«النقض»: المحكمة غير ملزمة بالرد صراحةً على أدلة النفي التي يتقدم بها المتهم
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ۱٤۱۲٦ لسنة ۹۰ قضائية، أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحةً على أدلة النفي التي يتقدم بها المتهم مادام الرد عليها مستفاداً ضمناً من الحكم بالإدانة اعتماداً على أدلة الثبوت التي أوردها إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليه ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها ومن ثمَّ فإن ما يثيره الطاعن في شأن عدم تواجده على مسرح الجريمة وقت وقوعها بدلالة الشهادة الموثقة وشاهد النفي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
المحكمـــة
بعد الاطـلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر ، والمرافعة ، وبعد المداولة قانوناً :-
حيث أنَّ الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث أنَّ الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب الذي نشأ عنه عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً مع سبق الإصرار والترصد ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه صيغ في عبارات عامة مجملة خلت من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها ، ولم يورد مؤدى الأدلة التي عوّل عليها في قضائه بالإدانة وعلى الأخص أقوال شهود الإثبات، وبنى قضاءه على التخمين وعلى استدلالات لا ترقى إلى مرتبة الدليل ، كما أنَّ المحكمة أسست قناعتها بالإدانة على رأيٍ لسواها ، ولم يستظهر أركان الجريمة رغم دفعه بعدم توافر القصد الجنائي في حقه ، مُعوِّلاً في إدانته على أقوال شهود الإثبات رغم عدم معقولية تصور حدوث الواقعة وفق تصويرهم وعدم صلاحيتها كدليل إدانه قِبَـله لشواهد عدَّدها منها تناقض وتضارب المجني عليه في محضر جمع الاستدلالات عنه في تحقيقات النيابة.
فضلاً عن أن شهادة والدة المجني عليه سماعية وليدة خلافات وخصومات بقصد الانتقام من الطاعن ، ولم تُبين المحكمة سبب اطمئنانها إلى أقوالهم ، مما يؤكد تلفيق الاتهام وكيدية وانتفاء صلته بالواقعة وعدم تواجده على مسرح الجريمة بدلالة أقوال شاهد النفي الذي سُمعت شهادته أمام المحكمة وشاهدي نفي وثَّقت شهادتهما ، كما تساند فى قضائه إلى تحريات الشرطة وأقوال مُجريها رغم عدم صلاحيتها لذلك ، ورغم عدم جديتها وتجهيل مصدرها وأنها جاءت ترديداً لأقوال والدة المجني عليه ، وأخيراً خلا الحكم من بيان مكان الواقعة ، فضلاً عن عدم إجراء معاينة له بمعرفة المحكمة ، كل ذلك ممَّا يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها ومن ثمَّ فإن ما يثيره الطاعن في شأن عدم تواجده على مسرح الجريمة وقت وقوعها بدلالة الشهادة الموثقة وشاهد النفي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
لمَّا كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تُعوِّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري ، كما أنه من المقرر أنه لا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغت به والدة المجني عليه أو قرره الشهود لأنَّ مفاد ذلك أن مُجريها قد تحقق من صدق تلك الأقوال فإنَّ ما ينعاه الطاعن من تعويل الحكم على تحريات الشرطة وأقوال مجريها رغم عدم جديتها لعدم كشف مجريها عن مصدر تحرياته ومكتبيتها ينحـل إلـى جـدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى ممَّا يخرج عن رقابة محكمة النقض .
لمَّا كان ذلك ، وكان لا يعتبر محل الواقعة في الحكم الجنائي من البيانات الجوهرية الواجب ذكرها إلا إذا رتَّب الشارع على حدوث الواقعة في محل معين أثراً قانونياً بأن جعل منه ركناً في الجريمة أو ظرفاً مشدداً أما في غير ذلك فإنه يكفي في بيان مكان الجريمة مجرد الإشارة إليه ما دام أن المتهم لم يدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظرها ، هذا فضلاً عن أنه وكان البيِّن من الحكم المطعون فيه أنه بيَّن – خلافاً لما يقوله الطاعن – مكان الواقعة مما يكفي لتحقيق الغاية التي توخَّاها القانون من إيجاب اشتمال الحكم على هذه البيانات ومن ثمَّ فإن تعييب الطاعن للحكم في شأن عدم بيان مكان الحادث لا يكون له محل .
لمَّا كان ذلك ، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أنَّ أياً من الطاعن أو المدافع عنه قد طلب إلى المحكمة إجراء معاينة لمكان الواقعة فليس له من بعد النعي عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يُطلب منها ولم تـرْ هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها شهود الإثبات . لمَّا كان ما تقدَّم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
فلهـــذه الأسبــــــــــاب
حكمت المحكمة:ـ
بقبـول الـطعن شكـلاً ، وفي الموضوع برفضـه .