرج عن اختصاصه بنص خاص، وأن أي قيد يضعه المشرع للحد من هذه الولاية – ولا يخالف به أحكام الدستور – يعتبر استثناءً وارداً على أصل عام ومن ثم يجب عدم التوسع في تفسيره، ولازم ذلك أنه إذا لم يوجد نص في الدستور أو القانون يجعل الاختصاص بالفصل في النزاع لجهة أخرى غير المحاكم.

فإن الاختصاص بالفصل فيه يكون باقياً للقضاء العادي على أصل ولايته العامة، وكان النص في المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ مؤداه أن محاكم مجلس الدولة هي صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية سواء ما ورد منها على سبيل المثال بالمادة المشار إليها أو ما قد يثور بين الأفراد والجهات الإدارية بصدد ممارسة هذه الجهات لنشاطها في إدارة أحد المرافق العامة بما لها من سلطة عامة، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن القرار الإداري الذى لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله أو التعويض عن الأضرار المترتبة عليه هو ذلك القرار الذى تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة،.

فإن شابه عيب انحدر به إلى درجة الانعدام أصبح واقعة مادية مما يخرجه عن عداد القرارات الإدارية ويخضعه لاختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بنظر كافة المنازعات، وكانت الرسوم – وفقاً لما قررته المحكمة الدستورية العليا – من الفرائض التي تتأدى جبراً مقابل خدمة محددة يقدمها الشخص العام لمن يطلبها عوضاً عن تكلفتها وإن لم يكن في مقدارها، وإنه وإن كان للسلطة التشريعية تفويض السلطة التنفيذية في تنظيم أوضاعها إلا أن ذلك مشروط بأن يحدد القانون نوع الخدمة والحدود القصوى للرسم وغيرها من القيود التي لا يجوز تخطيها حتى لا تكون تلك الرسوم مجرد وسيلة جباية لا تقابلها خِدمات حقيقية يحصل عليها من يدفعها،.

وانطلاقًا من هذا النظر قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ١٧٥ لسنة ۲۲ق “دستورية” بتاريخ ٥/٩/٢٠٠٤ بعدم دستورية نص الفِقرتين الأولى والأخيرة من المادة ١١١ من قانون الجمارك رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣الصادر بقرار رئيس الجمهورية، وبسقوط الفِقرة الثانية منها، وبسقوط قرار وزير الخزانة رقم ٥٨ لسنة ١٩٦٣ والقرارين المعدلين له رقمي ١٠٠ لسنة ١٩٦٥ و٢٥٥ لسنة ١٩٩٣ وكذا قرار وزير المالية رقم ١٢٣ لسنة ١٩٩٤ والقرارين المعدلين له رقمي ١٢٠٨ لسنة ١٩٩٦ و٧٥٢ لسنة ١٩٩٧.

وكان مفاد النص في المادتين ١٨١ و١٨٢ من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المشرع أورد حالتين يجوز فيهما للموفي أن يسترد ما أوفاه، أولاهما: الوفاء بدين غير مستحق أصلاً، وهو وفاء غير صحيح بدين غير مستحق الأداء، وفى هذه الحالة يلتزم المدفوع له بالرد إلا إذا نسب إلى الدافع نية القيام بتبرع أو أي تصرف قانونى آخر، وثانيتهما: أن يتم الوفاء صحيحاً بدين مستحق الأداء ثم يزول السبب الذى كان مصدراً لهذا الالتزام، ولا يتصور في هذه الحالة أن يكون طالب الرد عالماً وقت الوفاء بأنه غير ملتزم بما أوفىَ لأنه كان ملتزماً به قانوناً، وسواء تم الوفاء اختياراً أو جبراً فإن الالتزام بالرد يقوم بمجرد زوال السبب، وكانت المطالبة بالرد عن طريق دعوى رد غير المستحق وهى إحدى تطبيقات دعوى الإثراء بلا سبب.

إذ بزوال سبب الوفاء يبطل الوفاء كعمل قانونى ولا يبقى قائماً إلا كواقعة مادية، وهى الواقعة التي يترتب عليها إثراء المدفوع له وافتقار الدافع، كما أنها هي ذاتها التي ينشأ عنها الالتزام برد ما دُفع بغير حق، وهذه الدعوى ذات طبيعة مدنية محضة ويختص بها القضاء العادي، ولا يغير من طبيعتها تلك أن يكون قد لابسها عنصر إداري أضفى عليها شكل المنازعة الإدارية، وأن يكون هذا العنصر هو سبب الالتزام قبل زواله، ذلك أن هذا السبب بمجرده لا يغير من الطبيعة الموضوعية لدعوى رد غير المستحق وهى الطبيعة المدنية المحضة، إذ لا عبرة بسبب الوفاء أياً كان، طالما أن دعوى رد غير المستحق لا تقوم على هذا السبب ولا على الوفاء المترتب عليه.

