«النقض»: الدفع بعدم سلامة القوى العقلية لأول مرة أمام محكمة النقض غير جائز
كتب: علي عبدالجواد
أكدت «محكمة النقض» في حكمها بالطعن رقم (١٠٨٩٦) لسنة ٨٨ قضائية – الدوائر الجنائية – جلسة 6 فبراير 2021، أن الدفع بعدم سلامة القوى العقلية أو التمسك بعرضه على طبيب نفسي لأول مرة أمامها غير جائز.
صدر الحكم برئاسة المستشار وجيه أديب، نائب رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين بدر خليفة، الأسمر نظير، ممدوح فزاع، وهاني صبحي نواب رئيس المحكمة، وأوضح الحكم أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل، وأنه لا عبرة بما دفع الجاني إلى فعلته أو الغرض الذي توخّاه منها.
كما أكدت المحكمة وجوب أن يكون الطعن واضحًا محددًا مبيَّنًا به ما يرمي إليه مقدمه، وأن نعي الطاعن بالخطأ في تطبيق القانون غير مقبول ما دام لم يبين ماهيتها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم ……. لسنة ۲۰۱٧ مركز الرياض ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم …… لسنة ٢٠١٧ ).
بأنه في يوم ٤ من أكتوبر سنة ۲۰۱٧ بدائرة مركز الرياض – محافظة كفر الشيخ.
١-هتك عرض المجني عليها الطفلة/……. التي لم تبلغ ثمان عشر سنة ميلادية كاملة بالقوة بأن طرحها أرضًا وحسر عنها ملابسها وتحسّس مواضع العفة لديها على النحو المبيّن بالتحقيقات.
٢-شرع في قتل المجني عليها سالفة الذكر عمداً من غير سبق الإصرار ولا ترصد بأن طوّق عنقها بأداة “حبل” فأحدث ما بها من إصاباتٍ – موصوفة بالتقريرالطبي- قاصداً إزهاق روحها، إلا أنه قد خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مقاومتها إياه ونجدتها من الأهالي على النحو المبيّن بالتحقيقات.
٣-أحرز أداة مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص”حبل ” دون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية والمستخدمة في موضوع الاتهام السابق على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالته إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة حضوريًا قضت في ٦ من فبراير سنة ٢٠١٨ عملاً بالمادتين (٢٤٢/٣-١ ، ٢٦٨/٢-١) من قانون العقوبات والمادتين (۱ / ۱ ، ٢٥) مكرراً /١ من القانون رقم (٣٩٤) لسنة ١٩٥٤ المعدل والبند رقم (٧) من الجدول رقم ١ المرفق بالقانون الأول والمواد (٢/١ ، ٩٥ ، ١١٦) مكرر/١ من القانون رقم (١٢) لسنة ١٩٩٦ المعدل ، مع إعمال المادتين (١٧ ، ٣٢/٢) من قانون العقوبات بمعاقبته بالسجن لمدة سبع سنوات، وذلك بعد أن عدلت قيد ووصف التهمة الثانية إلى أنه ضرب المجني عليها سالفة الذكر بيده واستخدم أداة “حبل ” فأحدث بها الإصابات المبيّنة بالتقرير الطبي والتي أعجزتها عن أشغالها الشخصية مدة لا تزيد على عشرين يومًا.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في ١١ من مارس سنة ٢٠١٨.
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه في ٢٠ من مارس سنة ٢٠١٨ موقعًا عليها من الأستاذ/ المحامي.
وسُمِعَت المرافعة على نحو ما هو مبيّن بمحضر الجلسة.
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانونًا،
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر قانونًا.
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم هتك عرض طفلة بالقوة والتهديد والضرب البسيط وإحراز أداة مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ مهني أو حرفي قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال ، وانطوى على إخلال بحق الدفاع، والخطأ في تطبيق القانون؛ ذلك أن أسبابه جاءت في صيغة عامة معماة لم يبين فيها وقائع الدعوى بياناً كافياً ، ولم يورد مؤدى الأدلة التي عول عليها في قضائه، ولم يستظهر الركن المعنوي للجريمة التي دانها به، والتفتت المحكمة عن طلب الدفاع بعرضه على طبيب نفسى لبيان مدى قواه العقلية وإدراكه لفعله الذى اقترفه وأقر به بتحقيقات النيابة العامة ، وأخيرًا أخطأ الحكم في تطبيق القانون ، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
من حيث إن الحكم المطعون حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بتاريخ ٤/١٠/٢٠١٧وحال مرورالمتهم ……. – راعي أغنام – بحقله أبصر المجني عليها…… والتي تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا وهى ترعى ماشيتها، حدثته نفسه وشيطانه مواقعتها مستغلًا وحدتها وحداثة عمرها فتوجه نحوها طالبًا منها بعض ثمرات فاكهة الجوافة كانت بحوزتها فأعطته إياها، فلم يجزها شكرًا، بل طوق عنقها بحبل وطرحها أرضاً وكم فاها بيده لمنع استغاثتها شارعاً في مواقعها حاسرًا عنها ملابسها، محاولًا خلع بنطالها عنها وممسكًا بمواطن عفتها بيد أنها لم تستسلم له وقاومته فاعتدى عليها ضرباً بقسوة فاستصرخت جيرانها حتى أنقذوها وتحفظوا عليه إلى أن حضرت قوات الشرطة على النحو المار بيانه، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلةً استقاها من أقوال مجرى التحريات وما قررته المجني عليها استدلالاً بتحقيقات النيابة العامة ومن اعتراف المتهم بتحقيقات النيابة العامة وما ثبت بالتقرير الطبي الموقع على المجني عليها وشهادة ميلادها، حصل الحكم مضمونها ومؤداها على نحو كاف وواف، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصًا أو نمطًا معينًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققًا لحكم القانون، ومن ثم يضحى منع الطاعن في هذا الخصوص غير سديد.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو بالغرض الذي توخّاه منها، ولا يلزم في القانون أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ولا محل له.
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الطلب الجازم هو الذي يصر مقدمه عليه حتى يقرع سمع المحكمة ولا يتنازل عنه صراحةً أو ضمنًا حتى قفل باب المرافعة، كما أنه من واجب محكمة الموضوع أن تتحرى كافة العناصر التي تقوم بها المسئولية الجنائية أو تسقط بعدم توافرها ومن حق الدفاع إذا رأى سببًا لانعدام مسئولية المتهم أن يبديه للمحكمة لتفصل فيه، ولما كان البين من محضر جلسة المحاكمة خلوه من دفع الطاعن بعدم سلامة قواه العقلية أو تمسكه بعرضه على طبيب نفسي على نحو ما ذهب إليه بأسباب طعنه، ومن ثم فلا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض؛ لكونه يحتاج إلى تحقيقٍ موضوعي تنأى عنه وظيفة محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحًا محددًا مبينًا يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي إيرادًا له ورداً عليه، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن أوجه الخطأ في تطبيق القانون، بل ساق قوله مرسلاً مجهلاً، ومن ثم يكون منعاه في هذا الوجه غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعًا.
فلهــــــــــذه الأسبـــــــاب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلًا وفي الموضوع برفضه.