«النقض»: الصلح غير مؤثر على جناية العاهة التي وقعت
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٠٨١٥ لسنة ٧٩ قضائية – الدوائر الجنائية، أنه لا أثر للصلح على جناية العاهة التي وقعت ولا على مسئولية مرتكبها أو على الدعوى الجنائية المرفوعة بها مما يضحى معه هذا الوجه من النعي غير مؤثر .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً : –
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر فى القانون .
ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه – إذ دانه بجريمتي إحداث عاهة مستديمة وإحراز أداة مما تستخدم فى الاعتداء على الأشخاص بغير مسوغ قانوني – قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق ؛ ذلك بأنه حُرر فى صورة غامضة مجملة خلت من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها بما يتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها واكتفى فى بيان واقعة الدعوى بترديد ما ورد بوصف الاتهام ، ولم تعن المحكمة برفع التناقض بين الدليلين القولي والفني بشأن عدد إصابات المجني عليه وموضعها من جسده والأداة المستخدمة فى إحداثها وموقف الطاعن من المجني عليه ولم تفطن إلى قِدم إصابة المجني عليه والذي تصالح مع الطاعن بجلسة ٢٠ / ٧ / ٢٠٠٩.
كما عرض الحكم عن دفاعه بعدم جدية التحريات وعدم تواجده بمكان الحادث بدلالة أقوال شهود النفي وكذا دفاعه بعدم معقولية تصور الواقعة وكيدية الاتهام وتلفيقه بدلالة شواهد عدة فضلاً عن شيوع الاتهام لحصول الاعتداء على المجني عليه من أكثر من شخص ؛ كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه .
من حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي إحداث العاهة المستديمة وإحراز أداة تستخدم فى الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ قانوني اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه وتحريات الشاهد الثاني ومن تقرير الطب الشرعي ، وهي أدلة سائغة من شأنها تؤدي إلى ما رتبه عليها .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – كافياً فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، وإذ كانت صيغة الاتهام المبينة فى الحكم تعتبر جزءاً منه فيكفي فى بيان الواقعة الإحالة إليها ؛ ومن ثم فإن النعي بالقصور فى هذا الخصوص يكون ولا محل له .
لما كان ذلك ، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الأصل أنه ليس بلازم تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني ، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي – كما أخذت به المحكمة – غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق ، وكان الثابت من الحكم أنه عرض لدفاع الطاعن بشأن الادعاء بوجود تعارض بين الدليلين القولي والفني ورد عليه بقوله ” … بأنه لما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما حصلته من أقوال المجني عليه والتي أدلى بها بتحقيقات النيابة العامة وبجلسة المحاكمة والتي مؤداها قيام المتهم إبان مشادة بينهما بالتعدي عليه بالضرب بأداة ماسورة حديدية على رأسه.
وأحدث إصابته وهو ما يتفق وما ثبت بالتقرير الطبي الشرعي من أن إصابة المجني عليه يمكن أن تحدث من التعدي عليه بماسورة حديد وفي تاريخ يعاصر تاريخ الواقعة ومن ثم يضحى الدفع على غير سند … ” وهو رد كاف وسائغ ويستند إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق بما يضحى معه النعي على الحكم فى غير محله .
هذا إلى أنه لما كانت التهمة الموجهة إلى الطاعن هي إحداث إصابة بعينها هي التي تخلف عنها العاهة المستديمة وكان التقرير الطبي الشرعي قد أثبت وجود هذه الإصابة وتخلف العاهة عنها ، واطمأنت المحكمة إلى أن الطاعن هو محدثها ؛ فإن ما يثيره من وجود إصابة أخرى خلاف تلك التي رُفعت بشأنها الدعوى لا يكون مقبولاً .
لما كان ذلك ، وكان لا يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بما يثيره فى أسباب طعنه من أن إصابة المجني عليه قديمة ولم يحدثها ؛ فإن المحكمة غير ملزمة بالرد على دفاع لم يُطرح أمامها ولا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة ؛ لأنه يقتضي تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفتها ؛ ومن ثم يكون ما يُثار فى هذا الصدد ولا محل له .
لما كان ذلك ، وكان تعييب الطاعن للحكم بمقولة التفاته عن إقرار المجني عليه بالصلح معه ، هو نعي غير مقبول ؛ إذ أن ذلك الإقرار لا يتضمن العدول عن اتهام الطاعن بل هو أصر عليه وأكده بمحضر جلسة المحاكمة من أن الطاعن هو الذي أحدث إصابته ، هذا إلى أن المقرر أنه لا أثر للصلح على جناية العاهة التي وقعت ولا على مسئولية مرتكبها أو على الدعوى الجنائية المرفوعة بها مما يضحى معه هذا الوجه من النعي غير مؤثر .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول فى تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يثر أمام محكمة الموضوع على ما يبين من محضر جلسة المحاكمة الدفع بعدم جدية التحريات ؛ فإن نعيه على الحكم فى هذا الشأن يكون غير مقبول .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها ، وأن فى قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها ما يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفي وأنها لم تطمئن إلى صحة أقوالهم فاطرحتها ؛ ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من أنه لم يكن متواجداً على مسرح الجريمة وقت وقوعها بدلالة أقوال شهود النفي، وكذا باقي ما يثيره بأوجه الطعن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى سلطة محكمة الموضوع فى تقدير الدليل وفي وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعن لم يفصح بأسباب طعنه عن أوجه مخالفة الحكم المطعون فيه للثابت بالأوراق ؛ فإن النعي على الحكم فى هذا الشأن يكون على غير سند . لما كان ما تقدم ؛ فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
الحكم
فلهــــذه الأسبــــــــــاب
حكمت المحكمة : ــــ بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع برفضه .
أميـــــن الســـر رئيــــس الدائــــــــرة