وإنما تقوم لدى زواله وبطلان الوفاء كعمل قانونى وبقائه كواقعة مادية كما سلف القول، وباعتبار أن هذا هو أساس نشأة الالتزام في دعوى رد غير المستحق دون النظر إلى السبب الذى زال، وهو ما يترتب عليه أن موضوع المنازعة الحالية – بطلب استرداد مبالغ مالية دُفعت بغير حق استناداً إلى نص قانونى قُضى بعدم دستوريته – لا يتصل بقرار إداري ولا يتساند إليه، ويدخل بحسب طبيعته المدنية المحضة في نطاق اختصاص القضاء العادي، ويضحي الدفع المبدي من النيابة بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوي واختصاص القضاء الإداري بنظرها علي غير أساس.

وحيث إن مبني الدفع المبدي من النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث بصفتيهما، أن وزير المالية (المطعون ضده الأول) هو الذي يمثل وزارته دون غيره من موظفي المصالح التابعة له.

وحيث إن هذا الدفع في محله، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الأصل أن الوزير هو الذى يمثل وزارته فيما ترفعه الوزارة والمصالح والإدارات التابعة لها أو يرفع عليها من دعاوى وطعون إلا إذا منح القانون الشخصية الاعتبارية لجهة إدارية معينة أو أسند صفة النيابة إلى غير الوزير فتكون له عندئذ هذه الصفة في الحدود التي يعينها القانون ، ولما كان المشرع لم يمنح الشخصية الاعتبارية لمصلحة الجمارك أو غيرها من الإدارات التابعة لها فإن وزير المالية يكون ممثلها دون غيره من موظفيها فيما ترفعه أو يرفع عليها من دعاوي وطعون، ومن ثم فإن الطعن يكون غير مقبول بالنسبة للمطعون ضدهما الثاني والثالث بصفتيهما لرفعه علي غير ذي صفة.

وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة للمطعون ضده الأول بصفته.

وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بصفته على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، إذ قضي بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوي استناداً إلى أن الحكم بعدم دستورية نص المادة ١١١ من قانون الجمارك رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ ليس له أثر رجعي وإنما أثره فوري، ولا حق له في استرداد ما سدد من رسوم خدمات حُصلت قبل صدور حكم الدستورية المشار إليه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن – المقرر في قضاء محكمة النقض -أن الضريبة هي فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، يدفعونها بصفة نهائية دون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها وهي تفرض مرتبطة بمقدرتهم التكليفية ولا شأن لها بما قد يعود عليهم من فائدة بمناسبتها أما الرسم فإنه يستحق مقابل نشاط خاص آتاه الشخص العام عوضاً عن تكلفته، لما كان ذلك، وكان مفاد نص المادة ٤٩ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ المعدلة بالقرار بقانون رقم ١٦٨ لسنة ١٩٩٨ أنه يترتب على صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص في القانون غير ضريبي أو لائحي عدم جواز تطبيقه اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية.

وهذا الحكم ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة، ولازم ذلك أن الحكم بعدم دستورية نص في القانون لا يجوز تطبيقه من اليوم التالي لنشره ما دام قد أدرك الدعوى أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض وهو أمر متعلق بالنظام العام تعمله محكمة النقض من تلقاء ذاتها . لما كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد حكمت في القضية رقم ١٧٥ لسنة ۲۲ ق دستورية بعدم دستورية نص الفقرتين الأولى والأخيرة من المادة ۱۱۱ من قانون الجمارك رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ وبسقوط الفقرة الثانية منها وكذا قراري وزير المالية رقمي ٢٥٥ لسنة ۱۹۹۳ ،۱۲۳ لسنة١٩٩٤ ،الخاصين بتقدير رسوم الخدمات الجمركية محل النزاع.

وهي نصوص غير ضريبية لتعلقها برسوم تجبيها الدولة جبراً من شخص معين مقابل خدمة تؤديها له السلطة العامة ، فيتعين تطبيق حكم الدستورية مار الذكر علي تلك النصوص منذ نشأتها، ويكون الحكم المطعون فيه إذ خلص إلي أن الطاعن بصفته لا يحق له استرداد ما سدده من رسوم خدمات حصلتها مصلحة الجمارك قبل صدور حكم الدستورية المشار إليه متخذاً من النصوص – المحكوم بعدم دستوريتها – أساساً لقضائه بإلغاء الحكم المستأنف القاضي برد هذه الرسوم، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه.

ولما كان الموضوع صالحاً للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين تأييد الحكم المستأنف.

لـــــذلك

نقضت المحكمة: الحكم المطعون فيه، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم ١٠٢ لسنة ٦٢ ق استئناف الإسكندرية بتأييد الحكم المستأنف، مع إلزام المطعون ضده الأول بصفته بالمصروفات و٣٠٠٠ جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

محكمة النقض توضح المقصود بانقطاع سير الخصومة وشروطها

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى