«النقض»: الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 5173 لسنة 4 القضائية، أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وأن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
لما كان الحكم المطعون فيه أورد واقعة الدعوى فيما مفاده أن المجني عليها أبلغت في… أنها اكتشفت سرقة منقولات مسكنها، وإذ انتقلت الشرطة لمعاينة المسكن ثبت عدم وجود الباب الخارجي للمسكن وأبواب الغرف الداخلية، وبلاط الأرضية, وخلو المسكن من الأثاث والمنقولات، وجود أثار للعنف في محيط المسكن، وإذ دلت التحريات أن المتهم الطاعن – نجار مسلح – لعمله بغياب أصحاب المسكن قام بسرقة المسكن والمنقولات على فترات متباعدة، فانتقل ضابط صحبة المجني عليها إلى حيث مسكن المتهم الذي كان يقف أمام مسكنه، وسمح للضابط والمجني عليها بالدخول فشاهدت الأخيرة منقولاتها المبلغ بسرقتها داخل مسكن المتهم، وبمواجهته أقر بارتكاب الواقعة.
وعول الحكم في إدانته على ما قررته المجني عليها وما أبلغها به جيران المسكن، وعلى ضبط المسروقات في مسكن المتهم، الأمر المؤيد بتحريات الشرطة، ومن ثم انتهى إلى عقابه على النحو الوارد بالأوراق وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة وصحة نسبتها إلى الطاعن أدلة سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق، ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصًا أو نمطًا يصوغ فيه الحكم الواقعة المستوجبة للعقاب والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم – كحال المطعون فيه – كافيًا في تقيم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققًا لحكم القانون.
لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم إثباته أن المجني عليها قررت أن الجيران أبلغوها بارتكاب المتهم للواقعة، إذ لا تأثير لذلك – بفرض صحته – بعد ما أثبته التحريات من قيام المتهم الطاعن بارتكاب الواقعة ووجود المقولات في مسكنه، إذ لا تأثير لذلك على النتائج التي استخلصها الحكم. كما أنه لا تثريب على الحكم إذا لم يفصح عن مصدر بعض الأدلة لأن سكوته عن ذلك لا يضيع أثر الدليل مادام أصله الثابت في الأوراق. لما كان ذلك، وكان الحكم إذ أقام قضاءه على ما استخلصه من أقوال المجني عليها وإقرار الطاعن في محضر جمع الاستدلالات، وما أسفرت عنه التحريات، وما ثبت من معاينة الشرطة، وتعرف المجني عليها على المسروقات في مسكن الطاعن، فإنه لم يبن حكمه على رأي لسواه، لما كان ذلك، وكان الحكم قد بني قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت، ولم يعول على أي دليل مستمد من القبض المدعي ببطلانه ولم يثر إليه في مدوناته.
ومن ثم ينحسر عنه الالتزام بالرد على الدفع المبدي في هذا الشأن، هذا فضلاً عن أن المدافع عن الطاعن لم يبين أساس دفعه في هذا الشأن ومقصده ومرماه، بل أطلقه في عبارة مرسلة لا تحمل على الدفع الصريح الذي يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه، فلا على المحكمة أن هي التفتت عن الرد عليه.
لما كان ذلك، ولئن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه، ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته، وإذ انتهى الحكم سديدًا إلى صحة إجراءات ضابط الواقعة، فلا تثريب عليه إن هي عول في الإدانة على أقواله.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها وبقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل معين لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة.
بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحًا دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
كما أنه من المقرر أنه يكفي أن تستخلص المحكمة وقوع السرقة لكي يستفاد توافر فعل الاختلاس دون حاجة للتحدث عنه صراحة، وكان القصد الجنائي هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكاب الفعل بأنه يختلس المنقول المملوك للغير دون رضاء مالكه بنية امتلاكه، ولا يشترط تحدث الحكم استقلاًلاً عن هذا الصدد بل يكفي أن يكون مستفادًا منه، وإذ بين الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة السرقة وكان الطاعن لا يجادل في أن ما عول عليه الحكم له معينة الصحيح من الأوراق، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها، فإن ما أثاره في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
لما كان ذلك, وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي مادامت لا تثق فيما شهدوا به دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم، فقضاؤها بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد أنها لم تطمئن إلى أقوالهم فاطرحتها.
لما كان ذلك، وكان الأصل أن المشرع قد جعل من الحيازة في ذاتها سندًا لملكية المنقولات قرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما لم يقم الدليل على عكس ذلك وفقًا للفقرة الأخيرة من المادة 976 من القانون المدني، وكان الحكم قد التزم في قضائه هذه القواعد، فإنه يكون قد طبق القانون على الواقعة تطبيقًا صحيحًا، كما أنه من المقرر أنه يكفي للعقاب في السرقة أن يثبت بالحكم أن المسروق ليس مملوكًا للمتهم، ذلك أن السارق كما عرفه القانون في المادة 311 من قانون العقوبات هو كل من اختلس مالاً منقولاً مملوكًا للغير، كما لا يؤثر في قيام جريمة السرقة عدم الاهتداء إلى شخص مالك المسروقات.
لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب وهي متى أخذت بأقوال الشاهد، فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض التفاصيل لا يعيب الحكم ويقدح في سلامته مادامت المحكمة قد استخلصت الحقيقية من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه – كحال الحكم المطعون فيه.
كما أنه لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت في الأوراق.
وإذ كان الحكم قد استخلص في تدليل سائغ ومنطق مقبول مما أخذ به واطمأن إليه من أقوال المجني عليها وضابط الواقعة وإقرار الطاعن في محضر جمع الاستدلالات ثبوت الواقعة لديه على الصورة التي اعتنقها وأورد أقوال الشهود بما لا تناقض فيه، فإن ما أثاره الطاعن من منازعة في صورة الواقعة ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية، فإن ما أثاره الطاعن ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا يخرج عن رقابة محكمة النقض, ولا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديدًا لأقوال المجني عليها لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق تلك الأقوال, ولا يوجب القانون حتمًا أن يمضي رجل الضبط القضائي وقتًا طويلاً في هذه التحريات، إذ له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو يتخذه من وسائل بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم، ما دام قد اقتنع شخصيًا بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات دون تحديد فترة زمنية لإجراء التحريات، كما لا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وألا يفصح عنها رجل الضبط القضائي.
لما كان ذلك، وكان النعي بعدم إبلاغ المصادر السرية بالواقعة وقت حدوثها هو تعييب للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصلح سببًا للطعن,هذا إلى أن البين أن الطاعن لم يدفع ببطلان الاعتراف المنسوب إليه في محضر الشرطة للإكراه، ولا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
كما أنه من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، وأن سلطتها مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وأن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
لما كان ذلك، وكان الدفاع بنفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا طالما كان الرد مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم, ومن ثم يكون الطعن برمته مفصحًا عن عدم قبوله موضوعًا، وهو ما يتعين التقرير به.